أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - الحانة














المزيد.....

الحانة


عبدالله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 6678 - 2020 / 9 / 16 - 02:39
المحور: الادب والفن
    


كل أطفال الحي كانوا ينصرفون بعد حصص الحفظ والإستظهار، أنا.. كان السليماني يبقيني في الكتاب لترتيب أشياء الغرفة ومسح الألواح،كان يبدو واجما لا يعرف ما يريد،يقطع المكان ذهابا وجيئة،ثم يجلس القرفصاء بعد أن يرفع جلبابه إلى الركبتين،ينظر إلي من حين لآخر وهو يطفئ سيجارة ويشعل أخرى،و يسهو بعيدا.
بقي ذلك اليوم محفورا في ذاكرتي إلى الآن،كان المساء ملبدا بغيوم داكنة،والسماء قد أمطرت كثيرا، أقفل السليماني الكتاب ،بعد أن انصرف كل الأطفال إلى حال سبيلهم،انهمكت كالعادة في مسح الألواح ،وضع جلبابه جانبا ،هيأ شايا وقدم لي كأسا وعلبة حلوى،كان ودودا إلى الحد الذي بدأت أشك في أن هذا الشخص الذي أمامي ليس السليماني صاحب كتاب الحي ،أوقفني أمامه يتحسس جسدي،بعد أن مسد لحيته بيديه ومسح على شفتيه ،و حين أنزل تباني،نزلت معه دموعي باردة،مرتعشة،خائفة،تمنعت قليلا محاولا الفكاك منه بلا فائدة ،حملني بكفيه العريضتين ثم وضعني على ركبتيه ،حين تبت كفه على فمي ،أحسست شيئا ضخما يوخزني من الخلف .. يخترقني وأنا أنتفض مثل فريسة عالقة بين فكي وحش ..بعدها أصبح السليماني يفعل بي ذلك الشيء مرارا وهو يشتري صمتي ببعض أكياس الحلوى ،ويغدق علي أمام أبي أصنافا من المدح والإطراء..
حين انتبهت أمي أني أصبحت أعرج في مشيتي،صارحتها بكل شيء ،فبكت..ثم لاذت إلى صمت كصمت المقابر، بعد أن أقنعت أبي ببيع المنزل وترك الحي..
في حانة "باولا"،أرقص كي أنسى،كي أستعيد جسدي المسروق،كي أهرب من كفي السليماني وشيئه الذي يطاردني أينما وليت،في حانة "باولا" صرت أستطيع أن أحرر الذاكرة من الذاكرة،أتنفس من جديد،وأنا أرقص،لا اريد لجسدي أن يبقى علبة سوداء ،تختزن الألم.حين أرقص أترك لجسدي المساحة الكافية للبوح ،أتعرى كي أبرأ،في حانة "باولا" أرقص كي أعيد علاقتي بالأشياء ،بالحياة..وبالناس..
اسمي "محسن"،لا أعرف من أسماني كذلك،في الليل،أتحول إلى "محاسن" الراقصة، ولا تهمني لعبة الأسماء.
أنا نديم كل معطوبي الحياة،من قادتهم أقدارهم الخائبة إلى حانة "باولا ".
لا أحمل أوزارا كثيرة على كاهلي، عدا محاولة فاشلة في الإنتحار،لا لشيء إلا لأني كرهت جسدي ،صرت أشم في كل جزء منه رائحة السليماني ،ربما عيبي الوحيد كان أن صرت أرتاب كثيرا من أشباه ذاك الوحش،أما الآن.. فهاأنذا أعاشر أصنافا خاصة من الرجال،بحارة قدامى،أموت في عبق البحرالقابع تحت جلدهم ، بناءون.. روائح الإسمنت الصاعدة من أنفاسهم ،مخلوطة بتبغ سجائر التقسيط والعرق الحافي تنعشني كثيرا ، السكارى والحشاشون والمقامرون عاشقوا الخسارات..
شبت عن الطوق وأنا في علاقة مختلة بجسدي، ..صرت أتقن القفز من جسد لآخر مثل بهلوان في سرك
أنا" محسن" ..كلما غابت "باولا"لأمور طارئة، أقوم بكل شيئ في الحانة، وأنا "محاسن" الراقصة ،حين أرقص أستعيد شيئا اختطفه مني الزمن..جسدي..
عندما يأتي المساء،وتوقد الأضواء في الحانة، أخلع جسدا وأرتدي آخر،بين "محسن" و "محاسن" تصبح المسافة أرق من خيط الريح.تتلاشى الحدود،أصير أنا هي ،وهي أنا،أخرج مني وادخل فيها،نتداخل في بعضنا البعض،أعرف أن زبائني ينتظرون ،فهم لا تستهويهم فقط خمرة الحانة،ولا سمعتها التي حافظت عليها "باولا "بعد أن مات "شمعون" ،بل أنا ..الكائن الليلي الوحيد الذي يعرف كيف يخرجهم عن طورهم،صارت لنا أسرار خاصة،أنا وهم ،دون أن يتجرأ الواحد منهم على أن يركب حماسه، على الاندفاع إلى ما لا تحمد عقباه،فللحانة أيضا أخلاقها.



#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبلة
- لترقد بسلام وسكينة
- الذين رأوا كثيرا فصاروا عميان
- مثل شيء يشبه الغرق
- أنا لا أكتب لأحد
- التي كتبت رسائلها بنول الغياب
- حين تعمى المشاعر وينهض الوحش القابع في الاعماق قراءة في رواي ...
- كخيط الريح
- خارج السياق
- الظل
- سقوط
- هدنة ما
- مجرد أسئلة حول حملة المقاطعة
- دلالات الأسود في أعمال فاطمة إسبر الفنية
- لا أحد
- رسالة قصيرة إلى عهد التميمي
- الأطرش
- على حين غرة
- شذرات-(أسرار خبيئة)
- كلما حبل المكان بي ،أنجبتني الهوامش


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - الحانة