أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - -غنو-














المزيد.....

-غنو-


عبدالله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 6718 - 2020 / 10 / 29 - 17:09
المحور: الادب والفن
    


1-
كانت مارية مسجاة في زاوية الغرفة ، ملفوفة في إزار أبيض ، وأنا جاثم أعد أنفاسها الاخيرة وأبكي..أبكي بدموع خرساء ..هكذا صرت أتخيلني كلما تذكرتها ، حتى وأنا في العيادة ، أنتظر دوري ، انتبهت إلى الطبيب يقول لي:
-أستاذ خالد..عليك أن تكف عن معاقرة النبيذ..
كان يعني الخمرة ، الجعة ،أو ربما "بولبادر" ..تجشأ مثل ثور بري ،ملأ كأسا ثم عبها بتثاقل بليد ، فكرت حينها في إطلاق صرخة تغرق العالم ، نفحته نقودا وانصرفت أزحف بجسدي نحو الخمارة ، أنوي الثأر من كل شيء .
2-
الليلة سأرقص حتى الصباح ، أنا الكائن الأكثر إدمانا للقلق في هذا الكون ، فالرقص عزائي الوحيد ، سأنزف حتى النخاع ، وأنا أتذكر مارية ، سأسيل مثلما تسيل الذكريات من جسد تعفن فيه الجرح ، وسأتبخر في الهواء مثل دخان سيجارة بين شفتي بحارة كهل ، سأرقص مع "غنو" كي أملأ هذا الوقت الفائر ، "غنو" هي الدمية التي اشتريتها من "درب غلف" بثمن بخس ، انتقيتها من بين دمى كثيرة لسبب وحيد ، هو أنها تشبه مارية ،أصابع يديها البيضاوين مثل أصابعها ، شعرها الفاحم كشعرها ، كان يكفيها فقط ضحكتها القرمزية كي تكون هي بلحمها ودمها ، سأرقص الليلة مع "غنو " حتى آخر الليل، سأضمها بكلتا يدي ، سأخاصرها ..وسأهمس في أذنها بأني أحبها دون أن تسمعنا الجدران ، وسأنتظر تلك الضحكة التي لن تأتي..ضحكة مارية لازالت تدق في أحشائي مثل جرس معبد في جبل ، الصداع الكثيف يضرب في الرأس ، قلبي يخفق ككلب سباق يعدو ،ألج غرفتي كي أكمل النزيف..
3-
أتحدث مع "غنو" فتظل تحملق في بعينين فارغتين ،شعرها المسدول على كتفين نحيفين يشبه شعر مارية، أتخيلها تتلوى مثل أفعى على إيقاع موسيقى الجاز..
"غنو" أجمل اسم في العالم ؟-
اسمعوا جيدا "غنو"..يا لروعة هذا الإسم؟؟؟ ، حين تدور الكأس في الرأس ،تصبح "غنو" عزائي الخاص أمام قبح العالم ..كان على حميد أن يتزوجها بدلا من قيطونة ، كومة اللحم البلهاء..
- حميد طلع ولد دين الكلب ، أعطته "غنو" جسدها كي يدخنه بالتقسيط، وذهب ليتزوج قيطونة، كان مثل الذي اطلق عليها رصاصة الرحمة، لم تصرخ "غنو" لأنها كانت تحبه ، كتمت دموعها عنه ، كانت دموع عاشقة تسيل منها رائحة الحزن ..
سميت دميتي "غنو" نكاية في حميد وقيطونة ، وفي زفزاف الكاتب الذي لم يرأ ف بقلب امرأة تحب ..تعرفت على "غنو" في متجر لبيع المتلاشيات ب"درب غلف" ، كانت مهشمة اليدين ،وبرجل عرجاء ، لكني أحببتها من أول نظرة ، اشتريتها بثمن بخس ، ثم عالجتها بما أملك من خيال ، كنت أوقفها أمامي وأنهمك في ضحك هستيري ، وكنت أقول دائما
- "غنو" دمية ليست كالدمى ،
ربما لذلك كل الدمى التي اشتريتها سابقا وضعتها في صندوق وأحكمت إغلاقه ، كنت أحاول أن أنسى ، فيرونيكا ، ماغدالينا ، زوليخا..حتى كوادالوبي التي كانت مفضلة لدي ، أهديتها لإبنة جارتي العمياء ، كانت تتلمسها بفضول خارق وتضحك..
4-
لا تقلقي يا مارية ،"غنو" مجرد دمية ، أليس الإنسان نفسه دمية تتقاذفها أرجل الحمقى ، كانت مارية تسمع باندهاش شديد ، وقد بدا لي أنهااندمجت في لعبة المخيلة ...صرت أسمع همسا ثم جلبة ، هل كنت أحلم ؟ بدأت أبكي وأنا أحملق في يداي اللتين تخنقان عنق دمية شقراء ، مارية بوزرتها البيضاء كانت تتأملني بحذر ، مسحت دموعي بأصابع مرتعشة وأنا أرمي بالدمية باتجاه الحائط ..
سألتني مارية يوما عندما رأت أوراقا بيضاء على الطاولة
- لما لا تكتب يا خالد ؟
- أحس برغبة جامحة في الصراخ
- و لما الصراخ..؟
- أسمع أصواتا تتلاطم في داخلي مثل أمواج بحر هائج ، وأريد الكثير من النبيذ ، الكثير الذي يكفي لأغرق غابة من الغيظ
5-
ليس لي موهبة شاعر ، الشعراء يتبعهم ....التاريخ جلده أملس ، وهوآخرما أفكر فيه ،القصة ..ربما أكتب قصة تنسيني الضغائن والأحقاد..ألم يقل بورخيص أن ما ندعوه إبداعا هو مزيج من نسيان ما قرأناه وما نتذكره
- طز ..ألا يمكن أن تكون الكتابة ترياق النسيان ،فأنا أريد أن أنسى
فكرت في أن الرقص مع الدمى هو أيضا كتابة ..وها أنذا أمام البياض
- أصعب شيء في الكتابة ليس هو البداية إنما الكتابة نفسها
شربت كثيرا حتى صار رأسي أثقل من صخرة عملاقة ،مشيت قليلا وسط الغرفة ، لا زلت أحتفظ بتوازني لما تبقى من الليل ..صرخت..
- أريد أن أموت...
تذكرت صديقي القديم بوكوفسكي حين سألوه يوما عن ما الذي أبقاه حيا ، أجاب بسلاطة لسانه اللاذع بأنها الكتابة ..أحسستني أنزف على الورقة مثلما ينزف جرح غائر ، كانت "غنو" ترقص فوق البياض بكل بهائها الشفاف..



#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موريزكو
- ابنتي تعاني بسبب الحجاب
- استغلال -المقدس- لإرتكاب -المدنس-
- ستصير مفخخا كالألغاز
- الحانة
- عبلة
- لترقد بسلام وسكينة
- الذين رأوا كثيرا فصاروا عميان
- مثل شيء يشبه الغرق
- أنا لا أكتب لأحد
- التي كتبت رسائلها بنول الغياب
- حين تعمى المشاعر وينهض الوحش القابع في الاعماق قراءة في رواي ...
- كخيط الريح
- خارج السياق
- الظل
- سقوط
- هدنة ما
- مجرد أسئلة حول حملة المقاطعة
- دلالات الأسود في أعمال فاطمة إسبر الفنية
- لا أحد


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - -غنو-