أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - تركيا الحائرة بين واشنطن وموسكو















المزيد.....


تركيا الحائرة بين واشنطن وموسكو


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 6807 - 2021 / 2 / 6 - 19:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سيكون للإدارة الأمريكية الجديدة نافذة سريعة ومبكرة لممارسة النفوذ على تركيا ، لكن علاقة أردوغان غير المتكافئة مع موسكو قد تمنعه من تغيير السياسة التركية بشكل كبير بشأن صفقة صواريخ S-400 والقضايا الإقليمية الملحة .

يتمثل التحدي الرئيسي في السياسة الخارجية للرئيس المنتخب جو بايدن في تأمين الانسجام مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإدارة علاقات واشنطن مع أنقرة. ولتحقيق هذه الغاية ، يحتاج بايدن إلى فهم الديناميكيات والمخاوف التي توجه قرارات أردوغان ، رئيس تركيا القوي ، بما في ذلك وجهة نظره عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

يواجه أردوغان ، الذي فاز في الانتخابات عشر مرات على مستوى البلاد في تركيا منذ عام 2002 ، مؤخرًا تحديات متعددة في الداخل: الاقتصاد التركي آخذ في الانكماش نتيجة لوباء كوفيد-19 وسوء الإدارة للشؤون المالية للبلاد والتدخل في سورية . وعليه ، يواجه أردوغان سلسلة من المشاكل ، أولاً وقبل كل شيء: قاعدة دعم متضائلة في الداخل ، مقترنة بمعارضة يقظة ومتصاعدة . ومما زاد في تعقيد الأمور ، تورط أنقرة في صراعات في سورية وليبيا وجنوب القوقاز ، حيث يتعرض أردوغان بشكل متزايد لتقلبات نظيره الروسي ، فلاديمير بوتين وانزعاجه من السلوك التركي.

إن أقوى وأسرع وسيلة للضغط على أردوغان تكمن في مساعدة دمشق في السيطرة على إدلب ، آخر الأراضي التي يسيطر عليها الإرهابيون في سورية وهم جميعهم موالون لتركيا قلبا وقالبا ، وإرسال 2-3 مليون لاجئ آخرين عبر الحدود إلى تركيا إضافة لما جذبته أنقرة بالفعل من اللاجئين في بداية الحرب وهو ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري. وعلى الرغم من تباطؤ الاقتصاد التركي وتصاعد المشاعر المعادية لللاجئين في البلاد ، لن يتمكن أردوغان من تحمل القوى الاجتماعية والسياسية التي أطلقتها الزيادة الهائلة والمفاجئة في عدد اللاجئين في البلاد . يمكن لبوتين أيضًا أن يفسد اتفاقات وقف إطلاق النار الهشة بين حلفائه وتركيا وحلفائها في ليبيا وجنوب القوقاز ، مما يقوض مصالح أنقرة بشكل أكبر ، فضلاً عن خلق مشاكل لأردوغان ، الذي يسوق لنفسه دوليا على أنه الرجل القوي محليا.

وعليه ، لا ينبغي لبايدن أن يتوقع من أردوغان التخلي عن بوتين والسير في أحضان أمريكا في المدى المنظور. النقطة الأولى - والأساسية - التي يجب على الرئيس بايدن استيعابها فيما يتعلق بنظيره التركي هي أن أردوغان ، الذي شغل منصب رئيس وزراء تركيا بين عامي 2003 و 2014 ورئيسًا للبلاد منذ ذلك الحين ، هو سياسي محنك وموارب من نوع ما - كما يرى نفسه. علاوة على ذلك ، فإن أردوغان مرتبط بالرئيس بوتين ، الذي يعرف كيف يدير مخاوف الزعيم التركي السياسية.

من "الرئيس الخالد" إلى "السيد الأبدي"

يتفق قادة تركيا في القرن العشرين ، المعروفين باسم " الكماليين " على اسم أول رئيس للبلاد ، مصطفى كمال أتاتورك، الذي أسس الجمهورية التركية في عام 1923، ويعتقدون أن إرث أتاتورك لا يمكن هدمه خلال ألف عام. لقد حكم أتاتورك ، كقائد ثوري ، تركيا حتى وفاته في عام 1938. لكن إرثه ، بما في ذلك النظام السياسي العلماني المواجه لأوروبا ، والذي نقل الدين بشكل ملائم إلى المربع الخاص، استمر حتى القرن الحادي والعشرين إلى حين صعود أردوغان للسلطة واعتلائه الرئاسة التركية بطريقة مواربة أيضا .

يصف مناصرو كمال أتاتورك في القرن العشرين زعيمهم على أنه "القائد المؤسس" لتركيا الحديثة و"القائد الأبدي." والرئيس أردوغان هو الزعيم التركي الأكثر أهمية منذ وفاة أتاتورك قبل تسعة عقود. وقد هدم أردوغان العناصر الرئيسية لنظام أتاتورك في أقل من عقد من الزمان ، مع ما يحمل ذلك من تداعيات على المجتمع التركي ، وجعل الإسلام مبدأً إرشاديًا للسياسة التركية ، وتخلى عن التوجه نحو الغرب ، واستبدلها بسياسة "الدبلوماسية متعددة المحاور" والجذور المتنامية في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوراسيا.

أردوغان هو الفاعل الرئيسي لهذا التغيير في السياسة والنظام التركيين، وسيعاني المجتمع أكثر من انهيارها. ويعتقد أردوغان أنه ، بصفته الزعيم الثوري الجديد لتركيا ، الذي يطلق عليه أتباعه اسم " المعلم" ، سيحكم تركيا طالما أنه على قيد الحياة - على الرغم من وباء كوفيد-19 و الانكماش الاقتصادي و تحديات روسيا في السياسة الخارجية و الضغط الأمريكي . يعتقد أردوغان أنه هو "سيد تركيا الأبدي".ويعمل على تثبيت هذا المفهوم في عقول الأتراك .

ينحدر أردوغان من حزب العدالة والتنمية وهي حركة تؤمن بالإسلام السياسي ، وتهدف بشكل عام إلى استخدام سلطة الدولة لأسلمة المجتمع من أعلى إلى أسفل. وبعد أن أصبح أردوغان رئيسًا للوزراء في عام 2003 ، قام بتقويض خصومه تدريجياً ، ثم أغرق الحكومة ونظام التعليم في تركيا بالدين المحافظ. ولهذه الغاية ، والأهم من ذلك ، أنهى العلمانية باعتبارها الروح المهيمنة على الجيش التركي وقوات الأمن. أما ضباط الجيش ، الذين كانوا يقسمون بأنهم سيدافعون عن علمانية أتاتورك، فإنهم يؤدون الصلاة الآن بأسلوب إسلامي مجتمعي قبل التوجه للقتال في سورية.

يشعر أردوغان بدعم الإله في نجاحه على مستوى الدولة التركية و لم يكن بإمكانه أن ينجح في ثورته بدون مساعدة الله، ولكنه يخفي ما فعله من التخطيط الميكافيلي ضد خصومه السياسيين على طول الساحة التركية وعرضها.

وقد كان للسياسة الخارجية للرئيس أردوغان أيضًا تداعيات كثيرة خارج حدود تركيا. فقد حاول أردوغان ، الذي دفع البلاد بعيدًا عن موقف أتاتورك الإقليمي الأوروبي ، توسيع نفوذ أنقرة في الشرق الأوسط ، بدءًا من جيران تركيا المباشرين، مثل العراق وسورية ، ثم تجاوزها لاحقًا. وفي السنوات الأخيرة ، تدخلت أنقرة في الحروب والصراعات الإقليمية من سورية إلى ليبيا ، فضلاً عن إنشاء قواعد عسكرية على طول المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج العربي.

الانقلاب الفاشل: أردوغان و غولن

عززت محاولة الانقلاب التركية الفاشلة في تموز 2016 موقف أردوغان تجاه معارضته الديمقراطية و بعد فترة وجيزة من الانقلاب الفاشل ، بدأ حملة قمع واسعة ضد الجماعات المعارضة لسلطته ، مستخدماً سلطات الطوارئ التي حصل عليها حديثاً - و خفف حسابات بوتين تجاه تركيا. لقد فتحت محاولة الانقلاب صراعا بين أردوغان وحليفه السابق فتح الله غولن وكلاهما ينتميان لتيار الاسلام السياسي.

وإذا تحدثنا عن الدول بلغة الخضار والزراعة فمن الممكن أن تكون البلدان خضروات ، في حين ستكون تركيا البصل بالمعنى المجازي. ومن الناحية التحليلية، فإن الدولة كلها طبقات ومستويات ، لكن ليس لديها "جوهر" تعتمد عليه في التعامل مع هذا البلد وكلما اعتقدت أنك أدركت "جوهر" تركيا ، تظهر طبقة جديدة تجبرك على إعادة النظر في كل ما كنت تعتقد أنك تعرفه مسبقًا عنها. تركيا عصية على التعميمات المبسطة والثنائيات المانوية على حد سواء. وتعد علاقة أردوغان وغولن مثالاً على ذلك فهما خصمان لدودان شربا نفس الخبز والماء والحليب ولهما نفس الأهداف ولكنهما على نقيض بالغ الخطورة .

لقد كان أردوغان و غولن حلفاء منذ ما يقرب عشر سنوات عندما ساعد غولن صديقه الزعيم التركي أردوغان على تقويض المؤسسات الديمقراطية والضوابط والتوازنات المعروفة في تركيا وحيّد جانبا الكمالية في الجيش التركي. لقد ألقت الاستقالة الجماعية لكبار ضباط الجيش التركي في عام 2011 بظلالها على العلاقة بين أردوغان وغولن ، مما أدى إلى اندلاع موجة من الأحداث التي بلغت ذروتها في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 ، والتي غيرت بشكل جذري تركيا والتصورات والتوجهات العالمية لأردوغان .

وبعد عام 2011، أراد أردوغان و غولن حكم تركيا بمفردهما، وتحفيز صراع على السلطة الخام واستثمار كافة المرافق في تركيا والاستحواذ على الثروة بأشكال متعددة . وفي كانون الأول 2013 ،قام رجال الشرطة الأتراك وعدد من رجال النيابة العامة التركية المحسوبين على غولن بالادعاء على أردوغان وأفراد أسرته بقضايا الفساد ، وتسريب محادثات مسجلة بشكل غير قانوني بين أردوغان وابنه ، من بين رجال أعمال آخرين ، للجمهور. فقام أردوغان باعتقال رجال الشرطة والمدعين العامين وكذلك اعتقال ومضايقة أتباع غولن في جميع أنحاء البلاد. فكانت الخطوة التالية لغولن متمثلة بالرد بمحاولة الانقلاب التي قامت عام 2016 ضد أردوغان .

وفقًا لنظرية سيغموند فرويد عن "نرجسية الاختلافات الصغيرة" ، كلما كان الشخصان متشابهين ، زاد كرههما لبعضهما البعض بعد الخلاف. هذه الكثافة العدائية بين الرجلين المتشابهين تلخص ما حدث بين أردوغان و غولن بعد عام 2011، وأكثر من ذلك بعد عام 2016 . الرجلان يمقتان بعضهما البعض أكثر مما يحتقران اللاعبين السياسيين الآخرين في عموم تركيا.

من خلال فهم الديناميكيات السياسية الفريدة لتركيا من منظور "تحليل الخضار والبصل" الذي ذكرناه سابقا ، فقد تجنب بوتين الثنائيات المانوية فيما يتعلق بتركيا بعد الانقلاب . في حين خلص البعض في واشنطن وعواصم أوروبية إلى أنه بسبب فشل الانقلاب ، لا بد أن يكون أردوغان قد "صنعه" بنفسه للتخلص من خصومه ، ورأى الرئيس الروسي بوتين نافذة استراتيجية في مؤامرة الانقلاب و فرصة للتواصل مع أردوغان لتحفيز اتجاه أعمق من الجفاء بين أنقرة وواشنطن.

أدخل بوتين إلى اللعبة التركية لاعب الشطرنج ثلاثي الأبعاد

لقد استخدم بوتين محاولة الانقلاب على أردوغان لكسب وده وإبعاد تركيا عن واشنطن. وقد كانت تداعيات محاولة الانقلاب على أردوغان حقًا لحظة مناسبة لتدخل بوتين في الشأن التركي . وكان الرئيس الروسي أول زعيم تواصل مع أردوغان بعد الانقلاب الفاشل ، ودعاه إلى اجتماع في سانت بطرسبرغ للمواساة. أدخل بوتين لعبة الشطرنج ثلاثي الأبعاد إلى الحالة التركية : كانت أول رحلة لأردوغان نحو الخارج بعد محاولة انقلاب ضده ليس الى واشنطن للقاء الرئيس الامريكي باراك أوباما أو إلى بروكسل لحضور قمة حلف شمال الاطلسي من أجل الدعم، ولكنه رحل إلى عاصمة الإمبراطورية الروسية، حيث رحب الرئيس الروسي بسلطان تركيا في قصر كونستانتينوفسكي العائد للعصر القيصري في سانت بطرسبرغ . لا يمكن تخيل كم كان هذا مطمئنًا لأردوغان فيما يتعلق بعلاقته مع بوتين ؛ لم تنتهي مشاكله مع موسكو في سورية فحسب ، بل كان الرئيس الروسي يعرض أيضًا حماية أردوغان ونظامه واعتباره المكافئ السياسي للعناق الحار بين الرجلين.

بالطبع ، لا تأتي أفكار بوتين بالمجان. إذا سألت متى وأين عرض بوتين بيع نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 لأردوغان ، مع العلم أن هذا البيع سيخلق شرخًا دائمًا في العلاقات الأمريكية التركية ، يأتيك الجواب واضحا في اجتماعهم في سان بطرسبرج عام 2016. هذا هو الثمن الذي كان على أردوغان - وما زال عليه دفعه مقابل حماية بوتين له والصفقات التي قطعها الأخير على أنقرة في سورية وليبيا وجنوب القوقاز منذ عام 2016.

بوتين لاعب شطرنج ذكي ثلاثي الأبعاد ، يحقق الكثير من الناحية الاستراتيجية ، ويفعل القليل من الناحية التكتيكية. اعتاد بوتن دعوة أردوغان لزيارة سان بطرسبرج بغاية فسخ ثاني أكبر جيش في الناتو عن حلف شمال الأطلسي، تركيا، وتحويله ضد حلف الناتو والولايات المتحدة، وبالتالي تحقيق الهدف التاريخي لروسيا تجاه التحالف بينها وبين تركيا.

في الوقت الذي كان فيه بوتين يتمتع بالبصيرة في التواصل مع أردوغان ، لم يكن أوباما كذلك . وقد استغرق الأمر من واشنطن أربعة أيام للقيام بذلك ، ولم تأت المكالمة من الرئيس أوباما نفسه ، بل من وزير الخارجية جون كيري. بالنسبة لأردوغان ، كان من الواضح من كان إلى جانبه ، وهي نتيجة من شأنها أن تؤدي إلى تداعيات خطيرة على العلاقات الأمريكية التركية.

جاء تواصل بوتين مع اتفاقات تجري في سورية سيتم الكشف عنه قريبًا. لقد كانت الخطوة الأولى توقيع بوتين وأردوغان بعد عام 2016 صفقات متعلقة بالحرب في سورية مع تجاهل الولايات المتحدة بشكل كامل بعد الانقلاب ، بدأ أردوغان وبوتين التحدث كثيرًا وبشكل متكرر . وفي كل محادثة ، كان بوتين يأخذ شيئًا جديدا من أردوغان في سورية ، وغالبًا مقابل السماح للأخير بتقويض بنيان قوات حماية الشعب (YPG) الشريك الرئيسي للولايات المتحدة ، المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني (PKK) المعارض لتركيا والمُصنف بالإرهابي هناك .

كما هو الحال في سورية ، استخدم بوتين الحرب الدائرة في ليبيا لخلق ضعف استراتيجي لأنقرة - هذه المرة لعب دور مشعل النيران ورجل الإطفاء. في أوائل عام 2019 ، وبفضل الدعم التركي المتزايد لحكومة طرابلس الليبية المعترف بها دوليًا ، بدا الأمر كما لو أن الحرب في ليبيا يمكن أن تستقر على نوع من الركود - حتى قرر بوتين الدخول إلى مسرح الحرب في صيف 2019 فقد أدخل الدعم الروسي لقوات الجنرال حفتر على شكل مقاتلين ، يُعرفون بـاسم "جيش فاغنر" ، الذين أضافوا تقنية جديدة ودقة عالية في حرب الجنرال ضد طرابلس و جعله فجأة تهديدًا مميتًا لحكومة طرابلس.

في كانون الأول عام 2019 ، كادت العاصمة الليبية أن تقع في قبضة حفتر. وأدرك أردوغان أن المصالح الأساسية له في ليبيا كانت تحت التهديد إذا تمكن حفتر من الاطباق على طرابلس، وقال حفتر أنه يريد الغاء المعاهدة البحرية الليبية مع أنقرة، فرد أردوغان بأن تركيا لا تنسى ديون القذافي والعقود الجديدة الموقعة مع ليبيا وهرع إلى موسكو طالبا وقف اطلاق النار .

استضاف بوتين الذي تحول إلى رجل إطفاء هذه المرة "مؤتمر سلام" في موسكو في 13 كانون الثاني . وعلى الرغم من فشل المؤتمر في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار لإنهاء الحرب ، إلا أن بوتين - لاعب الشطرنج الاستراتيجي ثلاثي الأبعاد الذي يبرع في ربط الصراعات مع بعضها البعض ، وجعل الدول المتورطة في مثل هذه النزاعات تعتمد عليه في حلها - كان قد أوضح للتو وجهة نظره التي لا هوادة فيها لأردوغان فإذا رفض الأخير "عروض" بوتين لتركيا في سورية أو ألغى صفقة S-400 ، فقد تسوء الأمور كثيرًا بالنسبة لأنقرة في ليبيا.

لهذا السبب ، وعلى الرغم من أنه اعتبارًا من أيار 2020 ، ساعد الدعم التركي حكومة طرابلس في طرد قوات حفتر من العاصمة الليبية ، إلا أن أردوغان لا يزال بحاجة إلى خدمات بوتين الجيدة في ليبيا. و في ظل غياب دور قوي للولايات المتحدة ، يعد المستقبل بوضع قائم جديد في ليبيا تلعب فيه أنقرة وموسكو دورًا رئيسيًا في تقاسم البلاد. وبالمثل ، في الآونة الأخيرة في تشرين الثاني ، تدخل بوتين في الحرب الأرمنية الأذرية في جنوب القوقاز ، وتوسط في وقف إطلاق النار بين أنقرة - حليفة باكو ويريفان ، ومرة أخرى وضع روسيا في نفس الوقت كقوة موازنة وشريك للمصالح التركية في منطقة نزاع أخرى.

أردوغان وبوتين

يتعارض أردوغان وبوتين بشكل فعال في المصالح، وفي نفس الوقت يتعاونان مع بعضهما البعض في ثلاث ساحات حرب مختلفة. لكن الحقيقة هي أن العلاقة الروسية التركية غير متكافئة بطبيعتها، تماما كما هي علاقة أردوغان وبوتين. بالنسبة للجزء الأكبر في العلاقة ، بوتين هو صاحب القرار ، و أردوغان تابع .

ومع ذلك ، فإن بوتين يدرك أنه يجب عليه خلق الطمأنينة لدى أردوغان . على الرغم من أن الرئيس الروسي هو صاحب القرار في سورية ، إلا أنه في النهاية لا يريد إحكام الخناق على أردوغان في الملف السوري لأن بوتين يلعب اللعبة الطويلة الأجل فيما يتعلق بتركيا. كانت سياسته منذ عام 2016 متناسقة على مبدأ إرشادي رئيسي يعمل بموجبه فيما يخص تركيا بحيث لا تنفر تركيا تمامًا . يريد الرئيس بوتين إبقاء أنقرة قريبة من موسكو قدر الإمكان ، وفي الوقت نفسه بعيدة عن الناتو قدر الإمكان.

لقد اعتمد الرئيس التركي على موسكو دبلوماسياً منذ أن تواصل معه بوتين في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 ، وجعلته علاقاته الدولية المتوترة أكثر اعتمادًا على هذا الدعم منذ ذلك الحين. علاوة على ذلك ، فإن القدرات العسكرية الروسية وسجل الأداء التاريخي ضد تركيا تجعل أردوغان حذرًا من صراع كبير وطويل في المنطقة .

و منذ اجتماعهما في آب 2016 في سان بطرسبرج ، كان أردوغان قد قدر بوتين كحامي له. ورغم كل شيء ، رسخ بوتين أوراق اعتماده كضامن لاستقلال الدول على مستوى العالم ، بدءا من سورية وانتهاء بفنزويلا .

بين روسيا والولايات المتحدة

ومع ذلك ، يحتاج أردوغان الآن إلى رعاية بايدن. هذا هو الحال بشكل خاص الآن بينما يدرك أردوغان أن تطور العلاقات الجيدة بين تركيا والولايات المتحدة سيوفر حقنة انعاش في ذراع الاقتصاد التركي المتعثر.
على الجانب الاستراتيجي أيضًا ، يقدر أردوغان الولايات المتحدة و يدرك أن دعم واشنطن لأنقرة في إدلب يقوي تركيا في مواجهة روسيا في سورية وروسيا تدرك هذه الناحية في تركيا وتحترس منها.

يسعى أردوغان إلى علاقة جيدة مع بايدن على الأقل في المدى القصير. هناك إجماع داخل الحكومة الأمريكية على أن واشنطن يجب أن تفعل كل ما يلزم لإبقاء تركيا إلى جانبها في حلف الناتو وتفهم الولايات المتحدة أن ابتعاد أنقرة عن واشنطن يعني انزلاق أنقرة أكثر نحو روسيا .و يبقى التعاون الروسي التركي الاسفين بين الولايات المتحدة وتركيا .

الاقتصاد هو نقطة ضعف أردوغان

هذا يعني ، في السياسة الخارجية ، أن أردوغان سيواصل اللعب مع روسيا والولايات المتحدة ضد بعضهما البعض على حد سواء . هذا هو الأسلوب التركي في الحياة .. كما سيواصل الرئيس أردوغان انخراط أنقرة في الحروب في ليبيا وسورية. تعتمد قدرة أردوغان على التوفيق بين هذه التناقضات في وقت واحد على حالة الاقتصاد التركي . سيؤدي الانهيار الاقتصادي التركي إلى زيادة نفوذ واشنطن على تركيا ، وإلقاء الضوء على الطبيعة الهشة لعلاقة أردوغان - بوتين ، فضلاً عن إجبار أنقرة على إنهاء التورط التركي في سورية وليبيا.

الاقتصاد في الواقع نقطة ضعف أردوغان . فقد فاز أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية "(AKP) منذ عام 2002 بالانتخابات على أساس برنامج النمو الاقتصادي القوي . القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية تحبه لأن أردوغان لم ينتشل العديد من الناخبين من دائرة الفقر فحسب ، بل إنه حسّن أيضًا مستويات المعيشة في تركيا. على سبيل المثال ، شهد المواطنون الأتراك انخفاضًا تاريخيًا شبه قياسي في البطالة، حيث بلغت البطالة 8 في المائة في عام 2013. ومع ذلك و في عام 2018 ، دخل الاقتصاد في حالة ركود استمرت مدة ربعين من عدم النمو الاقتصادي بسبب اغلاق البوابة السورية للعالم العربي نتيجة الحرب.

وبحلول أوائل عام 2019 ، وعلى الرغم من خروج الاقتصاد من الركود ، قفزت البطالة إلى ما يقرب من 14 في المائة. و مع ضعف الليرة التركية وانخفاض قيمتها ، وارتفاع الدين الخارجي ، وانخفاض احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية، كان الاقتصاد التركي بالفعل في حالة هشة قبل ظهور وباء كورونا في أوائل عام 2020.

"نافذة" بايدن

سيكون هناك فترة وجيزة في بداية رئاسة بايدن ، يتعامل فيها أردوغان مع واشنطن على أساس أنه يحتاج إلى الولايات المتحدة أكثر مما يعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة إليه. وستخرج تركيا مع المزيد من المشاكل الاقتصادية الناجمة عن وباء كوفيد -19 ، وهذه الأخبار سيئة لأردوغان ، الذي فاز بأكثر من اثني عشر انتخابات وطنية منذ عام 2002 من خلال تقديم حوكمة اقتصادية جيدة. يدرك أردوغان أنه سيخرج من الوباء ليس أقوى مما كان عليه بل أضعف من حيث الدعم الشعبي. ويعرف أردوغان أيضًا أن هناك علاقة بين الاقتصاد التركي والعلاقات الأمريكية التركية: فإذا كان الاقتصاد التركي في حالة هشّة ، وإذا كانت العلاقات الأمريكية التركية تتراجع في الوقت نفسه ، فإن الاقتصاد التركي يتدهور ببساطة ، كما حدث في عام 2018 خلال "أزمة القس برونسون".

لعبة أردوغان

يحتاج أردوغان الآن إلى عكس هذه الديناميكية ، من خلال إنشاء إعلان مفاده أنه يتماشى مع بايدن. هذا يعني أن بايدن يمكنه أن يطلب من أردوغان الحد من حملته القمعية محليًا ومراعاة حرية الشباب واطلاق الحريات العامة وتقليل الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي ، وهذا الطلب الأمريكي قد يكون بصعوبة إلغاء صفقة الصواريخ مع روسيا . لكن في النهاية ، سيتجنب أردوغان أي تنازلات جدية لمعارضته من شأنها أن تؤدي إلى سقوطه في صندوق الاقتراع. بعبارة أخرى ، قد يجعل أردوغان الأمر يبدو كما لو أنه ينهي حملته القمعية في الداخل ، بينما يبقي مقاليد السلطة بين يديه.

وبالمثل ، من المشكوك فيه أن أردوغان سيلغي نظام الدفاع الصاروخي S-400 مع روسيا. تريد روسيا استخدام قضية الدفاع الصاروخي لشق أنقرة وواشنطن عن بعضهما بشكل دائم. يعتبر أردوغان بوتين هو الضامن له ، ومن غير المرجح أن يسيء الرئيس التركي إلى نظيره الروسي خاصة وأن روسيا دولة عظمى .

وفي النهاية ، يعتقد الخبراء أن أردوغان طالب ذكي في السياسة الأمريكية. ومن يتابع مسيرته خلال العقدين الفائتين يعرف جيدًا كيف يلعب اختبار رورشاخ مع كل رئيس أمريكي ، ليصبح سياسيًا تماما وفق ما يريد الرؤساء الأمريكيون رؤيته في نظرائهم الأتراك. بالنسبة لبوش ، وهو مسيحي مخلص ، كان أردوغان هو "المسلم المخلص" في المقابل . بالنسبة لأوباما ، الذي يرغب في التحدث إلى المسلمين ، كان أردوغان بمثابة "نافذة أمريكا على العالم الإسلامي". وبالنسبة للإدارة الأخيرة ، بالنسبة لترامب المحب للصفقات ، قارنه أردوغان بنفسه كشريك في الصفقة.

وإذا أخبر بايدن أردوغان بألا يقلق بشأن خطط بوتين ، وأن الولايات المتحدة ملتزمة عسكريا تماما بدعم المواقف التركية في سورية وليبيا وجنوب القوقاز ، وأن واشنطن ستغض الطرف فيما يتعلق بانتهاكات أردوغان للديمقراطية - وهو أمر صعب للغاية - سيلعب إردوغان دور بايدن ، لكنه في النهاية يلتزم ببوتين. وفقًا لذلك، ليس هناك أدنى شك في أن أردوغان سيصبح كما يرغب بايدن أن يكون - على الأقل في المدى القصير، وسيحاول أن يحسن العلاقات مع الولايات المتحدة من دون أن يمس ذلك بقبضته الحديدية على السلطة في تركيا مالم يكن لجيل الشباب الساخط على سياسات الرئيس أردوغان رأي آخر.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عينان خصبتان للشاعر بول إيلوار
- الولايات المتحدة والأكراد تاريخ من الخداع
- الأطماع التركية في سورية (الخفية والمعلنة)
- الموانئ في سياسة موسكو الخارجية
- أزمة الشباب التركي في ظل حكم الرئيس أرودغان
- الشرق الأوسط في المفكرة الصينية
- رسالة الميتروبوليتان فيليب صليبا إلى الرئيس باراك أوباما حول ...
- دعوة روسية للحذر
- كيف تصبحين أسطورة للشاعرة البريطانية نيكيتا جيل
- أغنية إلى جميلة للشاعر بودلير
- مفاهيم في الاقتصاد السياسي
- الصين والشرق الأوسط
- الطاقة والصراعات الجيوسياسية في شرق المتوسط
- مبادرة الحزام والطريق الصينية
- الايمان والخوف
- الليالي العشر...روح للمستقبل والمرح والخير
- شيطان ثم ملاك
- الاقتصاد بعد عقد من الزمن العقد
- العناق تجربة وأي تجربة
- سورية وأولويات الإدارة الأمريكية الجديدة


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - تركيا الحائرة بين واشنطن وموسكو