أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - نظريات طبيعة نظام الاتحاد السوفياتي في ضوء انهياره (نحو نفي نظرية - رأسمالية الدولة - السوفيتية)















المزيد.....


نظريات طبيعة نظام الاتحاد السوفياتي في ضوء انهياره (نحو نفي نظرية - رأسمالية الدولة - السوفيتية)


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 6779 - 2021 / 1 / 5 - 11:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


هذه هي الحلقة الثانية ضمن محور النفي العلمي لنظرية "رأسمالية الدولة" في الاتحاد السوفيتي بعد الحلقة السابقة التي تناولت واقع التخليق المافيوي للطبقة الرأسمالية الجديدة في روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي بعنوان "ضرورة رأسمالية العصابات". في هذه الحلقة يناقش السيد باري شيبارد (Barry Sheppard) النظريات الثلاث المطروحة بصدد طبيعة النظام في الاتحاد السوفيتي : "رأسمالية الدولة" و "الجماعية البيروقراطية" و " الدولة العمالية المشوهة بيروقراطياً" .
ظهر هذا المقال لأول مرة في المجلة الفصلية "الروابط" (LINKS) الناطقة بلسان "المجلة الدولية للتجديد الاشتراكي" ، العدد 18 ، مايس – آب ، 2001 ، و هذه هي الترجمة للقسم الأول منه . عمل باري شيبارد زعيمًا لحزب العمال الاشتراكي الأمريكي طوال عدة سنين ؛ و هو اليوم ناشط اشتراكي مستقل .
النص :
"لقد شكل انهيار "الاشتراكية القائمة بالفعل" في الاتحاد السوفياتي و بلدان أوروبا الشرقية قبل عقد من الزمان صدمة لجميع الاتجاهات في الحركة العمالية و للممثلين السياسيين للطبقة الرأسمالية في جميع أنحاء العالم . لم يتوقع أحد مثل هذه النتيجة مسبقًا - لا أحد ممن هم على قيد الحياة ، بطبيعة الحال . لماذا حصل هذا ؟
للإجابة على هذا السؤال ، سيكون من المفيد مراجعة الآراء المختلفة حول طبيعة نظام الاتحاد السوفيتي .
ادّعى ستالين و ورثته أن الاتحاد السوفياتي قد حقق الاشتراكية في الثلاثينيات و بات مجتمعا لا طبقياً . ادّعى النظام : "لم نبني بعد ، بالطبع ، شيوعية كاملة ، لكننا قد حققنا الاشتراكية بالفعل - أي أدنى مراحل الشيوعية" . 1
بالنسبة لماركس و إنجلز و لينين ، فإن الاشتراكية ، أو أدنى مراحل الشيوعية ، يمكن أن تُبنى على أساس الإنجازات التكنولوجية للرأسمالية . و انطلاقاً من هذا الأساس ، سيتم التطوير السريع لوسائل الإنتاج لترفع مستوى إنتاجية العمل إلى ما هو أبعد من مثيلها في البلدان الرأسمالية الأكثر تقدمًا . لكن الثورة حدثت في أكثر الدول الأوروبية الرأسمالية تخلفًا - روسيا - و لم تنجح في الانتشار إلى البلدان الأوروبية المتقدمة . و بفعل انعزاله وسط عالم رأسمالي معاد – و على الرغم من الخطوات الكبيرة التي قطعها إلى الأمام – لم يكن الاتحاد السوفياتي قادرا على الوصول إلى أي مكان بالقرب من مستوى إنتاجية العمل في البلدان الرأسمالية المتقدمة . و كانت منتجاته أدنى شأناً و لا يمكنها المنافسة في السوق العالمية . و بفعل التهديد العسكري المستمر ، فقد اضطر إلى تخصيص نسبة كبيرة من إنتاجه لقواته المسلحة . و طوال فترة وجوده ، كان نظامًا من الندرة النسبية و بالتالي من عدم المساواة .
و قد أدت الندرة وعدم المساواة إلى نشوء بيروقراطية ذات امتيازات اقتصادية .
قبل وقت قصير من ثورة أكتوبر عام 1917 ، كتب لينين في كتاب "الدولة والثورة" ، بالاعتماد على ماركس و إنجلز ، ردًاً على الاشتراكيين الانتهازيين الذين رفضوا الفكرة الماركسية حول اضمحلال الدولة أثناء فترة الانتقال إلى الشيوعية يقول :
"البروليتاريا تحتاج الدولة - هذا ما يكرره كل الانتهازيين . لكنهم "نسوا" أن يضيفوا ، في المقام الأول ، وفقًا لماركس ، بأن البروليتاريا لا تحتاج إلا إلى دولة تتلاشى ، أي إلى دولة تم تشكيلها بحيث تبدأ في التلاشي على الفور ولا يمكنها إلا أن تذبل ."2
من المؤكد أن معيار الاشتراكية هذا لم يتحقق قط في الاتحاد السوفياتي - فقد تمددت الدولة لتصبح فظاعة ، و لم تظهر أدنى ميل للموت .
أوضح لينين كذلك أن على البروليتاريا أن تحطم الآلة البيروقراطية القديمة للدولة الرأسمالية ، و أن تنشئ أجهزتها الخاصة من الموظفين و العمال . و قال إن البروليتاريا ستتخذ إجراءاتها ضد تحول هؤلاء إلى بيروقراطيين عبر التدابير التي حددها بالتفصيل ماركس و إنجلز : (أولاً) باختيارهم ليس فقط بالانتخاب ، ولكنهم أيضا عرضة للاستبدال في أي وقت ؛ (ثانياً) و بأجر لا يتجاوز أجر العامل ؛ (ثالثاً) و بالتطبيق الفوري للرقابة و الإشراف عليهم من قبل الجميع ، حتى يصبح الجميع "بيروقراطيين" لمدة ما ، وبالتالي ، لا يمكن لأحد أن يصبح بيروقراطيًا ". 3
لقد ذهب الواقع السوفيتي في الاتجاه المعاكس تمامًاً من هذه القواعد الاشتراكية كما تصورها ماركس و إنجلز و لينين .
من المعروف الآن أن البيروقراطية قد صعدت فوق المجتمع ، و كذلك جرائم ستالين و ورثته . إن تأطير و سجن و قتل مئات الآلاف من الشيوعيين و ملايين العمال و الفلاحين ليست هي الدلالات على الاشتراكية السائرة على الطريق نحو بناء الشيوعية - أي إلى المجتمع الذي تتلاشى فيه الدولة و يعمل - كما قال ماركس - وفق مبدأ "من كل حسب قدراته و لكل حسب احتياجاته".
ماذا يخبرنا انهيار الاتحاد السوفيتي عما إذا كان مجتمعًا اشتراكيًا ؟ أولاً ، أن البيروقراطية نفسها - ما يسميه البعض "نومنكلاتورا" (nomenklatura) - تعتقد الآن بأن الرأسمالية تتفوق على ما كانت تسميه بـ "الاشتراكية" . لذا ، نجد أن أعضاءها يسعون بقوة لأن يصبحوا رأسماليين كأفراد . ثانيًا ، إن الطبيعة المخزية للانهيار - الانهيار من الداخل دون إطلاق رصاصة واحدة - هي أوضح دليل على أن الاتحاد السوفيتي لم يحقق الاشتراكية التي هي نظام يتفوق نوعياً على الرأسمالية .
لو كان الاتحاد السوفياتي قد حقق بالفعل المرحلة الاشتراكية ، لما كان لينهار قبل انهيار الرأسمالية ، و لم يكن لينهار أبداً .
الاستنتاج المهم هو أن انهيار الاتحاد السوفياتي لم يكن انهياراً للاشتراكية .
بالإمكان أن نرفض أصلاً الأفكار المختلفة لأولئك المعارضين للاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية من أنصار الرأسمالية ، ممن ادعوا ، مثل الستالينيين ، بأن الاتحاد السوفيتي كان نظاماً اشتراكياً . هؤلاء قالوا أيضًا بأن جرائم الستالينية قد أثبتت بأن الاشتراكية هي عدو شرير للإنسانية . و الآن ، نراهم يزعمون أيضاً بأن ذلك الانهيار يثبت بأن الاشتراكية لا تعمل ، و أن الرأسمالية تمثل ذروة التطور البشري . كانت الاحزاب الاشتراكية الديموقراطية تصطف أساسًا مع المعسكر الرأسمالي ، و قد توصلت إلى نفس النتيجة القائلة بأن الاشتراكية مستحيلة.
تبقى هناك تلك الأفكار التي طورتها أقلية في الحركة العمالية ، تلك الجماعات التي نشأت في المعارضة اليسارية في الاتحاد السوفيتي وفي الأممية الشيوعية ، بقيادة ليون تروتسكي . تم طرد هذه المجموعات في أواخر العشرينات من القرن الماضي . في هذه البيئة ، تطورت هناك ، خاصة بعد اتفاق ستالين وهتلر في عام 1940 ، ثلاث نظريات معارضة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أدت إلى تبنّي مواقف سياسية متعارضة بشدة . كان أحد تلك الآراء يعتبر أ، الاتحاد السوفياتي هو شكل من أشكال رأسمالية الدولة . و في العقود الأخيرة ، ربما كان حزب العمال الاشتراكي البريطاني و الجماعات المتحالفة معه في البلدان الأخرى ، بقيادة توني كليف ، أهم مجموعة تتبنى هذا الموقف دوليًا .
و كانت هناك نظرية أخرى مفادها أن اتحاد ستالين السوفياتي كان شكلاً جديدًا من أشكال المجتمع الطبقي لم يتوقعه ماركس و لا أتباعه ، و الذي أطلق عليه أنصارها وصفة "الجماعية البيروقراطية". من وجهة النظر هذه ، كانت البيروقراطية طبقة حاكمة جديدة استغلت الكادحين و العمال المأجورين و الفلاحين بطريقة جديدة . كان أقوى أولئك الذين تبنوا وجهة النظر هذه هم في الولايات المتحدة ،متمثلين - منذ الأربعينيات من القرن الماضي - بالمنظمة التي يقودها ماكس شاختمان ، والتي اتخذت أسماء مختلفة قبل أن تنحل في الحزب الاشتراكي - الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي في الخمسينيات لتنعطف بسرعة نحو اليمين . و لقد توصل العديد ممن اعتنقوا هذا الرأي إلى الاستنتاج الذي مفاده بأنه يجب دعم الرأسمالية ضد الجماعية البيروقراطية باعتبارها أهون الشرين – و هذا هو أساس الدعم الذي قدمه شاختمان و أنصاره لواشنطن في حرب فيتنام . و ربما كان الانشقاق اليساري عن شاختمان ، بقيادة هال دريبر ، هو المنبر الأهم لأنصار نظرية "الجماعية البيروقراطية" من الستينيات حتى الوقت الحاضر . و يمثله اليوم أحد أقسام منظمة "التضامن الاشتراكية" الأمريكية .
كانت النظرية الثالثة هي نظرية ليون تروتسكي التي تم تطوير النظريتين السابفتين بالضد منها . رأى تروتسكي بأن الاتحاد السوفياتي منذ عهد ستالين كان مجتمعًا شديد التناقض . فمن ناحية ، حافظ هذا المجتمع بشكل مشوه على الفتوحات الاجتماعية الرئيسية للثورة الروسية عام 1917 ، بما في ذلك الاقتصاد المؤمم و المخطط ، و سيطرة الدولة على التجارة الخارجية ، و العملة المستقلة عن سوق العملات الرأسمالية . و من ناحية أخرى ، فإن البيروقراطية في الحكومة و الحزب الشيوعي و إدارة الصناعة قد استحوذت على جميع الحقوق السياسية من العمال و الفلاحين . كان الاتحاد السوفياتي "دولة عمالية مشوهة بيروقراطياً". أي أن الاتحاد السوفياتي بقي ديكتاتورية للبروليتاريا – نظاماً ما بين الرأسمالية و الاشتراكية .
كان القاسم المشترك بين أنصار هذه النظريات الثلاث - على الأقل أولئك الذين ظلوا مناصرين للثورة الروسية - هو حصول الثورة المضادة لثورة عام 1917 متمثلة بالإرهاب الستاليني ضد أفضل الشيوعيين و العمال الطلائعيين و ضد الطبقة العاملة بأكملها و الفلاحين – الذين فقدوا أرواحهم بالملايين – و هو ما أدى إلى التفتيت السياسي للطبقات الكادحة و تعزيز الحكم الشمولي للبيروقراطية ذات الامتيازات الاقتصادية . في هذه العملية ، تم سحق الحزب الشيوعي (البلشفي) و استبداله بجهاز بيروقراطي . كما تم تحويل مجالس السوفيات بالمثل .
و لقد دعت الاتجاهات الثلاثة أعلاه إلى النضال الثوري للإطاحة بحكم البيروقراطية وإعادة تأسيس الديمقراطية البروليتارية لإبقاء البيروقراطية تحت السيطرة والشروع مرة أخرى في طريق بناء الاشتراكية. و لقد حدثت أشد الخلافات بين هذه التيارات حول مسألة الدفاع عن الاتحاد السوفيتي ضد الإمبريالية . و طرحت الحرب العالمية الثانية هذه القضية بشكل حاد عندما غزت الإمبريالية الألمانية أراضي الاتحاد السوفيتي . حينها ـ خرج أتباع تروتسكي بشكل لا لبس فيه للدفاع عن الاتحاد السوفيتي ؛ في حين اتخذ مؤيدو النظريتين الأخريين موقف القائل : "لينزل الطاعون على كلا المنزلين". كانوا يعتقدون أنه لم يتبق هناك شيء يستحق الدفاع عنه في الاتحاد السوفياتي . كما تم التعبير عن اختلافات مماثلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية فيما يتعلق بكوريا و أوروبا الشرقية و الصين و فيتنام و كوبا ، و كذلك فيما يتعلق بالحرب الباردة نفسها .
بالنسبة الى كوبا فهي نوع منفصل برأيي ؛ في حين يؤمن مؤيدو كل من نظرية رأسمالية الدولة و الجماعية البيروقراطية عمومًا بأن النظام الكوبي هو التجلي العملي لهذا او لذاك من النظامين ، ويعتقدون أنه ينبغي الإطاحة بالنظام الكوبي . أما أنا ، فلا أعتقد بأن كوبا هي نظام ستاليني . أنا أعتقد بأن كوبا هي دولة عمالية فيها تشوهات بيروقراطية (كما قال لينين عن الاتحاد السوفيتي عندما كان زعيمه المركزي) ، وأن قيادتها حول كاسترو هي اشتراكية ثورية و يجب دعمها .
كان الاختلاف الآخر هو أن أولئك الذين اعتنقوا أياً من النظريتين الأوليتين قد اعتقدوا أيضاً بأن الاتحاد السوفيتي كان دولة إمبريالية .
كانت أحدى انتقادات تروتسكي الرئيسية للستالينية هو تخليها عن منظور الثورة العالمية لصالح السعي للتوافق مع الإمبريالية لترك الاتحاد السوفييتي وشأنه مقابل دعم الكرملين للرأسمالية في أماكن أخرى من خلال سيطرته على الشيوعيين المحليين . في ثلاثينيات القرن الماضي ، أدى خط ستالين ضد الثورة الاشتراكية إلى الهزيمة في الحرب الأهلية الإسبانية و في الإضراب الفرنسي العام . و بينما لم تكن الثورة الاشتراكية على جدول الأعمال في الولايات المتحدة مثلما كانت عليه في إسبانيا و فرنسا ، كان خط ستالين تجاه الولايات المتحدة بعد عام 1935 هو المساعدة في حشر الراديكالية العمالية الجديدة في الحزب الديمقراطي . و قد تم اتباع نفس هذه السياسة بشكل أساسي بعد الحرب حتى الانهيار .
في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، مع نشوء الأنظمة الستالينية في أوروبا الشرقية و في الصين و كوريا الشمالية و فيتنام ، أسقط مؤيدو نظريات رأسمالية الدولة و البيروقراطية الجماعية انتقاد تروتسكي للخط الستاليني المحافظ أساسًا بصدد استبعاد الثورة العالمية ، و بدأوا يرون الاتحاد السوفييتي كمركز لتوسع الجماعية البيروقراطية أو رأسمالية الدولة بل و حتى الإمبريالية الشريرة الجديدة .
دافع أولئك الذين أيدوا آراء تروتسكي عن هذه الامتدادات للثورة ، حتى في شكلها المشوه . كان يُنظر إلى الانقلابات في أوروبا الشرقية على أنها خطوة دفاعية من قبل ستالين لإقامة حاجز بين الدول الإمبريالية الأوروبية والاتحاد السوفيتي ، ردًا على إطلاق الغرب للحرب الباردة . و كان من الممكن أن تتحول الحرب "الباردة" في أي وقت إلى غزو لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، ولم يتم منع هذه النتيجة إلا من خلال "توازن الرعب" بمجرد أن طور الاتحاد السوفيتي أسلحة ذرية و بنى قواته المسلحة في مواجهة هائلة ضد حلف الناتو .
رأى أولئك الذين يتبنون وجهة النظر هذه في الانقلابات في الصين وفيتنام بشكل مختلف . لقد حدثت هذه التطورات من خلال ثورات جماهيرية حقيقية ، و كانت على رأسها أحزاب مدربة على التقليد الستاليني ، لكنها قررت أن تقود النضال الثوري الجماهيري إلى السلطة في مواجهة المفاهيم الستالينية . و قد لعبت الانتفاضات الجماهيرية دورًا رئيسيًا في هذه القرارات ، وأسفرت عن أنظمة ذات ديناميكيات مختلفة عن تلك الموجودة في أوروبا الشرقية .
تم توثيق كل هذه الاختلافات بدقة و مناقشتها في العقود التي سبقت انهيار الكتلة السوفيتية . و الغرض من هذا المقال ليس هو إعادة صياغة تلك المناقشات ، بل لإلقاء نظرة جديدة على هذه النظريات الثلاث في ضوء الانهيار . و يمكن للمهتمين بالتعرف على هذه المناقشات الرجوع إلى الأدبيات الخاصة بها .
من السمات البارزة لمحاولة استعادة الرأسمالية (أو العودة إلى الرأسمالية "العادية" لأولئك الذين يتبنون وجهة نظر رأسمالية الدولة) في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية ، هي تلك الطريقة التي حدثت بها خصخصة الصناعات المؤممة . كان العامل الأساسي في ذلك هو ندرة رأس المال ، مثلما لاحظ جميع المعلقين تقريبًا .
في مقال مهم بعنوان "ضرورة رأسمالية العصابات : التراكم البدائي في روسيا و الصين" ، المنشور في مجلة "المراجعة شهرية" ، عدد شباط ، 2000 ، أشار المؤلفان هولمستروم و سميث إلى أن البيروقراطية "النومنكلاتورا" قد احتكرت بشكل جماعي السيطرة على وسائل الإنتاج [في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية] لكنها لم تمتلكها لنفسها بشكل خاص . كان لابد من تأسيس الطبقة [الرأسمالية الجديدة]. و في إشارة إلى جيفري ساكس ، أحد اقتصاديي جامعة هارفارد الذي نصح الروس بالشروع في الخصخصة بالجملة و على جناح السرعة بعد الانهيار ، كتبا :
"لا تحتوي بروتوكولات ساكس الخاصة بالانتقال إلى الرأسمالية على المناقشات حول أباطرة اللصوص أو رأسماليي العصابات . لقد تصور ساكس نموذجًا مجرّدًا غير تاريخي ، أنه بمجرد تحرير الأسعار ، بمجرد أن يُسمح قانونًا بتأسيس المؤسسات الخاصة ، سيظهر "الرأسماليون" بطريقة ما ، ويتقدمون ، ويتولون قيادة الاقتصاد . لكن من أين سيأتي هؤلاء الرأسماليون ؟ في عام 1990 ، لم يكن لدى أي شخص في أوروبا الشرقية أو روسيا ثروة نقدية كبيرة أو ملكية خاصة في وسائل الإنتاج . لم تكن توجد هناك برجوازية – و لا حتى برجوازية ما قبل الثورة لإعادة الاقتصاد إليها . و لقد اشتهرت هذه النكتة في بولندا ، "ماذا كان عليهم أن يفعلوا - إعادة ملكية أحواض لينين لبناء السفن إلى عائلة لينين ؟" لذلك لم يكن لدى أحد الوسائل لشراء المصانع أو المناجم أو الغابات أو المزارع الجماعية أو لتوظيف العمالة ." 4
علاوة على ذلك ، يشير هولمستروم و سميث إلى أن الرأسماليين :
"... كان لابد من تخليقهم . كان على الأفراد الاستيلاء على الممتلكات و المصانع و المناجم و الآبار و الغابات و خصخصتها . و لكن نظرًا لعدم امتلاك أي شخص المال لشراء ممتلكات الدولة هذه من الحكومة ، لم تكن هناك طريقة مجدية يمكن القيام بها بشكل قانوني أو شرعي أو أخلاقي ... كان لابد من طبخ صناعة هذه الطبقة ، بين عشية و ضحاها تقريبًا . و هذا ما حصل . في النهاية ، مزيج من عناصر المافيا السرية ، و النومنكلاتورا ، وخاصة الإدارة العليا لبعض الصناعات ، وشرائح المثقفين - تمت صياغة هؤلاء الأشخاص أساسًا لخصخصة الاقتصاد بشكل إجرامي ."
بعبارة أخرى ، لم يكن يوجد هناك من مالكي رأس المال العدد الكافي ليتمكنوا من شراء الصناعات المؤممة سابقًا . ماذا يعني هذا بالنسبة لنظرية أن هذه البلدان كانت رأسمالية دولة ؟ إذا كانت عبارة "رأسمالية الدولة" تعني أي شيء ، فهي تعني أن تراكم رأس المال في الاتحاد السوفياتي كان يجب أن يحصل فيه مثلما هو الحال عليه في أي شكل آخر من أشكال الرأسمالية . و بما أن تراكم رأس المال هذا كان مستمرًا منذ عقود ، فمن المفترض أنه سيستتبع مراكمة كتلة كبيرة من رأس المال ، وكان ينبغي أن تكون هذه الكتلة الرأسمالية بين أيدي أناس حقيقيين . و بما أن البيروقراطية في نظرية رأسمالية الدولة قد استغلت بشكل جماعي الشعب العامل على أساس رأسمالي ، لذا فقد كان على قسم من البيروقراطية على الأقل أن يجمع ما يكفي من رأس المال لشراء الصناعات المؤممة . لكن الواضح هو أن هذا لم يكن صحيحًا . من الواضح أن البيروقراطيين لم يكونوا رأسماليين من أي نوع ، لأنهم لم يراكموا رأس المال بالحجم الذي كان سيحدث لو كان المجتمع يعمل على أساس التراكم الرأسمالي . لذا تراهم يتدافعون ليصبحوا رأسماليين في الوضع الجديد - ليصبحوا شيئًا لم يكونوا عليه من قبل . و هم يحاولون القيام بذلك من دون امتلاكهم لرأس مال كافٍ مسبقًا ، و من هنا جاءت السرقة . و هكذا تنهار نظرية رأسمالية الدولة أمام هذا الواقع .
تنص النظرية القائلة بأن الاتحاد السوفيتي كان عبارة عن "جماعية بيروقراطية" على أن البيروقراطية قد أصبحت فيه طبقة حاكمة من نوع جديد . لقد جرى استغلال العمال والفلاحين و لكن بطريقة جديدة لم نشهدها من قبل . لم يكن هذا النظام رأسمالياً ، و لم يعمل المجتمع على أساس التراكم الرأسمالي. و وفقًا لمؤيدي نظرية البيروقراطية الجماعية ، كان ماركس و أتباعه مخطئين في التفكير في أن الاختيار أمام الإنسانية هو إما الرأسمالية (التي ستنحدر إلى البربرية إذا لم يتم الإطاحة بها) أو الاشتراكية . لقد تولد الاحساس لديهم بأن تاريخ الاتحاد السوفيتي و المجتمعات المماثلة قد أظهر أن النتيجة الثالثة كانت ممكنة ، و أن هذا المجتمع الجديد لديه بعض السمات غير الجذابة ، مثل الدكتاتورية البيروقراطية الشمولية.
كيف تصمد هذه النظرية مع الواقع التاريخي لانهيار الاتحاد السوفيتي ؟
هذه النظرية تعاني من نفس المشكلة التي تعاني منها نظرية رأسمالية الدولة ، لأنها على الرغم من اعتبارها أن البيروقراطية لم تستغل العمال على أساس رأسمالي ، إلا أنها استغلتهم على أية حال . لماذا إذن لم توجد هناك الثروة "البيروقراطية الجماعية" على نطاق كبير بما يكفي لتحويلها إلى رأس مال لخصخصة الاقتصاد ؟ كانت السمة الرئيسية لانهيار الاتحاد السوفياتي هي توجّه البيروقراطية الحاكمة نحو استعادة الرأسمالية ؛ أي أنها حاولت إلغاء النظام الذي نشأت في ظله (مات جميع البيروقراطيين السوفييت الأوائل) ، و هو نفس النظام الذي حصل فيه هؤلاء البيروقراطيون على امتيازاتهم بواسطته . الا يشكل مثل هذا احد أكثر التطورات غرابة في التاريخ ؟
إذا كانت البيروقراطية هي الطبقة الحاكمة من نوع جديد التي نشأت على أساس الإطاحة بالرأسمالية ، فإن رغبتها الواضحة في تحويل نفسها إلى طبقة رأسمالية جديدة سيكون أمراً غريباً حقًا. و حتى لو افترضنا بأن النظرية البيروقراطية الجماعية كانت صحيحة بالنسبة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، فإن انهيار هذا النظام ، ورغبة طبقته الحاكمة ذات النوع الجديد في أن تصبح طبقة حاكمة رأسمالية ، يوضحان أن هذا النظام لم يكن قابلاً للحياة تاريخيًا ، وأن الطبقة الحاكمة فيه نفسها قد توصلت إلى هذا الاستنتاج . أي أن الطبقة الحاكمة ذات النوع الجديد هذه لم تعد تريد الوجود لذاتها ! لقد استمرت الفترة من صعود الستالينية إلى السلطة في الاتحاد السوفياتي إلى سقوطها نحو ستة عقود أو نحو ذلك . و هذه ليست حقبة طويلة من منظور تاريخي . لذا فإن هذه "الطريقة الثالثة" ، حتى لو كانت موجودة لفترة وجيزة ، لم تكن أبدًا شكلاً جديدًا قابلاً للحياة . من الناحية التاريخية ، يثبت انهيار الاتحاد السوفيتي أنه لا يوجد هناك بديل ثالث أساسي بين الرأسمالية أو الاشتراكية.
لقد كان ماركس على حق.
يبين هولمستروم و سميث كيف انه قد تحتم على روسيا أن تمر بمرحلة من التراكم البدائي لرأس المال ، على غرار تلك التي حدثت إبان صعود الرأسمالية ، من أجل استعادة هذا النظام . كما يشيران إلى ضرورة وجود الطبقة الأخرى لكي تعمل الرأسمالية : البروليتاريون المعدمون . في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، يكتبان: من المؤكد أن العمال الروس لم يمتلكوا وسائل الإنتاج ، لكنهم امتلكوا ، وما زال الكثيرون يمتلك ، بالمعنى الحقيقي لمفردة "امتلاك" وظائفهم . و كانت لديهم حقوقهم الراسخة في السكن والرعاية الطبية التي تقدمها الدولة ورعاية الأطفال والعديد من الإعانات من الدولة. و قد تم تدمير حقوق الملكية الاجتماعية هذه في عملية الانتقال إلى اقتصاد السوق "الطبيعي". و بعد تجريدهم من السيطرة أو الحيازة أو ملكية وسائل الإنتاج ، فإن غالبية سكان الاتحاد السوفيتي السابق أصبحوا مجبرين على القدوم إلى السوق ، على حد تعبير ماركس ، و "لا شيء لديهم للبيع سوى جلودهم" .5"
الملاحظات :
1. Quoted in Leon Trotsky, The Revolution Betrayed, Pioneer Publishers, New York, 1945, p. 46.
2. Lenin, The State and Revolution, in Collected Works, Vol. 25, Progress Publishers, Moscow, 1977, p. 407.
3. ibid., p. 486.
4. Nancy Holmstrom and Richard Smith, "The Necessity of Gangster Capitalism: Primitive Accumulation in Russia and China", Monthly Review, February 2000, Vol. 51, No. 9, p. 8.
5. ibid., p. 9.
المصدر :
Barry Sheppard: Three theories of the USSR | Links International Journal of Socialist Renewal



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة رأسمالية العصابات (نحو نفي نظرية -رأسمالية الدولة- الس ...
- قصيدة -المُهلوسون- للشاعر الثائر منتظر هادي العقابي
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 16- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 15- ...
- ترجمة كتاب الطاو (طريق العقل)
- سلطانُ الكلاوات
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 14- ...
- انتهاء عصر التوازن النووي
- ترجمة قصيدة مظفر النواب : أشياء للتداول هذه الأيام ..
- هل كان اغتيال العالِم طلقة البداية لحرب ترامب على إيران ؟
- ليلة الضرب : ظهور تفاصيل عملية التطهير في فندق الرِيتز- كارل ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 13- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 12- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 11- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 10- ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 9-2 ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 8-2 ...
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية7-20 ...
- البُلبُل الفتّان
- الشيوعية العمالية : هَوَس التفتت و تفتيت الحركة الشيوعية 6-2 ...


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسين علوان حسين - نظريات طبيعة نظام الاتحاد السوفياتي في ضوء انهياره (نحو نفي نظرية - رأسمالية الدولة - السوفيتية)