أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عبدالله مهتدي - الحرية اولا














المزيد.....

الحرية اولا


عبدالله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 6910 - 2021 / 5 / 27 - 09:45
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


هناك حكاية ألمانية قديمة تقول أن طفلا بروسيا تلقى من والده هدية في عيد ميلاده ، طائرا مغردا بريش باذخ الالوان في قفص مصنوع من خشب شجر تم جلبه من بلاد نائية خصيصا لهذه الغاية ، أن لا يحس الطائر أبدا بأنه في قفص ، فرح الطفل كثيرا بهدية والده الثمينة ، وصار يقضي جل وقته في الاستمتاع برؤية الطائر بجناحيه المزركشين ، مشنفا سمعه بشذو يحلق في أرجاء حديقة البيت مثل النسيم ، مرت شهور على هذه الجال ، إلى أن صار الطائر يمتنع عن أكل الحب وشرب الماء ، لكنه لم يكف عن التغريد الجميل ناشرا البهجة والحبور بين أفراد العائلة والجيران ، تتالت الأيام والطائر على تلك الحال، لاحظ الوالد حالة الطائر المضرب عن الطعام ، مما اضطره لتغيير القفص لمرات ثلاث، في كل مرة كان يجلب من بلاد بعيدة قفصا أغلى وأجمل ، وفي صباح باكر بينما الطفل على سريره ينتظر كالعادة سماع غناء طائره، محدقا في سقف الغرفة ، ليقوم ويبادله تحية الصباح ، إذ قفز من مكانه مسرعا وهو يتدارك أن ما كان ينتظر سماعه قد تأخر عن موعده ، وقف أمام القفص مذهولا مما تراه عيناه ، ظل نظره شاخصا وعيناه تدمعان ، نفق الطائر في صمت ، ربما اختار آخر الليل لينسحب من الحياة تاركا كل شيء ، كان مرميا على أرض القفص ، وعيناه الصغيرتان مفتوحتان باتجاه السماء ، الافق الرحب ، بدون حراك....
ليس هناك من مبرر أخلاقي أو تربوي أو جمالي أو إنساني لحبس الطيور في أقفاص،سوى الرغبة في ممارسة القتل البطيء ، فالحرية ليس لها ثمن ، وبالحب والماء لاتحيى الطيور ، مثلما الإنسان ليس بالخبز يحيا ، هل يمارس الإنسان سادية ما اتجاه كائن أليف ، حساس ، رقيق ، شاعري ، حين يقوم بحبسه في قفص؟...أم يمارس نوعا من التفريغ عن حقد دفين ؟ إنه لشيء مخجل أن تقف أمام طائر مسجون في قفص ، تتأمل جماله وخفته ، وتستمتع بتغريده دون تأنيب ضمير ، هذا الكائن الخفيف لم تنبت له أجنحة هكذا صدفة ، اعتباطا ، بل ليستطيع بها التحليق والطيران ، ما يخجل أكثر ويدفع إلى التقزز والغتيان ، هو حين يقول لك شخص أنه "يربي" طائرا في قفص، فعلى ماذا يربيه ياترى ؟ لقد طور الإنسان ساديته إلى درجة أنه خلق جمعيات ومسابقات حول الطيور المغردة ، تفنن في عقد الاجتماعات حولها ، وفي خلق كل الظروف لإنجاحها وتقديم الجوائز للفائزين ، إنها وحشية تفوق الوصف والتخيل ، أي متعة يمكن أن نحسها أمام طائر محبوس في قفص ، رهين هذه الرحمة القاسية التي يجود بها الإنسان الوحش اتجاهه؟ يقدم له الحب والماء ، صباح مساء ، ويحجب عنه السماء ، إذ لا شيء يمكن أن يعوض الطائر عن خفقة جناحيه في الافق الرحب، هكذا يتحول الإنسان إلى جلاد ، والطائر إلى سجين ، ضحية حب التملك والاستحواذ ....
اليوم ، ونحن نتذكر حكاية الطائر مع الطفل البروسي ونشاهد آلاف الأقفاص هنا وهناك ، ىلاف السجون المتنقلة التي عبرها تفوح رائحة القتل البطيء الذي تمارسه السادية على كائن ملائكي ، فيتحول الإنسان العابر للطبقات والفئات الإجتماعية إلى قاتل مفتون ومتلذذ بضحيته ، يجب أن نتذكر في الآن نفسه درس الحرية العظيم ، ونحن نرى عمر الراضي ورفقاءه يصارعون في صمت بطش الآلة السادية لبشر من نوع آخر ، لا ندري ما الأرحام التي ولدتهم دون رحمة ، ونحن نشاهد خيانة المثقفين وصمت السياسيين ، وصمت الجبناء ، والكثير من الخدلان، نتذكر قافلة المضربين عن الطعام الذين سقطوا من أجل الحرية عبر تاريخ طويل من الصمود في وجه القهر والبطش والتغول ، ولا نملك أن نقول إلا أن للحرية ثمن باهض



#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهنة القتل
- مزرعة الحيوان
- قصة قصيرة بعنوان روزا
- قصائد مكممة بنبيذ معقم (2)
- قصائد مكممة بنبيذ معقم
- درب غلف
- قراءة في -سيرة المهجرين بين الأسماء- ل -عبدالرحيم ناصيف ومصط ...
- -غنو-
- موريزكو
- ابنتي تعاني بسبب الحجاب
- استغلال -المقدس- لإرتكاب -المدنس-
- ستصير مفخخا كالألغاز
- الحانة
- عبلة
- لترقد بسلام وسكينة
- الذين رأوا كثيرا فصاروا عميان
- مثل شيء يشبه الغرق
- أنا لا أكتب لأحد
- التي كتبت رسائلها بنول الغياب
- حين تعمى المشاعر وينهض الوحش القابع في الاعماق قراءة في رواي ...


المزيد.....




- مصر.. السيسي وما فعله يشعل تفاعلا واستذكارا لصورة حُفرت بأذه ...
- -ماذا سيقول الإنسان عندما يقف أمام الله؟-.. البابا تواضروس ا ...
- كارثة بحرية جديدة في إندونيسيا: قتلى وعشرات المفقودين في غرق ...
- طبيبات أجنبيات يصفن الأوضاع في مستشفيات غزة
- مع نهاية -لعبة الحبار-، الكوريون الجنوبيون يعودون إلى الواقع ...
- هل صاروخ الحوثيين -فرط صوتي-؟ | إيقاف شاب -خجول- يخطط لطعن ن ...
- إيطاليا ستصدر ما يقرب من 500 ألف تأشيرة عمل جديدة لغير الأور ...
- بريطانيا: شرطة مكافحة الإرهاب توجه اتهامات لأربعة ناشطين داع ...
- ماذا يعني أن تعلق واشنطن إرسال شحنات أسلحة لأوكرانيا؟
- اتهام 4 نشطاء داعمين لفلسطين في اقتحام قاعدة بريطانية


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عبدالله مهتدي - الحرية اولا