|
قلوب لينة … ! ( قصة قصيرة )
جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)
الحوار المتمدن-العدد: 6805 - 2021 / 2 / 3 - 22:57
المحور:
الادب والفن
يعود الى البيت ليتناول غدائه ، ويرتاح .. ثم يرجع الى الشركة لاكمال معاملات متراكمة من الاسبوع الماضي .. لم يجد زوجته في استقباله باشةً كما كل يوم .. يدخل للمطبخ يراها تهيئ الطعام ، وهي واجمة ، وليست على طبيعتها ، حدّث نفسه : لا بد ان في الامر شئ ، يذهب الى غرفة النوم ليغير ملابسه ، ثم يغتسل ، ويتهيأ للغداء ، وباله لا يزال مشغول في زوجته ، تمنى ان لا تكون هناك مشكلة كما كل مرة .. بينها ، وبين مديرة المدرسة او احدى زميلاتها ، فليس لديه وقت يضيعه على سماع هذا النوع من المشاكل التافهه ، استدارت لتهيئ المائدة .. ترفع اليه وجهاً محتقناً .. صدق توقعه : ماذا حدث ، هل كنتِ تبكين ؟ تحدق فيه قليلا ثم يسمع صوتها ، وهي تنظر اليه بعينين زائغتين : بعد الغداء .. يستسلم لرأيها . يقول في صوت خافت كأنه يحدث نفسه اكثر مما يحدث زوجته : الله يستر … الامر جدي اذن ! تناولوا الغداء ، وهم صامتين .. يتأمل وجهها ، يجدها تتناول طعامها ببطء ، وكأن الاكل لم يعجبها او ربما قد اكلت في المدرسة شئ منع عنها شهيتها ، ازدادت شكوكه ، استيقظ في داخله استنتاجه الاول من جديد .. ان في الامر مشكلة استدعت كل هذا الحزن والبكاء ! بعد الغداء ، واثناء ما كانوا يتناولون الشاي … عاجلها : هل تحبين ان تتكلمي عن سبب بكائك ، حبيبتي ، قلقتيني كثيرا .. خلعتي قلبي .. تكلمي ، فضفضي ، سترتاحين ، حضني جاهز دوماً لاحزانك ، لا تحملي هم شئ مازلت حياً ، من هذا الذي تجرأ ، وأبكى حبيبتي الغالية .. ؟! تعود الى البكاء .. يعانقها ، كان الدمع الذي يطفر من عينيها يغمر وجهيهما معاً ، قالت من خلال دموعها : اليوم وانا في الصف اعطيت التلاميذ وقت .. يُخرجوا فيه طعامهم ليأكلوا ، تعرف هم اطفال ، جلستُ أُقلب في كتاب امامي ، لا حظت طفلة تجلس في آخر الصف ، هي الوحيدة التي لم تُخرج طعام من حقيبتها المصنوعة من القماش .. بقيتْ جالسة تتلفت .. تصورتْ ان لا احد يراها ، لكني كنت اراقبها خلسةً .. انحنت على فُتات من قشور البرتقال كانت التلميذة التي امامها قد تخلصت منه .. التفتتْ مرة اخرى ، ولما تأكدت ان لا احد يراها وضعت القشر في فمها بسرعة ، واخذت تلوكه غير مبالية بمرورته ، ثم انحنت على قشر آخر ، والتهمته .. لم استطع ان اتمالك نفسي من البكاء ، نزلت دموعي دون وعي مني ، يا ربي .. ! لم استطع كتمان مشاعري ، ولا زال المشهد أمامي .. كان صوتها حزينا .. تسكت لتبلع ريقها او ربما لتجد كلمات اخرى .. ثم تُكمل : كانت طفلة بريئة كما اللبن الحليب ، سوء التغذية يبدو واضحاً على وجهها .. ! يقاطعها : ابكيتيني انا الآخر يا شيخة ، بسيطة ولا يهمك ، هذا هو الذي انزل دموعك الغالية .. هاتي عنوان بيتهم ، والبقية اتركيها علي ، محلولة .. ربما القدر هو الذي كشف لكِ هذا المشهد لتكوني سببا في مساعدة هذه الفتاة ، واهلها التعساء ان اقتضى الامر .. يُكمل : هل تتصورين حبيبتي ان الدنيا فردوس ارضي كله نعيم ووداعة .. تدرين حبيبتي ، لو ان الرحمة انتُزعت من قلوب البشر لاختل هذا الكون ، ومات الخير فيه ، وانتصر الشر .. ! ذكرتيني بموقف تعرض له الفيلسوف نيتشه ، هل تعرفينه ؟ ومن اين لي ان اعرف هذا .. حتى اسمه غريب .. تتمتم : رجعنا للفلسفة اللي ما توكل خبز .. ! اسمعي هذه القصة ، واطمئني .. بمجرد ما تأتيني بعنوان تلميذتك هذه .. سيتغير حالها ، وحال أسرتها بالكامل ، وساجعلهم يملون من اكل هذا المدعو برتقال ، سأملأ بيتهم به وبغيره ! نعود الى فيلسوفنا ، صاحب نظرية البقاء للاصلح .. اساء النازيون إستغلالها ، واحدثوا مجازر بالضعفاء من البشر : يقولون ان صاحب هذه النظرية كان يوماً جالسا في مكان ما .. قد يكون مقهى ، وشاهد امامه حصان يسحب عربة ثقيلة مليئة بالأحمال .. بارك في الوحل ، وعاجز ، رغم تجميعه لكل قواه ليخرج مما وقع فيه ، وليتخلص من سوط الحوذي الذي يضربه بقسوة ليستنهضه ، غير مبالٍ بعجزه … ! اتدرين ماذا فعل هذا الفيلسوف ؟ ومن اين لي ان اعرف ! أجهش في البكاء .. شفقةً على هذا الحصان ، اليس غريباً ان يبكي شخص مثل نيتشه .. وللقصة بقية ، ولكن ليس هذا وقتها .. الرحمة موجودة في كل القلوب حبيبتي ، ولكن بنسب ، وهي اعلى درجات الإنسانية .. ! وهل تقارنني بفيلسوفك المعقد هذا ؟ أبداً حبيبتي ، لكن الشئ بالشئ يذكر ، لا تزعلي ، واعطيني راسك لأقبله ، واهنئك من كل قلبي على هذه الرحمة التي تملأ قلبك الطيب ! يأخذها بين ذراعيه ، ويقبل جبينها ، ويمسح دموعها بشفتيه ، يميل عليها ليستغل الفرصة ، ويحاول تقبيلها من شفتيها ، لكنها تدفعه برقة ، وتقول : هذا ليس وقتها .. ! يضحك الاثنان .. ! انا فخور بكِ ، حبيبتي ، والان اعطيني ابتسامتك العذبة .. ! واتركيني اذهب الى قيلولتي ، ويصير خير .. هذه فرصة لنزيد من فعل الخير !
#جلال_الاسدي (هاشتاغ)
Jalal_Al_asady#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أيام الحصار … ! ( قصة قصيرة )
-
الفرصة لمن يقتنصها … ! ( قصة قصيرة )
-
بائع الجرائد الاعرج … ! ( قصة قصيرة )
-
أحلام مستحيلة … ! ( قصة قصيرة )
-
لحظة شجاعة نادرة … ! ( قصة قصيرة )
-
أرملة في بازار … ! ( قصة قصيرة )
-
مشروع زواج فاشل … ! ( قصة قصيرة )
-
هاشم الغبي … ! ( قصة قصيرة )
-
موعد مع اليأس … ! ( قصة قصيرة )
-
جريمة شرف … ! ( قصة قصيرة )
-
مأساة ( حربونة ) … ! ( قصة قصيرة )
-
يوم … في حياة زوج ، وزوجة ! ( قصة قصيرة )
-
اللحظات الاخيرة قبل الرحيل … ! ( قصة قصيرة )
-
زوج خائن ، و مخادع … ! ( قصة قصيرة )
-
أستاذ علي … ؟ ( قصة قصيرة )
-
ألارتماء في أحضان ألموت … ! ( قصة قصيرة )
-
زواج مشروط … ! ( قصة قصيرة )
-
لقاء عابر … ! ( قصة قصيرة )
-
ألا ما أفضع ألخيانة … ! ( قصة قصيرة )
-
ذكرى من الحرب لا تريد ان تموت … ! ( قصة قصيرة )
المزيد.....
-
أولاد رزق 3 وعصابة الماكس.. شوف أقوى أفلام عيد الأضحى 2024 خ
...
-
الرِحلَةُ الأخيرَة - الشاعر محسن مراد الحسناوي
-
كتب الشاعر العراق الكبير - محسن مراد : الرِحلَةُ الأخيرَة
-
6 أفلام ممتعة لمشاهدة عائلية فى عيد الأضحى
-
فنانة مصرية مشهورة تؤدي مناسك الحج على كرسي متحرك
-
قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج
-
أفراح وأتراح رحلة الحج المصرية بالقرن الـ19 كما دونها الرحال
...
-
بسام كوسا يبوح لـRT بما يحزنه في سوريا اليوم ويرد على من خون
...
-
السعودية تعلن ترجمة خطبة عرفة لـ20 لغة عالمية والوصول لـ621
...
-
ما نصيب الإعلام الأمازيغي من دسترة اللغة الأمازيغية في المغر
...
المزيد.....
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
المزيد.....
|