أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - أمريكا الريف وأمريكا المدينة, وبينهما كانت المنازلة.














المزيد.....

أمريكا الريف وأمريكا المدينة, وبينهما كانت المنازلة.


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 6806 - 2021 / 2 / 4 - 20:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حينما يُطلب من أحدهم أن يعطي وصفا سريعا للحالة الأمريكية المعاصرة فقد يقول لك أنها أزمة بين يمين ويسار, أو أزمة بين تيارات محافظة وتيارات ليبرالية, أو بين تيارات تقدمية إنسانية وأخرى عنصرية, أو بين جمهوريين مثلّهُم ترامب وديمقراطين مثلهم بايدن, فيظن البعض أنه أمام إنقسام عمودي بين فريقين كلٌ منهما يعيش همه الخاص ويسعى لتحقيق هدفه المختلف, وهذا الأمر قد يكون صحيحا, لكن محاولة التأسيس عليه لتجميع نظرية إستراتيجية هو أمر فيه من الخطأ أكبر بكثير مما فيه من الصحة خاصة وأن المجتمع الأمريكي وعلى خلاف المجتمعات الأوروبية هو مجتمع ما زال تحت التكوين وسيظل تحت التكوين إلى أمد مفتوح, بل لعل سر تفوقه إنه ما زال تحت التكوين لأن مُسْتَحدَثَه أكبر من موروثِه, فهو دائم الحركة, دائم التغيير, دائم الإبتكار, دائم الإنتاج, وحينما يُنهي هذا المجتمع تكوينه ويكون الموروث فيه أكبر من المُسْتحدث فهو سيشهد بداية توقفه ولا أقول بداية إنهياره.
إن التحولات المتسارعة قد غيرت معادلات المكان والزمان والجغرافيا وخلقت وسطا منفتحا على ثقافات متعددة جاذبة تسعى لتشكيل إنسان كوني بمواصفات خاصة بعصر آتْ.
ان أمريكا, ربما, ستتفكك حينما تكف عن الحركة, وربما ستتخلف حينما يصير موروثها أقوى من مُسْتَحدثها, لكنها حتما ستتراجع حينما تنسحب من عصر بيل جيت السايببري لتعود إلى عصر ترامب العقاري, وستنهار حينما تنكمش على ذاتها وتترك العالم مفتوحا لإستقبال أقطاب آخرين يملئون الفراغ الذي تتركه , وهذا ما أراد ترامب أن يفعله ظنا منه أن بإمكان نجاحه في مرحلة سابقة أن يمتد لكي يغطي كل المراحل القادمة بذات الشروط وذات الإمكانات و بنفس عوامل النجاح.
لعل من ضمن المسلمات التي يجب تشخيصها في المشهد الأمريكي أن حالة التناقضات والمواجهات الإجتماعية والفكرية سوف تبقى مستمرة. المجتمعات الأوروبية أقدم من المجتمع الأمريكي بمرات متعددة لذلك إستطاعت هذه المجتمعات إرساء قيم وتقاليد أصبح الموروث منها مستقرا وذا مقامٍ متقدمٍ في تشكيل المشهد الآني. أما المجتمع الأمريكي الحديث الولادة فلم يتشكل موروثه الإجتماعي والفكري ليكون له عامل الحسم على تشكيل المشهد الحياتي. إن تأثير المُسْتحدَث في المجتمع الأمريكي يتفوق كثيرا على تأثير الموروث, وإن أول ما نبتدئ به من مفترقات وإختلافات أن هذا المجتمع الأمريكي هو مجتمع مهاجرين. وعلى عكس الغرب فإن كثيرا من المهاجرين إلى أمريكا هم من أصحاب الكفاءات.
هنا يمكن أن نضع يدنا على لب المشكلة, ومن خلال هذا التوصيف يمكننا أن نعثر على مفتاح الدخول.
في مدن الحقول الكبرى الممتدة بلا نهايات منظورة, حيث زراعة الكروم والذرة والطماطم والخيار وما شابه, وتربية الدجاج والخنازير والخراف والبقر وما شابه, ظل الإنسان الأمريكي الأبيض غير ذي حاجة إلى متابعة علوم الفضاء والسايبر, وربما غير مهتم على الإطلاق بوسائل التواصل الإجتماعي.
لقد ظلت همومه محصورة بزراعة الأرض وتربية الحيوانات ولم يكن إنجازه لهذا الأمر يجعله بحاجة إلى أن يكون جزءا من عملية التطور السريع الذي تشهده المدن, وظلت بعض هذه الولايات مثل ويست فرجينيا مثلا تعيش على إستخراج الفحم الحجري, لذلك فإن أصدقاء البيئة هم أعداء لها, وربما صار أكثر ما يهتم به مواطن هذه الأنحاء هو صناعة الواين والمحافظة على تراكتوره من التلف والعطب وضمان حصوله عصرا على مشروب البيرة الذي يعشقه ثم التوجه يوم الأحد إلى الكنيسة التي تكون مهمتها في العادة المحافظة على الأصول الأنجيليكانية للمجتمع الأمريكي والذي قد يلجأ ريفيوه, حتى لا تخرج أمريكا من يدهم وتكون ملكا للمهاجرين, إلى أن يتطرف في أنجيليكانيته وصولا إلى إلى الإيمان بالمسيحية الصهيونية. وهنا حدث الشرخ الأمريكي الكبير. بين مدينة تواصل التكوين وبين ريف أنجز تكوينه, وبين هذا وذاك صار هناك فرق في طريقة الحياة وفي نوعية الإعتقاد, وحين أفاقت الأرياف وجدت أن أمريكا لم تعد أمريكا الريف الذي يرفض الحركة وإنما أصبحت هي أمريكا المدن التي ترفض التوقف, وصار الصراع يدور بين مدن ريفية زراعية قد أكملت تكوينها وبين مُدن مُدنية ترفض التوقف وتستمر في التكون.
والحال أن أمريكا لم تعد تخضع لذات القوانين والنظريات التي تخضع لها أوروبا حتى تشتق نظريات وأحكام بذات المساطر وذات الفراجيل. سياقات التطور الأمريكي هي غير سياقات غيرها من المجتمعات, فإذا نويت أن تحقق إقترابا مدروسا فعليك بتشخيص الظاهرة الجاهزة للتشغيل السياسي في بلد يلجأ كل أربعة سنوات لإنتخاب رئيسه وكل سنتين لإختيار نوابه وكل ست سنوات لإختيار شيوخه, والشاطر في هذا البلد هو من يصطاد السمكة الكبيرة, وصادف أن كان ذلك الشاطر هو دونالد ترامب الذي افلح في تفعيل الصراع بين أمريكا التي أنجزت تكوينها وبين أمريكا التي ترفض التوقف عند حد. بين الأولى التي لم تعد بحاجة إلى أحد فأغلقت على نفسها الأبواب والجدران وقررت أن تنسحب من الإتفاقات والمواثيق وأن لا تتحدث مع العالم بغير لغة العقوبات حتى كأنها ألغت وجود الأمم المتحدة كما وقررت أن يدفع حلفاؤها الجزية وهم صاغرون.
تاجر العقارات إستعمل اللعبة بتطرف, إستعمل خطابه الديني المتحفظ الذي خاطب من خلاله المحافظين وجعلهم يتجمعون في كتلة صلبة واحدة لكي تمنع المدن الأمريكية المنفتحة على المهاجرين من سرقة أمريكا ! وتحت شعار (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) كان الرجل يبشر بإعادة هيمنة الخطاب العنصري الذي يستهوي أنصار أمريكا القديمة حيث ثقافة حزب الشاي الضاربة في عمقها الإنجلوساكسوني وخطاب تفوق الرجل الأبيض وثقافة الصهيونية المسيحية التي تبشر بضهور المسيح مرة ثانية بعد أن تحقق إسرائيل إنتصاراتها العظمى.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلام عن البعثيين
- ترامب وشمشون .. يوم كاد التاريخ أن يعيد نفسه.
- عن أمريكا وعن حزبيها وعن الترامبية أيضا.
- مقالتان لي, الأولى تنبأت بفوز ترامب, والثانية بغزوة الكونغرس
- هل إنتهت ثورة تشرين الباسلة.
- يوم كدت أشارك مريضي غيابه عن الوعي
- مقتل رئيس جامعة البصرة مطلع السبعينات
- لقاح بدهن الخنزير
- دولة البصرة ودولة الموصل
- رفع الإصبع الوسط في وجه الحاكم الغلط.
- حينما تذكرت الجلبي.
- العزيزان : عزيز السيد جاسم وطارق عزيز (2)
- العزيزان : عزيز السيد جاسم وطارق عزيز (1)
- شيطنة العدو .. بين تعنت الإيديولوجيا ومستحقات السياسة
- إنقلاب تموز عام 1968 ومشاركة عبدالرزاق النايف*
- 17 – 30 تموز ... (1)
- وقد يتعدد الجلادون وتختلف الأسواط لكن المجلود واحد
- ترامب أيضا لا يريد أن ينطيها
- ما هكذا يكتب التاريخ*.. عن العراق الملكي وهل كان طائفيا
- حرب السبعينات بين النجف وكربلاء (4)*


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - أمريكا الريف وأمريكا المدينة, وبينهما كانت المنازلة.