أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4















المزيد.....



البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1628 - 2006 / 7 / 31 - 11:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سيرجي نيلوس (1862-1929) وبروتوكولات الحكماء الصهاينة
إن المفارقة التاريخية التي لفت شخصية وحياة سيرجي نيلوس وأدرجته في فلك الولادة والموت المستمرين بسبب ارتباط اسمه بنشر "البروتوكولات" تعبّر عن مفارقة الحقيقة التي تصورها العبارة القائلة، بان الإنسان يولد باكيا وأهله يتضاحكون!
لقد أراد سيرجي نيلوس في "بكائه التاريخي" أن يوقظ في الروس مشاعر الخطر مما اعتقدته مميتا بالنسبة لهم كدولة وقومية ودين وثقافة، الذي وجده في "البروتوكولات". لكنه عانى شأن كل ولادة شقية من استهزاء الآمنين. وهي معاناة سجلها في الطبعة الأخيرة من كتابه {عظيم في حقير} وعن جده واجتهاده من اجل نشرها منذ عام 1901 حتى افلح للمرة الأولى عبر دمجها في الطبعة الثانية من كتابه الآنف الذكر. وكتب بهذا الصدد يقول، بان الله وحده يعلم ما هي الجهود التي بذلها منذ عام 1901 حتى عام 1905 من اجل طبعها لكي يوقظ السلطة والمجتمع ويثير انتباههم للخطر الذي تجمعت سحبه في سماء روسيا منذ زمن طويل، والذي ينذر بوابل أمطار مدمرة على مدنها وقراها وسهولها، روسيا المترهلة قبيل عام 1905 والمصابة بالجنون بعده. واعتبر طباعة ما اسماه "بالمخطوطة المشؤومة" مهمته الشخصية والروحية أمام أولئك الذين عندهم عيون تبصر وآذان تسمع من اجل أن يتسلحوا بالقوة والإيمان. وهي نظرة تراكمت في مجرى حياته وانتقاله من النزعة الدنيوية المتطرف إلى نقيضها.
فقد ولد سيرجي نيلوس عام 1862 في محافظة ارلوف. وكان أبوه من مالكي الأرض المتوسطين. وينحدر أجداده من أصول ليفلاندية (بلطيقية)، حيث انتقل جده من هناك إلى روسيا واستقر فيها عام 1778. وبعد إتمام دراسته الابتدائية اكمل دراسته الجامعية في جامعة موسكو في كلية الحقوق. أتقن لغات عدة وهي الفرنسية والإنجليزية والألمانية. وكان واسع الاطلاع على الآداب الأجنبية. وبعد إنهاء الدراسة الجامعية عمل في مختلف مناطق الإمبراطورية. وشغل منصب محقق في منطقة ما وراء القفقاس. لكنه اضطر للاستقالة بسبب مزاجه الحاد واعتداده بنفسه. بعد ذلك غادر روسيا إلى الخارج وعاش سنوات في فرنسا يتنقل بين صالوناتها ومدنها. ورجع إلى روسيا بعد أن أصيبت عائلته بالإفلاس. وهي حالة جعلته يعيد النظر بحياته السابقة وكذلك إعادة صقل سجاياه الشخصية. فقد اتصف سيرجي نيلوس بصفات حميدة عديدة اعترف بها أيضا أولئك الذين ناصبوه العداء والخلاف. منها انه كان إنسانا لامعا وموسيقيا موهوبا وفنانا وكاتبا. كما كان حلو الكلام عذبه، إضافة إلى تميزه بالنظرة الثاقبة والمواقف الراسخة والأصيلة. ووصفه البعض بالأصالة الروسية في المظهر والملبس والعيش والسلوك. فقد كان قوي البنية بعيون زرقاء عميقة وكبيرة ولحية بيضاء، يرتدي الملابس الروسية القومية، مشروح القلب للجميع بتواضع وإخلاص. بل كان سريع الاستجابة إلى طلب كل إنسان، جوادا حتى في اشد الظروف قسوة. وهي صفات شكلت العناصر الجوهرية في بناء شخصيته الروحية والدينية كما تجلت بكامل وضوحها بعد رجوعه من فرنسا واستقراره النهائي في روسيا.
حينذاك انتقل بصورة نهائية إلى سلوك الإيمان الأرثوذكسي الفاعل، وأعلن التوبة أمام الشيخ يوحنا كرونشتادسكي. بعد ذلك أخذ بالتنقل الى مختلف المناطق الروحية الروسية. بحيث قضي اغلب سني حياته متنقلا بين الأديرة. وتمرس روحيا للمرة الأولى في دير "ترويتسه سيرجييفو لافره" (ثالوث ضريح القديس سرجي)، ثم انتقل لاحقا إلى دير "اوبتنه بوستينا" (دير خلوة الجماعة) الذي زاره وأقام به مرات عديدة. وفيه كتب {يا دير الجماعة المجيد!}. واستوحى كتابه {على ضفاف النهر الإلهي} من النهر المجاور له (نهر جيزدوره). ثم أعجبه دير أفيريسكي في مدينة فالداي، التي أقام بها مرتين الأولى لفترة وجيزة، بينما اقام بها في المرة الثانية لمدة أربع سنوات.
وشكلت المرحلة الممتدة من بداية القرن العشرين حتى ثورة أكتوبر ذروة إبداعه الأدبي والديني والسياسي. وما بعد ثورة شباط ثم أكتوبر عام 1917 أصبحت حياته تشردا متواصلا بسبب الضجة التاريخية التي أثارها نشره "للبروتوكولات"، التي اعد آخر طبعة لها قبل الثورة بقليل. لكنها صودرت قبل نزولها للأسواق بعد ثورة شباط، ثم تعرض بعدها للمضايقة بسبب عدائه للماسونية، واستكملت ثورة أكتوبر هذه المواقف بسبب عدائه لليهود والصهيونية. وما بعد ذلك اتسمت حياته بالتشرد والاختباء. ثم تعرض للسجن والتوقيف لفترات قصيرة الأولى عام 1924 والثانية عام 1927 وتوفي في الرابع عشر من كانون الثاني عام 1929 أثر نوبة قلبية عن عمر يناهز الثمانية والستين. أما زوجته يلينا اليكساندروفنا اوزيروفا (1855-1938) فقد عانت نفس المصير. حيث جرى اعتقالها عام 1937 وماتت في معتقل كوليما عاما 1938.
واندثرت آثار سيرجي نيلوس في روسيا السوفيتية اندثارا تاما وحرمت كتاباته بشكل عام، وبالأخص كتابه {عظيم في حقير} بحيث وصل الأمر أحيانا إلى الحكم بالإعدام على من يعثر بحوزته على هذا الكتاب. وجرى اعتبار كل كتبه من بقايا "الثورة المضادة" و"المائة السوداء". وهي التسمية التي أطلقت على حركة "اتحاد الشعب الروسي" القومية التي اقترب منها نيلوس وجدانيا.
كانت كتابات سيرجي نيلوس الأدبية والدينية والروحية نموذجا للإخلاص الوجداني لروسيا وتقاليدها القومية والأرثوذكسية النصرانية. وصور ذلك بأسلوب بارع في كتبه الأدبية كما هو الحال في {عظيم في حقير} و{على ضفاف النهر الإلهي} و{القدرة الإنسانية والعجز الإنساني} و{المقدسات المحجوبة}. وليس مصادفة أن تعتبره الدراسات السياسية القومية المعاصرة، أحد المع المدافعين عن "روسيا المقدسة"، أي روسيا الأصالة القومية والأرثوذكسية، انطلاقا من أن كتبه جميعا كانت تهدف إلى إيقاد الشعلة الروحية للدولة الروسية والقومية الروسية بالشكل الذي يجنبها الوقوع في فخ الماسونية اليهودية الصهيونية. ومن ثم تخليصها من الفتن الداخلية عبر إيجاد العروة الوثقى في النظام القيصري والديانة الأرثوذكسية والتعليم الوطني (التنوير على الطريقة الروسية). وهي مهمة شكل كتابه {عظيم في حقير} الصادر للمرة الأولى عام 1903 نقطة الانطلاق الكبرى في شهرته، التي توجت عام 1905 عندما ضمّن الطبعة الثانية منه {بروتوكولات الحكماء الصهاينة}.
فعندما طبع {عظيم في حقير} للمرة الأولى، فان النظرة إليه جرت ضمن سياق الرؤية الروحية الأرثوذكسية لسيرجي نيلوس عن كيفية تجلي العظمة الإلهية وجبروتها في الأشياء الصغيرة. وهي رؤية كانت تتضمن في الإطار العام تصوراته عن ضرورة الإخلاص الديني باعتباره أسلوب الخلاص، وإلا فان النهاية آتية لا ريب منها، أي أن الابتعاد عن صراط الارثوذوكسية الروسية سوف يؤدي إلى الهاوية و"نهاية العالم". وهي أفكار أعجبت حينذاك الأميرة يليزافيثا فيودوروفنا، التي حاولت أن تجعل من نيلوس المربي والمرافق الروحي للقيصر. إلا أن مساعيها باءت بالفشل بسبب الصراعات القائمة آنذاك داخل القصر وحول العائلة المالكة.
وعندما أعاد طباعته عام 1905، فانه ادرج فيه "البروتوكولات" مع شرح لمقصوده من وراء ذلك. واخرج الكتاب بعنوان إضافي هو كالتالي {عظيم في حقير، أو المسيح الدجال كإمكانية سياسية محتملة}. وقد أثار هذا العمل بعد فترة وجيزة من صدوره وعلى خلفية الأحداث التي رافقت وتلت الحرب الروسية – اليابانية وثورة 1905 ردود فعل سياسية وفكرية خطرة وعنيفة. وهو تزامن له "قدره التاريخي"، مما أدى إلى ردود فعل متضاربة جعلت من كتابه هذا مصدرا للاتهامات المتبادلة والتأويلات المتضادة للقوى السياسية المتصارعة. فعندما قرأه القيصر نيكولاي الثاني يعد أحداث ثورة 1905، كتب معلقا عليه "أي أفكار فضيعة! أي خطط جهنمية! أي تنفيذ دقيق لها! إن كل ما حدث في عام 1905 يؤيد ما جاء فيها، ومن ثم فلا شك بصحتها. ففي كل مكان نعثر ونرى الأيدي المخربة لليهود". وهو تقييم أراد حينذاك أن يضعه في سياسة الدولة تجاه اليهود، لكنه تنازل عنه لاحقا عندما عرضت عليه دراسة قام بها بصورة سرية سطاليبين عن منحولية "البروتوكولات". حينذاك كتب القيصر بأنه لا يرغب في بلوغ الغايات النبيلة بوسائل غير نبيلة، وان الشيطان ليس رفيقا للعمل الصالح! لهذا طالب بسحبها من التداول، بل وطالب باتخاذ إجراءات قاسية ضد كل من تسول له نفسه العمل استنادا إلى ما فيها. لكن مفارقة الظاهرة تقوم في أن من اغتال سطاليبين ومن اعدم القيصر وعائلته كانوا جميعهم يهودا!
ومن الناحية الظاهرية جاء إعدام القيصر نيكولاي الثاني وعائلته عام 1918 والأحداث التالية "تطبيقا" حيا لما هو موجود في "البروتوكولات"! كما أن العثور على "البروتوكولات" المدرجة في كتاب نيلوس {عظيم في حقير} إلى جانب {الكتاب المقدس} و{الحرب والسلام} لتولستوي عند العائلة القيصرية بعد إعدامهم أعطى لها بعدا خاصا. وهو واقع سوف يثير بعد انتهاء الحرب الأهلية في روسيا تأويلات حادة بما في ذلك على النطاق العمالي.
أما قبل ذلك، أي بعد الأحداث الدرامية لعام 1905 ، فقد أثار {عظيم في حقير} و{البروتوكولات} منه بالأخص الانتباه لما فيه من طرفي معادلة خطرة وجد فيها سيرجي نيلوس "إمكانية سياسية محتملة". وهي معادلة عادة ما كان يجري تجزئتها من جانب القوى المتصارعة، بحيث اعتبره التيار الثوري واليهودي الصهيوني ممثلا للاتجاه القومي الروسي المتطرف ولجماعة "المائة السوداء" منه بالأخص. بينما اعتبره التيار القومي الروسي والدولتي ممثلا لحقيقة المصالح الروسية وانتمائها الروحي. بل أن البعض اخذ يرى في دمجه {للبروتوكولات} في {عظيم في حقير} بعدا روحيا خالصا، انطلاقا من أن تفسير مضمون "عظيم في حقير" و"البروتوكولات" خارج عقيدة سيرجي نيلوس اللاهوتية النصرانية الأرثوذكسية يؤدي إلى ابتذالهما. ذلك يعني أن {للبروتوكولات} في {عظيم في حقير} بعدا روحيا استند إلى آراء نيلوس عن "نهاية العالم" و"القيامة" حسب مفهومها النصراني. وبالتالي فان وضعه لاسم "المسيح الدجال كإمكانية سياسية محتملة" ينبغي فهمه ضمن هذا التأويل، لاسيما وان نبوء ته عن مصير روسيا ونهاية تاريخها ومجي "المسيح الدجال" التي وضعها في كتابه الآنف الذكر قد تجسدت إثناء حياته! ومن ثم لا ينبغي النظر إلى "البروتوكولات" على أنها دعاية رخيصة أو مباشرة ضد اليهود واليهودية.
إننا نعثر في هذه التأويلات على صيغة جزئية ومذهبية ضيقة. ففي كل منها نعثر على جزء من الحقيقة والواقع. إذ لم يكن "عظيم في حقير" من الناحية التاريخية كما ظهر في طبعة 1903 والثانية عام 1905 مرتبطا بأحداث عام 1905 (الحرب الروسية اليابانية والثورة). كما أن نيلوس لم يكتبه للعائلة المالكة، وبالتالي لم يكن محكوما برؤيتها وذهنيتها ومواقفها السياسية. لقد كان نيلوس من المؤيدين المخلصين للنصرانية الروسية الأرثوذكسية، كما كان يقترب وجدانيا من التيار القومي الروسي الذي يرى في القيصرية النظام الأكفأ والاشمل والأسلم لروسيا كدولة إمبراطورية متعددة القوميات والثقافات والأديان. أما التأويل الذي حاول أن يجد في {عظيم في حقير} بعدا روحيا لاهوتيا، فانه يلامس الحقيقة لكن من أطرافها. فالأبعاد الروحية اللاهوتية في {عظيم في حقير} حقيقة لا مراء فيها. وبالتالي يصعب فهم حوافزه بدونها. لكن هذا الحكم يبقى واقعيا ضمن حدود طبعة 1903. أما في طبعة 1905، عندما جرى تضمينه "البروتوكولات" وإضافة "المسيح الدجال كإمكانية سياسية محتملة"، فانه يكون قد أضفى عليه بعدا سياسيا ومستقبليا ليست "نهاية العالم وقيام القيامة" سوى غلافها الروحي وأسلوبها اللاهوتي.
وهو أمر يتضح بجلاء في طبعة 1911، حيث نراه يبدل العنوان السابق جزئيا وتظهر فيه إضافات هي {عظيم في حقير. المسيح الدجال ومملكة الشيطان على الأرض}. ثم يدققها ويحورها أيضا في الطبعة الأخيرة التي لم تر النور عام 1917، التي أخرجها بعنوان {قاب قوسين أو أدنى}. أما حرفيا في النص الروسي، فإنها "هنا قريب على الأبواب". وهي تسمية استقاها من الإصحاح الرابع والثلاثين لإنجيل متى. فهو الإصحاح الذي يتحدث عن كيفية خروج المسيح من الهيكل وحديثه لحوارييه عن آخر الزمان الذي يتهدم فيه كل شئ ولا يبقى حجر على حجر، بوصفها المقدمة اليقينية لبداية القيامة ورجوعه الثاني. وعندما طالبوه بالاستزادة شرحا عن "علامة" مجيئه و"انقضاء الدهر"، فانه رد على ذلك قائلا، بأنه سيأتي قبله الكثير ممن يدعي باسمه، كما ستقوم حروب ودعايات حروب، وستتحكم أمم برقاب أخرى، وتنتشر الأوبئة والأمراض والزلازل، وسيظهر أنبياء زور. لهذا لا ينبغي تصديق أي منهم وذلك لكثرتهم، كما لا ينبغي الاهتمام بما يقوموا به من عجائب وغرائب. بل في هذا كله ينبغي رؤية علامة مجيئه. حينذاك سيعرفون "انه قريب على الأبواب".
وهي نظرة وضعها سيرجي نيلوس في الـتأويل السياسي لرؤيته اللاهويتة الروحية في مجرى تأمل تجارب روسيا ما بين عام 1905 و1917. فقد ظهرت مشكلة "كإمكانية سياسية محتملة" قبيل ثورة 1905، و"قريب على الأبواب" قبيل ثورة شباط وأكتوبر 1917. وفيهما نعثر على حدس "القيامة" اللاحقة التي شاهد بأم عينيه وعايش حروبها عام 1905 الروسية – اليابانية والحرب العالمية الأولى عام 1914-1917، كما شاهد بأم عينيه المجاعات والأوبئة المترتبة عليها، كما شاهد كثرة "الأنبياء" و"المخلصين" و"المنقذين" لروسيا من بين مختلف الحركات السياسية الراديكالية، التي شكل اليهود آنذاك الأغلبية الساحقة في قياداتها. وهو ربط تلمسه نيلوس للمرة الأولى عام 1905 وتحسسه بقوة قبيل عام 1917. ومن ثم لم يعن "انقضاء الدهر" و"نهاية العالم" بالنسبة له رؤية تشاؤمية بقدر ما كانت رؤية "مستقبلية" هي اقرب إلى التنبؤات اللاهوتية. إذ لم يكن سيرجي نيلوس سياسيا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل كان أديبا روحيا. لهذا كانت لاهوتيته المتسامية تعبير عن واقعية خشنة، اعتقد أنها الأسلوب الأمثل لإثارة انتباه القومية الروسية بشكل عام والسلطة القيصرية بشكل خاص. وأوضح موقفه هذا بجلاء في الشروح التي قدمها "للبروتوكولات"، عندما كتب يقول، بانه لم يتوقف اعتباطا ولم تكن نيته عابثة وراء الاستفاضة في تقديم شواهد الكنسية وتاريخ رجالها وتأملات الفلاسفة فيما يتعلق "بانقضاء الدهر" والخطر القادم "على الأبواب". كما انه حاول مقارنتها بما يقول هو نفسه مع إدراكه قدر نفسه المتواضعة مقارنة بهم.
لقد أراد من وراء مقارنته للأقوال والأفعال والشواهد أن يوحد عقل ووجدان الروح الإنساني الجامع، كما قال هو. فقد وجد في "خروج المسيح الدجال" مقدمة لعودة المسيح الحق، أي مقدمة للإصلاح الحق. فالجميع تقول بنهاية العالم. ويعترف بذلك الوثنية والفلاسفة والكنيسة والشعراء. ولا يخلو كل عصر من مشاعر ورغبات بالخلاص والإنقاذ. فالروح يتنفس وفي أنفاسه يوعدنا بمجيء الخلاص، كما يقول نيلوس. والكنيسة أيضا تقول بانتهاء العالم ومجيء الخلاص. وهي فكرة وضعتها الفلسفة النصرانية بعبارة مفهومة وصيغة مقبولة عما أسمته بظهور المسيح الدجال، أي ذاك الذي "يأتي" كذبا باسمه، ممتثلا تقاليد ونفسية "إنسان الرذيلة" و"ابن المهلكات". وهو كيان يرتبط في فلسفة النصرانية ولاهوتها بآل اسرائيل. وفي عالم اليوم يشكل اليهود القوة المركزة العالمية "لإنسان الرذيلة" و"ابن المهلكات"، كما يقول نيلوس. فهو يتباكى في الشتات ويدعو نفسه بالمطرود والمطارد والمظلوم، بينما يسعى للسيطرة والاستكبار والتجبّر. كما انه يسعى للسيطرة على العالم الذي مازال لحد الآن مجزأ إلى دول قومية قوية. إضافة لذلك أن هذا العالم في حالة سياسية ليس بإمكان الغيتو العالمي المدعو بآل اسرائيل التلمودي، ان يتحمل وزر حملها. لهذا يخطط بالطريقة التي تجعل من غايته النهائية في السيطرة أمرا ممكنا. وهي خطة عثر عليها للمرة الأولى عام 1901 في مخطوطة سلمها له أحد المقربين منه وهي "بروتوكولات الحكماء الصهاينة". وهي خطة يكشف التاريخ المعاصر وأحداثه لمن له بصر وبصيرة عن جديتها التي ينبغي تأملها بعمق، كما يقول نيلوس.
من هنا كان "التقاء" نيلوس مع السلطة القيصرية بعد أحداث 1905 "أمرا طبيعيا". كما كان افتراقهما أيضا أمرا طبيعيا بعد ذلك. وذلك لأنه وضع حدسه تجاه الخطر القادم والقريب "على الأبواب" بالصيغة التي أوحت للسلطة والمعارضة على السواء بهراء أرثوذكسي. وذلك لان "انقضاء الدهر" يعني "يوم القيامة" و"نهاية العالم" بالنسبة للجميع. وهو أمر عادة ما لا تتقبله اشد السلطات تدينا وإيمانا!! كما انه يثير استهزاء الملحدين! وهي مفارقة تحسسها سيرجي نيلوس في محاولاته نشر "البروتوكولات" وفي الموقف منها بعد أن حاربتها السلطة والمعارضة بطرق ومستويات مختلفة. وهي حالة أثارت مشاعر نيلوس التي نعثر عليها فيما أورده دي شايل في مذكراته التي كتبها بعد لقائه به عام 1910، التي عرضها في مقاله {سيرجي نيلوس والبروتوكولات الصهيونية} المنشور عام 1921. والشيء نفسه ينقله لنا زجيفانوف في كتابه {سيرجي الكساندروفتش نيلوس} المنشور عام 1936 حيث ينقل لنا شكوى نيلوس عام 1913 يصدد عدم وجود آذان صاغية لما كتبه بصدد "البروتوكولات"، وانه هناك من يقرأها وآخرون ينتقدونها، بينما يستهزئ البعض الاخر بما فيها. والقلة القليلة منهم من يهتم بها بصورة جدية، أي أولئك الذين يرون فيها مضمون الخطورة القائمة في سعي اليهود للسيطرة العالمية.
وجد سيرجي نيلوس في "البروتوكولات" خطة مرسومة ببراعة ووضوح عن سير ومجرى المؤامرة اليهودية الماسونية العالمية التي تتمثل طبيعة ونفسية "ابن المهلكات" في دفع العالم المنحرف عن صراط الاستقامة نحو الهاوية. وهي مخطوطة أكد له الشخص التي سلمها له، الذي يدعوه نيلوس بالمرحوم اليكسي (نيكولايفتش سوخوتن؟)، بأنه استلمها من سيدة (يوليانه غلينكا؟) استطاعت سحبها (أو انتشالها) من أحد الرؤساء في المحفل الماسوني الإفرنجي بعد أحد اجتماعاته السرية في فرنسا، هذا الوكر اليهودي للمؤامرة الماسونية الإفرنجية كما يدعوه نيلوس. وهي مخطوطة كانت تحمل عنوان "بروتوكولات الحكماء الصهاينة"، التي رغب في أن يقدمها لكل من له عين وسمع وفؤاد. واستطاع طباعتها للمرة الأولى في الطبعة الثانية من كتابه {عظيم في حقير. المسيح الدجال كإمكانية سياسية محتملة}. حينذاك كان الحريق الروسي قد يلغ الذروة، الذي سمي مغالطة بالحركة التحررية، كما يقول نيلوس. وهي أحداث أقنعته ورسخت يقينه عن صحة "البروتوكولات"، وأنها ليست موضوعة أو منحولة.
ويستطرد نيلوس قائلا، بان إلقاء نظرة سريعة على "بروتوكولات اجتماع الحكماء الصهاينة" يوصلنا إلى أنها شبيهة بما تعودنا عليه من الأمور والأحكام والآراء العمومية. لكنها "عموميات" من طراز خاص ونمط غير مألوف. أنها تطفح بالحقد والغطرسة القاسية المغروسة في أعماقهم حتى نخاع العظم والمتموجة خفية وراء تاريخهم القديم، متغذية من أصولهم العرقية. والأرذل من ذلك هو تجلببها بلباس الدين. اذ نعثر في البروتوكولات على كل الروائح الكريهة التي يثرها السعي للأخذ بالثأر والانتقام المتباهي بقرب شفاء غليله.
كما أشار نيلوس إلى ما اسماه بالتناقض الجلي بين العنوان والمضمون. ففي عنوانها إشارة الى أنها "بروتوكولات" عن "اجتماع"، بينما هي اقرب إلى الخطاب الذي يلقيه شخص متنفذ. ثم أنها تنقسم إلى أجزاء ليست دوما مربوطة بصورة منطقية فيما بينها. مما يوحي بانطباع عام عن أنها أقسام أو أجزاء من كلّ واحد يفتقد إلى بداية واستطرادات داخلية أما أنها ضائعة أو لم يتم العثور عليها. ووجد نيلوس سبب ذلك في مصدرها اليهودي الماسوني، وفي عدم قدرتها على تجاوز ما قال به المسيح وأكدته تقاليد الكنيسة عن أن أعمال وأقوال "الدجال" هي تقليد مبتذل ومحاكاة زائفة لعمل المسيح الحق. كما أنها لا تخلو من خائن على نموذج يهوذا. وجعل نيلوس من هذه الرؤية اللاهوتية النصرانية أسلوبا لتحديد موقفه السياسي مما اسماه"بالإمكانية السياسية المحتملة" لظهور "ابن المهلكات" أو "آل اسرائيل" أو اليهودية الماسونية. فهي كلها مظاهر وأسماء معاصرة "للدجال".
من هنا موقف نيلوس القائل، بان يهوذا "الدجال" من وجهة النظر الدنيوية والإنسانية، الذي أفشى بسر مولاه لا يبلغ مرماه حتى في حالة سيطرته العالمية. لأنها سيطرة مؤقتة حتى في حالة شمولها التام. بعبارة أخرى، إننا نعثر في آراء نيلوس ومواقفه على محاولة رمزية لربط المكونات المتناقضة للإشكالية الفعلية القائمة آنذاك أمام روسيا، التي وجد فيها مقدمة "نهاية العالم" وبداية السيطرة اليهودية الصهيونية العالمية. من هنا قوله، بان العاذلين، وهم على حق، قد يقولون بان ما يقدمه لهم من وثيقة لا تتعدى كونها وثيقة بالهيئة، بينما لا أحد يعرف مؤلفها، كما لم يقل أي فرد أو جهة بتأليفه إياها. وهو اعتراض رد عليه نيلوس قائلا، بأنه لو كان إثبات صحتها قانونيا، لأدى ذلك إلى إماطة اللثام عن وجوه أولئك الذين يمسكون بخيوط المؤامرة الدموية العالمية. ثم لأدى ذلك أيضا إلى كشف المحجوب، وبالتالي خرق ماهية السر والمعنى القائم فيما اصطلحت عليه التقاليد النصرانية بظهور "ابن المهلكات". بينما تقتضي فراسة المؤمن رؤية ما يجري حوله من أحداث محلية وعالمية للتيقن من صحة ما فيها. لان من له سمع وبصر، فانه يرى ويسمع أمورا هي اقرب إلى الجلاء. بعبارة أخرى، لقد أراد سيرجي نيلوس القول، بان الأمور الجلية حالما تصبح مادة للجدل والشكوك، فإنها تكف عن أن تكون جلية. بينما هو يقدم للقارئ من أفراد وجماعات ومجتمع ودولة رؤية طبيعة القوة الآتية، الواقفة "على أبواب" روسيا والعالم من اليهود المندفعين بإيمانهم الكاذب والموجهين من قبل الكتبة والفريسيين.
وقف سيرجي نيلوس في مجاراته لهذا الأسلوب في التعامل مع القضية أمام حالة حرجة. وذلك لان الذهنية اللاهوتية في حال اخذ براهينها كما هي، فإنها تضع المرء بالضرورة أمام إشكاليات تأملية، بينما شكلت مسالة السيطرة ونموذجها المتميز في اليهودية الصهيونية ظاهرة تاريخية لها مقدماتها ونتائجها. وهي ظاهرة لا تتعارض من حيث الجوهر مع الرؤية اللاهوتية التي تنظر إلى بداية التاريخ ونهايته بمعايير الأخلاق المتسامية وفكرة الخلاص المبنية على قيم العدل المجرد. وهي فكرة تشاطرها من حيث الحوافز والغايات اشد الرؤى ميتافيزيقية وأكثرها واقعية. وبهذا المعنى يمكن أن نفهم لماذا كان شديد اليقين، بان "نهاية التاريخ" أو سيطرة "ابن المهلكات" (اليهود) لا يعني سوى المقدمة التاريخية للرؤية المتفائلة، كما وضعها في عبارته القائلة، بان ما هو مستحيل بحق الإنسان ممكن بحق الله، وما هو مستحيل بحق العالم ممكن بحق روسيا!
ولم يقصد نيلوس بعبارة روسيا المؤمنة سوى "روسيا المقدسة"، أي تلك التي يستظهر وجودها عن إيمان عميق والتزام خالص بتقاليدها القومية الأرثوذكسية ونظامها القيصري. وبهذا فقط تصبح روسيا العروة الوثقى والملجأ الأمين والقلعة الحصينة للعالم أمام إعصار اليهودية الصهيونية القادم، كما يقول نيلوس. وهو إعصار تراكم في مجرى تجارب الغرب الأوربي، التي أدت إلى الابتعاد عن حقيقة النصرانية وتخريبها ماديا ومعنويا. مما أدى بها إلى ممارسة تجريب دائم واستبدال آلهة بأخرى وعبادة أصنام جديدة وهدم ما لم تنجز بنيانه بعد. وهو أمر يؤدي بالضرورة إلى فقدان الموازين، مع ما يترتب على ذلك من سحب للنظم الدستورية والنيابية والجمهورية ورميها إلى هاوية الحروب العالمية والخراب والفوضى. كل ذلك يضع أمام روسيا مهمة الاستيقاظ ورؤية الخطر الذي تمثله الماسونية اليهودية الصهيونية. فهي المسيح الدجال الذي يطرق أبوابها منذرا بالخطر المحيط بها. لاسيما وان الأسباب مفهومة والغاية معلومة، كما يقول نيلوس. لذا ينبغي على روسيا أن تتبين حقيقة الأمر وتستعد أمام الخطب. فمن المعلوم انه كلما ازدادت المصاعب والمصائب تشتد عزيمة الرجال، لان القلوب العامرة بالحياة والعزم لا يدخلها اصفرار الخوف والوجل.
ووضع نيلوس هذه المقدمة النظرية اللاهوتية الفلسفية في أساس موقفه المباشر من تاريخ "المسألة اليهودية" ومساعيها للسيطرة العالمة، بدءً مما قبل التاريخ وانتهاء بالغيب المجهول. حيث نظر إلى تاريخ السيطرة نظرته إلى "طبيعة" خاصة باليهودية الصهيونية نفسها. إذ اعتبر الكيان اليهودي كينونة دائمة للنفس الصهيونية، التي لم تعن بالنسبة له سوى الصيغة الملموسة "لابن المهلكات"، أي للخراب الدائم في الوجود التاريخي للأمم. من هنا يمكن فهم موقفه من أن مساعي اليهود للسيطرة العالمية هي ليست نتاج المرحلة المعاصرة بقدر ما أنها لها تاريخها العريق بدء من سليمان وانتهاء "ببروتوكولات الحكماء الصهاينة". أنها سلسلة واحدة ذات حلقات متراكمة ترسم بصورتها المجردة ما دعاه نيلوس "بالثعبان الرمزي". وهي تسمية أخذها من "البروتوكول الثالث". وهو ثعبان تشكل "الحكومة اليهودية" رأسه واليهود جسده. انه "ثعبان" يلتهم في زحفه أجساد الدول والشعوب والأمم. وينمو على قدر التهامه لها. وهي عملية مستمرة ما لم تنته دورته التامة بالرجوع إلى صهيون واحتلالها.
وهي مسيرة يسعى اليهود من خلالها لإحكام سيطرتهم على العالم. وشكلت أوربا بالنسبة لهم نقطة البداية. ومن خلالها سعوا ويسعون لتوسيعها وإحكامها على الآخرين. ولم تعد هذه السيطرة محكومة كالسابق بالقوة المباشرة، لأنه ليس عند اليهود ما يكفيهم من القوة البشرية لتنفيذ ذلك، بل بالمال والإعلام. ويستعملون لذلك كل الأساليب الممكنة والمتاحة من اجل إثارة المشاكل والصعوبات الاقتصادية وتخريب الدول وإفساد الأخلاق. ولا يتحرجون عن استعمال كل وسيلة وذريعة وبالأخص المال والنساء. ومن اجل ألا يعرف الأفراد والجماعات والأمم والدول بخططهم هذه، نراهم يلجئون إلى أساليب العمل السري والمؤامرة. وان تاريخ اليهود من أوله إلى آخره هو تاريخ المؤامرة والخديعة. فقد زحف "الثعبان الرمزي" في مجرى التهامه للأمم والدول ثماني مراحل قبل أن ينتقل إلى فلسطين،التي ستشكل بالنسبة لهم مصدر تصدير القلاقل والتخريب والاستحواذ والالتهام مع البقاء في مأمن من ردود الفعل المباشرة. وكانت هذه المراحل الكبرى "للثعبان الرمزي" هي كالتالي
• المرحلة الأولى في اليونان عام 429 قبل الميلاد زمن بركليس.
• المرحلة الثانية في روما زمن اوغسطس قبل ولادة المسيح.
• المرحلة الثالثة في مدريد عام 1551 زمن حكم كارل الرابع.
• المرحلة الرابعة في باريس زمن لودفيغ الرابع عشر
• المرحلة الخامسة في لندن عام 1814 بعد سقوط نابليون
• المرحلة السادسة في برلين عام 1871 بعد الحرب الفرنسية – البروسية
• المرحلة السابعة في بطرسبورغ عام 1881
• المرحلة الثامنة في اسطنبول كما تجسدت في حزب الاتحاد والترقي. وهي مرحلة ما قبل الانتقال إلى فلسطين.
ومن اجل بلوغ أهدافهم سعى الرأس اليهودي إلى عزل اليهود عن آخرين وتسميم عقولهم بسخافة "الشعب المختار" و"قيادته للعالم" وانهم "أبناء الله" وماعداهم حيوانات بأشكال بشرية. وعمق "القهال" انعزال اليهود بعد أن اتخذ أشكالا عديدة في ترسيخ وتنظيم الانعزال على شكل "هيئات" و"مجالس" و"مراكز" وما شابه ذلك. وجرى تربية اليهود على قاعدة "أن حياة الآخرين وأموالهم ملك لكم". إضافة لذلك أن المؤسسة الدينية لليهود تبرر كل الجرائم التي يرتكبونها أو يمكن ارتكابها عبر "تبرئتهم" منها كل رأس سنة! كما استعملوا "العداء للسامية"، الذي نصبوه هم أنفسهم فخا لصيد الآخرين. وجعلوا منه زيتا يصبونه على نار الصهيونية من اجل توثيق عرى اليهود واظهارهم شعبا واحدا مطاردا من اجل إثارة التعاطف معهم. وبهذا الأسلوب يصنعون عملاء متعاطفين معهم. كما "يربون" في نفس الوقت "كلاب" العداء لهم من اجل "جمع خراف اليهود في حضيرة صهيون". أما الآن وبعد أن جرى تشكيل "الاتحاد الصهيوني العالمي"، فانهم يكونوا قد أماطوا اللثام عن "عالمية" مساعيهم الخفية للسيطرة. واصبح استعمال الوسائل الأكثر فعالة في مد جذور السيطرة إلى كل مكان من خلال الذهب والعملة الذهبية العالمية، التي تجعل من الصراعات والحروب المحلية والعالمية روافد لمد خزائنهم بالمال والثروة. ولعل تاريخ روتشيلد مثال حي على ذلك. كما اصبح إنتاج "النظريات العلمية" عن الليبرالية والاقتصاد والاجتماع فخا جديدا. واخذوا يحولون ذوي الحاجة من الليبراليين قصيري النظر إلى خدم لصهيون كما حولوا النظام الجمهوري إلى أداة تعطي لجيش صهيون إمكانية الحركة الموجهة والمنظمة والعلنية عبر مختلف المؤسسات والحركات. من هنا الكفاح المرير الذي يقوم به هذا "الثعبان الرمزي" في الصحافة والإعلام، بحيث جعل منهما خدما مأجورين لهم وللدعاية الفجة لليبرالية. مع أن كل الوقائع تبرهن على غياب الديمقراطية الحقيقية في الجمهورية الليبرالية. وان كان ثمة مظاهر ديمقراطية فما هي سوى ستار للسيطرة على الغوغاء. والأغلبية عادة ما تسير وراء عملاء راس المال الصهيوني العاملين في أجهزة الدعاية والإعلام، حسب نظر نيلوس.
وفيما لو نظرنا إلى واقع اغلب الدول المعاصرة في أوربا يتضح لنا خضوع اغلبها لقرارات حكومة صهيون العالمية، كما يقول نيلوس. فهي تستعمل مختلف الأساليب لأجل إحكام سيطرتها على قرارات الدول مثل القروض المالية والمضاربات، وتحارب من تلمس فيه خطرا على مصالحها وتؤيد من يخضع لها عبر الرشوة والدعاية المنظمة من خلال شبكة عملائها العالميين. كما تستعمل "الأفكار العصرية" و"الجديدة" و"النظريات العلمية". كما تستعمل لأجل بلوغ أهدافها البورصة والتجارة والدبلوماسية. وهي عتلات تقع اغلب أدواتها بأيديها. كما تعمل في نشر اشد الأفكار تطرفا وتخريبا وتدميرا عبر اغتيال الروح والأخلاق والإبداع الحقيقي. وفي الحصيلة نقف أمام فاعلية "حكومة عالمية" بلا قلب ولا روح ولا ضمير، حكومة يهودية صهيونية صانعة لنفسية القنانة والعبودية الجديدة. وليست هذه الأفكار في نهاية المطاف سوى الصيغة المكثفة لما هو موجود في "البروتوكولات"، التي تعبّر عن مضمون ومغزى ماسونية اسرائيل التلمودية، كما يقول نيلوس. لهذا ليس مصادفة أن تتعامل معها الصحافة الروسية الخاضعة للسيطرة اليهودية ببرودة مريبة وتتجاهلها وتستهزئ بها. إلا أن ردود الفعل سوف تشق لنفسها الطريق، وذلك لان الأحداث التاريخية في كل مكان تؤيد وتبرهن صحتها، كما استنتج نيلوس. وقدم بهذا الصدد آنذاك بعض النماذج التي استقاها من الصحافة، واتخذ مما اسماه عينة من العالم القديم (روسيا) والعالم الجديد (أمريكا). حيث استعرض مقال كاتب روسي بعنوان {أسرار البرنامج اليهودي} المنشور في جريدة (الأخبار الموسكوفية)، الذي توصل بعد تحليل لأوضاع روسيا بعد ثورة 1905 ودور اليهود فيها إلى أن من الممكن التشكيك بصحة "البروتوكولات" وتقديم مختلف التأويلات للبرهنة على أنها وثيقة منحولة، إلا أن كل ما فيها هو "مفتاح لرؤية ما جرى ويجري في روسيا". أما المقال الآخر فقد كتبه أحد النصارى العرب في أمريكا في مجلة (الكلمة) الصادرة بالعربية في نيويورك، وترجم إلى الروسية وطبع في (الأخبار الموسكوفية) في العدد 277 الصادر بتاريخ 1-1-1910 . وكاتب المقال هو الأب رافائيل، الذي توصل بعد استعراضه للوقائع العديدة من تاريخ أوربا السياسي والشعارات المستعملة فيه ونشاط "الاتحاد الإسرائيلي العالمي" إلى أن "المؤامرة اليهودية ضد العالم ليست اختلاق، بل واقع مؤسف له".
مما سبق يتضح، بان نيلوس أراد القول، بان هناك وعيا متزايدا ومتناميا فيما يتعلق بادراك خطورة "البروتوكولات" بالنسبة لروسيا والعالم. وهما وعي وإدراك يستمدان مقوماتهما من الواقع لا من الوهم، لان "البروتوكولات" وثيقة واقعية وليست اتهاما مختلقا. (يتبع...)



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3
- المقاومة اللبنانية – نموذج المقاومة العربية الكبرى
- نهاية الأوهام الكبرى وبداية الأحلام الواقعية
- القوى الصغرى والأوهام الكبرى
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 1
- (2) التشيع العراقي والفكرة العربية
- التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى
- حزب إسلامي أم حزب شيطاني
- النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
- النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
- النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
- النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4