أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية الوعي عبر تاريخ الفلسفة















المزيد.....


إشكالية الوعي عبر تاريخ الفلسفة


احمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 6756 - 2020 / 12 / 9 - 20:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


منذ ظهور الإنسان العاقل (الهيموسيبيان ) على وجه الأرض حوالي (350 ألف سنة تقريبا)، مر من مراحل كثيرة إلى أن وصل إلى مرحلة الوعي منذ 70 ألف سنة من الآن ، هذه المرحلة تسمى ثورة الوعي وهي أخطر ثورة حصلت في تاريخ الانسان؛ التي هي باختصار بداية إدراك الانسان للعالم من حوله ولنفسه، فالإنسان هو الكائن الوحيد ( إلى حد الآن) الذي يمتلك وعيا على خلاف الكائنات الحية الأخرى، لكن عندما نسأل ما الوعي؟ نجد صعوبة في تحديد دلالاته بشكل دقيق، فقط نجد ما اتفق عليه الجميع هو أن الوعي خاصية من خصائص العقل البشري . و يعد مفهوم الوعي مفهوم زئبقي تتغير دلالته حسب المجال الذي ينتمي إليه، فمثلا في مجال السيكولوجيا (علم النفس) يشير إلى معرفة الإنسان لعواطفه و لمشاعره و ميولاته المختلفة و إلى ادراكه الواضح لدوافعه التي تحرك سلوكه... و يقابله اللاوعي الذي يعني عند "فرويد" مجموعة الرغبات و الغرائز المكبوتة في أعماق النفس البشرية التي لا يمكن معرفتها بشكل مباشر، لكنها تؤثر في سلوك الانسان من دون أن يكون واعيا بوجودها و تأثيرها. أما في مجال المعرفة فهو يشير إلى العمليات العقلية التي يقوم بها الانسان كالتفكير و التذكر و التخيل، مع ادراكه لقيامه بهذه العمليات. و في مجال البيولوجيا يشير الوعي إلى قدرة الدماغ على القيام بعمليات عضوية و عصبية و ادراكية، وادارة الاجهزة المختلفة و توجيهها، ويقابله فقدان الوعي ( الغيبوبة)...
فالوعي قد يكون فردي مرتبط بالفرد مباشرة، وتساهم في تكوينه عوامل متعددة منها: تجارب الفرد الشخصية و طبيعته النفسية و مستوى تفكيره و تعليمه؛ وبناء عليه يتم التميز في درجة الوعي بين شخص وآخر. وقد يكون وعي جمعي وهو مرتبط بمجموعة من الأفراد يكونون فئه أو طبقة أو جماعة يجمع بينهم نمط اجتماعي أو معيشي أو ثقافي مشترك ( قصة مشتركة ) وينعكس الوعي الجمعي لجماعة على قيمها و عاداتها و أخلاقها العامة. وإجمالا يكون الوعي هو جملة من التصورات و المعتقدات و الآراء التي تعين موقف الانسان من الحياة و تحدد سلوكه .
وبالعدوة إلى لحظة بدء الوعي الانساني ، نجد أن الانسان العاقل وجد نفسه أمام كثرة متكاثرة من الظواهر الطبيعية التي عجز عقله عن تفسيرها - و بما أن العقل البشري يخشى الفراغ - بدأ في تفسير هذه الظواهر الطبيعية التي وجدها تحيط به، تفسيرا يتمشى مع عقله الذي لا يمتلك إلا القليل من الوعي عن العالم ، يسمى وعي أسطوري ، وهذا الوعي الأسطوري الذي بلغ قمة تطوره مع بداية الألف الثالثة قبل الميلاد؛ الذي كان في بداية نشوئه ذا مضامين دينية تتناول قصص الآلهة المتعددة التي كانت تعبد آنذاك، فالتصورات الأسطورية عند الشعوب الشرقية تعد المحاولة الأولى للفكر الإنساني في تفسير الطبيعة.
ومن الأسطورة - وبفعل تطور الوعي لدى الشعوب القديمة- انتقلوا إلى الوعي الفلسفي الذي تمثل في التفكير و التساؤل عن الوجود و النفس و الحياة و الموت و الخير و الشر. وتجلى هذا الوعي الفلسفي بالخصوص في بلاد اليونان مع الفلاسفة الاوائل مع بداية القرن السادس قبل الميلاد؛ منذ البدء كان هاجس الفلاسفة الماقبل سقراطيين مساءلة أصل العالم (الأرخي)، في محاولة لتفسير العالم بالبحث عن المبدأ الاول للوجود مع الفلاسفة الطبيعيين على راسهم طاليس الذي قال أن أصل العالم هو الماء. و حاول انكسيمندرس أن يبين أن أصل العالم هو مبدأ اللامتناهي واللامحدود (الأبيرون ). أما انكسيمنس فلديه نظرية أخرى في رد الكثرة إلى وحدة ممكنة، يقول إن المادة الأولى للعالم هي الهواء. في حين هرقليطس اعتبر أن أصل العالم هو النار و صراع الأضداد .... لكن لا يهمنا هذا الجرد التاريخي لآراء الحكماء حول أصل العالم ولكن الأهم هو طبيعة الإجابة التي قدموها حيث تكشف عن تطور الوعي الانساني في بلاد اليونان عما كان سائد في الحضارات قبله وتتجلي في أنها تفسر العالم من العالم نفسه وهنا تظهر الجدة الفلسفية عند اليونان .
لكن أهم لحظة فارقة في الفلسفة اليونانية هي لحظة سقراط حيث أعلى من مكانة الإنسان، بدعوته إلى ضرورة معرفة الذات بمعزل عن أي وساطة ، وذلك ضمن عبارة "اعرف نفسك بنفسك" المنقوشة على جدران معبد دلف بأثينا. هنا بدا الفكر ينتقل من التفسير المادي إلى التفسير التجريدي ( الانتقال من الكون الى الانسان) ، وهذا جعل البحث يتجه إلى الانسان باعتباره الكائن الذي يعود إليه فهم الطبيعة، اذا نجد مع السفسطائي بروتاغوراس "أن الانسان هو معيار جميع الاشياء" ؛ ومعنى هذا أن الوعي الانساني فردي ويختلف من فرد الى اخر، واعتمادا على هذا الوعي تتحدد الحقيقة و بالتالي ستكون المعرفة مختلفة ونسبية من شخص إلى اخر. لكن أفلاطون سيرفض هذا الأمر ويعتبر أن المحدد للوعي ليس الواقع وإنما عالم المثل؛ هو عالم الحقائق الذي يمنحنا وعي حقيقي وليس وعي زائف كما تقدمه لنا الحواس. وسياتي أرسطو ( تلميذ افلاطون ) سينتقد استاذه رغم حبه له وذلك يتجلى من خلال قوله " أحب استاذي افلاطون وأحب الحقيقة ولكن أفضل الحقيقة عن افلاطون". إذ يرى أرسطو أن هناك أربعة أنواع من الأسباب هي التي تتحكم في حدوث الأشياء وتحديد مصائرها وهي : السبب المادي ، السبب الصوري ، السبب الفاعل، السبب الغائي . وهذا معناه في نظر أرسطو أن هناك عالما حقيقيا واحدا، هو عالمنا الذي نعيش فيه، وهو بمادته قديم ، موجود منذ الأزل ، وأن هناك في المادة نفسها إمكانا للتطور بالانتقال من صورة إلى صورة أخرى أرقى ، يقول أرسطو :" إن كل خروج من القوة إلى الفعل محتاج إلى محرك بالفعل "وهو يقصد بهذا المحرك الله الذي يحرك العالم بعقله دون أن يتحرك هو ( المحرك الذي لا يتحرك).
هكذا إذن أصبحت أصول الأشياء في الفكر الفلسفي الأرسطي عللا كامنة في الأشياء نفسها، بعدما كانت أسبابا خارقة فوقها أو صورا متتالية قبلها وبالتالي أرسطو سيكون وعي يعتمد على أسس منطقية في بناء المعارف بعيدا عن كل تفسير لاهوتي او اسطوري او ميتافيزيقي .
ما يمكن أن نخلص إليه في هذه المرحلة اليونانية، هو بعض السمات العامة التي اتسم بها الوعي الفلسفي عند الاغريق : عبر الوعي الفلسفي اليوناني عن حركة تنوير و تحرر استهدفت تحرير الانسان من ميلودراما الاسطورة. و ركز على دور العقل في المعرفة ومقدرته على فهم العالم.

لكن العقل اليوناني المتنور لن يستمر في حريته و تنويره ، ففي فترة (القرون الوسطى المسيحية) سيغتال العقل وذلك بأن اصبح مقيد بتعاليم الكنيسة ، بالتالي ستعرف هذه الفترة بانحسار دور الفلسفة و ضمور الوعي الفلسفي المتنور و سيادة الدغمائية ( الوثوقية ) ، فارتباط الفلسفة باللاهوت وبالتفكير الديني واهتمامها بقضايا الدين للدفاع عنه سيؤدي الى انفصال الوعي الفلسفي عن مشكلات الانسان و المجتمع.
لكن هذا لن يستمر طويل بداية من القرن 12 م عملت حركة النهضة الأوروبية على محاولة اعادة الوعي الفلسفي الى مساره الحقيقي التي تجلت في الحركة الانسية و الحركة الاصلاح الديني و كذلك الثورة العلمية التي بدأت مع كوبرنكوس من خلال تكذيبه لنظرية الجيوسنترية ( مركزية الارض ) لبطليموس التي كانت تتبناها الكنيسة، والاقرار بمركزية الشمس كبديل علمي للأولى ، وبالتالي سيعد هذا الحدث لحظة فارقة حيث سيجعل الناس يضعون الحقيقة موضع النقد . فالكنيسة التي كانت تملك الحقيقة اصبحت محط نقد ، هذا سيؤدي الى الاعلان عن مرحلة جديد وهي الفلسفة الحديثة التي قادها الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت في بداية القرن 17 ، حيث اتبع ديكارت منهج رياضي صارم من أجل بلوغ الحقيقة الصحيحة في عزلة تامة عن كل وساطة ( وساطة الكنيسة و كذا الحواس )
مع بداية العصر الحديث في القرن السابع عشر التي شكل لحظة حاسمة أو انعطافة في تاريخ البشرية خصوصا مع فيلسوف الحداثة روني ديكارت باعتباره أول فيلسوف تمكن من إعطاء تعريف واضح للوعي الفردي المستقل عن كل ما هو خارجي ؛ يمثل الوعي في نظر ديكارت الصفة المميزة للإنسان، والعنصر الحاسم في تصوره لذاته كفرد يمتلك هوية شخصية ( الذات المفكرة )تميزه عن الاخرين ، لأن الوعي هو حقيقة بديهية ندركها من خلال الحدس العقلي، فلا يمسه الشك أبداً. لأن ديكارت في البداية شك في كل ما تلقاه من الخارج وسماه وعي زائف ( الآراء الخاطئة) غير حقيقي لأنه ( الوعي الزائف) ليس بناء الذات بل معطى من الخارج ( الدوكسا) ؛ ولكي يتخلص من ذلك قام بمسح الطاولة و العودة الى لحظة البدء حيث لا شيء في العقل سوى معطياته الاولية ( العقل نور فطري ) هنا قال: "إني أشك في جميع الاشياء إلا أني لا أشك في أني اشك ". اذن فالأرض الصلبة التي سينطلق منها في تأسيس و عيه الشخصي هو الشك وبما أنه يشك فانه يقوم بعملية التفكير إذن عملية التفكير تجعل الانسان يعي بأنه يعي ( عملية الاوتعاء ) من هذا سيخلص ديكارت إلى حقيقة بديهية هي "أنا افكر اذن انا موجود "وهذه العبارة تسمى بالكوجيطو أي التفكير باللغة اللاتينية .
هكذا يعد ديكارت المؤسس الحقيقي للفلسفة الحديثة بإقامته لقطيعة مع العصر الفلسفي الوسيط ، وكان الهدف الرئيسي الذي أراد ديكارت بلوغه هو ايجاد منهج يتصف باليقين التي تتصف به الرياضيات ، ولتحقيق هذا الهدف وضع في كتابه (مقال في المنهج )أربع قواعد رئيسية يجب على العقل الاقتداء بها ، وهي : "البداهة الوضوح ، التحليل و التقسيم ، الترتيب و التركيب ، و الاحصاء و المراجعة ". إذن كما قلنا أن ديكارت بعد رحلته التأملية طويلة توصل إلى يقين واحد يتسم بالوضوح العقلي و هو وجود الذات المفكرة ، وللإشارة أن هذا الوجود لا يخص ديكارت فقط بوصفه فردا وإنما هو السمة العامة التي تنطبق على جميع أفراد النوع البشري فهم جميعا يمتلكون العقل، يقول ديكارت هنا " العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس" وبالعقل وحده يستطيع الإنسان بناء وعي حول ذاته و الله و الطبيعة، من دون أي حاجة الى الاعتماد على الحواس لأن الحواس تخدعنا وبالتالي تمنحنا وعي زائف وغير حقيقي .
لكن بخلاف ذلك، ما يوضحه الفيلسوف التجريبي دافيد هيوم: أنه بدون الإدراك الحسي يستحيل للأنا أن يعي ويشعر بذاته؛ أي أنه بزوال الإدراك الحسي يزول الوعي بالذات، فيختفي الأنا ولا يبقى له وجود؛ حيث لا يمكن أن يعي الأنا بذاته إلا عن طريق الإدراك الحسي. وهذا الشرط الرئيسي للوعي بالذات، وبما أن الإدراك الحسي يزول مع الموت، فالوعي كذلك يزول معه، فلا يبقى للانا وجود، ويصبح عدما. نفس توجه دافيد هيوم نجده عند التجريبي جون لوك
حيث رفض أن تكون الذات هي الفاعل الوحيد في عملية الادراك ، فلا يمكن في اعتقد لوك ان يتشكل وعي في معزل عن الموضوع الذي هو الواقع ، لان العقل مجرد صفحة بيضاء أي أنه خال من أي مبادئ فطرية ، اذن المعرفة حسب لوك تتكون عبر مجموعة من العمليات التي تنشأ من خلال الواقع أولا ثم الذات ثانيا ، الواقع يقدم التجارب التي تتكون فيها الانطباعات الحسية نتيجة اتصال الحواس بالموضوعات الخارجية ثم يتم نقل هذه الانطباعات على شكل مدركات الى الذهن وتعطي افكار بسيطة ، لكن الافكار المركبة التي لا توجد في الواقع ولكن يركبها الذهن فتأتي نتاج التأمل الباطني، مثلا ( مدينة من ذهب ) . يقول لوك : " لهذه الغرفة الفارغة ( يشر الى العقل ) نافدتان هما الحواس و التأمل الباطني."
هكذا و بدون الخوض في التفاصيل حول المذهب التجريبي نخلص إلى أنه تجاوز العقل كمنهج و المعاني المجردة كموضوع ، وتعويضها بالتجربة الحسية كأداة و نظرية المعرفة كمبحث ؛ هذا يعبر عن انعطافة أخرى في مسار الفلسفة نتج عنه ليس فقط تجاوز ما بقي من الفلسفة التقليدية بل ارساء علاقة تفاعل وثيقة بين الفلسفة والعلم ( التي ستظهر اكثر في الحقبة المعاصرة )
لكن في القرن الثامن عشر سنجد الفيلسوف الاخلاقي الالماني ايمانويل كانط الذي ميز بين النومين ( الشيء في ذاته = الباطن ) و الفينومين ( الشيء كما يبدو= الظاهر ) واعتبر أن الوعي الظاهراتي يتطلب منظومة ذهنية وقصدية، اذ لا يمكن للوعي الظاهراتي بحسب كانط أن يكون مجرد تتابع من الأفكار المترابطة، بل يجب أن يكون على الأقل خبرة لذات واعية متموضعة في عالم موضوعي منظم من جهة المكان، والزمان، والسببية.
معنى هذا عند كانط لكي نشكل وعي بالعالم الخارجي يجب أن ترتبط المقولات الذهنية مع الحدوس الحسية التي سينظمها العقل الخالص فتشكل معرفة، بهذا يحاول كانط الوقف موقف توفيقي بين المذهب العقلاني و الآخر التجريبي بقوله : " القوالب العقلية بدون حدوس حسية جوفاء وفارغة ، و الحدوس الحسية بدون قوالب عقلية عمياء وفوضوية" . ورغم ذلك يرى كانط أن وعينا يكون فقط للمعرفة الظاهرية وليس النومينات ( الباطنية )؛ لأنه يميز بين الوعي بالذات و الوعي بالمعرفة ، فهو يرى أن وعي الذات لنفسها كوجود أخلاقي لا يعني بالضرورة و عينا المطلق للأشياء لأننا نجهل الشيء في ذاته ( النومين ) فيضع حدود للمعرفة ، وبهذا يظل و عينا بالأشياء و عيا نسبيا.
إذا كانت فلسفة ديكارت قد قامت بإنشاء منهج فلسفي قادر على استنباط الحقائق واكتشاف المعرفة ومن ثمّة الوعي بالوجود، فإننا نجد فلسفة هيجل مبنية على المنهجية الجدلية وهي طريق تأخذ بمبدأ صراع الأضداد الذي قال به هيروقليطس، فالكون عند هيجل قائم على الصيرورة والصيرورة مصدرها التناقض.
إن القول بالتناقض يؤدي الى حقيقة أولية تتمثل في الإيمان بأن جميع أشكال الوجود سواء كانت مادية أم روحية تتحرّك من الأدنى إلى الأرقى وتتخذ أشكالا مختلفة عندما تمر بأطوار متعاقبة ،( فالشيء لا يكون هو نفس بل يكون هو وضده في نفس الوقت )
يقول هيجل بالصيرورة ويطبق هذه الرؤية الجدلية على مفهوم الوعي مبينا المسارات التي يقطعها وهي مسارات منعرجة لا خطية، يعتقد هيجل أن الوعي بالذات لا يتحقق فقط انطلاقا من الذات بل تحتاج للموضوع وهذا الموضوع هو الآخر البشري المشابه والمخالف في نفس الوقت الذين يدخل في صراع أبدي من أجل نزع الاعتراف في اطار جدلية العبد و السيد ، التي من خلالها تستطيع الأنا تشكيل وعي اتجاه ذاتها كما يستطيع الغير تشكيل وعي اتجاه ذاته ، فالغير مكون رئيسي من أجل الوعي بالذات لأنه يلعب دور الوساطة .
فطبيعة الحياة تحتم على الانسانية التبادل (التأثير والتأثر) ولا يمكن لأي كائن بشري أن يعلو فوق الصراع ومن داخل هذا الصراع ومن خلاله يتشكّل وعي الانسان كوعي بالذات وبالكون. فالوعي هو وعي بالحياة أولا ومن خلالها يدرك الإنسان ذاته بإدراكه للآخر.
بدأت مرحلة الفلسفة المعاصرة منذ مطلع القرن العشرين ومازالت مستمرة حتى الآن ، لقد تميزت هذه الفترة بأفق جديد من الوعي الانساني ؛ جمع بين العلم والفلسفة نتيجة تأثيرهما المباشر في حياة الانسان المعاصر. إذ تحولت الفلسفة من البحث في الموضوعات التقليدية مثل الوجود و النفس و الخلود الى البحث في موضوعات جديدة فرضها تطور العلم ؛ خاصة أن العلم لم يتوقف عند حدود العلوم الطبيعية بل تجاوزها الى العلوم الانسانية . تعد الفترة المعاصرة ثورة على الحداثة، بداية مع التلوث الذي قدم انتقادا منهجيا ومعرفيا للحداثة هم ماركس و نتشه و فرويد ؛ لنبدأ بماركس الذي قلب الوعي الهيجلي راسا على عقب جعله يمشى على قدميه قبلما كان يمشي على راسه ؛ معنى هذا أن هيجل كان مثاليا. لكن ماركس فسر الواقع المادي على ضوء الجدل الهيجلي .فوجد أن الوعي له ارتباط وطيد مع الأوضاع الاجتماعية ( الصراع الطبقي بين البورجوازية و البروليتارية ) فالناس يدخلون في علاقات انتاج معينة خارجة عن ارادتهم تولد عندهم درجات متنوعة من الوعي من هذا المنطلق يقول ماركس : ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم " . أما نيتشه فقد حمل معول الهدم أو المطرقة ليهدم كل الفلسفات السباقة ، وباعتماده على المنهج الجينيالوجي كان يتقصى المفهوم و ينبش عن الحقائق ليصل في النهاية أنه ليست هناك حقائق فقط مجرد تأويلات ويرى أن الإنسان ( الجسد) يستطيع أن يعيش بمعزل عن الوعي تماما ؛ لأن الإنسان هو من يشكل هذا الوعي من خلال تشكيله للغة وذلك ليحمي نفسه من طبيعة الصراع ويحافظ على بقائه ، هكذا يكون الوعي حسب نيتشه في حقيقة الأمر ليست سوى وهم من صنع الإنسان والذي يتغير بتغير الظروف والمراحل التاريخية. أما المحلل النفساني انتقد كل فلسفات الوعي وفتح قارة جديدة هي قارة اللاوعي ، وبهذا الفتح أسس نظرة مخالفة للتصور العادي حيث اعتبر أن الحياة الانسانية أشبه بجبل الجليد؛ القمة التي تظهر هي الوعي و الباقي المغمور في الماء هو الحياة الباطنية أو اللاوعي. ان اللاوعي هو جزء هام من الشخصية، يحتوي على مجموع الميول والغرائز والرغبات والقوى النفسية الباطنية التي تحاول التعبير عن نفسها والظهور بشتى الوسائل.
تعرف الفلسفة المعاصرة بتعدد مذاهبها و مدارسها ، لكن لن نقف عند الجميع فقط عند أكثرهم تطرقا لمفهوم الوعي، وبما الفترة المعاصرة ( ما بعد الحداثة ) تجاوز للفترة الحديثة ، نجد الفينومينولوجيا التي سعت إلى تخطي العديد من الأزواج الميتافيزيقية ضمن تأليف جدلي بينهما على غرار ثنائيات الطبيعة والقانون، وكذلك الجسد والنفس، ثم التجريبية والعقلانية، وأيضا الإنسان والعالم، والذاتي والموضوعي ووجهت الأنظار الى الخبرة المعيشة والحياة اليومية وقضية المعنى والقصدية و البينذاتية والعالم المشترك... لكن لن نخوض في كل هذا فقط سنشير إلى هسرل في كتابه "تأملات ديكارتية" الذي انتقد فيه فلسفة ديكارت حيث أخرج "الكوجيطو" من عزلته و اعتبر أن الوعي لا ينفصل عن العالم و أسس ذلك من خلال ما سماه الوعي القصدي ( الكوجيطاتوم) فهو وعي بشي ما ( انا افكر اذن انا افكر في شيء ما ) ؛ فقد يكون الوعي تخيلا أو تذكرا أو تفكيرا منطقيا .. إلا أنه يتجه دائما صوب الشيء المفكر فيه ، ومن ثمة فإن الوعي بالذات هو انفتاح على الذات من خلال قصدية معينة و الوعي بالعالم هو وعي قصدي للعالم .
وليس بعيد عن الفينومينولوجيا نجد الموقف الوجودي من الوعي الذي مثله العديد من الفلاسفة على راسهم سورين كيركجارد و مارتن هايدجر ولكن اشهرهم في فرنسا هو سارتر ؛ هذا الأخير كما أغلب الفلاسفة الوجودين يعطي الاولوية للوجود على الوعي ( الوجود سابق الماهية ) و هذا معناه أن الانسان يوجد لا شيء في هذا العالم ثم يشرع في اختيار ذاته بكل حرية ، و يرى أنه لا وجود لعوالم غير عالم الإنسان، عالم الذاتية الإنسانية. ورابطة التعالي التي هي منشأة للإنسان، لا بمعنى أن يكون فيها الله متعاليا وإنما بمعنى التجاوز ومنشأة للذاتية بالمعنى الذي يكون فيها الإنسان حاضرا على الدوام في عالم إنساني وليس منغلقا على ذاته، وهذا ما يسمى مذهبا إنسانيا وجوديا، وهو مذهب إنساني لأنه يذكر الإنسان بأنه لا مشروع سواه، ولأن الإنسان سيتحقق بما هو إنسان على وجه الدقة لا بالعودة إلى ذاته بل بالبحث الدائم عن هدف خارج ذاته ( مشروع ).
ويضيف سارتر ان اكتشاف الغير في عالم الذات هو الاساس في جعل الذات تعي ذاتها . يقول : " فانا حين أكون لوحدي أحيا ذاتي و لا افكر فيها ، لكن بمجرد ان ارفع بصري فأرى الاخر ينظر الي اخجل من نفسي لأنني اصبحت انظر الى نفسي بنظرة الاخر الي "
لكن قبل ان ننهي هذا التقصي التاريخي لا بد ان نستحضر موقف العلم من الوعي نجد مع الطبيب و عالم الاعصاب جون بيير شونجو أن الوعي إدراك حسي ناتج عن مجموعة من العمليات المرتبطة بالحواس وبالجهاز العصبي وبالدماغ باعتباره أيضا عضوا من أعضاء الجسد؛ معنى ذلك، أن قدرة الإنسان على وعي ذاته مرتبط بالجهاز العصبي (النخاع الشوكي، الدماغ…) ولولاه لما أمكن ذلك. هكذا إذن يستبعد الخطاب العلمي الذي يمثله شونجو الخطابات الفلسفية التأملية حول الوعي.
الوعي اذن في تطور مستمر فلا يمكن ان نفصل بين الوعي والتاريخ ؛ و الدليل على ذلك أن ما وصل إليه العقل البشري اليوم ليس نتاج هذه اللحظة الزمنية بل بفعل سيرورة تاريخية للوعي ، فكل لحظة تاريخية تنتج الوعي المرتبط بها ( الوعي ابن بيئته). وبما أن الوعي يرتبط بالموضوع و كذلك بالذات ؛ فإنه ظاهرة نسبية يرتبط بشروط ذاتية و موضوعية ( قد نعتقد أننا اليوم على صواب لكن ما نفتأ نتقدم في زمن حتى نكتشف العكس ) ما يجعله تجربة ذاتية فريدة لديها طابع خاص لا يمكنني نقله إلى أي شخص آخر ، هل ما أشاهده من ألوان و ما أشمه من روائع نفس ما يشاهده و يشمه الآخر؟ ؛ مثلا ، هل رائحة القهوة و طعهما هو نفسه ؟ قد نفترض جوبا هو "لا" لأنه لو كان نعم ما الذي يفسر اختلاف الاذواق والميولات و التصورات ... هكذا نحسم بأن الوعي تجربة ذاتية لذلك من الصعب الحسم في تعريف للوعي وفك ألغازه ، قد يكون مجرد وهم كبير يعيشه الانسان كما اعتقد نيتشه . وهل الوعي مرتبط بالكائن البشري فقط أم قد يتجاوزه إلى غير ذلك مثلا أجهزة الكمبيوتر أن تكون واعية كما اعتقد دانيل داينيت الذي اعتبر في مقارنة بين الحواسيب و بين دماغ الانسان أن ادمغتنا تمثل نفس العلاقة الموجودة بين المجلدات و الايقونات في الحواسيب الذكية ، وما نعتقده وعي هو في الحقيقة أن ادمغتنا تستخدم عدد من الحيل لاستحضار العالم كما نختبره نحن .
وحتى نوضح تعبير دينيت إذا كان دماغنا هو الهاتف الذكي فإن الوعي هو الشاشة، بمعنى أن الوعي ليس كيف يعمل دماغنا انه فقط كيفية التفاعل معه .
لكن هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن ينافس الانسان في القدرته على الفهم ؟ هذا ما سيوضحه لنا جون سيرل من خلال تجربة (الغرفة الصينية ) حيث يفترض حسب قوله : "لنفترض أننا احتجزنا شخصا ما، لا يجيد إلا اللغة الإنجليزية، في إحدى الغرف. بداخل هاته الغرفة لا توجد إلا مجموعة من الوريقات تحوي مجموعة من الإرشادات. ولنفترض أن هناك شخصا في الخارج، يكتب مجموعة من الأسئلة باللغة الصينية على ورقة، ثم يرميها عبر فتحة إلى داخل هاته الغرفة. ليأخذها الشخص الذي بالداخل، ثم يجيب عليها مستعينا بالإرشادات الموجودة على تلك الورقات، التي تساعده بشكل مباشر على تكوين الجواب المناسب، ثم يرمي الشخص الذي بالداخل هاته الأجوبة عبر نفس الفتحة إلى الشخص الذي ينتظره بالخارج. فيتفاجأ هذا الأخير من أن الأجوبة صحيحة مئة في المئة، مما يعني أن الشخص الذي يقبع بالداخل، قد فهم الأسئلة واستطاع أن يجيب بشكل صحيح"
من خلال هذه التجربة ينفي سيرل النظرية القائلة بأن الذكاء الاصطناعي بإمكانه مجاراة العقل البشري، فالأول مبني على إجراءات "أوتوماتكية"، والثاني ( الانسان) مستند بشكل أساسي، على فهم المعلومات ومعالجتها.
هكذا فكل لحظة تاريخية كما اسلفنا الذكر تحدد معالم وعينا بالعالم وبأنفسنا ؛ فاليوم نعيش في زمن كورنا الذي قد يجعلنا نعيد النظر في علاقتنا بذاتنا وبالأخرين و نثبت أشرط وجودنا مرتبط بالأخر حيث نعيش عالم مشترك نتفاعل داخله في علاقة جدلية أساسها التأثير و التأثر. هذا يجعلنا نفكر في البحث عن المشترك الذي من خلاله نستطيع تجاوز كل الاختلافات على هذا الكوكب ، اليوم نواجه نفس المصير؛ التحدي البيئي ونفس الهاجس كيف نستطيع العيش معا رغم كل الاختلافات ... لذا يجب أن نؤسس وعي فردي وجماعي مشترك يحافظ على نوعنا البشري . الوعي الإنساني بشكليه الفردي والجماعي يحتاج إليه كل إنسان في حياته. والمجتمعات البشرية مدعوة لأن تكون أكثر وعياً وإدراكاً حتى تتمكن من السيطرة على الصعوبات التي تواجهها في مسيرتها من مخططات مشبوهة وثقافات هدفها تزوير الواقع أو التضليل... أو تمرير مشاريع تدعو للتفرقة على أساس المعتقدات الدينية كما هو حاصل في وقتنا الحالي.
رغم هذا يبقى الوعي مشكلة فلسفية صعب الإجابة عليه يقول ريتشارد دوكينز:" إنه من الصعب جدًا تفسير طبيعة وعي الإنسان ومصدره، أرجوكم اقذفوا الكرة بعيدًا عني إلى ملعب الآخرين..." وهذا دليل على أن البحث صعب ومتشعب لذلك ليس المهم هو البحث عن معنى الوعي أو الذات وإنما الأهم كيف أصنع ذاتي و أحقق وجودي الأصيل (بلغة هايدجر)؛ وهوَ أن الإنسان يجب أن يبقى دائماً حراً ، كإحدى أهم المرتكزات في الدفاع عن حقه الأصيل في الحياة ، مالكاً لوعيه وإرادته وتفكيره ، وصانعاً لقراره واختياره وحريته . يقول سقراط : الحياة ليست بحثا عن الذات ، ولكنها رحلة لصنع الذات ، اجعل من نفسك شيئا فريدا يصعب تقليده ".



#احمد_زكرد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الوضع البشري بين الخضوع للضرورة والانفتاح على الحرية ...
- تأمل حول إشكالية الحب
- إشكالية العنف بين المشروعية و اللامشروعية
- هذا هو الإنسان في زمن كورونا المستجد
- التطور التقني وتداعياته البيئية في ظل غياب الشرط الأخلاقي: ف ...
- التطور التاريخي للنسوية : قراءة نقدية للهيمنة الذكورية
- الفلسفة كبديل لإسعاد الإنسان من وجهة نظر ألان باديو
- إشكالية أصالة الفلسفة الإسلامية
- إشكالية تعريف الفلسفة
- إشكالية الاعتراف و التفهم و التكامل في فلسفة الغير
- تأثيل المقدس 5 : المرأة بين مطرقة الدين و سندان العلمانية ( ...
- تأثيل المقدس 4: السعي للدين،سعي للسلطة
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثالث ): الفعل السياسي بين الدي ...
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثاني ): كانط ونقد العقل السياس ...
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الاول ): من الإغريق إلى فلاسفة ا ...
- أنسنة الظاهرة الإنسانية
- الراهن العربي الإسلامي بين التنوير و الظلامية
- تأثيل المقدس 3: كيف تصنع الأديان؟
- تأثيل المقدس 2 قضية الغرانيق وسؤال الحقيقة
- تحرير الأخلاق من هيمنة الدين


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - إشكالية الوعي عبر تاريخ الفلسفة