أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - القوى الصغرى والأوهام الكبرى















المزيد.....

القوى الصغرى والأوهام الكبرى


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1571 - 2006 / 6 / 4 - 09:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من مفارقات التاريخ والوعي أن تكون الأوهام الكبرى فيهما ملازمة للقوى الصغرى. وهو تلازم محكوم أما بانعدام أو ضعف وعي الذات التاريخي وأما بخلل التراكم العقلاني للتجارب الذاتية. ومنهما عادة ما تظهر مختلف نماذج الغلو والتطرف. وهي نماذج عادة ما تنهمك قواها السياسية والفكرية بفعالية وحمية مبالغ فيها في إنتاج مختلف الأوهام. ولعل أكثرها دموية وتخريبا للعقل والضمير والمسار الطبيعي للدولة والأمة هي الدعوى الإيديولوجية بتمثل "الأفكار الكبرى" و"الشعارات العظيمة" وما شابه ذلك. أي كل ما لا يخضع للتجربة ولا يحتكم إلى البرهان المنطقي. وهو أمر طبيعي، إذ ليس في الدعاوي الإيديولوجية مكونات قادرة على تفعيل الرؤية العقلانية والشك المنطقي تجاه الشعارات والأفكار المرفوعة إلى مصاف "المقدس". وذلك لان مجرد رفع "المقدس" إلى مصاف الشعار العملي يعني فيما يعنيه تحييد العقل النقدي واغتراب الفكرة عن الواقع.
وليس مصادفة أن تتحول الدعاوي الإيديولوجية الكبرى من جانب القوى في تجارب الأمم جميعا إلى شعارات كبيرة لطريق ضيق. والقضية هنا ليست فقط في أن القوى الصغرى لا يمكنها أن تكون حاملة الأفكار الكبرى، بل ولان أية قوى مهما كبر حجمها لا يمكنها أن تكون ممثلة تامة وفعلية لها. وذلك لان مضمون وحقيقة الأفكار الكبرى وشعاراتها لا يتحدد بكمية الأتباع والادعاء الإيديولوجي بتمثيلها، بقدر ما يتحدد بمستوى الرؤية الواقعية والعقلانية لتحقيقها. وهي رؤية تفترض تجانس الماضي والحاضر والمستقبل في الفكرة والقوى الاجتماعية القادرة على تأسيسها الفعلي.
فالفكرة الديمقراطية والعلمانية والشرعية والمدنية والفيدرالية وغيرها لا يمكن تحقيقها من جانب أية قوة جزئية في العراق. بعبارة أخرى، لا يمكن لأية قوى عرقية أو طائفية أو مذهبية ضيقة أو جهوية أن تكون حاملة لأفكار كبيرة في العراق. إنها يمكن أن تشارك في تهذيب وتشذيب بعض محتوياتها بالشكل الذي يجعل الفكرة مقبولة لمكونات العراق. ولكن حالما تصبح الفكرة الكبرى جزء من برنامج القوى الجزئية، فإنها تؤدي بالضرورة إلى طريق مسدود. إذ لا يمكن، عل سبيل المثال للقوى القومية الكردية والطائفية السياسية العربية أن تكون حاملة الفكرة الوطنية العراقية. كما لا يمكن لأي منهما أن يكون حاملا للفكرة العلمانية والديمقراطية والمدنية والشرعية، وذلك لان الأولوية في رؤية هذه القوى هي أما للمصلحة القومية الضيقة أو الطائفية الأضيق. وكلاهما يصبان في تيار واحد، وهو الانغلاق وإثارة مختلف مظاهر اللاعقلانية. مع ما يترتب عليه من ضعف أو اضمحلال الواقعية السياسية. وهي نتيجة تكشف عن أبعادها الخطرة ومحدوديتها ثلاثة أعوام بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية والتوتاليتارية البعثية. فقد تحولت "الشراكة الوطنية" إلى "محاصصة" قومية وطائفية. وهي خطوة متناقضة من حيث مقدماتها التاريخية ونتائجها. إلا أن قيمة الحركة السياسية والنخبة تقوم لا في الخضوع لمتطلبات الواقع المتخلف، بل للخروج منه عبر وضع أسس أكثر عقلانية وتقدما في رؤية البدائل.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار مستوى الخراب الهائل للعقل النظري والعملي العراقي، فان سير العملية بهذا الصدد سوف يجري باتجاه استكمال "الطريق المسدود" من خلال اصطدام القوى المكونة للعملية السياسية بحدود إمكاناتها الخاصة. بمعنى رجوع القوى القومية الكردية إلى إدراك حدودها بوصفها 13% جبلية المنشأ والمكونات، ورجوع القوى الطائفية السياسية العربية السنية بوصفها 17% عسكرية المنشأ والمكومات، وبروز وتراكم التكتل الشيعي بوصفه 65% مدنية المنشأ والمكونات. والبقية الباقية (حوالي 5%) لمختلف الانتماءات (التركمانية والكلداآشورية). وهي تجزئة تتسم بقدر كبير من الافتعال، لكنها تجزئة فعلية لا سبيل للقضاء عليها إلا من خلال استظهار بواطنها المتراكمة في مجرى الدكتاتورية. بحيث يصبح استظهارها الشامل بدالية انحطاطها، لأنها سوف تضع الجميع أمام خيار الحياة أو الموت. وفي كلتا الحالتين سوف تكون الواقعية العقلانية أو الواقعية المرة خاتمة الصراع السياسي والاجتماعي. وضمن هذا السياق ينبغي فهم مضمون الفكرة القائلة، بأن القوى الجزئية لا يمكنها أن تكون حاملة الأفكار الكبرى. وهو حكم ينطبق على كافة هذه المكونات المفتعلة والفعلية في نفس الوقت.
فالفكرة الكبرى هي الفكرة العامة والمجردة، ومن ثم فهي الأكثر قدرة على احتواء الجميع. ومن الصعب توقع وصول أي من مكونات العراق الحالي، بما في ذلك قواه السياسية إلى إدراك حقيقة الفكرة الكبرى (للديمقراطية والشرعية والعلمانية والفيدرالية وغيرها) ما لم تدرك حدودها الذاتية، أي عجزها الذاتي عن تنفيذ وتجسيد أي شعار خاص بها دون الأخذ بنظر الاعتبار حدود المساومة العقلانية مع الآخرين. وهو الثمن الباهظ ولحد ما غير العقلاني الذي ينبغي أن يدفعه العراق وقواه الاجتماعية من اجل بلوغ هذه البديهة السياسية. بمعنى صرف كمية هائلة من الجهود والطاقة والزمن من اجل الرجوع إلى مسار التاريخ الطبيعي لتطور الدولة والمجتمع والثقافة بوصفها كيانا واحدا ومنظومة حية.
أن هذه المفارقة المثيرة للعقل والضمير العراقيين في الظروف الحالية للانتقال من حضيض التوتاليتارية والاستبداد إلى جادة المسار الطبيعي للدولة والمجتمع ووجود الأشياء، تقوم في طبيعة وحجم التداخل الفعلي بين الماضي والحاضر في ظل غياب رؤية مستقبلية ومحكومة بمعايير الرؤية الوطنية والاجتماعية والديمقراطية. فالقوى السياسية العراقية الحالية، كما كشفت وتكشف تجربة ثلاثة أعوام بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية، عن أنها قوى جزئية وضئيلة. بينما تحتاج مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية والشرعية ومكوناتها الضرورية في مجال الموقف من الدولة والمجتمع والثقافة إلى قوى قادرة على التعلم من معاناة العراق الحديث ومآسيه الكبرى بالشكل الذي يجعلها قادرة فعلا على الارتقاء إلى مصاف القوى الكبرى، أي إلى مصاف القوى الفاعلة بمعايير الواقعية والعقلانية والوطنية العامة. وهي عملية درامية وتتسم بقدر هائل من الخطورة. لكنها عملية لا علاقة مباشرة لها بالقوى السياسة الحالية. بمعنى أنها عملية تتراكم عبر فشل هذه القوى وضرورة اندثارها بوصفها قوى زمنية وليست تاريخية. فهي العملية الوحيدة القادرة على نزع الأوهام الكبرى وهدم القوى الصغرى. وذلك لان الصراع المرير الذي نراه حاليا بين دعوى تمثل الأفكار الكبرى وتفاهة أفعالها ليست نتاج زمن التوتاليتارية والدكتاتورية، بل وزمن القوى السياسية الحالية بوصفها قوى حزبية ضيقة. من هنا فان الصراع الحاد فيما بينها وكفاحها المخزي والكاذب لتمثيل الأفكار الكبرى يجعل من كل "تضحياتها" قرابين فارغة بالمعنى الإنساني والتاريخي المميزة للتراجيديات الكبرى. وليس مصادفة أن يتحول كل ما تقوم به وتفعله إلى ملهاة مظهرها ليس اقل سوء من تحضيرها فيما وراء كواليس المسرح السياسي العفن!! فكل ما فيها هو جزء من هوس الغريزة! وفي هذا يكمن سر زوالها السريع بوصفها لذة خاطفة. وهو أمر جلي في تهافت القوى السياسية العراقية الحالية على السلطة ونسيانها للدولة، وانهماكها بالمال وتركها للاقتصاد، وولعها بالدعاية وإهمالها للثقافة والفكر، واحتماءها بالسلاح والميليشيات واغترابها عن الحق والشرعية والمجتمع المدني. وهي مفارقة العراق القديمة التي تحتوي في أعماقها على استمرار وجود وفاعلية القوى الصغرى والأوهام الكبرى. وهو تناقض لا يمكن حله ما لم تندثر مكونات هذه المعادلة التعيسة! أي ما تندثر هذه القوى بوصفها البطانة أو الوجه الآخر لزمن الراديكالية والهامشية الذي حكم تاريخ العراق الحديث بحيث حوله إلى زمن فارغ، أي إلى قوة عاتية ومخربة بلا عقل ولا ضمير!



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني
- كتاب جديد للبروفيسور ميثم الجنابي - الحضارة الإسلامية - روح ...
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 2
- تأملات مستقبلية حول العملية السياسية في العراق 1
- (2) التشيع العراقي والفكرة العربية
- التشيع العراقي والفكرة الوطنية والقومية-1
- العراق - السقوط والبدائل -2
- لولا سيف الحجاج ولسان الحسن-1
- العراق - السقوط والبدائل وأزمة المرجعيات الكبرى
- حزب إسلامي أم حزب شيطاني
- النخبة السياسية ومهمة البديل الوطني في العراق
- النخبة السياسية في العراق المعاصر – أحزاب الطريق المسدود
- النخبة السياسية في العراق - أزلام وأقزام
- النخبة السياسية العراقية - زيف وتزييف
- فلسفة البديل العراقي
- أزلام السلطة ورجال الدولة 2-2
- أزلام السلطة ورجال الدولة -1-2
- كتاب جديد لميثم الجنابي - العراق ورهان المستقبل


المزيد.....




- رسالة مصرية إلى أمريكا حول التدخل الإسرائيلي في سوريا
- توافق على خارطة طريق لحل الأزمة بين الدروز والحكومة السورية ...
- بسبب الحصار الإسرائيلي.. الجوع يقتل 57 فلسطينيًا في غزة
- مطالب بوقف التمويل الحكومي لحزب -البديل- بعد تصنيفه -يمينيا ...
- مصر.. قرار من النيابة في اتهام البلوغر -رورو البلد- بنشر الف ...
- اقتحامات وتهجير وتدمير للممتلكات العامة والخاصة في جنين وطول ...
- بيسكوف يحدد هدف وقف إطلاق النار الذي اقترحته روسيا بمناسبة ي ...
- ماسك يصف استبعاد القوى اليمينية من الانتخابات في دول أخرى با ...
- منظومات -Pantsir-S- تحمي سماء روسيا
- منظومة -غراد- الروسية تستهدف مربع تمركز للقوات الأوكرانية


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - القوى الصغرى والأوهام الكبرى