أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - تأمل حول إشكالية الحب















المزيد.....

تأمل حول إشكالية الحب


احمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 6602 - 2020 / 6 / 25 - 02:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اهتم معظم الفلاسفة منذ الإغريق حتى الآن في البحث عن مفهوم الحب و كيفية حدوثه... إذ يعبر عن الفضائل الانسانية التي تتجلى في التعامل الحسن ومشاعر الايثار و الغيرية و العمل على سعادة الآخرين و تحقيق الخير العام .... بالإضافة الى اعتبار الحب عند اليونان الدعامة الاساسية للفلسفة( باعتبار الفلسفة هي محبة الحكمة ). فالحب فلسفيا لا يمكن ادراكه بالعقل أو شرحه بالمنطق ولكنه جنون إلهي - كما يقول افلاطون- لا هو مدموم ولا ممدوح .

إذا كانت الفلسفة بالتعبير الإغريقي هي حب الحكمة، فما هي حكمة الحب ؟ وهل الحب فن أم هو شعور غريزي يمتلك ناصيته الإنسان البدائي بالقدر الذي يتمتع به الإنسان المعاصر ؟ ولماذا يكون الحب في بعض الاحيان عند بعض الناس تجربةً يعقبها بأخرى في بحث لا نهائي ( قصة دون جوان)؟ هل الحب قيمة انسانية محضة أم هو مجرد ترجمة انسانية لغريزة الجنس أو بالأحرى {الجين الاناني} الذي يدفعنا له بغية حفظ البقاء ؟ ...

لقد اختلف الفلاسفة في تفسيرهم للحب ؛ إذ كل واحد منهم نظرة بنظرته الخاصة بمعنى من خلال التجربة الانسانية التي عاشها ، فمثلا نجد الفيلسوف الألماني شوبنهاور يفسر الحب {بإرادة البقاء} وكذلك تلميذه نيتشه يرفض الحب ويعتبره نظرة مثالية خادعة للنفس مقدمًا إياه في شكل دوافع أقل جاذبية. في كتابه "العلم المرح" في الفصل المعنون ب "أشياء يسميها الناس حبًا" يتحدى نيتشه المفاهيم الرومانسية المثيرة عن الحب مدعيًا {أن الحب هو الأنانية في أكثر صورها سذاجة}. يدعي نيتشه أن الحب شديد الصلة بالجشع والاستحواذ وحب التملك وكذلك فهو عبارة عن قوة غريزية يحركها احتياجنا البيولوجي والثقافي. باختصار الحب عند نتشيه و شبنهاور لا يتعدى أن يكون حرب فوق السرير ، أو بتعبير أوضح الحب ميتافيزيقا الجنس...

يحاول نيتشه فضح الدوافع الأنانية التي تحريك الحب كالشهوة؛ حيث يدعي هنا أن الرغبة في الامتلاك والاستيعاب، وإدخال {شيء جديد على أنفسنا} هي ما يحرك كلا من الحب والطمع.
بهذا التفسير : فإن (الحب كشهوة) هو رغبة في التملك أي انتصار الأنانية ضد الغيرية، ويعبر عن ذلك، بصريح العبارة قائلا: "{من أكبر الجرائم في علم النفس استبدال الحب بالغيرية... فالحب هو تعبير عن الأنانية}". وهذا ما أشار إليه الفيلسوف الفرنسي بروست بقوله :{الحب مجرد وهم من الأوهام ، و اننا نطمع عن طريقه في امتلاك شخص من الاشخاص}؛ بهذا المعنى قد نعتبر الحب مجرد حيلة لتحقيق أغراض ذاتية .


و يبدو هذا التفسير الذي قدمه كل من شبنهاور ونيتشه، قاصر لا يمتد الى صميم الماهية الحقيقة للحب من حيث هو تبادل شخصي بين الأنا و الأنت و اعتراف بالقيمة المطلقة للشخصية المحبوبة ، فليس الحب في شتى أشكاله مجرد رغبة في انجاب النسل و الحفاظ على النوع كما اعتقد شبنهاور ، بل يتجاوز مجرد علاقة نفعية ضامنه لاستمرار النوع ، ليصبح عاطفة مستقلة بذاتها ويمكن الذات خروج من عزلتنا الأليمة و تحطيم لقوقعتنا الذاتية و الانتصار على الأنانية ، و يأتي فيه التوالد مجرد عرض.

لو أن المحب الذي يهب نفسه للآخر لم يكن يرى في هذا الآخر سوى مجرد موضوع، لما خرج بالفعل من ذاته و انحصر في شكل من اشكال حب الذات (الأنانية ) ، لكن الواقع أن الفرد حين يحب فانه لا بد أن يجد نفسه مدفوعا إلى الانسلاخ عن ذاته من أجل الانتقال بتمامه نحو الآخر ( هيجل)، و لهذا فإن الطابع العميق الذي يتسم به الحب انما هو هذا الميل القوي نحو التغلب على كل تعارض ، غير أن الحب لا يقتل الوجود الأصلن، بل يحافظ عليه لأنه يدمج الكثرة في الوحدة و يظل محافظ على التعارض في الأعماق ، و الحب الذي يفقد هذا الاختلاف و التعارض يكون في الغالب معرض للموت.

وحتى تتمكن الذات من الانتصار على الأنانية يستلزم التنازل على البعض الحرية من كل الطرفين ، لأن المشكلة الكبرى في الحب كما اشار الى ذلك سارتر ليست هي مشكلة الوفاء و انما هي مشكلة الصراع بين حريتين ، ومن هنا يقول سارتر أن نقطة البداية في ا الاتصال بين الذوات انما هي " النظرة " غير أن هذه الاخيرة حسب سارتر تسلب للإنسان حريته وتشعره بالخجل والحرج : "الآخرون هم الجحيم" كما جاء في مسرحية " لا مفر " ، قد نفهم من سارتر ان الانسان يلجا للحب ليتخلص من جحيمية الآخر ، بمعنى أنه مع من تحب تتخلص من الخجل امامه وهنا يمتلك الانسان قدر اكبر من الحرية ، عندما نحب ، فان حرية الانا تنفتح على حرية الغير؛ اي انه يحدث التماس بين الحريتين هنا يحصل الحب ، فلا تلبت حرية الخاصة ان تنطلق من اسرها لكي تجد في الحرية الاخرى اداة لتحريرها . فالأصل في الحب انه مشروع يراد به التأثير على حرية الاخر ، و مثل هذا التأثير لا بد من ان يحمل في تناياه معنى الصراع كما انه بمقتضى تعريفه يحمل في باطنه بذور فنائه ، فلا غرابة على الاطلاق في ان نرى الالم يقترن بالحب.

هكذا الحب لا يكون من دون استقلال الفرد وحريته ونمو شخصيته الإنسانية الكلية، التي تعطي بسخاء لمن تحب؛ فتفتح أبواب الفرح والسعادة، من دون شروط التملك وقيوده. ويؤكد هذا ،الفيلسوف و المحلل النفساني اريك فروم: بان ماهية الحب هي الرغبة في الاندماج مع الاخر ، حيث هي القوة التي تبقي الجنس البشري متماسكا ، وهكذا بدون حب حسب فورم ما كان يمكن للإنسانية ان توجد يوما واحدا ، لان الحب اساس الحياة و لا يمكن ان تستمر المجتمعات البشرية بدونه ؛ لانها ببساطة سوف تتحول الى غابة تحكمها المصلحة و الفائدة ، و يعد الحب و سيلة للتواصل مع الاخرين ، كما يساعد على تنمية الذات ورسم ابعاد اولية للمستقبل ، و يعمل على اصلاح الذات، فهو علاج للروح والجسد، كالموسيقى والغناء والغذاء... ويساعد الانسان في اكتشاف ذاته من زاوية نظرة اخرى ؛ من خلال التفكير في شخصيته وما يحب و ما يكره و يعطيه دفعة من الطاقة للسعي نحو الافضل وان يصبح لحياته هدف ومعنى ؛ لذا يعتبر فروم الحب فن بين الفنون يجب ان نتقنه يقول: "{إن الحب لا يأتي على طبق من ذهب، علينا أن نبذل جهدًا ليكون فينا، لا أن نقع فيه}"

صفوة الحديث، لا بد من نقف عند أهمية ورهان الحب في وجودنا ؛ فالقيمة الاخلاقية للحب هي أنه يعلمنا ألا نعامل الاخرين معاملة الأشياء بل معاملة الاشخاص باعتبارهم غايات و ليسوا و سائل ( بتعبير كانط) ، و يجب أن نعلم أن الحب ليس هو الغاية بل مجرد وسيلة ، لأننا لا نحب الحب بل نحب المحبوب ؛أي أنه ليس المهم الحب نفسه بقدر ما المهم سعادة الكائن المحبوب بالعطاء المتواصل و التماهي بين الذوات.. قد يكون أساس الحب هنا هو الندرة ؛ لأن هذه الاخيرة هي تؤسس جمالية الحياة وتجعل منها تحفة فنية، الحب يخشى التكرار لنكن اكثر حذرا منه ؛ يقول ديريدا هنا : أن التكرار يفصل القوة عن نفسها " فعندما ندخل في دوامة (الروتين ) ينتصر الموت على فعل الحياة أي على الحب ، لأنه يجعل الحاضر يعيد نفسه بخطوة للوراء و بالتالي تفقد الندرة و منه يفقد الحب وتفقد الحياة ، ذلك أن الحب -كما نعرف جميعًا- هو إعادة ابتكار الحياة. إن ابتكار الحب من جديد يعني إعادة ابتكار ذلك الابتكار الجديد للحياة. ( ألان باديو في مدح الحب ) .



#احمد_زكرد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية العنف بين المشروعية و اللامشروعية
- هذا هو الإنسان في زمن كورونا المستجد
- التطور التقني وتداعياته البيئية في ظل غياب الشرط الأخلاقي: ف ...
- التطور التاريخي للنسوية : قراءة نقدية للهيمنة الذكورية
- الفلسفة كبديل لإسعاد الإنسان من وجهة نظر ألان باديو
- إشكالية أصالة الفلسفة الإسلامية
- إشكالية تعريف الفلسفة
- إشكالية الاعتراف و التفهم و التكامل في فلسفة الغير
- تأثيل المقدس 5 : المرأة بين مطرقة الدين و سندان العلمانية ( ...
- تأثيل المقدس 4: السعي للدين،سعي للسلطة
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثالث ): الفعل السياسي بين الدي ...
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الثاني ): كانط ونقد العقل السياس ...
- أخلقة الفعل السياسي ( الجزء الاول ): من الإغريق إلى فلاسفة ا ...
- أنسنة الظاهرة الإنسانية
- الراهن العربي الإسلامي بين التنوير و الظلامية
- تأثيل المقدس 3: كيف تصنع الأديان؟
- تأثيل المقدس 2 قضية الغرانيق وسؤال الحقيقة
- تحرير الأخلاق من هيمنة الدين
- التأسيس لدين إنساني من منظور كانطي
- فكرة الدين عند كانط


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد زكرد - تأمل حول إشكالية الحب