أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - لا تزعجوا هذا الجندي النائم














المزيد.....

لا تزعجوا هذا الجندي النائم


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 436 - 2003 / 3 / 26 - 04:00
المحور: الادب والفن
    


 

رأيتك أمس على شاشة الحرب ممدا فوق العشب بين ناقلات الجنود  بين سرب من حمام الجنوب
 وتحت سماء بلون التراب

وأدهشني فيك نبض قلبك
كان ينبض على ساعة حائطي
وكان ينبض تحت قميصي القديم يوم ودعتك خلف الساتر الدموي وقلت  لك أني هارب من هذه الحرب لأنها ضد قلبي
وأنها ليست حربي
وقلت لي:
ـ أتفهم حزنك.

 وسكت ولم اسمع غير رشفة الشاي
ولم أر وجهك في الظلام. وكنت أنتظر قدوم وجبة القصف كي أرى وجهك على لهب الانفجار.
 لماذا تعودنا أن نرى بعضنا على لهب الانفجار؟
ونودع بعضنا على لهب الانفجار؟
ونضحك مثل صبايا السواقي على لهب الانفجار؟
ورأيت خيطا من الدمع يمشي على وجنتيك
هل كنت تبكي غيابي؟
أم كنت تبكي حضورك؟
أم كنت تخشى سؤال أمي عنك وعني؟

ولكنك الأمس فاجأتني حين كنت تنام كما ينام الحمام فوق ضريح الحسين
وكنت تبدو طليقا في رقدة الموت
وكنت تبدو صديقا  جميلا
وكنت تبدو إماما يصلي بين حشود الغزاة
وكنت مسيحا ينام بين الوحوش
ونبيا قتيلا على العشب مرمى

فاجأني موتك.

قل لي:
كيف تعلمت أن تموت وقلبك ينبض على ساعة حائطي؟

هل تذكرت حزني عليك يوم غادرتك نحو المنافي؟
ويوم غادرتني نحو السجون في نهاية الحرب؟

وأتذكر ضاحكا قبل أن أراك أمس على شاشة الموت حين كنت تقول ساخرا من نوبة القصف:
ـ غدا ينتهي كل هذا الخراب ونبدأ.

من أين نبدأ؟

لكنك أمس فاجأتني وأنت  تنام على عشب مدمى
وقرب رصيف تدنسه عربات الغزاة
وعربات الطغاة
وعربات ستأتي تباعا لتسرق موتك

أنت لم تمت برصاص الغزاة
هنا أعدوا وليمة موتك
هنا قرروا قتلك على عشب مدمى
واقتسام ثيابك
وخاتم حبك
وغدا يأتون لطمس قبرك
وطمس قبري

قلت لي في رسالة:
ـ لماذا رسائلك باردة كثلوج الشمال؟.

وكنت أعرف أنك تسخر
هذه عادتك بين حرب وسجن

 كان الغزاة يتحاشون وجهك
ويخافون عشقك

ورأيت ذراعك ممدودة كنهر الفرات.
وليس غيري من يعرف حزنك وأنت ترى العربات تمر صوب الخصيب
ونحو الزبير
ونحو جيكور حيت بيت سعدي بن يوسف.

فاجأني موتك.

وأجهشت في نوبة من بكاء طويل
وخفت على طفلتي أن تموت بنار دمعي ودمعك
وخفت أن تموت بنبض قلبك

هنا أعدوا وليمة قتلك
هنا اقتسموك كضباع الجيف

ورأيت كفك مفتوحة كجرح الجنوب
وقرأت فيها كل بيانات الخيانة
وكل وجوه الجريمة
وتذكرت أسماء من قتلوك واحدا واحدا
وكل الكتابات التي أعدت لقتلك
ورأيت عربات الغزاة تمر قربك
وعربات الزناة
وعربات من أعدوا وليمة ذبحك

كيف تنام وتنسى أن توقف النبض فيك يوقف ساعة حائطي
ويعلن موتي؟

ألست أنت من كان يغني بين نوبة القصف:
ـ أريد أبجي على صدرك مشتهي النوح؟

خوية حمد:
تعال ابكي على صدري
أطش روحي نذر
وأفرش لك الهيل
وعندي سوالف إلك ما يشيلها الريل.

ورأيتك أمس مرة أخرى
على شاشة أخرى
على ضوء قنبلة في الزبير
وفاجأني دمعك على لهب الانفجار.

أنت حيرتني:
ماذا سأقول ل"فدعة" حين تسألني عنك؟
وماذا تقول لها حين تسألك عني؟

وكيف أخبرها بموتك؟
وأنت تعرف فدعة
وتعرف حزن فدعة

كيف أرد لو سألتني:
ـ خوية حمد ما عاد.

وأنت تعرف دمع فدعة
ونواح فدعة

ماذا أقول لها لو ناحت:
ـ خوية حمد ما ريد من جيبك فلوس
وماريد من عندك عبايه
خوية أريدك هيبة البيت.

ورطني موتك 

   وهذا الصباح حين كنت أشرب الشاي، وجدتك في الكأس تنام كما ينام حمام المنائر.

وكنت أريد دفنك في رشفة الشاي.
أضمك سرا
وألحس بلساني رصاصات قتلك.

ماذا أقول لأمك حين ترى فوق قميصي وجهك؟
وكيف سأشرب الشاي بعدك وأنت في داخلي كالسر ؟

وكيف أركب عربات القطار نحو الشعيبة
وأمر بين نقاط الغزاة
نحو قبرك؟

وكيف خنتني بين ثلوج المنافي
وكنا صديقين
وعدين
ألا تموت قبلي
وألا أموت قبلك؟

كيف تميزت عني وتميزت عنك؟

صارت هوة بيننا:

أنت تنام على العشب قتيلا كما تنام الأسود
وأنا أنام هنا قتيلا على مشهد موتك.


 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خاتمة محنة البطريق/ رسالة منتصف الليل
- وداعا أيتها البصرة الرهينة 21
- الأخطاء القاتلة 20
- الروائي المصري رؤوف مسعد/ السيرة الذاتية كفضيحة
- الشاعر الأسباني لوركا / نائم والعشب ينبت بين أصابعه
- نهاية التاريخ والقرد الأخير 19
- حروب الأعزل 18
- الشاعرة باميلا لويس/ عاد ميتا بهداياه
- ولادة جيل الغضب 17
- الشاعر رعد عبد القادر / أسرار اللحظات الأخيرة
- سعدي يوسف للجنرال فرانكس:لا تقطع شجرة! 16
- ما جدوى أن تكون مثقفا؟ 15
- أسرار ليلة الدخلة 14
- يوميات قلعة الموتى 13
- السجن والطبقة والجنس 12
- الشاعر حسين حبش ـ غرق في الورد
- ذهنية المخبأ السري .11
- الشاعرة جنيفر ميدن ـ تأملات في الوحش
- لن نركع . 10
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة 9


المزيد.....




- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - لا تزعجوا هذا الجندي النائم