أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - الملاك عازف الكمنجة















المزيد.....

الملاك عازف الكمنجة


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 6914 - 2021 / 5 / 31 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


الشخصيـــــــــــات:

المرأة: حسنة الهندام قوية الشخصية في الثلاثينات من عمرها.
الرجل: أشيب ضئيل نحيل الجسم في الخمسين من عمره.
الشاب: رياضي وسيم في العشرين من عمره يرتدي الشورت وحذاء رياضة.
الجدة: امرأة ضئيلة الجسم ذات عينين براقتين في السبعين من عمرها.
العازف: يفضل أن يكون فتى مليئا بالحيوية.

المشْــــــــــــــــــهَدُ
خشبة المسرح خالية إلا من مقعدين بسيطين موضوعين جنبا إلى جنب في مواجهة الجمهور في أقصى اليمين عند مقدمة المسرح. وفي أقصى اليسار عند مقدمة المسرح أيضا هنالك مقعد في مواجهة المقعدين السابقين يقف أمامه العازف. وإلى الخلف، عند منتصف المسرح، ثمة صندوق كبير من النوع الذي يستعمله الأطفال في تخزين الرمل واللعب به، هذا بالإضافة إلى دلو وجاروف من النوع الذي يتوفر على الشواطئ. الخلفية تمثل السماء التي تتغير باستخدام الإنارة من نهار ساطع إلى ليل دامس، وعند رفع الستارة سيكون الوقت نهارا مشمسا. يظهر الشاب بمفرده على المسرح وإلى جانب صندوق الرمل يمارس تمارين سويدية يؤديها بالحركة البطيئة. يجب أن توحي هذه التمرينات، التي يستخدم الشاب فيها ذراعيه فقط، بضربات رفيف الأجنحة، فالشاب بعد كل هذا إنما هو يمثل عزرائيل قابض الأرواح أو ملاك الموت، وعلى مخرج هذه المسرحية أن يُشدِّدَ على هذه الملاحظة الإجرائية في سيرورة العمل كما شَدَّدَ المؤلف عليها، هذا بينما سيمثل العازف ملاك الرحمة جبرائيل وموسيقاه رفيف أجنحته.


(تدخل المرأة من جهة اليسار، يتبعها الرجل)
المرأة: (وهي تشير إلى الرجل) لقد وصلنا.. وها هو الماء.. نستطيع أن نلمسه. انظر.
الرجل: (متشكيا) ياااااااااه أشعر بالبرد.
المرأة: (بضحكة قصيرة) لا تكن تافها يا عزيزي. ليس هناك برد إلى هذه الدرجة. (بعد هنيهة) هل ترى ما أراه؟ انظر. انظر إلى ذلك الشاب الجميل الذي يقف هناك. هناك. هل تراه؟ هيا انظر إليه. هو ليس مثلك. إنه لا يحس بالبرد إطلاقا. يا إلهي كم هو رائع (تلوح بيدها للشاب) هللو..
الشاب: (بابتسامة صادقة) هللو.
المرأة (تتلفت) إذا ما سارت الأمور بهذا الشكل فإننا حتما سنصل إلى نتائج مدهشة. ما رأيك؟ الرمل موجود، والماء من خلفه.. ما رأيك؟ (بعنف) قل لي ما رأيك؟
الرجل: (شاردا) آآآه نعم صحيح كما تقولين.
المرأة: (بنفس الضحكة القصيرة) طبعا كل ما أقوله هو الصحيح. إذن نحن على اتفاق ولا يوجد لديك أدنى اعتراض، أليس كذلك؟
الرجل: (يهز كتفيه) لا.. لا يوجد أي اعتراض. ثم في الأخير هي أمك أنت وليست أمي. أليس كذلك؟
المرأة: (متهكمة) أعرف أنها أمي وليست أمك ولا أحتاج إلى من يذكرني بذلك. (صمت) على أية حال دعنا نكمل ما اتفقنا عليه (تنادي لا على التعيين يمينا ويسارا) تفضل يا عزيزي تفضل. أنت يا من في الخارج تستطيع أن تدخل الآن.
(يدخل العازف ويجلس على المقعد الذي على يسار المسرح. يضع النوتة الموسيقية على الحامل المعدني ويستعد للعزف. المرأة تؤشر بيدها دلالة على الموافقة والبدء).
المرأة: عظيم، عظيم جدا (إلى الرجل) هل أنت جاهز لكي نذهب ونأتي بأمي.
الرجل: (كما لو في تمثيلية تاريخية) سمعاً وطاعةً يا مولاتي.
المرأة: (تتقدمه إلى الخارج) طبعاً لي السمع والطاعة (إلى العازف) تستطيع أن تبدأ الآن يا عزيزي.
(يبدأ العازف بالعزف. تخرج المرأة ويتبعها الرجل. على العازف أن يومئ برأسه إلى الشاب الرياضي طوال وقت العزف).
الشاب: (بنفس تلك الابتسامة الصادقة) هللو.
(فيما يستمع الجمهور الحاضر إلى عزف منفرد على آلة الكمان، تعود المرأة ومعها الرجل وهما يحملان الجدة من تحت إبطيها وهي متصلبة تماما وساقاها مضمومتان وقدماها تلامسان الأرض وعلى وجهها العتيق يرتسم تعبير ينمُّ عن الحيرة والخوف).
الرجل: وأين نضعها؟
المرأة: (بنفس تلك الضحكة القصيرة) أين ما أريد أنا طبعا، لكن دعني أفكر.. آآآ هنا.. لا هناك.. أَمْ هنا يا ترى.. لا بل هناك.. نعم هناك.. لا لا لا بل هناك لا بأس لا بأس هنا في الصندوق (صمت) في الصندوق أليس كذلك (إلى الرجل) لكن هيا ماذا تنتظر؟ في الصندوق (يحملان الجدة معا إلى صندوق الرمل).
الجدة: (وهي تعدل من وضعية جلوسها وصوتها يتراوح ما بين ضحكة طفل وبكائه) آآآآآآآ ددددددد آآآآآآآآآآآآآآآآآآ ددددددددددددددد.
الرجل: (وهو ينفض الغبار عن ثيابه) والآن، ماذا سنفعل؟
المرأة؟: (تنتبه إلى أن العازف ما زال يواصل عزفه، فتنهرهُ بشدة) كفى. وكفى يعني كفى. Enough is enough (يتوقف العازف عن عزفه ويجمد في مكانه. توجه المرأة خطابها إلى الرجل مرة أخرى) ماذا تقصد بكلامك عندما تقول "والآن ماذا سنفعل"؟ ها؟ أجبني؟ ماذا كنت تقصد؟ سوف نجلس طبعا أيها البليد. (إلى الشاب) هللو.
الشاب (بنفس الابتسامة السابقة) هللو.
(تتجه المرأة إلى المقعدين اللذين على يمين المسرح ويتبعها الرجل، ويجلسان)
(صمت)
الرجل: هل تعتقدين أنها مرتاحة بهذا الشكل؟
المرأة: (بعصبية) وما يدريني أنا؟
(صمت)
الرجل: والآن ماذا سنفعل؟
المرأة: (كأنها تتذكر ما قاله سابقا بنفس الكلمات) ماذا سنفعل ماذا سنفعل؟ أليس لديك غير هذا لتقوله؟ اسمع. أنا سأقول لك ماذا سنفعل. نحن س ن ن ت ظ ر. نـجـلـس هـنا و ن ن ت ظ ر. هذا ما سنفعله. مفهوم؟
الرجل: (بعد صمت) ونتكلم مع بعضنا البعض. صحيح؟
المرأة: (بنفس الضحكة القصيرة إياها وهي تنفض شيئا ما عن ثوبـها) برافو يا شاطر.. أنت شطورة وتستطيع الكلام إذا أحببت إذا استطعت إذا استطعت أصلا أن تفكر في الذي سيقال أن تتكلم إذا فكرت بأي شيء إذا استطعت أن تفكر بأي شيء جديد على الإطلاق إذا كنت تريد أن إذا كنت لا...
الرجل: هل حقاً سأستطيع؟
المرأة: ربما تستطيع وربما لا. من يدري. كل شيء جائز هذه الأيام.
الرجل: (يفكر) لا. أنا أعتقد إن الموضوع هو بالعكس.
المرأة: (تضحك بانتصار) طبعا بالعكس. وبالعكس تماماً.
الجدة: (وهي تضرب الجاروف بالدلو) هاااااااااااااااااااا...
المرأة: (تلتفت إليها) قليلا من الهدوء.. الهدوء ليس أكثر.. اهدئي وانتظري.
الجدة: (تملأ الجاروف رملا وتقذف به المرأة) هه.. هه.
المرأة: إنها ترميني بالرمل! (إلى الجدة) توقفي عن ذلك.. لا ترميني بالرمل أبدا. هل سمعت؟ (إلى الرجل) إنها ترميني بالرمل.. أرأيت؟
(ينظر الرجل إلى الجدة لكنها سرعان ما تصرخ في وجهه)
الجدة: بيبي بي بي بي بي بي بيـ بيـ ي
المرأة: (إلى الرجل) لا تنظر إليها. لا تنظر. اجلس هنا ولا تتحرك أبداً. اجلس وانتظر. انتظر لا أكثر ولا أقل. (إلى العازف) وأنت.. آآ.. نعم أنت.. أنت ستستمر بعمل ما كنت تعمله من قبل بأية طريقة كانت. مفهوم؟
(العازف يعزف الموسيقى. تتجمد المرأة وكذلك الرجل ويحملقان إلى البعيد ما وراء الجمهور. الجدة تنظر إليهما وتنظر إلى العازف ثم إلى صندوق الرمل وترمي بالجاروف إلى الأرض)
الجدة: آه هاهاهاهاهاها بي بيبي بيبي بيبي (تبحث عن ردة فعل فلا تجد من يسمع فتخاطب الجمهور الحاضر في المسرح مباشرة) صدقوني أريدكم أن تصدقوني. أرأيتم الطريقة التي يعاملون بها امرأة عجوزاً؟ يجرجرونها من بيتها ويركبونها سيارة ويأتون بها إلى هنا.. من هنااااااااااااك إلى هنا.. يدفنونها في الرمل ويتركونها حتى تتعفن. لماذا؟ ها؟ لماذا؟ عمري اثنتان وسبعون سنة. تزوجت في السادسة عشرة شخصا مُعدَماً مفلساً مات وهو لم يكمل الثلاثين (إلى العازف) هلا توقفت يا هذا! توقف قليلا بالله عليك يا بُنيّ (يتوقف العازف عن العزف) أنا امرأة عجوز لا حول لي ولا قوة ولكن يا ربي ما العمل؟ ما الذي كان يمكن أن أرتجيه من شخص مثل هذا يا إلهي كل يوم أطفال أطفال أطفال (إلى نفسها) لا يوجد احترام في هذا المكان (إلى الشاب) لا يوجد احترام في هذا المكان.
الشاب: (بنفس الابتسامة) أهلا وسهلا ومرحباً.
الجدة: (بعد صمت ومذهولة بعض الشيء تواصل حديثها إلى الجمهور) مات زوجي وأنا صغيرة وكان على أن أربي هذه البقرة لوحدي (تشير إلى المرأة) كل شيء كان عليَّ أن أعمله لوحدي. لماذا؟ لكي تأكل جيدا وتتغذى هذه العاهرة. لا أحد يستطيع أن يتصور كيف كان حالي. آه يا إلهي (تنظر إلى الشاب) وأنت يا هذا من أين أتوا بك؟
الشاب: من؟ أنا؟ في الحقيقة أنا كنت أتمشى قليلا ثم...
الجدة: طبعا كنت تتمشى قليلا بالتأكيد أنت لا تكذب (تصرخ كالأطفال) هيه هيه انظر انظر إلى نفسك انظر. هيه..
الشاب: (وهو يستعرض عضلاته) هل ترين عضلاتي؟ بالله عليك لو نظرت. هلا نظرت! (يواصل الاستعراض).
الجدة: ممتاز. رائع. عال جدا. شيء ممتاز حقا. أحسنت. أحسنت.
الشاب: (بكل رقة) لكن لا بأس أشكرك على أية حال.
الجدة: إنما استحلفك بشرفك، قل لي من أين جاؤوا بك؟ ها؟ قل لي أرجوك من أين أتوا بك؟
الشاب: مَنْ؟
الجدة: ماذا؟
الشاب: مَنْ همْ مَنْ؟
الجدة: هُمْ هُمْ!
الشاب: هُمْ؟ مَنْ هُمْ؟
الجدة: (وقد نفد صبرها) أوووووه لا تبدأ معي يا هذا.. لا تزعجني.. قل لي الآن وفوراً من أين أتيت؟
الشاب: من جُزر القُمُر.
الجدة: (وهي تومئ برأسها) واضح واضح. مفهوم. ما اسمك يا بُنيّ؟
الشاب: لا تقولي يا بُنيّ.
الجدة: حسنا. ما اسمك يا ولدي؟
الشاب: لا تقولي يا ولدي وإلا انزعجت.
الجدة: ماذا أقول إذن؟
الشاب: قولي يا عزيزي.
الجدة: حسنا. والآن ما اسمك يا عزيزي؟
الشاب: في الحقيقة لست أدري. لا اسم لي وأحمل كل الأسماء.
الجدة: (إلى الجمهور) شاب جميل ومفتول العضلات، ولكن ذكي أيضا.
الشاب: أقصد يعني أنهم لم يعطوني أي اسم لحد الآن ولا أدري لماذا في الحقيقة.
الجدة: (تجاريه وتترفق به) لا بأس لا بأس لا تزعج نفسك لدي الكثير مما سأقوله لك لكن لا تذهب.
الشاب: لا لا لا لا لن أذهب.
الجدة: (وهي تحول انتباهها ثانية إلى الجمهور) عظيم جدا (تعود مرة أخرى وبشكل مفاجئ إلى الشاب) أنت ممثل؟ ها؟ ألست ممثلا؟
الشاب: نعم أنا ممثل.
الجدة: هل أنت ممثل حقيقي أم...؟
الشاب: أنا ممثل حقيقي.
الجدة: حقا؟
الشاب: حقا وصدقا. أنا ممثل وأعمل مع فلان الفلاني (يذكر اسم المخرج الذي يتولى إخراج المسرحية).
الجدة: (إلى الجمهور ثانية وهي تهز كتفيها) أرأيتم كم أنا ذكية؟ هل لمستم ذكائي؟ ولكن ماذا أقول؟ على أية حال، دعونا ننسى الموضوع. كان عليَّ أن أربي وأسـمِّن هذه الـعاهرة.. أستغفر الله سامحني يا ربي المغفرة.. تلك التي تجلس هناك وكأنها بقرة.. أربيها لوحدي وأنا لا أملك أي شيء. طيب كيف أربيها؟ ها؟ قولوا لي هيا قولوا كيف أربيها؟ واحد منكم يقول لي كيف. أنتَ مثلا. أو أنتَ أو أنتِ. (تلعب مع الجمهور وتحاول إشراكهم في المشهد) وذلك الذي يجلس إلى جانبها هل ترونه؟ ذلك هو زوجها. إنه ثري. نعم. والأموال عنده لا تُعَدُّ ولا تُحصى. لقد أخذوني من الطين والشوك وجاؤوا بي إلى المدينة وأسكنوني معهم في نفس المنزل.. نظافة وطرافة وأناقة ولكن بدون عمل فقط آكل وأشرب وأشاهد التلفزيون، فلماذا أشتكي إذن؟ ومن أي شيء أشتكي بعد؟ طبعا لا يوجد شيء أشتكي منه، ولماذا أشتكي أصلا؟ طبعا لا يوجد ما أشتكي منه. الحمد لله. على الإنسان أن يشكر ربه دائماً. أليس كذلك؟ (تتطلع إلى السماء وتنادي على أحدهم خارج المسرح وليكن مهندس الإضاءة مثلا) ماذا؟ ألن يأتي الليل يا عزيزي.
(تخفت الإضاءة ويحل الليل يبدأ العازف بالعزف يزداد الظلام ويتم تسليط حزمة ضوء على كل شخصية على المسرح بمن فيهم الشاب الذي يواصل تمارينه الرياضية غير عابئ بالآخرين)
الرجل: (وهو يتحرك) لقد جاء الليل.
المرأة: إششششششششـ لا تتحرك. انتظر. ألا تعرف معنى الانتظار؟
الرجل: (يتضجر من حرارة الجو) الجو حار.. أوووف.
المرأة: إشششششششـ اصبر قليلا ماذا دهاك.
الجدة: لقد جاء الليل. هذا شيء جيد (إلى العازف) وأنت.. هيه.. أنت.. أتظل تعيد وتصقل نفس هذه النغمة. لقد مللنا ذلك. أَلَمْ يصلك الملل أنت أيضاً.
العازف: (يومئ برأسه بعلامتين هما نعم ولا)
الجدة: حسنا إذن. لا بأس.
(تحدث جلبة وضجة خارج المسرح، وتتناهى أصوات الفوضى إلى الداخل)
الرجل: (يتحرك) ماذا هناك؟
المرأة: (تبكي) لا شيء. لا شيء. اجلس.
الرجل: كيف تقولين لا شيء ألا تسمعين شيئا يشبه صوت الرعد أو شيئا يشبه شيئا يتكسر؟
المرأة: (وهي تهمس مغالبة دموعها) لا شيء لا شيء إنها ضجة خارج المسرح وأنت تدري: ماذا تعني ضجة خارج المسرح.
الرجل: في الحقيقة لا.. لقد نسيت.
المرأة: (تكاد تعجز عن الكلام) هذه المسكينة يبدو أنها قد شارفت على النهاية. لا أستطيع أن أتحمل الموقف.
الرجل: (خالي الذهن تماما) أعتقد أنه من الضروري أن نتماسك قليلا. ألا ترين هذا ضرورياً؟
الجدة: (ساخرة) هذا صحيح جدا صحيح يجب أن تكوني شجاعة يا ابنتي يجب أن تتحملي حتى النهاية وبكل شجاعة وبعد ذلك، أَعِدُكِ، كل شيء سيصبح أحسن مما كان.
(ضجة أخرى خارج المسرح. وهذه المرة تكون الجَلَبَةُ أقوى).
المرأة: (تبكي) أمي أمي يا أمي..
الجدة: (للمرأة) أنا بخير يا ابنتي لا تقلقي لم يأت الأوان بعد.
(ضجة عنيفة خارج المسرح تنطفئ الأضواء ما عدا الحزمة المركزة على الشاب. هنا يتوقف العازف عن عزفه)
المرأة: (بتفجع) أماه أماه.
(صمت)
الجدة: (يمكن أن تخاطب مهندس الإضاءة في المسرحية) أرجوك، أنا الآن غير مستعدة، أنا لـم أنته بعد. انتظر قليلا يا عزيزي، لا تشعل الأضواء. دعني أهيئ نفسي أرجوك.
(تضاء الأنوار ثانية فيتحول الليل إلى نهار ساطع. يبدأ العازف بالعزف. تظهر الجدة كما هي في الصندوق راقدة على جنبها متكئة على مرفقها مشغولة بجمع الرمال على جسدها)
الجدة: (تبتسم) لا أدري كيف قبلت على نفسي أن أعمل بهذا الجاروف الذي لا ينفع إلا الأطفال. اللعنة.
الرجل: (إلى المرأة) حبيبتي قومي انهضي لقد طلع النهار.
المرأة: (تتذاكى) صحيح طلع النهار. طيب. لِيَكُنْ. وَلِمَ لا.
(صمت)
المرأة: ما أطول الليل. ليلة طويلة مضت وطلع النهار. لنترك الدموع ولنمسح أحزاننا ولنواجه المستقبل. نعم. هذا ما يجب أن يحصل.
الجدة: (وهي لا تزال تهيل الرمال على جسدها، تقلدها بسخرية) نمسح أحزاننا ونواجه المستقبل. ههههه
الشاب: (بنفس الابتسامة) هللو.
(تمثل الجدة دور من يتصنع الموت. المرأة والرجل يذهبان إليها ليلقيا نظرة عليها وهي نصف مدفونة في الرمل وتمسك بالجاروف بكلتا يديها)
المرأة: (أمام صندوق الرمل وهي تهز رأس الجدة) كم أنت جميلة ولشدة جمالك فإننا لن نستطيع أن نبكي عليك. كم تبدو السعادة واضحة على وجهك (بزهو وإيمان) التصرف السليم يأتي بنتائج جيدة (إلى العازف) حسنا بإمكانك التوقف الآن تستطيع أن تجلس معنا أو أن تنزل إلى البحر أو أن تفعل أي شيء تريد. في الحقيقة أنت حرٌّ تماماً في أن تفعل ما تشاء وقتما تشاء. هل هذا واضح؟ (إلى الرجل بحزمٍ) هيا بنا نذهب.
الرجل: لطالـما كنت معجبا بشجاعتك يا حبيبتي.
(يخرجان من يسار المسرح)
الجدة: (وهي ساكنة تماما) التصرف السليم يأتي بنتائج جيدة. ما من شيء إلا وله ثمن. لا يوجد شيء على الإطلاق في هذا العالم ليس له ثمن (تحاول النهوض لكنها تجد نفسها عاجزة) حسنا سترون ماذا سأفعل. ولكن ما هذا؟ أنا لا أستطيع الحركة.. لا أستطيع النهوض؟ يا إلهي.
(يتوقف الشاب عن أداء التمارين الرياضية. يؤشر للعازف ويتجه إلى الجدة يركع على قدميه عند صندوق الرمل)
الجدة: لا أستطيع أن أتحرك.
الشاب: اسكتي.
الجدة: أريد أن أقدم المساعدة.
الشاب: عندي من الوقت ما يكفي لأفعل.
الجدة: خذ الوقت الكافي إذن. لكن ترفَّـق قليلا.
الشاب: أنا في الحقيقة..
الجدة: على مهلك. خذ وقتك.
الشاب: (تتغير الإضاءة) ها أنا ذا قادم لأجلك أنتِ. أنا هو الموت صديق البشر.
الجدة: ماذا؟ الموت؟ أهااا.. الآن فهمت كل شيء.
(ينحني الشاب على الجدة ويقبلها من جبينها ويغلق عينيها ويعقد يديها على صدرها ثم يأخذ الجاروف منها)
الشاب: نامي يا عزيزتي.. نامي.
الجدة: هذا لطف منك يا عزيزي ليحفظك الرب.
الشاب: إشششششش لا تتحركي.
الجدة: حاضر.
الشاب: بهدوء بهدوء بهدوء.
الجدة: (بصوت يخفت تدريجيا) أنت رقيق جدا يا فتى. أرجوك دع العازف ذاك يعزف لي موسيقى النجاة.
الشاب: أهلا وسهلا ومرحبا بك أخيرا بيننا.
(العازف يواصل عزفه بينما تنزل ستارة النهاية ببطء).


إظلام تام


تم إعداد هذه المسرحية ذات الفصل الواحد عن عملين لــــ إدوارد ألبي
هما "قصة حديقة الحيوان" و "صندوق الرمل"

صدرت هذه المسرحية ضمن كتاب بعنوان "جِنْ أو الموعد القاتل" عن منشورات مومنت/ لندن 2014

صدرت هذه المسرحية أيضا ضمن كتاب بعنوان "تلث مسرحيات من أدب اللامعقول" مترجمة إلى اللغة التونسية (المحكية) بإمضاء د. زينب بن ضياف، عن منشورات مومنت/ لندن 2019



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مفهوم -وجهة النظر- في الرواية المعاصرة..
- الرواية الدينية والبديل الشعري عند وليم غولدينغ
- حوار مع الفنانة التشكيلية التونسية عائدة عمار: أفكار لوحاتي ...
- المسرح الآن، أكثر من أي وقت مضى.. بمناسبة يوم المسرح العالمي
- سنتان وثمانية أشهر وثمانية وعشرون ليلة: ألف ليلة وليلة كما ي ...
- سلمان رشدي متحدثا عن الشعر والقصة القصيرة والخيال..
- الثدي المقطوع: فارس اللامعقول يترجل..
- نجيب عياد: نحو هوية عربية للسينما..
- رواية ما بعد الحداثة وتكنيك المرايا المتقابلة: -المرآة والقط ...
- في بنية التفهم الأدبي: الأدب والقراءة والتأويل..
- الغموض بوصفه ظاهرة شعرية
- الخيال والعالم: تداخل النص والمعنى في شعر والاس ستيفنز
- الشاعر وتراثه
- سوق الشيوخ
- بنية اللغة الشعرية: سبع ملاحظات على أطروحة جان كوهين..
- كيف نظر فْريدْ هَاليدايْ للعربِ والمسلمين
- طريق داخل حسن
- لا تكنْ متفاخراً يا موتُ-قصيدة جون دون- ترجمة حكمت الحاج
- الشّعرُ عِلْمَاً..
- الشاعر وقناع الأناقة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - الملاك عازف الكمنجة