أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - رصاصة ناجي العلي في رأسي















المزيد.....

رصاصة ناجي العلي في رأسي


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 479 - 2003 / 5 / 6 - 05:03
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



 

 وأنا أجهز نفسي للعودة إلى الوطن، وجدت أن هذه الرحلة تشبه رحلاتي القديمة للحرب، وإلى الخطوط الأمامية، حيث الحقيبة امتلأت بمستحضرات طبية للكسور الطارئة، وعضات البعوض، وقطن خاص للنزف، وعلبة مطهر، وأشياء أخرى مثل ضماد صحي، وبلاستر جروح ..الخ.

ولولا الخوف من المطارات ومتاعبها لوضعت بندقية قنص، ورمانة يدوية، وحزام رصاص على صدري، ودرعا ضد الرصاص، وضد النشل، وضد رائحة الموتى، والمخنوقين، والمرشحين لمنصب الحكومة، أو أي منصب آخر.

 وكلما دخلت الرحلة حيز التنفيذ وقررت الاتصال بمكتب السفر للحجز على أول طائرة للشرق الأوسط( الاسم المحبب لشمعون بيريز للعالم العربي) تحركت زوجتي سرا ووضعت أرنبا في الطريق، لتضع على الشاشة فيلما مسجلا عن رسام الكاركتير المرحوم ناجي العلي، من الولادة حتى الرصاصة الغادرة في لندن.

عبثا حاولت تبرير حالتي بكوني أنتمي إلى عشيرة بلغ عدد أفرادها أكثر من قوات الاحتلال وحلف الناتو وحلف وارشو سابقا ولو اجتمعوا، وأن هذه العشيرة استولت على مخازن سلاح الجيش في الفرات الأوسط، وأنهم الآن يطلقون النار على الغيوم لغرض التدريب أو حتى على البعوض لإثبات الوجود، وربما على كوابيسهم الليلية، وهم يعتبرون من يقرأ ويكتب وقلمه يذبح الطير في مستوى الملك، فكيف وأنا وضعت أربع روايات تتحدث في بعض فصولها عن جنونهم وغرامهم بالحياة والعمل والأرض والمتعة والسهر والعشب والشرف والكرم.

قد أتحول إلى شيخ عشيرة وأنزع هذا البنطال اللعين الذي تحول إلى قماط، حتى لم أعد أميز بين صورتي وبين أي صرصور على حائط.

ربما اصل إلى الوزارة ممثلا عن قبيلتي.
ربما أصبح عضوا في البرلمان القادم.
ربما وزيرا بلا  وزارة.
ربما مسؤول بلدية في الجفل أو المشرح أو الشامية.
اقل منصب هو مستشار ثقافي عند جنرال أمريكي قبل أن يصل غيري .

لم لا؟
أعرف نشالا هرب بالخزنة وعاد إلى العراق ورشح نفسه اليوم لمنصب كبير بتزكية وطلب من زعيم حزب (ديمقراطي) كي يعزز موقفه في فيدرالية قادمة.

وأعرف رئيس تحرير لا يعرف طوال حياته كيف يمشي دون أن يتعكز إلا على سلطة ما، لأن قوة شخصيته لا تنبع من داخله بل من قوة خارجية غاشمة، سواء كانت هذه سلطة دولة مسعورة وصل فيها إلى مستوى وزير الأعلام السري، ومسؤول الاعلام في دائرة المخابرات، ووضع كتابا (على شكل رواية) لمدير المخابرات عن ( محاولات اغتيال الرئيس)، مع أن مدير المخابرات المقبوض عليه اليوم لا يفرق بين العنزة والبعير، ثم طرد وتعكز في الخارج على (شيخ) مخلوع وصار السيد رئيس التحرير، واليوم عاد بصفة عضو اللجنة التحضيرية، وهو يتعكز كذلك على قوة زعيم نفس الحزب الديمقراطي الذي يدعم أمثال هؤلاء كي يحكم العراق من خلالهم عبر ستار، وكي تتحول الحكومة القادمة ـ المنتخبة من قبل الشعب! ـ إلى مجموعة من القردة تتحدث عن جماليات الانفصال الجغرافي كخطوة هادئة ماكرة على طريق التمزيق الذي بدأ.

 

مع ذلك لم تنفع هذه الحجة، لأن هناك مشكلة الاغتيال الفردي، وأن جون كنيدي لم تفده وكالة المخابرات الأمريكية وجندل في حضن السيدة جاكلين وهو يضع رأسه في حضنها كرأس أوزة ذبحت فجأة.

قلت أن هذا حادث مختلف.

هذا رئيس دولة كبرى وأنا شخص قد لا يراني حرس المطار حتى بعدسات النجوم البعيدة المنطفئة، أو حتى مجاهر الثقوب السوداء، والشيء الوحيد الذي يراه مني هو لمعان الحزام أو صرير النقود المعدنية أو بطاقة السفر أو حقيبتي أو جوازي الذي يحمل اسما هنديا أو فارسيا أو برازيليا بعد أن تحول اسم الجد والأب في المقدمة  وانتقل اسمي إلى الخلف.     

ومرة أخرى لم تنفع الحجة لأن المهدي بن بركة ـ كابوسها الدائم كمغربية ـ سافر إلى باريس بجواز واسم مستعار ومع ذلك وضع في حقيبة السيارة الخلفية مثل كيس بصل وذاب في الأسيد على يد زوار الفجر.

قلت أن المرحوم بن بركة كان مناضلا وزعيم حركة وشخصية دولية معروفة في المحافل السياسية وأنا رجل بسيط لا يمكن لأحد أن يفكر بخطفي لأنه سيخسر في الأقل أجرة سيارة الخطف التي يحتاجها لشراء علبة سكائر أو علبة بنزين أو علبة حبوب صداع.

ومع ذلك كان الجواب هو عرض شريط الفيلم الذي تحول إلى كابوس حتى رحت أدقق في تفاصيل القضية، قضية موت ناجي العلي.

قلت أن المرحوم كسب أعداءً بسبب مواقفه الرافضة والمتمردة وعصيانه الفني الجميل على رفاق السلاح في اليمين واليسار والوسط، وحتى في صفوف كتاب وفنانين ورسامين وحكام عرب كان يرسمهم في المؤتمرات بوجوه ممسوحة والمتكلم الوحيد فيهم هو صاحب قبعة أمريكية أو بايب  إنكليزي أو طاقية إسرائيلية.

وكالعادة كان الرد، أنت أيضا لك عداوات وخصومات لا يمكن التقليل من خطورتها خاصة وأن السلاح مشاع والقانون غائب وأخشى أن أجد نفسي معك نسبح بالدم في مجرى للصرف الصحي في بغداد.

قلت هذا محال.

قالوا لي عبر الخلوي: تعال وكلنا في انتظارك( مع نفسي تذكرت الحسين بن علي، وعبد الكريم قاسم، وحتى الطاغية!).


 كل شيء في العراق هذه الأيام يتشكل عبر الخلوي، الحكومات، والحرس الجمهوري عقد صفقة عبر الخلوي، والاتصالات تجري كل لحظة عبر الخلوي، حتى أن السيد الجلبي ليس عنده الوقت الكافي ليبول إلا عبر الخلوي، لأنه مشغول بوثائق الأسرة المالكة في الأردن، لتصفية حساب قديم، ونسى أن العراق صار مغارة وحوش.

وجاء الرد سريعا: إن الحسين بن علي تلقى آلاف الرسائل تبايعه وحين وصل لم يجد أحدا. هل نسيت؟

 وكانت هذه أقوى الحجج وأكثرها نفاذا في الوعي الشقي لأنها تحمل متراكم هذه الفاجعة التي كنا رضعناها مع الحليب وأرجوحة الأمهات  ورايات  الحداد وطقوس الحزن الجنوبي.

 ومع ذلك قلت أن الحسين بن علي عليه السلام كان يقود ثورة ويقود حركة تغيير وأراد أن تعود السلطة إلى شرعية الشورى، وأنا رجل فقير إذا أردت أن أقود ثورة للتغيير لن أجد زنبورا  أو فاختة أو جربوعا يعمل  معي خاصة وأن الناس  تبحث اليوم عن الخبز لا عن المبادئ، وعن الأمان لا عن الفلسفة، وعن الراتب الشهري لا عن التاريخ، وعن قنينة غاز لا عن فكر.

والحسين وجد طاغية  ليثور عليه، وأنا أمامي طابور طويل من الطغاة منهم من يحتمي خلف دبابة، ومنهم من يحتمي خلف عقيدة، ومنهم من يحتمي خلف فتوى، ومنهم من يحتمي خلف حلم أو ضريح، ومنهم من يحتمي خلف خزنة سطا عليها، ومنهم من يحتمي خلف مخابرات دولية.

بل منهم من يحتمي خلف بيوت للدعارة ستشكل قوة سياسية خطرة في مرحلة النهب والسرقة والانفتاح والعولمة.

ومنهم من يحتمي خلف لصوص كانوا شحاذين بالأمس القريب، وهؤلاء هم رجال أعمال المستقبل، وأشرس القوى الاقتصادية في وطن تم تحويله بوعي البعض وجهل الآخر إلى زريبة عفنة.

وهذه القوى الطفيلية الناشئة لن يستطيع أحد القضاء عليها أو حتى التفكير بمواجهتها لسنوات طويلة قادمة، خاصة وأنها تملك السلاح والمال والشراسة، والخطر الأكبر أنها ستدخل عالم السياسة وحجتها  نماذج مشابهة لها في السلوك والتاريخ تشارك اليوم وغدا في صنع القرار، في حين لا يستطيع المثقف أو المفكر الوطني أو السياسي النجيب أن يشارك في صنع قرار لكنس شارع.

وكانت الحجة هذه المرة هي أن الذين أطلقوا الرصاص على ناجي العلي هم أصدقاء ورفاق. أم أنك نسيت؟. 

أصدقاء أم أعداء.
لا فرق عندي.
دخل ناجي التاريخ ودخلوا هم المزبلة.
أما أنا فسأخرج  ،بالاغتيال، من المزبلة إلى التاريخ.

هل يزعجك هذا يابنت الحرام؟!




#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حماقة التاريخ الكبرى
- دكتاتور نجوم الظهيرة
- أشباح الماضي
- حفلة التيس
- إبراهيم أحمد وعيون الضبع
- غارنر والختان
- رسالة مفتوحة إلى الدكتاتور لمناسبة عيد ميلاده
- كل شيء تحطم إلا اللغة
- سنواصل المنفى ونحرض الشجر
- سقوط الرهانات الكبرى
- الوجه الآخر للدكتاتور
- أبناء منتصف الليل
- سرقوا الوطن، سرقوا المنفى
- لا تزعجوا هذا الجندي النائم
- خاتمة محنة البطريق/ رسالة منتصف الليل
- وداعا أيتها البصرة الرهينة 21
- الأخطاء القاتلة 20
- الروائي المصري رؤوف مسعد/ السيرة الذاتية كفضيحة
- الشاعر الأسباني لوركا / نائم والعشب ينبت بين أصابعه
- نهاية التاريخ والقرد الأخير 19


المزيد.....




- وزير الخارجية المصري يدعو إسرائيل وحماس إلى قبول -الاقتراح ا ...
- -حزب الله- استهدفنا مبان يتموضع بها ‏جنود الجيش الإسرائيلي ف ...
- تحليل: -جيل محروم- .. الشباب العربي بعيون باحثين ألمان
- -حزب الله- يشن -هجوما ناريا مركزا- ‏على قاعدة إسرائيلية ومرا ...
- أمير الكويت يزور مصر لأول مرة بعد توليه مقاليد السلطة
- أنقرة تدعم الهولندي مارك روته ليصبح الأمين العام المقبل للنا ...
- -بيلد-: الصعوبات البيروقراطية تحول دون تحديث ترسانة الجيش ال ...
- حكومة غزة: قنابل وقذائف ألقتها إسرائيل على القطاع تقدر بأكثر ...
- الشرطة الفرنسية تفض مخيما طلابيا بالقوة في باحة جامعة السورب ...
- بوريل يكشف الموعد المحتمل لاعتراف عدة دول في الاتحاد بالدولة ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - رصاصة ناجي العلي في رأسي