أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - نهاية التاريخ والقرد الأخير 19















المزيد.....

نهاية التاريخ والقرد الأخير 19


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 420 - 2003 / 3 / 10 - 04:43
المحور: الادب والفن
    



                   

يبدو أن صلاة الرئيس الأمريكي الأخيرة قبل أيام لضحاياه الأبرياء كما قال عنهم هي آخر صلاة لموتى يركضون الآن أو يرقصون أو يفرحون أو يفكرون في السفر والحب والزواج والأمل سواء كانوا عراقيين أم  من الجنود الأمريكان.

 وهذه الصلاة هي أول صلاة في التاريخ لزعيم جيش يصلي على ضحاياه قبل أن يقتلهم  علنا وفي وضح النهار، لذلك فإن صلاته ستدخل التاريخ هي الأخرى كأول صلاة قبل الموت لجلاد يصلي على ضحاياه وهم في ذروة النشوة، ومن يدري ربما كانوا في قمة لحظات إنسانية خاصة بيضاء ودافئة وهم تحت حكم موت علني ومؤجل.

لكن، مثل أي حكم إعدام، هل هناك أمل ما، بصيص، في هذه العتمة الرائبة والكثيفة والداكنة، في نجاة هؤلاء الضحايا من مذبحة مؤكدة علنية ومفتوحة، ولو في ربع ساعة الأخير، قبل أن تسقط القنابل أو تنهال الغازات؟.


حقيقة رحت أفكر خلال هذه الأيام الرمادية التي لم نعد نرى فيها الرأس من القدم من القلم سواء في الكتابة أو في الطعام، وابحث عن أمل ما يمكن أن ينجو به أو من خلاله كل الذين سيسقطون قتلى من الأبرياء من كل أطراف هذا الصراع المدعوم برعونة القوة، وقوة الرعونة.


 لم أجد في التفكير العقلاني أو المنطقي أو التاريخي حسب النواميس والسنن وقوانين التاريخ ما يمكن أن يكون مخرجا أو منقذا من هذا الوضع الخانق الذي انحشر فيه الجميع، الراغب والكاره والمجبر واللامبالي، الانتهازي والعنصري، الطموح والمناضل والبرئ والخبيث..الخ، في انحدار سريع وشرس نحو الهاوية، بحيث صرنا ننتظر لحظة الارتطام بالقاع الذي يبدو أنه سيكون مكلفا للجميع حتى أولئك الذين وضعوا حساباتهم على توقيت واحد على هذا الطرف أو ذاك.

هل من مخرج؟
هل هناك أمل؟

 حسب كل طرق التفكير العقلانية أنفة الذكر لم أجد مخرجا أو أملا أبدا، لذلك عدت للتفكير على الموجة الأخرى، الأثيرة عندي كروائي، موجة الشطح، والحلم، والوهم، والخيال، والتسلطن، على طريقة المنجمين، أو الحشاشين، أو  الصوفيين، أو السرياليين، أو طرق الحدس والتوقع والقوى غير العقلانية في التفكير التي تستعمل في الكتابة الروائية، خاصة وقد أذهلني أن أقرأ قبل أيام لعالم فرنسي يقول أن للماء ذاكرة !

لم لا؟
إن للأشجار ذاكرة.
وللنجوم ذاكرة.
وللصخور ذاكرة وعمر وطبقات.
وللشمس والقمر.
وللرمل والحشرات والريح.
        وللجلد ذاكرة أيضا.
إلا نحن ! 

الظاهرة العراقية كلها لا يمكن فهمها من خلال العقل والمنطق لأنها في الأساس ظاهرة غير منطقية. فكيف نفهم نزول حثالات من القرى والمقاهي  والحارات  وبارات منتصف الليل بمسدسات عتيقة نحو قصر الرئاسة عام 68 وإسقاط نظام سياسي، فجرا، والشعب والأحزاب، غارقة في النوم، وتهديد حضارة عمرها أكثر من 6 آلاف سنة وتعريض وحدة وطن ظل متماسكا كل هذه القرون إلى أخطار جدية اليوم؟.

ليس هناك منطق في هذا أبدا.

ومع ذلك يخطر ببالي، من باب التمسك بالأمل الإنساني، أو قشة الغريق، أن هناك أملا ما قد يبزغ في آخر لحظة على غير توقع وانتظار وبصورة صدمة.

أمل اللحظة الأخيرة أنقذ شعوبا من كوارث محتملة ومؤكدة. وهنا سندخل في قضية صنع التاريخ وقوانين الصدفة والضرورة والتسلسل المنطقي وعقلانية الحوادث وتتابعها بصورة متوالية كمسلسل منتظم.

هل التاريخ، دائما، أقول دائما، من صنع قوانين حتمية أم انه أيضا من صنع مصادفات وحماقات وتفاهات وقوى رعناء وتصرفات طائشة بل من غفلة ما أو إهمال أو صدف قاتلة في آخر لحظة أو منقذة؟.

حينئذ تذكرت كتاب المفكر والفيلسوف الإيراني مطهري الذي اغتيل بعد الثورة الإسلامية، وقرأته في  سجن كهريزك في طهران عام 89، عن التاريخ والمجتمع وفيه يتعرض هذا المفكر  إلى قضية في غاية التعقيد من وجهة نظر مختلفة وهي: كيف يصنع التاريخ؟.

 ومع تسليم مطهري بسنن وقوانين الحياة والمجتمع والتاريخ، ومنطق السببية والحتمية من وجهة نظر أخرى، إلا أنه لا ينفي دور الصدف، وحتى الصدف العابرة والتافهة، في صناعة أحداث كبرى.

ويستشهد بثلاثة أمثلة:
الأول:
 مقولة لتروتسكي يتعرض فيها إلى هذه القضية، دور الصدفة في التاريخ، ويتساءل تروتسكي عن مدى احتمال نجاح  ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا لو انه هو أو لينين أصيبا بحمى حادة في ليلة الثورة؟.

 وبعيدا عن أي هتاف آيديولوجي عن نضج اللحظة ونهاية تاريخ السلطة، كان من الممكن أن تقع أشياء كثيرة، اقلها تأجيل ساعة الصفر ومعها قد يتأجل مشهد تاريخي إلى يوم آخر، وربما أبعد من ذلك.

وبدوري أتساءل: ماذا كان سيحدث لو أن لينين تحت نوبة غضب عاصفة، حين أشاعت السلطة القيصرية أنه يعمل لصالحها في محاولة لتشويه صورته، لو أنه سلم وثائق الثورة السرية إلى السلطة القيصرية كي يعدم ويثبت براءته، لولا أن ستالين وكروبسكيا زوجته أغلقا عليه الباب بالقوة؟.  

ماذا كان سيكون مشهد التاريخ؟.

  الثاني:
 وعودة إلى المرحوم مطهري، يذكر مثالا آخر عن الإسكندر المقدوني الذي جهز جيشه لحملة حربية كبرى وكان يستعد لركوب حصانه لكنه فضل التمشي قليلا في حديقته حين عضه قرد ظهر انه مسموم وأجلت الحملة ومات المقدوني وتم إنقاذ البشرية من حرب وشيكة.

        الثالث:
        هو عن نهاية الدولة الأموية.

يقال اليوم أن هذه الدولة بدأت بقميص وانتهت ببولة. هذا مثل عام. والقميص إشارة إلى استغلال معاوية لحادثة مقتل عثمان وحمل قميصه المبقع بالدم للتشهير بخصومه واستغلال القميص للوصل إلى السلطة. وكان له ما أراد.

 أما البولة فهي إشارة صريحة لمروان بن محمد (الملقب بمروان الحمار، وهو حمار فعلا!) آخر خلفاء الدولة الأموية حين احتاج، وهو في ميدان قتال، إلى زاوية لقضاء الحاجة، واختلى بنفسه حين تبعه خصم ورماه في مكانه فمات في موضع الحاجة.

 ومع وجود كل عوامل النخر والتفسخ والإنهاك في الدولة الأموية، إلا أنه لا يمكن التقليل أو تجاهل عامل الصدفة الفردية في هذه الخاتمة المأساوية.

 الصدفة قد تعجل أو تؤجل حدث كبير.
التاريخ ليس سلوكا عقلانيا دائما.

 قد يكون مجموعة حماقات ومصادفات خاصة تاريخ العالم الثالث اليوم الذي تحكمه الخرافة والأسطورة والتقليد بل وحتى الحلم والمنجم الذي يتدخل في صنع أو إلغاء قرارات مصيرية في قصور ملوك ورؤساء كثيرين.

بل أن الرئيس الأمريكي يعاني من هوس نبوءة تاريخية وظهور المسيح بعد حرب كبرى في منطقتنا. وهذا الهوس أستغل بصورة ذكية من قبل فريق نفطي وسياسي له أهداف خارج توقعات هذا التكساسي الغبي.

كان ستالين في سجنه السيبري في العهد القيصري يعرض جسده ساعات، عاريا، للثلج والعواصف الباردة والثلجية القطبية كي يكون أصلب، كي يكون الرجل الحديدي. وقد تحقق له ذلك.

 لكن ماذا كان سيحدث لو أنه أصيب بنوبة برد قاتلة؟.
هل كانت روسيا أو الإتحاد السوفيتي سيخسر كل هذه الملايين في عنف سياسي دموي مؤدلج؟.

وكيف سيكون الموقف من النازية؟.

يذكر أنجلز في رسائله الأخيرة وبعد موت كارل ماركس انه لم يكن عندهما الوقت الكافي للحديث عن دور الفرد في التاريخ أو عن دور العامل الثقافي في تغيرات تاريخية لأنهما كانا مشتبكين مع تيارات فلسفية كبرى وفي صراع مع قوى هائلة، وأن أشد ما كانا يخافان منه هو وجود قوى تافهة ـ حرفيا ـ ستأتي بعدهما وتأخذ بالتفسير الواحدي أي الاقتصادي للتاريخ وتهمل دور العوامل الأخرى.

 وهذا ما حصل بالفعل.

إذن ليست هناك حتمية في شيء سياسي أو فعل اجتماعي أو بشري وكل شيء محتمل وممكن حتى آخر لحظة.

 لكن، وهنا مفارقة، من أين نأتي بقرد يعض أحدهما وينقذنا من هذه الكارثة المقبلة والوشيكة؟.

سيكون هذا القرد تعويضا تاريخيا عن كل جهود مجلس الأمن، والمعارضة العراقية، ومؤتمرات القمة، وعدم الانحياز، والمؤتمر الإسلامي، وكل جماهير العالم العربي.

أين نجد مثل هذا القرد أو أي شبيه له أو أية مصادفة قاتلة ومنقذة من الدكتاتور أو من غريمه الآخر المصاب بهوس ـ Mania ـ الحرب، وهناك أنواع من الهوس مثل هوس الكذب وهوس أكل البراز وهوس التخريب والحرائق والخمر والسرقة والعظمة والمخدرات والنار والجنس والمال والسلطة، والهوس حسب تعريف عالم النفسي بيير داكو هو سلوك قهري وجنون مشوش غير مسيطر عليه بدون غطاء أحيانا أو بغطاء ديني أو أدبي أو سياسي أو أخلاقي أحيانا أخرى.

 بعد فشل كل رهانات التاريخ، وفشل الأيديولوجيات الكبرى، وعجز التفكير المنطقي والعقلاني، في وضع نهاية للدكتاتور أو لجم غريمه، لم يبق لنا إلا الصلاة والرجاء والأمل بظهر قرد منقذ في آخر لحظة.

 ليس شرطا أن يكون قردا، هناك كلب الرئيس الأمريكي ونوبة سعار مباغتة، وهناك كلاب  وأفاعي الدكتاتور في أقفاص التعذيب، وهناك أيضا صابونة منقذة في حمامات الرئاسة نصلي كي يتزحلق عليها أحدهما نحو جدار أو هاوية، وهناك ملعب جولف الرئيس الأمريكي وزنبور قاتل أو حشرة مميتة، وهناك أيضا سلالم القصور أو الأوكار، وهناك أيضا، وأيضا، زجاجة خمر قد تكبس على صدرهما في آخر لحظة، وهناك العرافة والمنجمة وكاهن الفاتكان وأسقف نيويورك وباريس، وهناك النوبة القلبية والدماغية.

وهناك الجبابرة الأربعة:
هناك، أسفل جسر الجمهورية جبار أبو الشربت!
وقصائد المرحوم جبار الغزي!
وأغاني جبار عكّار!
وحتى تهديدات جبار الكبيسي !

كنا نحلم وننتظر أن يأتي البديل والمنقذ على صورة المسيح أو على صورة مناضل أو تجمع وطني أو حركة مقاومة وطنية، فجاءنا المنقذ على صورة جنرالين اثنين وامرأة واحدة.

كنا نصلي للمنقذ العراقي ولو بصورة شرطي أو بائع طيور أو عريف هارب أو طبيب أو خبير  أو مثقف.

وكنا نقول:
سيأتي ونفرح به.
سيأتي ويقلب نظام الحكم أو نظام المرور أو نظام الأكل.

حتى لو جاء وفشل وصُلب سوف لن ندعه يصعد نحو السماء أبدا.
لن ندعه يصعد أبدا.
أبدا.
أبدا لن ندعه يصعد،
ولو اضطررنا لضربه بالأحذية !
أو بالكراسي ! 
 ـــــــــ*
من سلسلة مقالات" محنة البطريق".

   




#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروب الأعزل 18
- الشاعرة باميلا لويس/ عاد ميتا بهداياه
- ولادة جيل الغضب 17
- الشاعر رعد عبد القادر / أسرار اللحظات الأخيرة
- سعدي يوسف للجنرال فرانكس:لا تقطع شجرة! 16
- ما جدوى أن تكون مثقفا؟ 15
- أسرار ليلة الدخلة 14
- يوميات قلعة الموتى 13
- السجن والطبقة والجنس 12
- الشاعر حسين حبش ـ غرق في الورد
- ذهنية المخبأ السري .11
- الشاعرة جنيفر ميدن ـ تأملات في الوحش
- لن نركع . 10
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة 9
- الشاعر علي رشيد ـ الحرب والطفولة
- محنة البطريق ـ نقد العقل الاختزالي 8
- محنة البطريق ـ تفكيك صورة الجلاد 7
- محنة البطريق ـ نقد العقل الجنسي 6
- محنة البطريق ـ مقتل محارب نظيف5
- محنة البطريق ـ الحريق، الحريق 4


المزيد.....




- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...
- الغاوون.قصيدة مهداة الى الشعب الفلسطينى بعنوان (مصاصين الدم) ...
- حضور وازن للتراث الموسيقي الإفريقي والعربي في مهرجان -كناوة- ...
- رواية -سماء القدس السابعة-.. المكان بوصفه حكايات متوالدة بلا ...
- فنانون إسرائيليون يرفضون جنون القتل في غزة
- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمزة الحسن - نهاية التاريخ والقرد الأخير 19