أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - عندما تغضب أُمنا الطبيعة … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

عندما تغضب أُمنا الطبيعة … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6810 - 2021 / 2 / 10 - 11:29
المحور: الادب والفن
    


شتاء بارد ، وممطر .. ليس ككل شتاء عشناه ، وسماء رمادية تبعث على الحزن والأسى .. يتمطى حيّنا مستيقظاً ذات فجر رمادي شاحب على أمطار تهطل بغزارة ، ويشتد عويل الريح .. تتحرك اغصان الشجر فيُحدث حفيفها صوتاً موحشاً .. يمزق صوت الرعد السكون ، وينشر الخوف .. تدق قطرات المطر المتلاحقة فوق السقوف ، والأبواب ، والنوافذ .. ثم تزداد دقاتها كأنها تنذر بفيضان جارف .. تفيض الشوارع ، وتتحول الاتربة الى اوحال تصعب فيها الحركة .. نبقى مركونين في بيوتنا دون حركة .. مستسلمين لهواجسنا ومخاوفنا .. !
نسمع عويلاً يتخلل اللحظات التي يهدء فيها تدافع الريح ، ما يلبث ان يتعالى ، وتزداد وتيرته ، فيتحول الى صرخات استغاثة ، عجزنا عن تحديد مصدرها .. فمنا من قال انها قادمة من بيت ابو ايوب ، ومنا من قال بل من بيت ام سهام ، وفجأةً تدوي دقات متتابعة على الباب كدوي الطبل .. من ذا الذي يستطيع الوصول الى الباب ليرى مَن وراءه ، والبيت قد تحول الى بحيرة ، والاغراض ، والاسمال قد طافت فوق الماء ، وتلاعبت بها الريح .. ونحن مكومون في غرفة وحيدة في اعلى السطح ، ان تهاوت تهاوينا معها الى القاع .. يستجمع ابي ما تبقى له من عزم ، يستدعيني ويقول : دعني اخطو انا اولا ثم اتبعني .. يغوص في الماء الى المنتصف ، واتبعه محاذراً .. ؟!!
نصل الى الباب .. يفتحه ، تئن مفاصلة بصوت كالصرير .. نفاجأ بالمياه كأنها كانت في انتظارنا .. تتدفق الى داخل البيت الذي ينخفض عن مستوى الشارع بنصف متر .. تنساب من خلال الدرجات ، فيزداد منسوب الماء ليتحول الى أشبه بنهر خرافي كما في الحكايات .. يقف وراء الباب ابو ايوب وهو يستنجد بنا .. فقد تهاوت احدى الغرف في بيت ام سهام على من فيها ، قال ابي : هيا .. علينا ان نفعل شيئاً حتى ولو جاء متأخراً .. ثم تجمع الناس رغم قسوة الظروف لانقاذ ما يمكن انقاذه ..
كانت بيوتنا في ذلك الزمان في جلها اكواخ تتهاوى باللكمات ، وليس بمثل هذا الغضب الشرس من الطبيعة ! ظللنا نخوض في الاوحال ، ونحن في طريقنا الى بيت ام سهام .. التفت ابي اليَّ ، وسمعت صوته ، وهو يهتف بي : اذهب وبلغ بقية اهل الحي ليفزعوا .. طرقت الابواب على من استطعت ان اصل اليهم ، ثم عدت لعل ابي يحتاجني في شئ آخر .. فأمامنا الكثير مما يتوجب عمله .. سمعت احدهم يصرخ مستغيثاً : يا رب .. ! وآخر : لماذا تُغلق السماء ابوابها في وجوهنا عندما نحتاجها ؟ رد عليه رجل مستنكراً : إهدء يا رجل ، واستغفر ربك ! ثم أخذ يتمتم : استغفرك ربي واتوب اليك ، واستمر في تكرارها .. !
تكاثر الرجال .. حاولوا رفع الانقاض التي تكالبت على الاجساد الهزيلة التي تحت رحمتها .. كانت غرفة البنات هي من تداعت ، استطاع الرجال انتشال سهام ، وشقيقتها رجاء بين الحياة والموت ، كانت ام سهام الموجوعة قد خرت على ركبتيها ، وهي تحدق في بناتها كأنهن أشباح قادمات من موت محتم ، تهتز في حركات واهنة ، وتنفجر في البكاء ، ولما لم تجد الثالثة ، اخذت تتلفت ، وهي تتطلع بعيون متسائلة ، والجزع على وجهها في منتهاه .. اما الاخت الصغرى فقد اخرجوها جثة بعد ان اختنقت بسبب الاوحال ، وتدفق المياه الى المكان الذي كانت محصورةً فيه .. مهما فعلنا فلن يؤخر ذلك من موتها على أي حال ! قال احدهم ..!
ظللتُ واقفاً في ذهول ، وانا اشاهد جثة الطفلة متراخية يحملها جارنا ابا ايوب باكياً .. تطفر الدموع من عيون من حولي .. لم استطع إن أتمالك نفسي ، فأخفضت رأسي ، وانسابت دموعي في صمت ، بكيت طفولة بريئة ضاعت ، وروح مرت كومضة قدر دون عودة .. ذابت من على وجهها كل ملامح الشقاء والالم ، وحل مكانها سلام الموت وسكونه .. ظللت ارتعد ، وأنا عاجز عن التقاط انفاسي .. !
كنت احب هذه الفتاة الصغيرة .. كانت جميلة ، مرحة ، استحضرتُ في داخلي صورتها ، وهي تلعب بالعابها البسيطة المحببة .. ! أسحب نفسي ببطء متمتماً ببعض الكلمات التي لا معنى لها حتى اصبحت في الخارج ، و كأنني تذكرت شقيقاتي وأمي .. أخوض في الوحل ثانية ، اخطو الى بيتنا الذي اصبح نهراً لا ترى منه الا تلك الغرفة في الاعلى ، وجدتها لا تزال صامدة ، اتطلع الى أغراضنا البائسة ، وهي تتراقص فوق الماء ، أقف عاجزاً عن الدخول .. اصيح من مكاني : يا أُمي ، لقد عدت ، هل انتم بخير ؟ أرى وجه أمي ، وهي تتطلع نحوي من فتحة صغيرة ، وكأنها لا تراني ، ثم تفيق من لحظة شرودها ، وتبتسم لي بكل ما في جسدها من طاقة ، ويأتيني جوابها بصوت مخنوق بانهم بخير ، وتريد مني ان اطمئنها على بيت ام سهام ، ولما شاهدتني ، وآثار البكاء ، ونظرات الفزع لا تزال بادية ً على وجهي .. بكت هي الاخرى ، وكأنها قد فهمت !
انسحبتُ عائداً .. يندفع امامي صف من الصبيان ، والاطفال الصغار المتسخين يدفعهم الفضول ، والرغبة في المساعدة .. كان الحي كله ، وكأنه يبكي دموعا ممزوجة بالوحل .. اشم رائحة الكوخ الثقيلة .. شاهدت ابي .. ممتقع الوجه ، وكأن نظراته تسألني ، أومأت برأسي بانهم جميعا بخير ، رأيت نظرات الارتياح مرسومة على وجهه الحزين ، والمتعب .. ثم عاد الى ما كان منهمكاً فيه من عمل .. !
تتوقف الامطار فجأةً ، وتتبدد السحب السوداء ، وكأنها قد افرغت كل ما في جعبتها من انفعال ، وغضب ، وحتى دموع ، تصعد الروائح المشبعة بالطين والمطر .. اجسادنا قد اصابها الانهاك ، وجوه الكل تبدو حزينة وصامتة .. انهكها عذاب اليوم الطويل .. علينا ان نعود الى عالمنا ، بكل ما فيه من اوجاع وبؤس ، ونباشر العمل لازالة الاضرار ، والعودة الى تيار الحياة ، وشقاءها اليومي .. الرعدة لا تزال ارتداداتها في نفسي قائمة .. يُقبل الليل علينا ، ويغرق كل شئ في الظلام ، والشوارع تبدو غارقة هي الأخرى في ظلامها الحزين ، والحي اكثر بؤساً وأسىً .. اعود الى البيت .. اسير وسط برد الليل .. احمل نفسي ، وهمومي ، واخطو وسط الاوحال .. اخشى الانزلاق ، واعجز عن رؤية ما حولي بوضوح .. اخاف ان اتعثر في خطواتي او ادوس على قطة ضالة .. ينفذ الى اعماقي شعور يملئني بالخوف والوحدة .. أرى ضوءً شاحباً يشع من الغرفة الوحيدة في بيتنا .. أغوص في الماء من جديد ، وأصعد الدرج ، وانا استند الى الحائط .. أغير ملابسي بغيرها جافة .. اتمدد على فراشي منهكاً .. ثم اغمض عينيّ دون نوم .. !!



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لسعة السياط … ! ( قصة قصيرة )
- مخالب الشيطان … ! ( قصة قصيرة )
- قلوب لينة … ! ( قصة قصيرة )
- من أيام الحصار … ! ( قصة قصيرة )
- الفرصة لمن يقتنصها … ! ( قصة قصيرة )
- بائع الجرائد الاعرج … ! ( قصة قصيرة )
- أحلام مستحيلة … ! ( قصة قصيرة )
- لحظة شجاعة نادرة … ! ( قصة قصيرة )
- أرملة في بازار … ! ( قصة قصيرة )
- مشروع زواج فاشل … ! ( قصة قصيرة )
- هاشم الغبي … ! ( قصة قصيرة )
- موعد مع اليأس … ! ( قصة قصيرة )
- جريمة شرف … ! ( قصة قصيرة )
- مأساة ( حربونة ) … ! ( قصة قصيرة )
- يوم … في حياة زوج ، وزوجة ! ( قصة قصيرة )
- اللحظات الاخيرة قبل الرحيل … ! ( قصة قصيرة )
- زوج خائن ، و مخادع … ! ( قصة قصيرة )
- أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )
- ألارتماء في أحضان ألموت … ! ( قصة قصيرة )
- زواج مشروط … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - عندما تغضب أُمنا الطبيعة … ! ( قصة قصيرة )