أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - أشباح الماضي















المزيد.....

أشباح الماضي


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 476 - 2003 / 5 / 3 - 06:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


   

منذ أيام وأنا غارق في أحلام ليلية كابوسية جديدة، بعد أن تلاشت الكوابيس القديمة، كوابيس مفارز الطرق، والهوية، وجرس الباب الليلي، والقنبلة، والسلطة، والعازل، والماخور،  بعد سقوط الصنم من ساحة الفردوس.

لكن الأحلام الجديدة هي الأغرب، حيث بدأ يزورني في المنام موتى أعرفهم جيدا، أو عرفتهم على نحو عابر، أو صادفتهم في الحرب أو في أماكن العزل المعروفة التي يتواجد عادة فيها العراقي : في السجن أو في المشرحة أو في الإسطبل أو في غرفة التعذيب أو في شاحنة ذاهبة إلى الخطوط الأمامية أو في معتقل حدودي آسيوي بعد أن صرنا نقفز من حدود إلى أخرى كالدجاج أو اللقالق أو الكناغر.


لكن أفظع هذه الأحلام وأكثرها حيرة وقسوة هو حلم زارني فيه يساري عراقي مات تحت التعذيب في الخمسينات. وظل هذا الشبح يطوف عليّ كل ليلة في استجواب مرير جعل النوم عندي نوعا من التعذيب وحفلة الجلد، حتى أني لم أعد أميز بين شبح هذا المناضل الميت الذي يتكلم من وراء القبر، وبين مسرحية( كاسك يا وطن) لمحمد الماغوط.

اختلطت حدود الحلم مع حدود الواقع، وتداخل الوهم مع الفن، والسياسة بالكوابيس، والخرافة بالمنطق، في حقبة غريبة الأطوار تعد هي نفسها كابوسا طويلا لا أصل له ولا بداية ولا نهاية.

وفي زيارته الأخيرة طرح علي هذا الشبح عدة أسئلة لا أعرف حقا كيف أجيب عليها لأني أنا نفسي حائر بين صور وأوضاع وأخبار تصلح أن تكون مسلسلا  للرعب.

الشبح: أحدثك كما تدري من وراء القبر. هل تفهم ذلك؟
ـ نعم أفهم رغم أن الحدود لم تعد قوية ومتماسكة بين القبر وخارجه هذه الأيام.

الشبح: ماذا حدث يا ستار؟
ـ ألم تسمع؟
الشبح: لا. إن الزمن عندنا هنا يختلف عن الزمن عندكم. فالثانية قد تكون ألف سنة.

ـ ألا يوجد عندكم ستالايت؟ قنوات فضائية؟ صحف؟ معارضة؟ مثلا، مثلا؟

الشبح، ضاحكا: لا. هنا سلام سماوي ما عدا بعض الإضطرابات خاصة ونحن لم نقدم إلى المحاكمة حتى اليوم بسب مواقفنا الأرضية الفالتة كما يقولون. ماذا حدث عندكم هذه الأيام لأن غالبية الموتى القادمين منكم يأتون مهروسي العظام كالطحين؟

ـ حدثت عندنا قبل أيام حرب أخرى.
الشبح: حرب طبقية تقصد؟
ـ لا طبقية ولا بطيخ. داهم الجيش الإنكلو أمريكي السلطة هنا وأسقطها.

الشبح مندهشا: وهل هذه الفاشية باقية عندكم حتى اليوم؟
ـ نعم. مارسنا معها كل ما نستطيع فلم ينفع.

 الشبح: هل مارستم معها العصيان المدني؟
ـ مارسنا معها كل أنواع العصيان، حتى العصيان عن التنفس، وعن الفطور، وعن الصلاة، وعن الطعام، وعن الجنس، وعن السفر، وعن البراز، وعن الضحك، وعن الحلم، وعن النوم، وعن الإنجاب، وعن الرعي في مزارع الدولة الفكرية فلم ينفع. قرر بعضنا الانتحار فلم ينفع. هدد بعضنا به فلم ينفع.

الشبح: عجيب. هل  جربتم معها حرب الشوارع؟
ـ كل أنواع الحروب، بما في ذلك الشخير في الخطوط الأمامية، والاستمناء على جنود العدو، والشرب في غرف الإعدام، والضحك في المشارح، والغناء في الحمام، والنوم في زمن النهوض العربي، فخابت كل الآمال.

الشبح: يعني أنكم الآن تحت الاحتلال؟
ـ نعم. تحت الاحتلال، وتحت اللصوص، وتحت الأحزاب، وتحت الأرض، وتحت الماء، وتحت رحمة التاريخ.

الشبح: هذه خيانة تاريخية وقلب للمعايير. كيف يعود التاريخ مرة أخرى بهذه الصورة؟
ـ هذه واحدة من أخطاء جيلك. قلتم لنا وصدقنا أن التاريخ لا يعود مرة أخرى إلا على شكل مهزلة. لكنه عاد عشرات المرات على شكل كوارث. العقل الميكانيكي هو الذي كان يضع مقدمات ساذجة ويضع خواتيم ساذجة. لا يوجد في تفكيركم منطق البين/ بين. عقلية (إما أو) هي العقلية التي غزتنا قبل هذا الاحتلال.

عاد لنا التاريخ مرات: مرة على شكل حمار، وأخرى بصورة عقيد انقلابي، وثالثة  بقطار أمريكي، ورابعة بدبابة أمريكية.

الشبح: هل حقا أنكم تحت الاحتلال اليوم؟
ـ صدقني.
الشبح: أين ذهبت القوى التاريخية الكبرى؟ وماذا تفعل الأحزاب الثورية هذه الأيام؟

ـ حزب مشغول بسرقة كراسي وزارة الري، وآخر مشغول بنهب أثاث نادي الصيد، وثالث لا وقت عنده كي يحك رأسه لأنه مشغول بلغف مطبعة في شارع الرشيد، ورابع مقيم في مقبرة ينادي موتاه، وخامس يصحو وينام في ساحة الفردوس كي ينظف حنجرته من الصدأ.. وال...

الشبح مقاطعا: هل كل هؤلاء سعداء بالاحتلال؟
ـ بعضهم جاء بالاحتلال وجاء معه. والبعض الآخر يتغزل سرا به، ويشتمه علنا، كزواج الغش، وفريق يخاف عليه من الرحيل المبكر وعندها تفسد حكومتنا الجديدة النقية، وفريق يحمد الله ويشكره لأنه خلق المارينز، وشريحة صارت تهتف بجمال الإمبريالية...

الشبح، غاضبا: معقولة؟ إذن لماذا متنا من أجل الجماهير؟ أين هي قوى الطليعة؟أين هو الحزب الثوري؟ أين هو المناضل الثوري الذي يشم رائحة الخطر على بعد سنوات؟ أين؟ أين؟

ـ قوى الطليعة الآن تعيد النظر في برامجها. الطليعة في المفهوم الجديد، بعد الاحتلال، تعني طليعة من يدخل البنك المركزي وينهب آخر فلس موجود هناك حفاظا على أملاك الجماهير من الهدر. المناضل الآن هو من يملك أكبر كمية من الكراسي الفاخرة، لا من الكتب كما هو الأمر في زمنك، ومن يصادق كولونيلا أمريكا يلتقط معه صورة أمام الجماهير.

الشبح: والجماهير؟ أين هي؟
ـ  الجماهير مشغولة بتغيير أسماء المدن والصرف الصحي وتنظيف الصواريخ في سوق العورة أو شارع مريدي. إذا كنت تريد أن تشتري راجمة صواريخ ما عليك سوى الذهاب إلى هناك.

الشبح: الأحزاب؟ أين هي؟
ـ عندنا حتى هذه اللحظة أكثر من 70 حزبا والبقية قادمة. للديوك حزب، واللصوص حزب، وللمخانيث حزب، وعشرات الاتحادات الوطنية والثورية والشعبية والتاريخية من إتحاد المؤرخين العرب وحتى إتحاد الصراصير العرب.

الشبح: إذن كيف يحدث الفلتان وعندكم كل هذه الأحزاب؟ أين ذهب الجيش والشرطة والأمن والإستخبارات؟

ـ كل حزب عنده جيش وشرطة وأمن واستخبارات وقضاة وقانون. في شارع مريدي يحكمون باسم شريعة الغاب، وفي سوق العورة باسم شريعة الفنطوزي، شيخ دين، وفي الموصل حسب شريعة قمبيز، حيث أطلقوا النار على متظاهرين، وقتلوا منهم 18 جرذيا في لحظة واحدة ذهب دمهم كما ذهب دمك مع الريح أو مع المجاري أو مع ورق الزكام، وفي بابل يحكمون وفق شريعة حمورابي في مكان، وفي الجانب الآخر وفق شريعة عشيرة ذيل العجل، وهو تقليد قديم تأسس على أثر مذبحة بسبب قطع ذيل عجل بين قبيلتين، أي العين بالعين، وفي بغداد يحكمون وفق عدة شرائع: في الشورجة حسب شريعة جلال الطالباني، لغف، وكاتم صوت، ودسائس، وضحك، وبوس لحى، ومن يتكلم  يتم تدبير سيناريو أو وثيقة مزعومة عنه تم العثور عليها في حريق في قصر رئاسي لم ينج منه شيء عدا هذه الورقة من جراء القصف، وفي حي المنصور يحكمون وفق شريعة رجال المصارف، وفي حي اليرموك حسب شريعة فرقة حسب الله للردح، وفي شارع الصابونجية حسب شريعة ليالي الأنس.


الشبح بدهشة: ولماذا كل هذه الأحزاب؟ لماذا كل هذه الأجهزة الأمنية؟
ـ إنها التعددية. فمن يفلت من جماعة العدل والطرب بتهمة  الكفر بهذا الزمان، يقع في مفرزة لشرطة الحزب الشيوعي العراقي بتهمة معاداة الرفيق في السويد أو المكسيك أو الصومال، ومن نجا بجلده من هؤلاء وقع في فخ جماعة علاوي البطل، وإذا قدر له أن ينجو بالريش من هذه الجماعة سيقع حتما في مطب شرطة الإتحاد الوطني ، أو الديمقراطي الكردستاني بتهمة (القذف!) على وجوه هؤلاء الزعماء ليلا وباليد الواحدة، الأمر الذي عرض الأمن الوطني، والقومي، والاقتصادي، والسياحي، والثوري، والقانوني، للخطر.


الشبح: والجيش؟ أين الجيش؟  
ـ أي جيش؟ ظهر أن عندنا عشرات الجيوش وكلها معارضة ونحن لا ندري حتى أن الريس المختفي كان ينام على أذنه ولا يعرف أنه كان قاب قوسين أو أدنى من انقلاب.  جنرالات خرجوا من علب النفتالين قالوا أنهم كانوا سجناء أو معارضة صامتة، عقداء من كل الأنواع، عقداء أعاشة، عقداء مدفعية، مقاومة طائرات، عجلات، وقود، أرزاق..الخ.. كلهم كانوا معارضة سرية تحت الأرض، ولم يظهروا إلا في فندق فلسطين ميريديان على أضواء الكاميرات أو ذبذبات الهاتف الخلوي.

الشبح: لماذا ظهروا في الفندق؟
ـ كي لا يقال عن زملاء لهم في لندن أنهم وحدهم كانوا معارضة فنادق. هذا تنافس شريف كما تعرف.

الشبح منزعجا: وماذا بعد الفنادق؟
ـ لن يغادروها ورب الكعبة إلا جثثا أو هياكل محروقة على إثر شحنة تي، أن تي، في اجتماع، حيث يصبح من العسير التعرف عليهم إلا بعد أخذ حامض الدي،أن،إي.


الشبح: والقانون؟ والقضاة؟ أين ذهبوا؟
ـ بعضهم صار يعرض خدماته على القنوات الفضائية كخبير في الجريمة في الزمن الماضي، البعض الآخر تحول إلى حزب صنع حديثا في غرف في شارع السعدون أو الرشيد كي ينجو من تهمة كونه لم يكن قاضيا أصلا بل رجل مخابرات خاصة وان كل هذه المهن كانت تدار عبر أجهزة سرية.


الشبح: ورجال العهد القديم؟
ـ مثل رجال العهد الجديد. أمس رأيت أحدهم وهو عضو قيادي في الحزب الحاكم كتب تحته في فضائية هذه العبارة( قومي عربي، محلل سياسي). هكذا تم تغيير الجلود في أربع وعشرين ساعة كالصيدليات الخفر.

من كان جلادا في العهد القديم أعرب عن ثقته بإعادة الأمن والهدوء والفرطنة والطمأنينة في عشر دقائق لو( أعطوني صلاحيات!) وهذه العبارة الأخيرة تتضمن كل الرعب.


الشبح بأسى: وأنت في أي حزب الآن؟
ـ قدمت طلبا لكل الأحزاب فرفض الطلب. أحزاب اليسار قالوا لي أنك يميني متطرف، وهؤلاء قالوا أنك يساري متطرف، حتى المخابرات الأمريكية رفضت طلبا لي في العمل معها قائلين لا نحتاج مجانين يسكرون ويكتبون سيرتهم الذاتية ويفضحوننا بعد الكأس الثالثة في أقرب مشرب. وأنا حائر الآن ولا يوجد أحد أعمل معه غيرك. هل عندكم أحزاب؟ هل أنتحر كي أصل حالا؟

الشبح ضاحكا: هنا عدالة مطلقة ماعدا هذه المشكلة وهي تأخير محاكمتنا حتى اليوم. تصور بعد كل ذاك التعذيب في العالم الأرضي، ننتظر هنا محكمة. كنت أريد أن أسألك عن الثروة الوطنية، أين صارت؟

ـ آبار النفط  تحت سيطرة تحت الاحتلال...و..
الشبح بغضب: معقولة؟ أين ذهبت اضرابات عمال النفط؟ أين ذهب شهداء كاورباغي؟ أرى بعض الشهداء حتى هذه اللحظة وهم  بالضماد القديم من مستشفى كركوك. أين الحركة النقابية؟ أين ثقافة أجيال في معاداة الاستعمار والامبريالية؟

ـ  اليوم لو شتمت الاستعمار لقالوا عنك أنك خائن للوطن. ولو طالبت قوات الاحتلال بالرحيل لوضعوا على رأسك الطربوش السري، وأركبوك على حمار أبتر، وطافوا بك المدن، تسقيطا، أو تشهيرا، وأنت لا تدري، ويا غافلين لكم الله.

الشبح: الكتاب الشرفاء؟ الأدباء؟ أين هم؟
ـ اليوم قرأت لأحدهم ظل يجعر سنوات ضد الاستعمار يقول في مقال تحت عنوان( ماذا يحدث في الفلوجة اليوم/ ابراهيم أحمد/ إيلاف؟) إن العوائل هي التي أرسلت أطفالها للقوات الأمريكية كي يموتوا على الطريقة الفلسطينية التي تعلموا منها هذه (العادة السيئة)....

مع أن العالم كله، بما في ذلك الأمريكان، قالوا: إن مجموعة من المسلحين هاجموهم بقذائف صاروخية، وان سلاح أر، بي،جي7، يحتاج إلى شخص قوي لتحمله، وأن درجة حرارة الصاروخ تصل إلى 3000 سعرة حرارية بما يكفي لخرق الحديد. فكيف يكون هؤلاء أطفالا مغفلين؟ نكذب حتى على الموتى؟ نبرر حتى قتل الأطفال؟ هل كنا نحتاج إلى حرب واحتلال كي نكتشف أننا كنا ننام على جيفة سياسية وجيفة أدبية؟

الشبح: ألا تعتقد أن هذا( الأديب) موعود بمنصب أو زريبة أو حقيبة أو مقهى أو تخت أو تكية؟
 
ـ لا أستبعد أبدا. خاصة أن هؤلاء من النوع الذي لا يبول علي يد مجروح مجانا. إن موتكم أنتم كان جهلا في نظر هؤلاء الطراطير. أنتم في الوعي الجديد حفنة من المغفلين. صار كل شيء قابلا للتعريف: الوطن ليس الوطن، بل مقرا حزبيا، والقانون ليس القانون، بل الرغبة والمزاج، والدولة ليست دولة الخدمات، بل زريبة حزبية. كانت عندنا فاشية واحدة، صارت اليوم فاشيات. كان عندنا جهاز أمن واحد، صارت أجهزة. كانوا يقتلون الناس سابقا في غرف وسجون، الآن في الهواء الطلق. كان عندنا زعيم حزب فاشي، الآن صاروا زعماء. كانت عندنا سلطة لصوص واحدة، الآن سلطات، كان شرطي أمن واحد يقبض عليك بتهمة العداء للدولة، الآن ألف شرطي يقبض عليك بتهمة: العداء للرفيق، للجريدة، للحزب، للعقيدة، للافتتاحية، للحوزة، للعمامة، للنشيد، للهتاف، للمسيرة، للطم، للحي، للاسم، لأنك تشخر في النوم في زمن ثوري، لأنك تمشي على اليمين أو اليسار من الرصيف، لأنك تبحث في القمامة عن طعام لأطفالك أمام العدسات، لأنك تنكش أسنانك في مظاهرة دون أن تكون فيها، لأنك تشتم ثقب الأوزون، لأنك لا تحب الكوكا كولا ، لأنك تكره اشتراكية الطريق الواحد، لأنك تحب المطر، لأنك لا تشبه أحدا، لأنك عاشق في زمن منحرف صار الشذوذ فيه هو القاعدة، والعشق جريمة، لأنك تضع صحفا لا تحبها في حفاضات الأطفال.

الشبح: الثوار، والمنفيون، والرومانسيون، والعصاميون، والسرياليون، والدادائيون، والكلاسيكيون، والمتطرفون، وعشاق الشهادة والموت في السجون، ورفاق الأمس فوق الجسر والوثبة والرشيد، وجرحى المظاهرات.. وغيرهم ، وغيرهم، أين صاروا؟.

ـ بعضهم مات، كما قال الشاعر البياتي، وبعضهم خان ضياء القمر الطالع في البسفور بعد الليلة الأولى، وبعضهم مازال يرحل في الأشعار والخمرة والصلاة.

بعضهم باع كتب الحزب من أجل  الرغيف. بعضهم باع شرفه من أجل بطاقة سفر. بعضهم مات ذلا على رصيف بعيد. بعضهم مازال ينتظر نهاية الحكاية، بزوغ الأمل، شروق الشمس، نهار ماطر يفضح الأصباغ والوجوه، ولادة جيل غضب يكنس هؤلاء إلى المزابل، وبعضهم صار واشيا يقنص كل وردة أو نسمة أو كتابة نظيفة في ماخوره المنزلي ويحيك الحيل الجبانة ضد هذا أو ذاك بسرية صل الرمل من مبدأ فاسد يقول : إن الشطارة ثقافة، والحيلة علم، وأن تاريخ الفرد يصنعه البلف. كل شيء مكشوف ، كل شيء مكشوف.

أنتم، لو عدتم يا سيدي اليوم، لما وجدتم أحدا يعرفكم أو يحتفل بكم. لن تجدوا من يأويكم .لم يسفر دمكم إلا عن خونة ومحتلين وإباحيين، وللأمانة عن حفنة آمال خضراء صغيرة تكافح للخروج من تحت الصخر.


الشبح: هؤلاء هم الأمل. عليهم نراهن. ذكرت لي الشاعر البياتي. أين هو الآن؟
ـ مات في دمشق.
الشبح: وبلندي الحيدري؟
ـ مات في لندن؟
الشبح: وزكي خيري؟
ـ مات في إستوكهولم.

الشبح: وسلام عادل؟
ـ طحنته الرحى. وقبل أيام حاول كاتب شريف أن يستعير اسمه كي لا يموت هذا الاسم في ذاكرة الجيل الجديد، فحوّل حفيد ليهوذا الاسخريوطي هذه البادرة إلى جريمة. ويا طبل دق. وهزي ياربابة!

الشبح: والرفيق توما توماس؟
ـ قبل سنوات سمعت أنه يصطاد العصافير في سماء دهوك وحيدا.
الشبح: وسعدي يوسف؟
ـ مازال معنا يواصل المنفى والبكاء والمطر والنزيف والمقاومة. إن هذا المنفى يستحق العذاب ما دام سعدي يوسف معنا.

الشبح ينشج:

(  نبي يقاسمني شقتي
 يسكن الغرفة المستطيلة
وكل صباح يشاركني قهوتي والحليب، وسر
الليالي الطويلة
وحين يجالسني،
وهو يبحث عن موضع الكوب في المائدة
ـ وكانت فرنسية من زجاج ومعدن ـ
 أرى حول عينيه دائرتين من الزرقة الكامدة
وكانت ملابسنا في الخزانة واحدة:
كان يلبس يوما قميصي
وألبس يوما قميصه.
................).


ـ كنت أريد أن أسألك عن هذه الضجة القادمة منك؟
الشبح: هؤلاء شهداء الثورات، الانتفاضات، السجون، المنافي، الحروب، قتلى الخيانة، التقارير، الوشاية...الخ.. إنهم يبكون الليلة.

ـ على أي شيء؟
الشبح: على ما صلت إليه الأمور. على العمر الضائع. على الموت  الرخيص.

ـ وماذا يريدون؟
الشبح: عريضة إلى زعماء الحكم الجدد في بغداد .
ـ هل عندكم في الآخرة ورق؟

الشبح:لا. عندنا نعل قديمة مهربة معنا من زمن نقرة السلمان سنكتب عليها عريضة احتجاج !
    



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفلة التيس
- إبراهيم أحمد وعيون الضبع
- غارنر والختان
- رسالة مفتوحة إلى الدكتاتور لمناسبة عيد ميلاده
- كل شيء تحطم إلا اللغة
- سنواصل المنفى ونحرض الشجر
- سقوط الرهانات الكبرى
- الوجه الآخر للدكتاتور
- أبناء منتصف الليل
- سرقوا الوطن، سرقوا المنفى
- لا تزعجوا هذا الجندي النائم
- خاتمة محنة البطريق/ رسالة منتصف الليل
- وداعا أيتها البصرة الرهينة 21
- الأخطاء القاتلة 20
- الروائي المصري رؤوف مسعد/ السيرة الذاتية كفضيحة
- الشاعر الأسباني لوركا / نائم والعشب ينبت بين أصابعه
- نهاية التاريخ والقرد الأخير 19
- حروب الأعزل 18
- الشاعرة باميلا لويس/ عاد ميتا بهداياه
- ولادة جيل الغضب 17


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل فلسطينيين اثنين في جنين بعد مهاجم ...
- رئيسي يندد بالعقوبات الغربية المفروضة
- إزالة 37 مليون طن من الحطام المليء بالقنابل في غزة قد تستغرق ...
- توسع الاتحاد الأوروبي - هل يستطيع التكتل استيعاب دول الكتلة ...
- الحوثيون يعرضون مشاهد من إسقاط طائرة أمريكية من نوع -MQ9-.. ...
- -الغارديان-: أوكرانيا تواجه صعوبات متزايدة في تعبئة جيشها
- هجوم صاروخي من لبنان يستهدف مناطق في الجليل الأعلى شمال إسرا ...
- السيسي يوجه رسالة للعرب حول فلسطين
- الأمن المصري يضبط مغارة -علي بابا- بحوزة مواطن
- نائب نصر الله لوزير الدفاع الإسرائيلي: بالحرب لن تعيدوا سكان ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - أشباح الماضي