أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر مصلح - قراءة تشكيلية في نص حواس أخرى للشاعرة أمل الحداد















المزيد.....

قراءة تشكيلية في نص حواس أخرى للشاعرة أمل الحداد


عمر مصلح

الحوار المتمدن-العدد: 6930 - 2021 / 6 / 16 - 19:31
المحور: الادب والفن
    


قراءة تشكيلية في نص حواس أخرى


كعادتي..
حين تداهمني الهموم, أتسلل متوارياً عني, وأتسكع بين دكاكين الأدب, ومقاهي الفنون.. لاقتناص نصٍ أو لطخة لون أزين بها أمسيتي الموغلة بالحلكة، والمفعمة بالدخان.. لأطرد النعاس الذي يغتال الجمال.
تلصصت على نتاجات بالغة الألق، فاصطدت نصاً صنعته ابنة الحداد بمهارة من يجيد استعمال مطرقة الكلمات وسندان المخيال.

فأجلسته قبالتي طيلة ليلة كانونية طويلة، محاولاً مسامرته.. وإذا به ترتيل، من تراتيل العشق.
نص يشي بوعي، يفرض المباشرة حيناً، ويتخندق خلف مخيال خصب يختزل الزمكانية حيناً آخر.

لتتداعى الكلمات بتلقائية طفل بريء، وقوة رجل احترف الشدائد، وشفافية أنثى تعي ما تمتلك من ثراء عاطفي باذخ.

حينها قررت التلويح للشاعرة بالتحية..
لكني تراجعت فوراً بعد أن اكتظت البلابل واليمامات على شبابيك النص..
فانبرى ( عبدالكريم سمعون ) وأحال الأمر إلى قضية تبحث عن حلول، وتفننت ( أفنان ) بصياغة إنموذجاً للمعنى المروِّع للإنهيار، وعتقت ( ديزرية سمعان ) خمره حين دافت الفوضوية بالهذيان.

لذا قررت أن أغرد خارج هذا السرب الأنيق، وأطلق صفيراً خاصاً، قد لايكون برتبة شدو من سبقني.
لإيماني بأن الفنان البارع هو من لا ينضوي تحت قوانين الإنضباط، كونه منفلت أصلاً بأفكاره واستعاراته..
فوجدتني متماه مع هذا النص حد الانصهار..
وطاب لي أن أسميه ( نصاً تشكيلياً ).. كونه مرسوم بحسرة فنان، ومكتوب بأنين شاعر.
فانثال الحلم متنازلاً عن ورقة التوت

(يربكني هبوبك)

( يحيل بعضي إلى منديل يمسح رضاب شفتيك )

( ويترك بعضي نوراً يترنح على كتفيك )

( في الحافة الأخرى من ذاكرة الجوع )
هذا الإنثيال المستوفي لشروط الصورة والتكثيف، المشفوع بالعقدة والصراع.. تهادى متجملاً بتعمية الزمان والمكان.
فابتدأ بثيمة الحيرة والإرتباك.. مرتدياً لبوس الوضوح والمباشرة لإعطاء فرصة للتعرف على حجم ونوع وعمق علاقة الشاعرة بالمقصود.
وهذا تأسيس للوحة بألوانٍ ترابية تعرب عن إحباط ترعرع في كنف فشل عاطفي، ميؤوس إصلاحه.. أي إنه إقرار حظي وخطي بالبدء بالعقدة.. وإصدار الحكم بالضياع مع إيقاف التنفيذ إلى أجل مسمى.. فآل إلى صراعات داخلية ليخلق قلقاً هيمن على بنية النص.. مما ولَّد شعوراً بالوحدة المضنية، وبالفقدانات في ليالٍ عجاف، ضغطت على الرغبة المكبوتة بعد يأس من ترميم العلاقة مع الغائب ( القريب / البعيد )، والإعلان عن ما خبأتْ :
( خبأت شيئاً من مقدسات الكاهن )

( وسنبلة ).
ألشعور بالإغتراب، والوحدة.. قادا النص إلى مد خطوط التلاشي، بغية رسم منظور مطبوع في المخيلة.. فانفلتت المسافات، واندلق الشكل مسطحاً بكتلة لونية غامقة لتضيع الخطوط، وتهرب خارج الأفق..
فسارعت الأنثى / الشاعرة إلى إسقاط لون أصفر في رحم الكتلة كمحاولة لفتح نافذة على العقل الواعي لإجبارها قسراً على الإعتراف بما خبأت من مقدسات الكاهن.. والتلويح بعشبة ( كلكامش ) السنبلة.
معززة ذلك ما ألحقته ( الشاعرة ) بالذهول من استقراء الأسطورة.
( تقرؤني الأسطورة )
( شغب سمكة خرافية )

( يحلو لها الهرب عكس التيار )
ذهول شبيه بالإنكار الذي يصيب المفجوعة بمن لن يعود.. أو شبيه بعانس سئمت الإنتظار لكنها أدمنته.. أو هو انتظار المخلِّص لمن عجز عن تفسير معميات الكون، وتكالبت عليه الأسئلة..
وهو بالنتيجة صراع، وشعور بالقلق.. فينهض الـ ( أنا ) ليلقي بتبعات الأزمة عليه.
( وفي عينك طفولة )

( ترمش لي بهدبها ).
وهذا تأكيد على سيادته..
لكن الشاعرة تعود فجأة إلى مكانه الماكث في الحدقات، وهو احتيال من احتيالات الـ ( أنا الأعلى ) فتهمس :
( وإذ بي أنثى )

( ينساب ماء أنوثتها )
( بين اصابع النهر )

( فيتبختر كلي على ضفاف الصحو )
هنا تتسرب روائح ماء الذهب، وتترنح الكلمات، لتتوضح اللوحة أكثر.. وتغادر طور التأسيس، ومد الخطوط الرئيسية.
وبارتعاش ناتج عن غضب مشحون بالأنوثة تمتد خطوات ثقال، لترسم خطوطاً متقطعة تتلاشى في قلب اللوحة :
( حورية .. لا تسع جنتها إلاك )
وبذلك تكون قد أضافت لوناً زهرياً، كمعادل لوني..
لكن التشظيات تبقى سيدة المشهد كمحاولة إدخال الروح إلى الجسد.. أي صيرته هلامياً وغير محدد الملامح.
فأعلنت غياب إرثها الأرستقرطي تأكيداً على حجم الصراع لتعلن انهيارها المغلف بالكبرياء.
( يتدلى سر الوقت )

( من أغصان شجيرة )

( تكاد تورق ألف حلم )

( تزهر ألف نماء )

( وشهقات ناطحة الخد )

( أمعن حولك .. هذا الهواء )

( مررته في صدر أناتي )

( ومددت له الطريق صوب رئتيك )

( أنظر .. ما أشهاك تحت افياء لن تشيخ )
تحصنت خلف أبواب أنوثتها المغلقة لتبرر طهر مشاعرها.. واثقة من أنها ستزهر ألف نماء.. وما هذا إلا نكوص إلى بداية النص.
وكان التمني صريحاً وغير منقب بـ ( لو ) أو ( ليت )، كي لا تزخرف لوحتها بالحروفيات.
وحين وضعت لمسة الإعتراف، وهي بكامل قواها العقلية، وبدون الرجوع لمشاورة المشاعر :
( موجة موقوتة تتكئ ملح الجنون )

( وخطو عطرك يضمخ جوف البحر )

( ستنتشي الفضاءات )
وهذا ضوء يبرر الظل القابع في شرق الروح، ضوء يتلألأ بفعل زيت معتق منذ قرون
وتصرخ، رغم النعاس الذي أثقل الجفون.
( عليك ان ترتدي هزيمتي )

( كيلا أختنق )
فانداحت حصون غيابه, بانفلات خيول الرغبة، من معاقل بريق العيون.. لتهتف بصوت رخيم :
( ينتعش صوت أنوثتي )

( يرتعد صدى ديمومتي )

( مدهشة انامل السماء )

( حين ترسم خصب مواسمي .. بين خطوط راحتيك )

( ويعوي الذئب القابع في أقصى المخدع )

( ما أحوجني إلى مليون خطيئة )

( فتهدل حمامة الحنان )

( تتمرغ في تراب غفرانك )

( تستجدي شفاعة وجدانك )
فترتسم صورة ( الوطن / المكان ) في المخيال، وتنثر فتات زيت قرمزي
:
( رمم يا وطني حضاراتي )
وهذا أجمل تذييل للـ ( النص / اللوحة ).. ليتلوه إمضاء بالغ الأناقة :
( ألآن كلانا من فصيلة الجمر )

( كلانا من سلالة الزمهرير )
ليختلط اللون الساخن باللون البارد في أسفل اللوحة, فيسيل لون رمادي
:
( كلانا يحبو إلى الإنسلاخ وميراث المجد )

( وأنا اخذتك شهيقاً , وطرحت الكون زفيرا )

( لتتمرغ بين الهواجس والرغبات )

( ستطفئ قلب عشتار وتنحر نهد الزهرة )

( إن بحثت عن مخرج من دمي )

( لا تسلب البشرية متعة البكاء ).
وهذا آخر ما خطته فرشاة أمل الحداد في هذه اللوحة.. وهذا أيضاً آخر مفتاح ألقه في حضنها بعد ان حاولت فتح ما تيسر لي من خزائنها.



#عمر_مصلح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفاء
- عواطف عبداللطيف.. بين الشعر والقصة القصيرة جداً
- إضاءات على مفهوم الإلتزام
- القصة القصيرة جداً.. بدايات وأسس
- جولة في مشغل نياز المشني
- نص و رأي و حوار في (إعتراف في محراب المنى)
- أنين منية الحسين
- كرميئيل
- دردشة على هامش الوقت مع الفنانة التشكيلية منى مرعي
- بوليفونية التفكير.. منى مرعي إنموذجاً
- مخالفة مرورية في موكب سلام محمود
- نصوص الزعيم اللونية.. موسيقا صامتة
- عادل قاسم.. سيمفونية قلق
- ديستوبيا.. من وجهة نظر حسين بريسم
- حين تُدون الحياة تشكيلياً.. نصوص منى مرعي اللونية.. إنموذجاً
- منتظر ستار.. طاقة تقنية واعدة
- دموع.. في عيون وطن
- وقفة عند مسرحية ذهان
- قراءة في قصيدة -سيادة النهد- للشاعر فائز الحداد
- إنطباع عن مسرحية حراس المزرعة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر مصلح - قراءة تشكيلية في نص حواس أخرى للشاعرة أمل الحداد