أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر مصلح - أنين منية الحسين















المزيد.....

أنين منية الحسين


عمر مصلح

الحوار المتمدن-العدد: 6922 - 2021 / 6 / 8 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


أيها المنفيّ في أقصى يساري
فيكَ قلبي قد أطال الإنتظار
فيكَ فاض النهرُ شِعرا يرتوي ماءَ الخيال ِ
واستحالَ الصمت شهباً في سجيّات الظلالِ
ياانتصاري .. ياانكساري ..
يارنين الخفق في جنحِ السّكاتِ
بتّ أرْنو وجهكَ الوضّاء يدْنو منْ سمائي
قد ْيَمسّ الهُدبَ صيبٌ من بريقِ الأرجوانِ
أو يُصَبُّ الضوءُ شوقاً في خفيّات العيونِ
ينزع الأشواكَ من مجرى الجفون ِ
يغمر القلبَ المعنّى بالبهاءِ
باشتهاءِ
عسجدٌ يفري شحوبي في خريفِ الزاهراتِ
قد يُسيل اللونَ صُبحاً في عتيم الذكرياتِ
أو يداوي نسغ عُمري من شتات
من ممات ..
هل تلمني
لو نفقتُ العمرَ في وهمٍ جميلِ
لو زرعتُ اليأسَ شمساً في الأصيل
أو تَسامى بي شعاعٌ يَعْرج الرّمش الظّليل
لو رجوتكْ في صلاتي ..في ابتهالي ..
في سهادي ..
لو وشمتكْ فوق كفّي بسمةً أو دمعةً حرّى تغنّي
أو خميلاً ملء زهرِ الأقحوانِ
واعتصرتُ العطر موجاً
سلسبيلا ًمن سماواتِ الجِنانِ ؟
في الشّذا ثلجٌ لصدري .. فيه بعضٌ مِن أماني
هل تلمني
إن رقصتُ الحزن سعداً واحترفتُ النار بُرءاًً
في وميضٍ من دُخانِ
واخترعتُ العمرَ كوخاً فوق شطّ من حنانِ
هاجعاً في العمقِ منّي .. سابحاً خلف الزمانِ
واستقيتُ الغيمَ خمراً في كؤوسٍ من فضيضٍ كالجمانِ
وارتوينا من حليبٍ كالزّلالِ ؟
يانديمَ الروحِ
قد أغمضتُ عيني
هل تراني في رحيلِ البيْنِ عنّي
في هزيعٍ هام ليلي
هل سمعتَ اللحنَ يشدو دِفق وجدي
أم تلاشى عزفُ نبضي في أنينِ الخيزرانِ ؟



ماقبل العَتَبة

رسمتْ الكاتبة حالة تمردٍ على المألوف بنص مقنَّن لغوياً وفائض معنوياً، بإشارات حلمية، حيث استخدمت اللغة الرمزية مهمازاً للوصل.. بتماس واضح من الهَمز الشيطاني كتعبير عن حالة جنون.
نعم هو الجنون بعينه، كون الجنون هو (أعلى مراتب العقل)، وإحدى دلالاتي ماورد في هذا النص، الذي هو برتبة قلادة من أغلى أنواع الجمل الفريدة، خصوصاً في النص الشعري الحديث. إذ لست بصدد نص وحسب، بل بصدد رحلة وجدانية تتوغل في الذات، تتمرد على الطغيان الشكلي للمفردة او الجملة.

ولكل مقطع هامش تصوري، لا يعيه إلا ناقد مبصر أو أديب أريب او متلق لبيب 
يدري ماوراء المعنى البائن والمتفق عليه.
وهنا نجد مشتركات لتمفصلات المدرك الحسي بالشعوري، وهذه المشتركات تماهت بحيث صار من العسير علينا إيجاد السدى من اللُحمة، فالنسيج ناعم ومتعدد الخامات (الصوتية والصورية واللغوية والاستعارية والتشبيهية) وهذا من الصعوبة بمكان وضعه في خانة التأويل، إلا بعد جهد لا يُحسد الناقد عليه.. إذ هناك صراع بيني بين المعنى الظاهر والمعنى الجفري الذي لاتحده شفرة ولا يفقهه إلا من لبس الخرقة، وتاه في زهد المعنى الظاهر ليدخل في معترك الباطن، وهنا أقصد المعنى المراد من خلال صورة مشتبكة حد انصهار الالوان بالمغزى التعبيري، رغم واقعية الإستعارة، حتى صار نصاً سريالياً بلبوس طبيعي..
أية مزاوجة هذه، وأي خيال خصب هذا الذي جمع أكثر من مدرسة في درس واحد!.
لذا ابتعدت عن الفراهيدي، وتفعيلاته وانواع البيت وتقطيعه وما الى ذلك.. فأنا بصدد صورة اقل ما يمكنني تسميتها مصطلح سلمان داود محمد (شعرنة الأذى أو الإجهاز على آثامزم الواقعة بالكلمات) حيث أن الشاعرة استخدمت لغة انفعالية، تشي بالمعني، والمعنى المجاور، وخلقت حثاً توصيلياً لمعان متجاوزة، 
وجعلت من الحالة الإنسانية مهمازاً للوصول إلى غاية جمالية مبهرة، وحراك فكري مستفز.

ثريا ما بعد العتبة

المنادى في البيت، اسمٌ محلّى بـ ألـ هو (المنفي)، والمحلّى بـ (ألـ) - كما هو معلوم - لا ينادى إلاّ إذا أُتي قبله أيّها للمذكر وأيتها للمؤنث
(ألمنفي في أقصى يساري)
لم تستخدم الشاعرة ماهو متعارف عليه كأيها الساكن قلبي مثلاً، قصدت المنفي، والمنفي تعني فيما تعني المطرود، فمن هو الذي طرده، ولماذا طُرِد؟.
إذاً هناك قصدية واضحة من هذا الإستخدام.
(فيك قلبي قد أطال الإنتظار)
اي ان القلب طال انتظاره لهذا المنفي، ولم تقل لك، وهنا نقطة نظام.. فالفرق كبير، فحين نقول بارك الله لك تختلف عن بارك الله فيك، وهذا يتوقف على القصدية فإن كنت تقصد الدعاء له بالبركة فيما حصل عليه حديثا أما إن كنت كان القصد أن يبارك الله في الشخص بمعنى أنه فاضل أو على خلق أو مد لك يد العون أو غير ذلك فتقول: بارك فيك.
فلنتأمل أداة نداء لمنفي محلى بـ (أل) و (فيك) حملت ما يطول شرحه، فإذا كان الإستهلال بهذا العمق فعلينا التمنطق بعدة أنطقة كي ندخل حقل الألغام هذا.
(فيك فاض النهر شعراً يرتوي ماء الخيال)
هنا تشبيه يسمى لغوياً بالبعيد الغريب: هو التشبيه الذي يحتاح ذهن السامع فيه إلى التأمل والتفكير للانتقال من المشبّه إلى المشبّه به؛ نظراً لخفاء وجه الشبه منذ البداية وعدم وضوحه، ومثال على ذلك قول الله تعالى: (إِنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنزَلناهُ مِنَ السَّماءِ)
اي لم يكن التشبيه تشبيه تمثيل او غير تمثيل او مفصل او قريب مبتذل.
وعاودت الكرة مرتين.
(واستحال الصمت شهباً في سجيات الظلال)
إستحال الصمت ماذا؟.
لا أدري كيف أمسكت هذه الصورة، وهي في خضم هذه المعمعة المقيدة بقانون وبوصف حالة وتصوير بمشابهة غريبة، وعصية على الكثير.
تغير وجه الصمت في طبيعة وخُلُق الظلال، ولاندري أين ستقودنا ابنة الحسين هذه، للحر أو البرد أو مخالطة السواد بالبياض.
مازلنا نلاطف الإستهلال تواً وقد فجرت لغمين.

خاصرة الوجع

يا انتصاري… يا انكساري
وكأني اسمع الحمداني حين قال
(يا أعدل الناس إلا في معاملتي … فيك الخصام وانت الخصم والحكم)
فلنتأمل هذا الصاروخ الشعري :
(يارنين الخفق في جنح السكات)
وهنا تلاعب بالمعنى الصريح، واتخذت استعارة مصدر رفع صوت بالبكاء المضطرب في عز السكون.
تشبيه المنفي الذي لم نعرف بعد لِمَ ومن أين ولماذا نفي، شبهته بصرخة بكاء مضطرب في هدأة ليل.
أنا أعتبر هذا ضرب من الخيال إن تنازلت عن قناعة كونه وحي شيطاني.
(قد يمس الهدب صيب من بريق الأرجوان)
(أو يصب الضوء شوقاً في خفيات العيون)
(ينزع الأشواك من مجرى الجفون)
هذا اللعب بين بين صيب ويصب التي استحضرتها بكل بسالة، وبلا تكلّف، ووضعتها في عين قلادتها، وبأي معنى قاموسي يشاء المتلقي اختياره، سيجد أن المعنى قائم ولاغبار عليه.
(يغمر القلب المعنى بالبهاء)
(باشتهاء)
(عسجد يفري شحوبي في خريف الزاهرات)
ماهذا الجمال وماهذه الصورة التي تجعل الدر والياقوت يقطعان شحوبها، ومتى؟.
في خريف الجمال.
هل تلمني؟.
تسأل وبكل عفوية، وكأنها لم تبطش بنا.
هل تلمني..
نعم ألومك جداً إذ أن من يمتلك هذا التماهي الثوري، لايمكن إلا أن يكون في الثريا، والكل تطالعه بحسرة واشتهاء ودعوات تجبر السماوات الملبدة بالهموم على فتح كل المغاليق وإعطائها مفاتيح جنة لتختار أي رضوان يعي معنى العشق كما تشاء.

بؤرة العدسة العمياء

ثم تعلن المستحيلات على مرأى ومسمع أمةَ لا إله إلا الله
لو، لو، لو، لو، لو
وهنا كذلك كانت مجرمة بحق الراكضين وراء هذا الماراثون الجمالي المضني، وتتلاعب بأناقة المعنى، إذ تارة تجعله مضارعاً، وأخرى ماضياً، ولا تأمر أو حتى تلتمس، بل اختارت من كل صنوف الأمر الترجي.
ماهذا بحق شفاعة محمد؟.
لو نفقتُ العمرَ في وهمٍ جميلِ
لو زرعتُ اليأسَ شمساً في الأصيل
أو تَسامى بي شعاعٌ يَعْرج الرّمش الظّليل
لو رجوتكْ في صلاتي ..في ابتهالي ..
في سهادي ..
لو وشمتكْ فوق كفّي بسمةً أو دمعةً حرّى تغنّي
ثم تعود للسؤال، هل تلمني؟.
سبق وأن قلت لك أيتها الجميلة
لست أدري.. كل ما أدريه أني لست أدري.

أنين خاص..

كدخان أنتجته نار أُوقِدَت من جمر الغضا، تسرَّب نزولاً نحو قمة رأسي.. تَسرَّب زرافات ووحداناً حتى صار فيلقاً.
ذلك الذي أسمته شاعرتنا أنين الخيزران، زوراً وبهتاناً.
إذ هو أنين ناعور حَزَّت حلقته رقبة عابَره، فأنتج صوتاً بلالياً حزينا، حتى استعار صدى ماقاله نبيه (رب إني مغلوب فانتصر).
آقول نزولاً نحو قمة رأسي، كونه قَدَرٌ حُطَّ من علو شاهق..
ذلك العلو اسمه (هو)..
هذا الـ هو أَجهضَ ممكناتي، ببوحه الدخاني هذا، فكيف بمن وقع عليه القول، فحق عليه القول؟.
ولماذا وعيد العذاب؟.
لا أدري.
اوليست هي من وشمته بسمة على ثغرها الباكي رياءً؟.
أوليست هي من رجتك في ابتهالاتها، ذات سِنَة؟.
أوليست هي من استبدلت دقات قلبها بـ أنت أنت؟.
فَلِمَ تستبدل العمر بوهم مازالت تسميه جميلاً!.
لا أدري.
فإن كنت لاتدري أيضاً، فاستمع، وكن نبيلاً..
فيكَ فاض النهرُ شِعرا يرتوي ماءَ الخيال ِ
واستحالَ الصمت شهباً في سجيّات الظلالِ
ياانتصاري .. ياانكساري ..
لذا.. أرجوك أن تدري.

هل سمعتَ اللحنَ يشدو دِفق وجدي
أم تلاشى عزفُ نبضي في أنينِ الخيزرانِ ؟
لا تسألني بعد هذا..
فلست أدري، كل ما أدريه أني لست أدري.

تحية لك أيتها الشاعرة الشاعرة، ولمن تسبب بهذا الإلهام.

تنويه : ألمقصود بالـ (هو) ألإنسان المنفي الذي اشتغل عليه النص



#عمر_مصلح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كرميئيل
- دردشة على هامش الوقت مع الفنانة التشكيلية منى مرعي
- بوليفونية التفكير.. منى مرعي إنموذجاً
- مخالفة مرورية في موكب سلام محمود
- نصوص الزعيم اللونية.. موسيقا صامتة
- عادل قاسم.. سيمفونية قلق
- ديستوبيا.. من وجهة نظر حسين بريسم
- حين تُدون الحياة تشكيلياً.. نصوص منى مرعي اللونية.. إنموذجاً
- منتظر ستار.. طاقة تقنية واعدة
- دموع.. في عيون وطن
- وقفة عند مسرحية ذهان
- قراءة في قصيدة -سيادة النهد- للشاعر فائز الحداد
- إنطباع عن مسرحية حراس المزرعة
- تركتكات.. العلامة الفارقة للجمال
- فلاح بهادر وكريم عبدالله في الميزان النقدي
- نجوم من الفن التشكيلي المعاصر
- وفاء دلا.. بين الأسطورة والواقع
- قراءة في مقاتل السياب
- ألنقد والناقد
- رأي وانطباع


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر مصلح - أنين منية الحسين