أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - الخلافات الأمريكية التركية في عام 2021















المزيد.....



الخلافات الأمريكية التركية في عام 2021


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 6840 - 2021 / 3 / 14 - 15:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقابل سعي تركيا للاستقلال الاستراتيجي بمعاملة صارمة من قبل إدارة بايدن ، وهذا الموقف الأمريكي من غير المرجح أن يغير نهج الرئيس أردوغان الأحادي الجانب ، لكنه قد يساعد في الحفاظ على روابط مؤسساتية معينة بين البلدين.

لقد كانت العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين ، الولايات المتحدة وأوروبا ، في مسار هبوطي ثابت منذ حوالي ثماني سنوات. ورغم أن الرئيسين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان أقاما علاقة على قدر من الوئام ، فإن تعاملاتهم الشخصية لم تتطرق إلا إلى الاختلافات الهيكلية التي تقوض العلاقة. ونظرًا لأنه من غير المحتمل أن يواصل الرئيس جو بايدن نهج سياسة عدم التدخل الذي اتبعه ترامب ، فإن العديد من هذه الخلافات المحتدمة يمكن أن تنفجر في عام 2021 وتؤدي إلى تمزق أعمق في العلاقات بين البلدين. وهناك تغيير في اللهجة والنهج من الإدارة الأمريكية الجديدة ، إذ يمكن للعديد من القرارات الاستراتيجية الأمريكية الرئيسية أن تحدد اتجاه تركيا لسنوات قادمة.
في الواقع ، مع انخراط تركيا عسكريًا في سوريا والعراق وليبيا - ومع الخلاف مع اليونان وقبرص ومصر وفرنسا حول الحدود البحرية لشرق المتوسط وموارد الطاقة المحتملة – هناك ارتفاع في نقاط التوتر المحتملة بين الولايات المتحدة وأوروبا ودول جوار تركيا من جهة وبين تركيا من جهة أخرى . ولا يزال احتمال قيام تركيا بتنشيط نظام الدفاع الجوي إس -400 الذي تم شراؤه من روسيا مؤخرا أو السعي لتعاون أعمق مع موسكو ردًا على العقوبات الأمريكية يهدد العلاقة الاستراتيجية الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة وتركيا. هناك تهديد أمريكي بفرض عقوبات على بنك خلق المملوك للدولة في تركيا لإخلاله بالعقوبات المفروضة على إيران يؤثر على الاقتصاد التركي الضعيف حاليا . وقد يؤدي ضعف الليرة وعجز الاقتصاد الحالي المستمر لتركيا ، إلى جانب استنفاد أنقرة لاحتياطاتها من العملات الأجنبية ، إلى مزيد من الاضطرابات الاقتصادية ، وربما المزيد من القمع من جانب الرئيس أردوغان لمنتقديه المحليين في تركيا. في ليبيا ، أعاق وقف إطلاق النار الهش حتى الآن الوصول إلى مرحلة جديدة من هذا الصراع المدوّل ، و تركيا تقف ضد مجموعة من اللاعبين الإقليميين في دعم الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة. والصراع الليبي الآن مرتبط أيضًا بمواجهة أوسع بين تركيا وجيرانها اليونانيين حول قبرص ، وترسيم الحدود البحرية ، واستكشاف الطاقة.
وفي شمال سوريا ، تحمل المناوشات المتكررة على طول خطوط السيطرة المتوترة والمعقدة خطر التصعيد إلى اشتباكات مباشرة مع الحكومة السورية وروسيا وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة . وفي ناغورنو كاراباخ ، تمت إعادة صياغة خريطة القوقاز بسرعة ، في مواجهة بين تركيا وروسيا مرة أخرى ، والمراقبون من الجانبين والقوات التي تعمل بالوكالة لكل أطراف الصراع على مقربة شديدة على طول الحدود المتنازع عليها . يعيق كل هذه القضايا خط السياسة الخارجية الحازم والمستقل لتركيا في عهد الرئيس أردوغان وتنسيقه الوثيق ، وإن كان مشحونًا بالتوترات ، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - وهي الاتجاهات التي دفعت الكثيرين في حكومة الولايات المتحدة إلى التساؤل عما إذا كانت تركيا لا تزال حليفًا ملتزمًا تمامًا للولايات المتحدة.
يناقش هذا البحث الظروف التي يمكن أن تشكل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في ظل الإدارة الجديدة قبل تحديد نقاط التوتر المحتملة ومحاولة توفير توقعات المخاطر لعام 2021. بينما تتداخل هذه التحديات وتؤثر على بعضها البعض يأتي في طليعتها قرار الرئيس أردوغان بشأن منظومات إس -400 الدفاعية الروسية إضافة إلى قضايا أخرى تشكل موقف الولايات المتحدة نحو النظام التركي الحالي يمكن تصنيفها في ثلاث فئات رئيسية هي : أولا - حقوق الإنسان ، والديمقراطية ، وسيادة القانون. ثانيا- المشتريات الدفاعية والمواءمة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. ثالثا- الصراعات الإقليمية والتصرفات الانتقامية من النظام التركي تجاه جيرانه . إن تعقيد هذه المشكلات والسرعة التي تتغير بها يجعل من الصعب تقديم توصيات شاملة فيما يخص العلاقات الأمريكية التركية . وبالمثل ، لا يمكن لنهج واحد موحد - بقدر ما قد يكون مرضيًا - أن يلائم كل هذه المواقف المختلفة ويجمعها في إطار واحد. ومع ذلك ، يسعى هذا البحث إلى تقديم بعض الأفكار لاستكشاف الاستجابة تجاه بؤر التوتر في عام 2021.
في الحقيقة ، تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كبير في تركيا ، حليف الناتو الذي يعتمد أمنها الاقتصادي والعسكري إلى حد كبير على حلفائها الغربيين. وتشكل تركيا المرتبة الرابعة من أكبر خمس أسواق تصدير لتركيا في عام 2020 – وتحتل المرتبة الثامنة من أكبر 10 أسواق - أعضاء في حلف الناتو. ومع ذلك ، فإن مصلحة الولايات المتحدة تكمن في تركيا مستقرة وديمقراطية، تكون جزءًا من الناتو، وقادرة على المساعدة في مواجهة روسيا ، وإدارة أزمة اللاجئين، والعمل مع واشنطن في الشرق الأوسط. ويتعين على إدارة بايدن ، مثل تلك التي سبقتها ، أن توازن بين هذه المصالح الأساسية، وحقيقة أن الخطوات العقابية المفرطة من جانب الولايات المتحدة يمكن أن تشل الاقتصاد التركي، بينما لا تفعل شيئًا يذكر لتعزيز ديمقراطيتها، أو دفع أنقرة بعيدا عن موسكو. لذلك لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون متشددة في كل الجبهات أو إحداها مع تركيا . ولا يمكن للضغوط الأمريكية أو الأوروبية أن تنقذ تركيا من نظام حكم أردوغان المبني في الأساس على أصول دينية. لن يغير الرئيس التركي خطوطه أو يخفف بشكل كبير قمعه الداخلي وإجبار الناس على التصرف بما يريده تحت الإكراه . لكن تركيا ستجري انتخابات في عام 2023 أو قبل ذلك ، وهناك فرصة حقيقية لخسارة أردوغان في الانتخابات . لذلك يمكن للولايات المتحدة وأوروبا السعي والتنسيق للإشارة إلى خطوط حمراء واضحة وردود موثوقة لردع المزيد من التصعيد التركي في أماكن تواجد تركيا ، في شمال سورية وليبيا وشرق المتوسط و ناغورنو كاراباخ . و من أجل أن يكون لهذا التنسيق تأثير ، ويجب أن تكون الاستجابات مهمة ويجب إنفاذها تجاه تركيا ، ولكن يجب أن تكون قابلة للعكس بسهولة إذا غيرت الانتخابات المقبلة نظام أردوغان .
وإلى جانب محاولة الردع ، يجب على الولايات المتحدة الانخراط في تعاملات صارمة مع تركيا ، والسعي إلى إبطاء الدورة التصعيدية التي تقوم بها تركيا و التي لا يمكن إيقافها ، و البيروقراطية والفساد والنزاعات العامة التي تقوم على أسس عاطفية أو على أساس النكاية ، وتجزئة الخلافات المنفصلة العديدة التي تواجهها الدول التي لها علاقة بتركيا . وإذا أخذنا كل تصرفات النظام التركي بالاعتبار ، يتوقع أن يكون هدف الادارة الجديدة هو وضع العلاقة مع تركيا في الثلاجة - والحفاظ على الروابط المؤسساتية حيثما أمكن ذلك - على أمل أن يتم إحياء العلاقات بشكل أكثر جدوى في المستقبل. في حين أن بعض جوانب السياسة التركية الحالية قد تستمر في ظل الحكومات التركية المتعاقبة والمحتملة ، فإن معظم التحالفات السياسية المحلية البديلة المحتملة تشير إلى وجود موقف مخفف ، ويمكن أن تتلاشى البصمة الخاصة بأردوغان المتسمة بالأحادية العدوانية تجاه الخصوم في الداخل التركي والدول المجاورة لتركيا. وعلى القادة الأمريكيين والأوروبيين أن يفهموا أن هناك كل احتمال كبير لفشل هذا النهج في كبح جماح أردوغان ؛ ومن المرجح أن يتصاعد جماح رجل تركيا العثماني النزعة السلطاني التصرف على جبهات متعددة في الفترة التي تسبق حملة إعادة انتخابه. يجب أن تستعد الولايات المتحدة من خلال بناء شراكات مع أوروبا لمضاعفة النفوذ على تركيا ، ورسم خطوط حمراء للرئيس التركي من خلال إنشاء خطوط اتصال وفك الخلافات بشكل استباقي حتى لا يأتي هذا التصعيد كمفاجأة. العلاقة الأمريكية التركية في غاية التعقيد حاليا ويصعب على الإدارة الأمريكية الجديدة تغيير مواقفها المعلنة لأسباب متعددة كما يصعب على الرئيس التركي التراجع عن سياساته التي يتبعها منذ سنوات إضافة إلى وجود المؤثر الروسي على سياسات الرئيس التركي .
إدارة أمريكية جديدة
ترث إدارة بايدن علاقة أميركية تركية في أضعف حالاتها منذ ما يقرب من عقد من التوتر المتزايد والثقة المتدهورة. إن سلسلة الخلافات السياسية الحادة بين واشنطن وأنقرة طويلة ومعروفة ، وتتمحور في المقام الأول حول موقف تركيا الاستبدادي في عهد الرئيس أردوغان ، وإحجام الرئيس باراك أوباما في البداية عن إنشاء مناطق آمنة في سوريا والقرار اللاحق بدعم وحدات حماية الشعب ذات الأغلبية الكردية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، وقرار أنقرة شراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس- 400 ، و خلافات أخرى يصعب حصرها في هذا البحث .
تعود جذور العديد من هذه الخلافات إلى محاولة الرئيس أردوغان الذي ينتمي لحزب العدالة والتنمية اتباع سياسة خارجية ودفاعية تركية أكثر حزماً واستقلالية. تحت حكم أردوغان ، تدخلت تركيا عسكريًا في سوريا والعراق وليبيا والقوقاز وقامت بإنشاء قواعد عسكرية في قطر والصومال ، إلى جانب وجودها الطويل في شمال قبرص ، ومحاولة توسيع نفوذها في البحر الأحمر. لقد عملت تركيا باستمرار على تطوير إنتاجها الحربي المحلي ، بما في ذلك الطائرات المسلحة بدون طيار والتي استخدمت بتأثير مدمر في القتال الأخير في ناغورنو كاراباخ ، حيث ساعدت تركيا حليفتها أذربيجان على استعادة الأراضي المتنازع عليها والتي فقدتها قبل عقود من المنافسة المشتركة مع أرمينيا. قدمت أنقرة أيضًا مطالبات بحرية جديدة مهمة وعديدة في المياه المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط ، مما أدى إلى توترات شديدة مع اليونان وقبرص وفرنسا.
يطمع الرئيس أردوغان وأنصاره في حزب العدالة والتنمية بجذوره الدينية بأن هذه الإجراءات خطوات ضرورية ومناسبة لإعادة تركيا إلى ما يعتبرونه لاعباً إقليمياً مهيمناً وقوة عالمية كبرى ، فضلاً عن تصحيح ضروري لإهمال الغرب للمصالح السيادية لتركيا وتطويقها الدائم منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية من قبل الدول المعادية. لكن بالنسبة للكثيرين في حكومة الولايات المتحدة ، فإن محاولات تركيا العدوانية لإعادة رسم النظام الإقليمي ما هي إلا تطلعات متهورة ، و القرب من بوتين أمر غير مقبول على الإطلاق من أي حليف في المعاهدة ؛ يبدو أن تركيا تريد جميع مزايا عضوية الناتو مع التنصل من المسؤولية الأساسية في تكوين جبهة موحدة تجاه روسيا. و يجادل الكثيرون في واشنطن بأن تصرفات تركيا هي التي قلبت بعض جيرانها ضدهم ، في حين أن سعيها الحثيث لتحقيق أهداف إقليمية لا يولي اهتمامًا كبيرًا لمصالح الولايات المتحدة.
وقد دفع هذا الرأي العديد من خبراء السياسة الأمريكية وموظفي الخدمة المدنية في الحكومة للدعوة إلى اتخاذ موقف أكثر حزما تجاه تركيا ، لا سيما فيما يتعلق بعلاقة أردوغان مع الرئيس بوتين . لقد أصبحت المواقف أكثر تشددًا في مبنى الكابيتول هيل ، حيث انجرفت مخاوف الكونغرس تجاه تركيا بشأن حميمية ترامب مع بوتين وتقاربه مع الحكام المستبدين. وكان النهج الناتج عن حقبة ترامب تجاه تركيا غير متماسك ومشتت بين التحركات المتعمدة لبعض المسؤولين الحكوميين للتحوط من رهانات الولايات المتحدة على تركيا ، وتجاه عداء الكونغرس ، ومعاملة الرئيس ترامب الصريحة والودية للرئيس التركي والتخلي عن المواقف السياسية الأمريكية بناءً على طلب أردوغان . في الواقع ، لقد بدا أن الرئيس ترامب يستمتع بالتعامل مع أردوغان ، الذي يمكن أن يعمل دون قيود في تركيا ، على الرغم من بعض المؤشرات المؤكدة على تراجع شعبيته.
وبالتالي ، فإن فترة الرئيس ترامب في منصبه مثلت فترة مشوشة في تدهور طويل الأمد للعلاقات الأمريكية التركية - وهي فترة توقف تحققت أساسًا من خلال الإذعان، على المستوى الرئاسي ، للعديد من المطالب التركية المتواصلة. وبالنسبة لأنقرة ، فإن تقارب ترامب مع أردوغان قد وفر مسارًا حول الشكوك العميقة الأوسع لدى الحكومة الأمريكية تجاه تركيا ؛ واستخدمت أنقرة مرارًا العلاقة الشخصية للرئيسين الأمريكي والتركي للالتفاف على السياسات الأوسع التي تفضلها الإدارة الأمريكية أو لقلبها. لقد ظهرت هذه الديناميكية في إعلاني ترامب عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ، و تراجع بعد ذلك عنهما جزئيًا ، وأعقب كل منهما مكالمات هاتفية مع أردوغان. لقد كان واضحًا أيضًا في رفض ترامب فرض العقوبات المفروضة بموجب قانون محاربة أعداء أمريكا من خلال العقوبات بسبب شراء تركيا لمواد دفاعية روسية مهمة ، وكذلك في تدخل الإدارة في القضية المرفوعة ضد المدراء التنفيذيين في بنك خلق التركي للالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران. وأصبحت العلاقة الثنائية بين البلدين شخصية للغاية على مستوى القادة لدرجة أنه كان من الصعب استخلاص نقطة توقف سياسة الحكومة الأمريكية أو التركية.
لقد أدى نهج ترامب المتمثل في عدم التدخل إلى تفاقم الاضطرابات الدراماتيكية في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط. مما لا شك فيه ، أن النيران اشتعلت في المنطقة قبل أن يتولى ترامب منصبه ، وبدأت التدخلات العسكرية الأكثر مباشرة لتركيا في الخارج في أعقاب محاولة الانقلاب في تركيا في عام 2016 . لكن ترامب ألقى البنزين على النار بالنسبة للعديد من الجهات الإقليمية الفاعلة ، ومن بينها تركيا، كان يُنظر إلى عدم اهتمام ترامب الواضح بالمنطقة - باستثناء إيران - على أنه فرصة لإعادة رسم الوضع الراهن لصالحه أو ، في بعض الحالات ، تهديد يتطلب ردودًا سياسية أكثر قوة. مع تغيب الولايات المتحدة عن دورها التقليدي في التوسط والتحكيم في النزاعات ولعب دور نزيه في المشكلات - وعلى الرغم من أنها فعلت ذلك بطريقة غير متساوية في السابق - كانت الجهات الإقليمية الفاعلة أكثر استعدادًا لإلقاء ثقلها في المنطقة فتأجل حل جميع المشكلات العالقة. و جاء هذا التأكيد بمصطلحات أمنية جديدة صارمة من خلال التدخلات العسكرية المباشرة أو عمليات نشر القوات الوقحة بالوكالة - وغالبًا ما اشتمل ذلك على استخدام عتاد عسكري أمريكي الصنع. كما لعبت الاتجاهات الأوسع حول استخدام الميليشيات والحرب بالوكالة والطائرات المسيرة بدون طيار ، والتي توفر مقياسًا فضفاضا للإنكار وخفض التكاليف بالنسبة للمعتدين ، دورًا في هذه العسكرة الإقليمية. بالتأكيد ، يمكن لدول مثل تركيا أن تتصرف بشكل كامل دون أعباء أي خطر من اللوم الأمريكي أو العالمي لانتهاكات حقوق الإنسان أو تسجيل التراجع الديمقراطي ، وهي قضايا سقطت بالكامل مع الرئيس ترامب وفريقه الحاكم .
ومن المرجح أن يعكس الرئيس بايدن العديد من هذه الاتجاهات السياسية والعسكرية. يكاد يكون من المؤكد أن الرئيس سينزع الطابع الشخصي عن العلاقة الرئاسية ويعمل على سد الفجوة بين مواقف البيت الأبيض من تركيا ومواقف الحكومة الأمريكية وكذلك الكونجرس من القضايا البيروقراطية والفساد. وهذا بدوره يعني على الأرجح استئناف التعديل البطيء لموقف الولايات المتحدة تجاه تركيا من خلال تراجع الولاء التركي للتحالف الغربي - وهو تعديل أوقفه ترامب جزئيًا. إن تعليقات بايدن حول تركيا خلال الحملة الانتخابية ، وخاصة عندما وصف أردوغان بـ "المستبد" الذي يجب أن "يدفع الثمن" لقمعه لشعبه ، دفعت الكثيرين إلى افتراض أنه سيتخذ موقفًا أكثر تشددًا تجاه تركيا . في الواقع ، أدى هذا التوقع إلى تفضيل خفي بالكاد في أنقرة لولاية ثانية لترمب - ومن غير المرجح أن تستلطف أنقرة فريق بايدن.
ومع ذلك ، من غير المرجح أن يتجه بايدن إلى نهج عقابي انعكاسي تجاه تركيا.هناك طريقة أكثر فائدة للتفكير في الآفاق وهي التركيز على ما سيعنيه سد الفجوة بين المراتب المهنية في بيروقراطية الحكومة الأمريكية والبيت الأبيض بعبارات ملموسة. وقبل الدخول في تفاصيل هذه التحولات ونقاط التوتر المحتملة في السياسة الأمريكية التركية ، من الممكن إجراء بعض الملاحظات العامة . أولاً ، من المرجح أن تكون السياسة الأمريكية أكثر اتساقًا تجاه تركيا - ولن يكون أردوغان قادرًا على قلب السياسة الأمريكية بدعوة واحدة للبيت الأبيض . ثانياً ، ستعود حقوق الإنسان والديمقراطية ومحاربة الفساد إلى جدول الأعمال الأمريكي تجاه تركيا . يهتم بايدن بهذه القضايا ويثيرها ، وهو خروج عن ترامب قد يغضب أردوغان. ثالثًا ، لطالما كان بايدن متعاطفًا مع الحقوق السياسية والثقافية للأكراد وساعد في تنظيم الحملة التي قادها الأكراد والتي هزمت تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. ومن المرجح أن يحافظ على دعمه لقوات سوريا الديمقراطية ، الأمر الذي سيستمر في إثارة غضب الحكومة التركية، لكن لن يذهب الرئيس ترامب. رابعًا ، سيعزز بايدن بالتأكيد التزام الولايات المتحدة تجاه الناتو والعلاقة الأوسع مع أوروبا. ويمكن أن يؤدي إعادة الارتباط هذه إلى قطع عدة طرق على تركيا ، ليس فقط لأهميتها بالنسبة لحلف الناتو ولكن أيضًا لعلاقاتها المعقدة مع روسيا ونزاعاتها مع حلفاء الناتو اليونان وفرنسا.

المصادر الرئيسية لعدم الثقة تعقد هذه الصورة العامة. ومن المفترض أن تتخذ إدارة بايدن موقفًا أكثر تشددًا تجاه روسيا ، لكن مدى هذا التحول ليس واضحًا بعد وسيؤثر على قرارات الرئيس بشأن تركيا وسوريا وليبيا وإيران وحلف شمال الأطلسي. يضيف الكونجرس طبقة إضافية من التعقيد في محاولة التنبؤ بسياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا نظرا إلى المدى الذي دفع به الكابيتول هيل التطورات في السنوات الأخيرة. هناك دائمًا احتمال لوقوع أحداث غير متوقعة في قلب الصورة السياسية المرسومة - على سبيل المثال ، وصول جائحة كورونا غير المتوقع . لكن قبل كل شيء ، السؤال الرئيسي هو كيف سترد تركيا إذا ضغطت إدارة بايدن بقوة أكبر قليلاً مما اعتادت عليه أنقرة. هل سيضاعف الرئيس أردوغان موقفه الحازم ، وربما يؤدي إلى انهيار كامل في العلاقات مع الغرب؟ أم أنه سيلقي الضوء على تورط تركيا العميق في ثلاثة صراعات إقليمية مع اقتصاد متهالك أم يسعى إلى قدر من التوافق؟




نقاط التوتر المحتملة
على الرغم من مصادر عدم اليقين هذه ، هناك بعض النقاط الساخنة التي يمكن التنبؤ بها في العلاقات الأمريكية التركية يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية: الأولى -حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. والثانية - المشتريات الدفاعية من روسيا والمواءمة الاستراتيجية ؛ وثالثا - الصراعات الإقليمية والحروب الانتقامية.

حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون:
الصورة في تركيا قاتمة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. في الواقع ، لقد تدهورت الأمور داخل تركيا كثيرا وهي أحد الأسباب التي تجعل هذه المجموعة من القضايا يمكن أن تثير التوترات بسهولة ، و من غير المرجح أن تكون الشرارة لتمزق العلاقات بين بلدين . تقليديا ، تثير الإدارات الأمريكية مخاوف بشأن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في تركيا ولكنها في النهاية تخضع للضرورات الجيوسياسية. شدد بايدن وفريقه على أهمية الالتزام الصادق بالديمقراطية وحقوق الإنسان في تركيا . وبالتأكيد ، على عكس ترامب ، يثير الأمريكان هذه القضايا بانتظام ، ومن المحتمل أن يزعجوا أردوغان بين الحين والآخر بشأن هذه القضايا . سيتعين على الإدارة الجديدة أن تفكر فيما إذا كانت سترجح الأولوية الحقيقية لهذه المخاوف على ضرورات السياسة الواقعية لإدارة الأزمات التي تعصف بالمنطقة. تثير الديناميكيات الأخيرة أسئلة جديدة: إذا كان يُنظر إلى تركيا على أنها شريك غير موثوق به في القضايا الإقليمية أو في مواجهة روسيا ، فهل ستكون الولايات المتحدة أكثر مباشرة في انتقاداتها الموجهة لتركيا؟ وهل فقدت الولايات المتحدة اهتمامها الأساسي بتركيا مستقرة وديمقراطية - وكيف ينبع الاستقرار المنشود من المؤسسات الديمقراطية العاملة في البلاد ؟
لقد قام أردوغان بسجن المعارضين السياسيين ، وقام باستبدال الحكومات البلدية المنتخبة حسب الأصول ، وأجبر على إعادة الانتخابات ، وكمم صوت الصحافة ، وتولى سلطات استبدادية مباشرة وغير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي . في الواقع ، كان الرد العنيف على احتجاجات حديقة جيزي في عام 2013 جزءًا غالبًا ما يتم تجاهله كجزء من انهيار العلاقات الأمريكية التركية فقد استثمر الرئيس أوباما قدرًا كبيرًا في العلاقة مع تركيا لكنه تحول إلى نمط تعامل أكثر تشددا بعد حملة أردوغان . وتفاقم الوضع بشكل كبير مع استئناف الصراع التركي الكردي في عام 2015 ومحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في عام 2016 ، حيث ألقي باللوم فيها على أتباع حليف أردوغان السابق فتح الله غولن. ولم يكن أردوغان راغبًا تمامًا في تقديم إيماءات تصالحية في قضايا السجناء السياسيين البارزين مثل المحسن عثمان كافالا أو الزعيم الكردي صلاح الدين دميرطاش. وهناك حوالي 20 أمريكيًا مسجونين في تركيا حلت منها واحدة بارزة: قضى العالم التركي الأمريكي سيركان جولج عقوبته في السجن بعد محاكمة صورية ، بينما تم الإفراج عن القس أندرو برونسون بعد ضغوط شديدة وعقوبات من الحكومة الأمريكية ، بما في ذلك الرئيس ترامب. كما أدانت تركيا الآن ثلاثة موظفين أتراك في البعثات الدبلوماسية الأمريكية في تركيا هم: حمزة أولوجاي ، متين توبوز ، نظمي ميتي كانتورك بتهم تقول الولايات المتحدة إنها لا أساس لها من الصحة .
وبالتالي يمكن أن تأتي نقطة القرار الأولى في يوم ذكرى الأرمن في 24 نيسان ، حيث ستتوج مرة أخرى ضغوط قوية من قبل الأرمن في الشتات والكونغرس الأمريكي والحكومة التركية حول ما إذا كان سيتم وصف فظائع عام 1915 بأنها إبادة جماعية. لم يصل الرئيس أوباما إلى حد الاعتراف الصريح ، لأنه لم يرغب في إثارة غضب تركيا ، التي استدعت سفيرها من واشنطن في عام 2007 بسبب اعتراف لجنة تابعة للكونغرس بالإبادة الجماعية، واستدعت سفيرها من برلين بعد خطوة مماثلة قام بها البوندستاغ في عام 2016 . خلال الحملة الرئاسية ، تعهد بايدن بدعم قرار يعترف بالإبادة الجماعية - على الرغم من أن أوباما قدم تعهداً مماثلاً ، لكنه لم ينفذه. تترك الصياغة الدقيقة لتعهد الحملة الانتخابية للرئيس بايدن مجالًا للمناورة ، على الرغم من أن الكونجرس أصدر قرارًا في عام 2019 يصف عام 1915 بأنه إبادة جماعية ، مما يدل على أن الأصوات على الأرجح موجودة ؛ ودفع هذا القرار المتحدث باسم الرئاسة التركية إلى القول قرار الكونغرس "يعرض مستقبل علاقاتنا الثنائية للخطر". وإذا تابع بايدن ذلك ، فقد يكون رد فعل أنقرة قاسياً، بالنظر إلى قومية أردوغان الشائكة واعتماده على حزب الحركة القومية المتطرف ، فضلاً عن التوترات المتزايدة حول الصراع في ناغورنو كاراباخ. وقد يكون هذا تلميحًا مبكرًا إلى اللهجة التي سيتخذها بايدن مع تركيا ، ومن المرجح أن تفسرها أنقرة على هذا النحو.
يمكن أن تظهر نقطة توتر أخرى يمكن التنبؤ بها إذا أوفى الرئيس بايدن بتعهده ، في عامه الأول ، "باستضافة قمة عالمية من أجل الديمقراطية لتجديد الروح والهدف المشترك لدول العالم الحر ... لتقوية مؤسساتنا الديمقراطية ، ومواجهة الدول التي تتراجع وكي نصوغ أجندة عمل مشتركة ". وتركيا ، في أحسن الأحوال ، ديمقراطية متراجعة. وإذا أوفى بايدن بهذا الوعد ، فإما أن تركيا لن تتلقى دعوة للحضور - مما يثير غضبًا في أنقرة - أو ستواجهها إدارة بايدن بسبب عيوبها الديمقراطية ، ومن المؤكد أنها ستثير غضبًا مماثلًا من أردوغان وأنصاره وحزبه الحاكم.
يمكن أن تعقد مثل هذه القمة خلال عام من التدهور المستمر في أوراق اعتماد تركيا الديمقراطية لدى الولايات المتحدة . وتتمثل إحدى الجبهات الناشئة في قانون أنقرة الصارم الجديد لوسائل التواصل الاجتماعي المصمم لخنق النطاق الترددي وفرض غرامات على المنصات التي لا تشارك في ترتيبات رقابة حكومية أكثر كفاءة. وقد دخل القانون حيز التنفيذ في عام 2020 ويهدف إلى وقف تدفق المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ، والتي يرتبط استخدامها بآراء انتقادية لحزب العدالة والتنمية ، وازدادت أهميتها مع الأتراك الذين فقدوا الثقة في وسائل الإعلام الرئيسية التي تسيطر عليها الحكومة. ولكن بالإضافة إلى خنق المعارضة ، فإن القانون يستهدف الشركات الأمريكية في المقام الأول في طريقة للتنفيذ. فقد بدأت الحكومة التركية في فرض غرامات في تشرين الثاني وكانون الأول عام 2020 ، وقد تتصاعد خطوات الإنفاذ هذه إلى خنق عرض النطاق الترددي في نهاية المطاف في عام 2021 ، مما قد يؤدي إلى نقطة توتر أخرى.
هناك قضية أخرى من المحتمل أن تتأجج في عام 2021 وهي محاكمة بنك خلق التركي المملوك للدولة بتهمة التهرب من العقوبات الأمريكية على إيران ومن المقرر أن تبدأ المحاكمة في الأول من أذار 2021. ومن غير المرجح أن يفلت البنك من العقاب. وكان رئيس المحكمة قد حكم بالفعل على مدير بنك خلق محمد حقان أتيلا بناءً على نفس الأدلة ورفض جهود بنك خلق لتأجيل القضية. ومع ذلك ، يصعب تحديد الجدول الزمني الدقيق ؛ وقد تعرض بنك بي إن بي باريباس الفرنسي سابقًا لغرامة قدرها 8.9 مليار دولار بسبب انتهاكات مماثلة للعقوبات الأمريكية على إيران على الرغم من الضغط الفرنسي على الولايات المتحدة لإلغاء القضية ، وعلى الرغم من أن هذه التسوية كانت نتيجة ملحمة تعاونية في الغالب ، إذ طال أمدها ، بين المحققين الأمريكيين و المصرف. ومع ذلك ، سقطت غرامة بنك بي إن بي باريباس الفرنسي في حكم أصدرته نفس المحكمة الجزائية الأمريكية التي نظرت في قضية بنك خلق التركي.
وبعيدا عن موعد صدور الحكم والغرامة ، فمن المؤكد أن تثير المحاكمة رد فعل غاضب من أنقرة. فقد استثمر الرئيس أردوغان جهودًا شخصية كبيرة للضغط على إدارتي أوباما وترامب للتخلي عن القضية وجعلها نقطة انتصار سياسي محلي ، لكن من دون جدوى. وقد ترك هذا الفشل الرئيس التركي في موقف لا يحسد عليه: فإذا تراجع ، فإن مكانته في الداخل ستعاني الكثير و إذا رفض مصرف خلق الغرامة بناءً على طلب منه ، فقد يُمنع من إجراء المعاملات المالية عبر المؤسسات المالية الأمريكية التي تسيطر على معظم القنوات المالية الدولية ، مما يؤدي إلى إعاقة آفاقه التجارية وربما يستلزم إنقاذًا من خزائن الدولة التركية المتوترة بالفعل أصلا . وعندما كان بايدن نائبا للرئيس ، رفض طلبًا شخصيًا من أردوغان للتدخل في مرحلة مبكرة من التحقيق ؛ واليوم وهو رئيس الولايات المتحدة ، سيكون احتمال تدخله في عملية قضائية مستقلة شبه مستحيل ، خاصة وأن الرئيس بايدن حريص على البدء في إصلاح معايير استقلال القضاء التي تضررت بشدة في عهد إدارة ترامب.
يأمل المراقبون أن تؤدي الظروف الاقتصادية اليائسة التي تعيشها تركيا حاليا نتيجة سياسات الرئيس أردوغان غير المتوازنة - وغياب الانتخابات التركية المقررة حتى عام 2023 - إلى تخفيف حدة نهج أردوغان ، في الداخل والخارج. ويشير أولئك الذين يقدمون هذه الفكرة إلى استقالة صهر أردوغان بيرات البيرق كوزير للمالية كإشارة قبول ، وكذلك إلى تعليقات أردوغان التصالحية بشأن بايدن وبيانه القائل "إننا نرى أنفسنا جزءًا لا يتجزأ من أوروبا ... نحن لا نصدق أن لدينا أي مشاكل مع دول أو مؤسسات لا يمكن حلها من خلال السياسة والحوار والمفاوضات ". وبالتأكيد ، وبعد أن استنفدت تركيا احتياطاتها من العملات الأجنبية في محاولة فاشلة للدفاع عن الليرة ، ومع اقتصادها - القائم على السياحة والبناء وصادرات الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة المنخفضة - الذي ضربته الحرب على سورية والتدخل التركي فيها و أزمة فيروس كورونا ، فإن تركيا بحاجة ماسة إلى التمويل الخارجي. إن تحسين سيادة القانون يمكن أن يطمئن المستثمرين الحذرين في التعامل مع بلد مضطرب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا .
لكن هذا التفكير قائم على التمني بتجاهل الإجراءات التركية الأخيرة وسنوات عديدة من السوابق والأخطاء . إن الحجة القائلة بأن "أردوغان سيعتدل الآن بعد انتهاء الانتخابات" ، وسيعيد صياغة سياساته ، ثبت أنها خاطئة عدة مرات كما تم في السابق. هذا المنطق يتجاهل الحقائق البنيوية لنظام حزب العدالة والتنمية والفساد الراسخ ورأسمالية المحسوبية التي يدعمه الحزب الحاكم ورئيسه. و من غير المرجح إجراء انتخابات مبكرة في عام 2021 ، مع وجود الاقتصاد في مثل هذا الوضع الرهيب من السوء، ودعم أردوغان في حالة من الانحدار المنخفض ، فإن الديناميكيات الأساسية لتحالف أردوغان الداخلي وجهوده للعب على خطوط التصدع في الائتلاف الانتخابي المعارض تشير إلى استمرار الصعوبة وسط غمرة تجاهله للقضية الكردية في تركيا وهي أحد المحركات الرئيسية للقمع الحكومي وانتهاكات حقوق الإنسان. يعتمد الرئيس أردوغان أكثر من أي وقت مضى على شركائه في الائتلاف الوطني المتطرف في حزب الحركة القومية ، سواء على المستوى الانتخابي أو البرلماني أو في إدارة جهاز الدولة. ولا يمكن لأردوغان أن يخفف موقفه من المسألة الكردية دون أن يخسر الجناح القومي. لذلك ، فإن احتمالات حدوث تحسن ملموس في سيادة القانون أو مناخ حقوق الإنسان في تركيا قاتمة. وقد أوضح أردوغان بإيجاز العلاقة بين المسألة الكردية والتدهور العام لسيادة القانون ، في كانون الأول 2020 ، حين قال : "ليس لي حق التدخل في أعمال القضاء ، لكننا لن نحمي ما يسمى حقوق إرهابي مثل صلاح الدين دميرطاش ". وهو الرئيس والمشارك السابق في حزب الشعوب الديمقراطي ، وهو حزب يساري يدعم الأغلبية الكردية ، سُجن دميرطاش منذ عام 2016 بتهم الإرهاب ، على الرغم من دعوته المستمرة للحوار السياسي السلمي والمقاومة السلمية. علاوة على ذلك ، فإن الحجة القائلة بأن الضائقة الاقتصادية ستغير هذه الحسابات الأساسية لم تثبت بعد دقتها. فقد حافظت تركيا على سياستها العدوانية ووسعتها ، في الداخل والخارج ، من خلال الأزمة المالية عام 2018 والتباطؤ الاقتصادي المؤلم بعد ذلك وخاصة بعد اغلاب البوابة السورية على العالم العربي. ومن غير المرجح أن تغير حصيلة جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية المتفاقمة حسابات أردوغان الأساسية ، وإذا كان هناك أي شيء ، فقد يؤدي فقط إلى مزيد من القمع المحلي في مواجهة تراجع الدعم الشعبي للرئيس التركي وحزبه الحاكم وخاصة جيل الشباب الذي سيصوت في الانتخابات لأول مرة .
على الأقل ، يمكن للغرب أن يتأكد من أن أردوغان سيحول أي خطوات عقابية ضد نظامه إلى قصة عدوان إمبريالي غاشم ضد تركيا وسينشئ مقاومة تركية ضد الغرب ، بالإضافة إلى إلقاء اللوم على الغرب في المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تركيا. لقد جعلت القوة السياسية لهذه القيادة التركية المعقدة - والتي تقتصر على منطقة الأناضول - العديد من المسؤولين في الغرب على الحذر من توفير أداة لأردوغان لحشد الدعم الشعبي ضد الغرب. لا يمكن للولايات المتحدة ولا حتى الاتحاد الأوروبي إنقاذ تركيا من أردوغان ؛ فقد أظهر التحدي في مواجهة كل نقد خارجي لسياساته الداخلية والخارجية. تحتاج الديمقراطية في تركيا إلى دعم متطلبات الحياة بسبب أردوغان ، والأتراك فقط هم القادرون على إعادة تنشيط ديمقراطيتهم. ومع ذلك ، يجب على إدارة بايدن إحياء الدعم الأمريكي السياسي والمادي لحقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني في تركيا. ولا ينبغي أن يستطيع الرئيس أردوغان الإفلات التام من العقاب على أفعاله الداخلية ، ويجب على الأقل أن تدخل ردود الغرب في حساباته ، حتى لو لم تغيرها. ونظرًا للقيود الموضحة أعلاه ، قد لا تختار الولايات المتحدة الأدوات العقابية ، مثل العقوبات بموجب قانون ماغنتسكي العالمي ، بل التركيز أكثر على الأدوات البناءة ، مثل دعم المجتمع المدني ، وإعادة الاستثمار في الدبلوماسية العامة ، والتحول السياسي لدعم الحقوق العالمية من المخاوف الدينية الضيقة بعيدا عن سياسات الإدارة السابقة .

مشتريات الدفاع والطاقة والمواءمة الاستراتيجية
قد يتسم هذا العام بأهمية كبيرة فيما يخص مسار المشتريات الدفاعية التركية وقضايا الطاقة ، ومرتبط بالقرارات السياسية ودراسة مدى مواءمتها الاستراتيجية.

مشتريات الدفاع
تظل الملحمة التركية مستمرة لشراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس -400 ، وهي سابقة في دول حلف الأطلسي، ورد فعل الولايات المتحدة عليها ، قضية أساسية قد تقود إلى تدهور العلاقات الثنائية من منظور الولايات المتحدة. وقد حاولت الولايات المتحدة لسنوات إلى ثني تركيا عن شراء النظام الصاروخي الروسي ، مفترضة إن راداراتها ستسمح لروسيا ببناء منظومة توقعات مفصلة لعمل طائرات الناتو - بما في ذلك طائرة إف-35 ، وهي طائرة مقاتلة من الجيل الخامس دخلت الخدمة في حلف الناتو - مما يسهل على روسيا استهداف طائرات الناتو حيثما وجدت . كما نُظر إلى عملية الشراء على أنها إشارة سياسية لمسار تركيا العام وموثوقيتها كحليف تاريخي، وخيانة للعلاقات التاريخية الجوهرية بين واشنطن وأنقرة ومكانة تركيا في العالم ، ودعما للتهديد من روسيا ، ودور ومسؤوليات حلف الناتو.
وعلى الرغم من التحذيرات المستمرة ، مضى أردوغان في شراء منظومة صواريخ إس 400 الدفاعية واستلم دفعة منها ، وردت الولايات المتحدة بإخراج تركيا من برنامج تزويدها بمقاتلات إف 35 . لقد جلب برنامج الشراء من روسيا وظائف جديدة للأتراك ومعرفة تكنولوجية جديدة لم تعتدها تركيا ، يضاف إلى ذلك نظام دفاعي جديد ومتطور أكثر فعالية وتنوع من الأنظمة الغربية . لقد حاولت الولايات المتحدة جاهدة لوقف شراء النظام الصاروخي الروسي أو عدم تنشيطه أو عدم ربطه بالمنظومات الغربية الموجودة على الأراضي التركية ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل ، وأعلنت تركيا في وقت لاحق أنها تنوي أن تشتري المقاتلات الروسية من نوع سو-35 وسو -57 في خطوة متعمدة تؤجج نيران التوتر في العلاقات التركية الأمريكية .
اعتبرت الولايات المتحدة شراء تركيا للصواريخ الروسية تهديدا للأمن القومي الأمريكي ، وعمدت إلى فرض العقوبات الاقتصادية والمالية والسياسية على عدد من الشخصيات والكيانات التركية ، وكل ماله علاقة بالصفقة التركية الروسية . لقد شملت العقوبات الأمريكية على تركيا تجميد أصول المشاركين في البرنامج الصاروخي وإيقاف أي امتيازات لتركيا في حلف الناتو ، وتجميع الأصول المالية وحظر سفر المسؤولين الأتراك وايقاف منح تراخيص السلع الأمريكية وتجميد العمليات التجارية ومحاكمة بنك خلق وقضايا أخرى أقل أهمية . حاليا تؤثر العقوبات الأمريكية على تركيا على حوالي 40% من واردات تركيا من السلع التي يدخل فيها أي منشأ أمريكي بالإضافة إلى التضييق على القنوات المالية المختلفة .
يبدو أن الجانب العسكري التقني من الصفقة الروسية التركية لم يعد واعدًا. فقد كانت صفقة صواريخ إس -400 عملية شراء ضخمة بالنسبة لتركيا وروسيا على حد سواء ، حيث كلفت مبلغا كبيرة من ميزانية الدفاع التركية السنوية. ويشير المحللون إلى أن بطاريات إس -400 مفيدة فقط إذا تم دمجها في نظام دفاع جوي أوسع ، وهي الخطوة الدقيقة التي يخشى الناتو من أنها ستجلب اقتحامات إلكترونية روسية محتملة وتسمح للرادارات الروسية ببناء توقعات مفصلة لسلوك ومزايا وخفايا طائرات الناتو ؛ و بعبارة أخرى ، من غير المرجح أن تكشف مجموعة العمل عن الحلول التقنية للالتفاف على الخلاف السياسي الأساسي. فإما أن تعكس تركيا مسارها بشأن صواريخ إس 400 الروسية وتبدأ تقاربًا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ، و تجعل استثمارها في النظام الصاروخي خطأً مكلفًا من الناحية المالية والتكتيكية ، لأن روسيا تحتضن الرئيس أردوغان وتحميه ، أو تحاول تجاوز العقوبات المتصاعدة لإكمال نظام دفاع جوي روسي كامل متكامل لكنه لن يتكامل أو يندمج مع أنظمة الناتو.
لقد كان استبعاد تركيا من منظومة التزود بطائرات إف -35 أهم خطوة عقابية تم اتخاذها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ، لكن رغم كل العقوبات الغربية والتضييق الأطلسي تستمر تركيا في توسيع تعاونها وعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا رغم أنها تقف في المقلب المعادي لروسيا في مناطق مشتعلة مثل سوريا وليبيا و وناغورنو كاراباخ ، وتشير وسائل الاعلام الروسية إلى أن تركيا وقعت عقدا جديدا لشراء المزيد من منظومات الدفاع الجوي الروسية إضافة إلى الطلبيات الأربعة السابقة . ونتيجة لذلك ، قد تتعرض تركيا لموجة جديدة من العقوبات الغربية مثل وقف تطوير أسطول طائرات إف-16 ووقف التزود بطائرات إف -35 ووقف توريد الكاميرات الرقمية من كندا التي تستخدمها تركيا في صناعة الطائرات المسيرة من دون طيار ، وإحياء الاعتراف الغربي بالإبادة الجماعية ضد الأرمن ودعم الأكراد في شمال سورية وجنوب تركيا وقطع التعاون العسكري بين تركيا وحلف الناتو ، وإذا حدث كل ذلك ستكون روسيا أكثر من مسرورة نتيجة التباعد بين تركيا والغرب وبالتالي تكون خطتها البعيدة المدى في سلخ تركيا عن حلف الناتو وشطب تاريخ مشترك من التعاون العسكري بين تركيا والناتو قد تحققت.

حلف شمال الاطلسي:
ليست قضية المشتريات العسكرية التركية من روسيا نقطة الخلاف الوحيدة بين تركيا والولايات المتحدة . فقد أعاقت أنقرة خطة حلف الناتو الدفاعية الخاصة بدول البلطيق وبولندا والتي وضعت مع ضم لروسيا لشبه جزيرة القرم كما أعاقت تركيا الكثير بين حلف الناتو وعدد من الدول الاقليمية في الشرق الأوسط والخليج العربي يضاف إليها القضية القبرصية كنقطة خلاف مستعصية بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وقد تفاقمت حالة التوتر عندما قامت فرقاطة فرنسية تحمل راية الناتو بتفتيش سفينة شحن تحمل العمل التنزاني وتحمل أسلحة إلى ليبيا وترافقها سفن حربية تركية . وفي اجتماع وزاري لحلف الناتو في 1 أيلول 2020 ، حدثت مشاحنات بين تركيا من جهة والولايات المتحدة وفرنسا واليونان من جهة أخرى حول الخلافات العديدة بين تركيا وحلف الناتو يأتي في طليعتها الخلاف اليوناني التركي المستمر منذ الحرب العالمية الثانية . ورغم كل شيء، تبقى تركيا حليفا في الخطوط الأمامية لحلف الناتو ، بما في ذلك أنشطة الحلف في ردع موسكو كما أنها تشكل الأساس للقوة البرية لحلف الأطلسي وتقود العمليات البرية للحلف بدءا من عام 2021 ، وتركيا تظل أيضا من بين أكثر أعضاء حلف الناتو قدرة بعد الولايات المتحدة عندما يتم تقييم استعدادها لاستخدام القوة جنبا إلى جنب مع عتادها العسكري ومستويات قوتها.
وتشير الدول الأعضاء المؤثرة في الناتو إلى أن التحالف قد تم إنشاؤه للدفاع عن الأنظمة السياسية الديموقراطية ، ولكن النظام التركي يستخدم تكتيكات هجينة تضعف النظام الديمقراطي التركي ، فالنظام التركي بعيد جدا عن الروح الديمقراطية التي يعلنها الغرب في أدبياته.
يعلن الرئيس بايدن أنه يتمسك بالحقوق الديمقراطية في الداخل والخارجي محاولة لإعادة المصداقية الأمريكية المتضررة نتيجة تصرفات الإدارة السابقة . والسياسات التركية الحالية تناقض توجهات الإدارة الأمريكية فيما يخص الحريات العامة والروح الديمقراطية .

الطاقة:
إن قضية الطاقة مسألة خلافية أخرى بين الولايات المتحدة وتركيا ، ولكنها ليست قضية جديدة فقد اعتمدت تركيا دائما على واردات الطاقة من روسيا ، وتتفهم الولايات المتحدة هذا الاعتماد تماما كما يحدث مع باقي دول الاتحاد الأوروبي التي تأخذ الغاز الروسي. لقد دعمت تركيا بناء خط للطاقة نحو الجنوب التركي لجلب موارد بحر قزوين عبر القوقاز إلى السوقين التركي والأوروبي. وفي وقت لاحق أعلن الرئيس بوتين إلغاء خط السيل الجنوبي المأمول منه أن يزود السوق الأوروبية بكميات كبيرة من الغاز الروسي عبر البحر الأسود ، ومن المتوقع أن يتم استبدال السيل الجنوبي بخط جديد يسمى سيل تركيا يقدم الطاقة التي تحتاجها تركيا بعد تحييد أوكرانيا . في الحقيقة تريد تركيا أن تصبح مركزا أساسيا لخطوط الطاقة القادمة من الشرق والشمال والجنوب ، كما كلفت تركيا شركة روساتوم الروسية المملوكة للدولة بناء محطة للطاقة النووية في أكويو الأمر الذي يعمق العلاقات التركية الروسية ، وهو نفس النشاط الذي يزيد الشرخ بين تركيا وحلف الناتو . وفي خطوة لاحقة أصدرت تركيا مؤخرا تراخيص لبناء الوحدة الثالثة من المحطة المقرر الانتهاء منها في عام 2023 ، ولدى الانتهاء قد يتم التوجه نحو بناء منشأة نووية فعلية في تركيا وستكون روسيا هي المسؤولة عن تشغيلها وسلامتها.
لم تكن الولايات المتحدة راضية عن قرار تركيا تعميق اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا ، لكن القضية اعتبرت ثانوية إلى أن بدأت أنقرة وموسكو أيضًا في تعميق العلاقات السياسية والعسكرية . لقد لعب اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 - وخط الرئيس ترامب المتسامح تجاه بوتين في أعقاب ذلك - دورًا أيضًا ، مما أدى إلى تعميق رغبة الكونجرس في معاقبة أولئك الذين يتعاونون مع موسكو. إن خط ترك ستريم هو في الواقع خطان للأنابيب ، تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية لكل منهما 15.75 مليار متر مكعب ؛ يخدم خط الأنابيب الأول السوق المحلي التركي وتم افتتاحه في مطلع عام 2020 ، بينما لا يزال الخط الثاني قيد الإنشاء ويهدف إلى إعادة التصدير إلى أوروبا عبر بلغاريا وصربيا والمجر. ويخاطر احتمال استكمال الخط الثاني برؤية تركيا مرة أخرى فقد يثير غضب الكونغرس الذي يستهدف موسكو . ينص قانون مكافحة الإرهاب في أمريكا الشمالية على إمكانية فرض عقوبات منفصلة بموجب المادة 232 ، والتي تتضمن استهداف خطوط أنابيب تصدير الطاقة الروسية. كانت توجيهات وزارة الخارجية السابقة قد استثنت خط أنابيب ترك ستريم 2 - وهو خط الأنابيب الثاني الذي ينقل الغاز الروسي إلى تركيا لإعادة تصديره إلى جنوب شرق أوروبا. لكن التوجيهات الصادرة في 15 تموز 2020 ، أوضحت أن "التنفيذ سيشمل ... الشطر الثاني من ترك ستريم." لكن عقوبات المادة 232 هذه التي تستهدف خطوط أنابيب الطاقة تقديرية ، على عكس عقوبات المادة 231 التي تتطلب ردًا على المعاملات الدفاعية المهمة مع روسيا. وبالمثل ، فقد منح قانون الدفاع الوطني 2019-2020 الذي تم تمريره في أيلول عام 2019 للرئيس سلطة إصدار حظر التأشيرات وتجميد الأصول على الأشخاص الذين يساعدون في بناء أي من خطي الأنابيب ، على الرغم من أنه قدم أيضًا تنازلاً عن المصلحة الوطنية يترك القرار لتقدير السلطة التنفيذية.
من غير المرجح أن تتحقق هذه العقوبات التقديرية في غياب الإجراءات التركية الإضافية لتعميق العلاقات مع روسيا. كما هو موضح أعلاه ، كانت الولايات المتحدة بشكل عام تفهم إلى حد ما اعتماد تركيا على الطاقة المستوردة ، على الرغم من أن هذه العقوبات تستهدف الصادرات إلى الداخل. على عكس شراء تركيا لمنظومات الدفاع الجوي الروسية إس -400 ، الذي يهدد أصول الناتو وحيث يبدو أن تركيا تسعى إلى توثيق العلاقات مع موسكو ضد مصالحها طويلة الأجل ، هنا ، من المرجح أن تتبع أنقرة المنطق التجاري في تعاملاتها في مجال الطاقة. كدليل على ذلك ، سعت تركيا إلى زيادة واردات الغاز من الموردين الأذربيجانيين والأمريكيين عندما جعلها انهيار أسعار الطاقة العالمية أرخص من عقود أنقرة الحالية مع شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم ، مما ترك خط أنابيب بلو ستريم الأقدم من روسيا إلى تركيا معطلاً في عام 2020. ومع ذلك ، على الرغم من هذه التحولات ، ونظرًا لأن الصفقات مع روسيا كانت عقودًا طويلة الأجل "خذها أو ادفعها" ، فقد تراكمت ديون سبع شركات تركية بنحو ملياري دولار لشركة غازبروم ، مما يمثل مسؤولية أخرى طويلة الأمد. كما أن عقوبات خط الأنابيب بموجب قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي تجلب اعتبارات أوروبية أوسع للواقع التركي ؛ في الواقع ، تركز المحادثات بشكل أساسي على خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي يجلب الطاقة الروسية إلى ألمانيا. بينما تحاول إدارة بايدن إعادة بناء العلاقات مع الحلفاء المقربين مثل ألمانيا ، وسيتعين عليها أن تزن التأثير المحتمل الواسع للعقوبات وصعوبة تنسيق المقاربات الخاصة بنورد ستريم 2 وتركستريم فيما يتعلق بتركيا ، ويجب على الإدارة الجديدة تأجيل قراراتها بشأن عقوبات خطوط الأنابيب: توفر قوة السوق التركية نفوذًا لروسيا ، تمامًا كما يمنحها العرض الروسي نفوذًا على تركيا ؛ يجب على الإدارة الجديدة أن تثبت أنها ليست عقابية بشكل انعكاسي تجاه تركيا ؛ وستكون إمكانية فرض عقوبات نفوذًا إضافيًا مخصصًا للاستخدام إذا قامت تركيا بتعميق علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا بشكل كبير.
ومع ذلك ، سيأتي عام 2021 بمزيد من الأدلة لتقييم حسابات اتخاذ القرار في أنقرة بشأن قضايا الطاقة الاستراتيجية. تنتهي حوالي 25 في المائة من عقود الغاز طويلة الأجل في تركيا في عام 2021 ، بما في ذلك الواردات عبر خط أنابيب من روسيا وأذربيجان والغاز الطبيعي المسال من نيجيريا. وعلى الرغم من انخفاض الطلب على الغاز التركي مع تقلص الاقتصاد - فانخفضت الواردات بنسبة 22 في المائة في الثلاثين شهرًا حتى تموز 2020 - وشكلت واردات الغاز الطبيعي المسال الرخيصة حصة أكبر من محفظة تركيا الاقتصادية ، مما سمح لأنقرة بخفض الواردات من روسيا بنسبة 40 في المائة في النصف الأول من عام 2020 في نفس الفترة من العام السابق. قد يكون هذا التحول مؤقتًا ، إذا جاء السعر الفوري لانتعاش الغاز الطبيعي المسال أو عقود خطوط الأنابيب الجديدة بأسعار منخفضة ، ولكنه دليل أكثر على نهج تركيا العملي بشأن الطاقة. يناقش البعض بأن تركيا يمكن أن تعمق تحولها إلى الغاز الطبيعي المسال - بما في ذلك من خلال عمليات التسليم من الحليف الوثيق قطر والولايات المتحدة - وتحويل محور الطاقة بشكل هادف بعيدًا عن روسيا. ستكون قرارات العقود التركية تجارية إلى حد كبير ، ولكن قد تكون هناك مؤشرات على التقارب الاستراتيجي.
هناك أيضًا سؤال حول من ستشارك تركيا في استغلال حقل غاز ساكاريا المكتشف مؤخرًا في البحر الأسود. يساعد هذا الحقل ،في حال نجاحه ، في تقليل فاتورة استيراد الطاقة في تركيا ويمنح تركيا نفوذًا في التفاوض على عقود استيراد جديدة. تعلن تركيا على أنها ستستغل الحقل نفسه ، لكن جيولوجيا الموقع وعمقه يفرضان تحديات تقنية هائلة ؛ و قد تحتاج تركيا إلى مساعدة من شركة طاقة كبرى لديها خبرة في مثل هذه المشاريع. و إذا دخلت تركيا في شراكة مع شركة نفط كبرى ، فقد يكون لهذا القرار آثار استراتيجية مهمة ، ومن المرجح أن تكون الشركات الروسية هي الشريك الفعلي في استثمار حقل غاز البحر الأسود . يمكن أن يضع عام 2021 تركيا على مسار متعدد السنوات من الناحيتين العسكرية الاستراتيجية والطاقة، وبالتالي ستكون تركيا لأكثر قوة في مواجهتها مع حلف الناتو وأكثر قربا من روسيا.

الصراعات الإقليمية والحروب الانتقامية:
هناك العديد من الصراعات الاقليمية التي تورطت فيها تركيا في الشرق الأوسط وساحل حوض البحر الأبيض المتوسط بالإضافة إلى دخولها في حروب بالوكالة في سورية وليبيا والقوقاز ، وقد جعلت هذه الصراعات تركيا رهينة القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو. ولا يمكن لأحد حتى الآن التنبؤ بما تخبئه الأيام لبؤر التور الاقليمية في سورية وليبيا والقوقاز . يشعر الرئيس أردوغان بأن تركيا قوة بحد ذاتها ويحاول بناء الجمهورية الثالثة بعد دستور 1982 وجمهورية أتاتورك وقد ظهر ذلك جليا من الناحية العسكرية بدءا من عام 2016. يريد الرئيس التركي أن ينتقم من الحكومة السورية والأكراد في بلاده والجوار في تصرفات أحادية الجانب تجافي المسارات السياسية للدول. ويعلن صراحة أن "القوى الخارجية مع الوقت ستتفهم أن تركيا لديها القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية وقادرة على تمزيق الخرائط التاريخية التي فرضت عليها عقب الحرب العالمية الثانية والتخلص منها. وسيفهم العالم من خلال لغة السياسة والدبلوماسية أو التجارب المريرة ...على الأرض.". في الحقيقة لم تكن الحسابات التي وضعها الرئيس أردوغان واقعية فالاقتصاد التركي والأوضاع الداخلية والخارجية صارت رهينة الإرادات الخارجية وصارت تركيا تحت مطرقة روسيا وسندان الولايات المتحدة . يضاف إلى ذلك اقتراب موعد الانتخابات التركية في ظل عداء داخلي متنام للرئيس وسط الأحزاب السياسية وجيل الشباب الذي سيشارك في الانتخابات لأول مرة بعمر 18 عاما. للأسف ، تركيا ، حاليا ، في وضع لا تحسد عليه داخليا واقليميا ودوليا ، ونتج كل ذلك عن السياسات المتسرعة الطموحة للرئيس أردوغان وحزبه الحاكم.

شرق البحر الأبيض المتوسط وقبرص:
الصراعات العالقة شرق المتوسط وفي شمال الجزيرة القبرصية ناجمة عن قضايا الطاقة الاستراتيجية الكبرى . وتبدو مواقف وتصريحات المسؤولين الأتراك على درجة من العدوانية تصل حد الانتقام الاقليمي . تقود تركيا التكتيكات العدوانية في الصراع شرق المتوسط . صحيح أن تركيا تمتلك سجلا حافلا من المظالم الموروثة منذ الحرب العالمية الثانية ولكن لا علاقة لدول جوار تركيا بها حاليا إذ أنها محوكة بتفاهمات دولية متعددة لا حصر لها . إن قصة ترسيم الحدود البحرية بين تركيا واليونان من القضايا الأساسية التي أقصت تركيا عن إمكانية تعميق علاقاتها مع اليونان ومصر والكيان الاسرائيلي فيما يخص التنسيق حول مسائل الطاقة . ترتبط مشاكل تركيا الاقليمية بالنزاع المتواصل والمستمر منذ عقود حول قبرص المقسمة حيث انهارت آخر جولة من محادثات إعادة توحيد الجزيرة القبرصية في عام 2017. وفي خطوة استفزازية غير مسبوقة ، أرسلت تركيا سفن حفر إلى المياه المتنازع عليها برفقة سفن حربية في محاولة لإعادة صياغة الترتيب الإقليمي فحدثت مناورات عسكرية تركية ويونانية ،أدت إلى حدوث صدام بين الجانبين في عام 2020 .
قامت تركيا باستثمارات بحرية كبيرة في العقد الماضي ويتوقع إضافة أكثر من 20 سفينة حربية ، بما في ذلك حاملة خفيفة ، في السنوات الثلاث المقبلة و بالإضافة إلى هذا الاستثمار ، فإن الوجود البحري التركي الواسع يستقطب العديد من القطاعات السياسية و "يعيد للذاكرة نقاطا محددة في التاريخ التركي" ، يبدو أن البحرية التركية هي "مطرقة تبحث عن مسمار." تشعر تركيا بأنها مطوقة ومحتواة من أطراف متعددة ، إلا أن جهودها لكسر تلك القيود المتصورة لا تؤدي إلا إلى تعميق مخاوف جيرانها وشكوكهم في نوايا تركيا على مختلف الصعد.
تؤكد تركيا أن جمهورية شمال قبرص التركية، المدعومة عسكريًا واقتصاديًا من أنقرة ، هي دولة ذات سيادة لها حقوق في منطقة اقتصادية خالصة . تتداخل هذه الادعاءات مع جمهورية قبرص ، التي ترفض سيادة الجمهورية التركية على شمال قبرص ، كما يفعل باقي المجتمع الدولي ، باستثناء تركيا. لقد ساعد انهيار المحادثات في قبرص، واكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط ، وقرار قبرص بمنح منصات حفر استكشافية لشركات النفط الإيطالية والفرنسية والقطرية والأمريكية ، عقب اندلاع الأزمة الأخيرة. وتوقفت قبرص عن منح الأراضي في المناطق التي تطالب بها جمهورية شمال قبرص التركية ، لكن تركيا ما زالت تتحرك بقوة لقلب إطار الطاقة الناشئ الذي شعرت أنه تم استبعادها منه ، حيث أرسلت سفنًا تركية لإجراء عمليات حفر استكشافية في المياه القبرصية . وتم تعليق أعمال الحفر من قبل شركات النفط العالمية الكبرى حتى منتصف عام 2021 ، ويمثل استئناف أي أنشطة نقطة توتر محتملة في العام المقبل. وفي الوقت نفسه ، يثير نشر تركيا لسفن الحفر في المناطق المتنازع عليها ردود فعل غاضبة من اليونانيين والقبارصة والاتحاد الأوروبي ، فضلاً عن القلق من الولايات المتحدة.
إن النزاع حول قبرص هو جزء من صراع أوسع حول ترسيم الحدود البحرية ، والمناطق الاقتصادية الخالصة ، وحقوق الطاقة التي اجتاحت الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بأكمله. و كجزء من محاولاتها لقلب ما اعتبرته ترتيبًا إقليميًا حصريًا للطاقة ، أبرمت تركيا اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية ، السلطة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في الجزء الغربي من الدولة التي مزقتها الحرب ، والتي كانت تركيا قد حصلت عليها. وقامت تركيا بإنقاذها عسكريًا من تقدم الجيش الوطني الليبي المنافس والذي يحكم شرق ليبيا ووسطها. وأدت الصفقة التركية الليبية إلى تقسيم المياه اليونانية ، متجاهلة بشكل أساسي جزيرة كريت بأكملها ، وقوبل بغضب من المجتمع اليوناني والاتحاد الأوروبي . وبالمثل وصف سفير الولايات المتحدة لدى اليونان ، جيفري بيات ، التفاهم الليبي التركي بأنه "غير مفيد واستفزازي" و "يتعارض مع الفهم الأمريكي للقانون البحري الدولي". أبرمت اليونان ، بدورها ، اتفاقية بحرية مع مصر ، والتي تقطع المياه التي تطالب بها تركيا بشكل ضئيل نسبيا. وبعد أن تفاقمت التوترات في ليبيا ، تراجعت جميع الأطراف في هذه الأزمة المعقدة إلى قواعدها. وأجرت فرنسا وإيطاليا تدريبات مشتركة مع البحرية اليونانية في إشارة إلى تركيا ، و للدفاع عن مصالح شركات النفط الكبرى في كل منهما ، والتي نفذت تركيا عمليات استكشافية في مناطق التنقيب فيها ؛ ونشرت الإمارات بشكل مؤقت مقاتلين في القواعد اليونانية في جزيرة كريت. وأصبحت تركيا معزولة بشكل متزايد ، على الرغم من أن أفعالها - وانهيار أسعار الطاقة العالمية - قد قوض الجدوى التجارية للخطط اليونانية والإسرائيلية الأكثر طموحًا في استكشاف الغاز وتسويقه.
قبرص واليونان دولتان عضوان في الاتحاد الأوروبي ، وبالتالي أصبحت الأزمة التركية اليونانية والتركية القبرصية قضية من الدرجة الأولى بالنسبة لبروكسل. يضغط الرئيس القبرصي اليوناني نيكوس أناستاسيادس بقوة لفرض عقوبات الاتحاد الأوروبي على تركيا ، بدعم من رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون . وبالنسبة إلى أناستاسيادس ، تعد هذه المشكلة وجودية ، ويمكن لقبرص أن تعطل أعمال الاتحاد الأوروبي الحاسمة لتأمين اتخاذ إجراء قوي. بعد فوز حليف أردوغان إرسين تتار في انتخابات جمهورية شمال قبرص التركية في تشرين الأول ، ويشعر الكثيرون بأن الآمال في التوصل إلى حل على أساس اتحاد ثنائي بين المنطقتين قد ماتت الآن. تطالب تركيا الآن بحل الدولتين ، لكن المطالبات البحرية التركية يستحيل على قبرص أو اليونان قبولها. وبالنسبة لليونان أيضًا ، فإن الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية و الاتفاق التركي الليبي والنزاعات المنفصلة حول الجزر اليونانية ومناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط وبحر إيجه - تضرب المصالح السيادية اليونانية الأساسية. وصفت وزارة الخارجية التركية ، بدورها ، الادعاءات البحرية اليونانية بأنها "متطرفة وغير شرعية" ووصفت أثينا بأنها "الطفل المدلل لأوروبا". ولا تعترف أنقرة بالحكومة القبرصية التي يسيطر عليها القبارصة اليونانيون ، وترفض أي مطالبة قبرصية بالمنطقة الاقتصادية الخالصة. الوضع في شرق المتوسط قاتم ومهيأ للمشاكل بدءا من هذا العام.
سعت ألمانيا إلى لعب دور الوسيط في النزاع على الجزر اليونانية والحدود البحرية التركية اليونانية. وبالمثل ، أنشأ الأمين العام لحلف الناتو ، ينس ستولتنبرغ ، آلية لتفادي التضارب على المستوى العسكري لتجنب الاشتباكات أو التصعيد غير المقصود. لقد كانت جهود حلف الناتو لمنع التضارب - وبصيص أمل للمفاوضات - كافية لدرء عقوبات الاتحاد الأوروبي الجادة في اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول عام 2020 . و بدلاً من متابعة المفاوضات في أعقاب ذلك الاجتماع، أرسلت تركيا على الفور سفن التنقيب الخاصة بها إلى المناطق المتنازع عليها. وضعت إعادة التصعيد هذه اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي في كانون الأول 2020 كنقطة تحول محتملة حيث توقع العديد الخبراء أن تتحقق العقوبات ، حيث أثارت تركيا أزمة نادرة أدت إلى استجابة قوية من السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. إلا أن الاتحاد الأوروبي في اجتماع كانون الأول طلب خيار العقوبات الرمزية فقط ، وطلب إعداد تقرير ، ودعا إلى التنسيق مع إدارة بايدن لتنسيق الجهود. من الناحية النظرية ، يتيح التأخير وقتًا لخفض التصعيد ، على الرغم من أن عمليات الحفر التركية قبل اجتماع كانون الأول بقليل بالكاد تبشر بالخير. في كانون الثاني (يناير) 2021 ، وافقت تركيا واليونان على إعادة المحادثات الاستكشافية – حيث بدأت الجولة 61 على الرغم من اختلاف الأطراف على الفور حول نطاقها ؛ ويأمل القليل من المراقبين في إحراز تقدم ، ومن المرجح أن تهدف الخطوة مرة أخرى إلى إحباط استجابة أوروبية أقوى. أدى تأجيل الاتحاد الأوروبي لمناقشاته في كانون الأول 2020 إلى تأجيل المشكلة إلى 25-26 أذار 2021 ، مما أدى إلى ظهور نقطة توتر أخرى محتملة.
يؤكد رد مجلس الاتحاد الأوروبي الصامت على الانقسامات المستمرة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول ما إذا كان ينبغي اتباع نهج أكثر صرامة مع تركيا فالانقسامات توضح وضع الاتحاد الأوروبي كجهة فاعلة متماسكة في السياسة الخارجية في معالجة أزمة شرق البحر المتوسط خاصة وأن أطراف الصراع هم جميعا أعضاء في حلف الناتو. إن الاستجابة المحدودة جاءت نتيجة صبر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه تركيا فقد سعت بمفردها تقريبًا إلى إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع الأتراك . لكن ميركل ستتنحى هذا العام ، والانتخابات الألمانية في أيلول ستغير الصورة بأكملها. وستكون تركيا قضية رئيسية في الحملة الانتخابية - بالنظر إلى حجم الشتات التركي في ألمانيا والأزمات المتعددة مع أنقرة - ونادرًا ما تؤدي مثل هذه الحملات المحلية المشحونة إلى مناورة دبلوماسية مفيدة. وبغض النظر عمن سيتبع ميركل ، فإن أقوى صوت لضبط النفس في الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا سوف يختفي في عام 2021 ، وربما يكون خليفتها قد اتخذ بعض المواقف العدوانية تجاه تركيا. ومع ذلك ، فإن تأخير اتخاذ إجراء ذي مغزى ضد تركيا للسماح بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة أمر منطقي. هناك قلة من المحللين يتوقعون أن تغير العقوبات سلوك تركيا - وإذا كان هناك أي شيء ، فمن المرجح أن تؤدي العقوبات إلى رد فعل تركي غاضب - ومن الصعب رؤية مخرج من هذه الدوامة التصعيدية في ظل غياب الوساطة الخارجية.
يضاف إلى هذه التوترات تحريك تركيا لقضية اللاجئين على الحدود مع الاتحاد الأوروبي ، وهذه القضية تثير الرعب داخل بلدان الاتحاد لما لها من حساسية مفرطة وتشكل ضغطيا سياسيا واقتصاديا عليها.
أما البوابة الجنوبية لتركيا (سورية ) فهي في غاية التعقيد بالنسبة للحزب الحاكم في تركيا ، فقد تورطت تركيا في سورية وغاصت في الأوحال السورية والإقليمية والدولية ، و تجد القيادة التركية نفسها في وضع لا تحسد عليه ، لأن تصحيح أي من المسارات فيما يخص سورية يعد مكلفا جدا لتركيا داخليا وخارجيا ، فقد انتقلت تركيا في علاقتها مع سورية من حالة صفر مشاكل إلى حالة 100 % خلاف خلال فترة لا تتجاوز /6/ أشهر . وهو أمر تصحيحه ، حتى في السياسة، في غاية الصعوبة بعد 10 سنوات من العداء التركي غير المبرر تجاه دمشق. تحتاج العلاقات السورية التركية إلى إعادة كاملة للصياغة بعد قامت تركيا بنسفها عن بكرة أبيها من كافة النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، وقد يستغرق تصحيح المسار وقتا طويلا. أما فيما يخص الولايات المتحدة فهي تدعم خصم تركيا اللدود على طول الحدود الجنوبية لتركيا ، وهو ما يدفع العلاقات الأمريكية التركية إلى أوج التوتر. من جانب آخر ، تحاول روسيا جاهدة الاستفادة من عدم استقرار أنقرة في كل الملفات المحلية والإقليمية والدولية لاحتواء أنقرة وضبط ايقاعها وفق المصالح الروسية في المنطقة . وقد يكون الاجتماع الثلاثي الروسي القطري التركي تتويجا لسياسة الاحتواء الروسية نحو ايجاد حل للحرب في سورية .
إن إحساس تركيا بتخلي المجتمع الدولي - ويأس أردوغان السياسي - سيكون له نتائج غير مؤكدة على مختلف الصعد محليا وإقليميا ودوليا ، ولكن يمكن توقع أزمة جديدة على الحدود التركية اليونانية اعتمادًا على التوقيت الذي يفرضه أعداء تركيا.

تحتاج العلاقات الأمريكية التركية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة إلى غرفة انعاش مستمرة في ظل التناقضات والتعقيدات القائمة حاليا في المنطقة وفي ظل اختلاف المصالح والسياسات والتحالفات بين فرقاء الصراع ، ويحتاج الأمر دبلوماسية بارعة في عام 2021 ، في ظل استحقاقات داهمة في الدول المعنية في الصراع.
ومن المحتمل ألا تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى الابتعاد الكبير عن تركيا رغم نقاط التوتر الكثير التي تحدثنا عنها أعلاه ويبقى الأمر كله رهنا لتناقضات الحلفاء والأعداء المرحليين ، والتنازلات التي يمكن أن تقدمها تركيا لتجنب التغيير السياسي الذي قد تفرضه الانتخابات القادمة .
لقد اعتاد أردوغان نفسه على إجبار تركيا على قبول جداول الأعمال التي تحقق مصالحه ويمكنه القيام بذلك بسهولة عن طريق إثارة التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط أو ليبيا أو سورية أو القوقاز . إن تصرفات أردوغان هي التي ستقود الأحداث هذا العام. هناك تكاليف باهظة لخطه العدواني في الداخل والخارج ، لكن ضروراته السياسية وتاريخه الشخصي لا يقدمان أسبابًا كافية للاعتقاد بأنه سيقدم تنازلات ذات مغزى. وفي غياب مثل هذه التنازلات ، سيكون هناك المزيد من التعديلات المؤلمة على الجانبين . سيتعين على الولايات المتحدة مواصلة التكيف مع تأكيد أنقرة وإصرار أردوغان على رسم مسار مستقل مع القليل من المراعاة لرغبات حلفاء تركيا الغربيين التقليديين. وبالنسبة لتركيا ، ستكون هناك عواقب وخيمة لهذا المسار الأحادي الجانب. فقد عانت تركيا أحيانًا من التجاهل الغربي لمخاوفها ، و لم يتوقف أردوغان أبدًا عن الإشارة إليها ، لكنها استفادت أيضًا بشكل كبير من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية من الغرب. وبالنسبة لتركيا على المدى القصير ، سيكون هناك انتقال صعب من الواقعية المتطرفة اليمينية لترامب وإدارته إلى النهج الليبرالي القائم على القيم والذي يتبعه بايدن وفريقه.
يرى أردوغان عالماً متعدد الأقطاب ويريد رسم مسار أكثر استقلالية وبناء تركيا في قوة عظمى مع احترام أقل للغرب ( تحقيق حلم الجمهورية الثالثة ). ولتحقيق هذه الغاية ، تبنى نهج المعاملات تجاه الحلفاء التقليديين وعمق العلاقات مع روسيا ودول أخرى. يقول المسؤولون الأتراك في كثير من الأحيان ، لا تريد تركيا الاختيار بين روسيا والغرب . لكن روسيا تدخلت عسكريا في جورجيا وأوكرانيا وسورية وليبيا.
إذا كانت تركيا لا ترغب في الاختيار ، فهذا لا يجعلها عدوا . لكن هذا يعني أن أنقرة لم تعد في الفريق الأمريكي الأطلسي . وحين تشتري تركيا ، كدولة ذات سيادة ، أسلحة من أي شخص تريد ، يجب ألا يكون هذا القرار خاليًا من العواقب ضمن هيكل أمني غربي لحلف الناتو مصمم لحماية النظام الديمقراطي من العدوان الروسي وفق مفاهيم الغرب والولايات المتحدة . في كثير من الأحيان ، عندما يتحدث مراقبو تركيا عن إعادة ضبط العلاقات ، فإن ذلك يعد اختصارًا لعملية سحرية تعود بها الأمور إلى ما كانت عليه في عام 2012 أو نحو ذلك. في الواقع ، إن إعادة الضبط المطلوبة هي أكثر من محو للذاكرة - لإزالة عدم الثقة والأساطير وسد الفجوة بين الخطاب والواقع.
أخيرًا ،. يرتبط خط واشنطن في مشروع ترك ستريم 2 بنزاع نورد ستريم 2 وسيتردد صداه في أسواق الطاقة الأوروبية. وسيشكل الموقف في سورية وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط وقضية الهجرة السياسة الداخلية للاتحاد الأوروبي. ولا يمكن حل هذه الأزمات المعقدة ، مما يجعل من "أمريكا أولاً" و "الحكم الذاتي الاستراتيجي" استهزاءً بكل من "أمريكا أولاً" و "الحكم الذاتي الاستراتيجي" . يبدو أن كل الفرقاء في شرق المتوسط ينسقون مع كل الفرقاء وضد كل الفرقاء ومنفردين ومجتمعين ضد بعضهم البعض ، ويبدو أنه من السذاجة عن نتحدث عن الأخلاق الفاضلة في عالم المصالح والسياسة .



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نحافظ على ثقافتنا؟
- الشغف هبة سماوية أم لعنة أبدية؟
- خفايا دعوة الرئيس أردوغان لدستور تركي الجديد
- متى يموت الحب؟
- رسائل - كل إنسان-
- قضايا ابداعية
- لعنة الشهرة
- لعنة المعرفة
- لعنة الخلود
- التحديات الكبرى أمام السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن
- القواعد العسكرية خارج الحدود- النشأة والأهداف والنوايا
- فكرت فيك اليوم
- إلى يد...للشاعر فرناندو بيسوا
- إلى ستي خضرا ، شمال القدس...للشاعرة الأمريكية من أصل فلسطيني ...
- حنان
- أبي وشجرة التين ...للشاعرة الأمريكية من أصل فلسطيني نعومي شه ...
- نشوة ...الشاعر بول إيلوار
- الحبيبة ...بول ايلوار
- تركيا الحائرة بين واشنطن وموسكو
- عينان خصبتان للشاعر بول إيلوار


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - الخلافات الأمريكية التركية في عام 2021