هذا هو الإنسان في زمن كورونا المستجد

احمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 01:30
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    

في ظل تفشي وباء كورونا المستجد، و من بين الخطط الاحترازية التي اتخذها المملكة المغربية هي فرض الحظر الصحي بدءا من مساء الجمعة 20 مارس 2020 الى 20 ابريل 2020 . الغريب الذي أثارني هو ما حدث يوم الجمعة 20 مارس حيث أن الألاف من المواطنين انكبوا على الأسواق ليقتنوا لوازمهم المعيشية ، ليس هذا هو المشكل ، بل هو الأفراط في اقتناء الأشياء دون تفكير في الآخر أو حضور فكرة الغيرية. هذا يوضع وبامتياز أن الانسان شرير بطبعة كما أشار الى ذلك طوماس هوبس . وأنا أحاول فهم هذا النزيف الأخلاقي الذي كشفته هذه الظرفية ، يرسل لي أحد الأصدقاء فيلما جديدا و هو The Platform فيلم خيال علمي ساخر إسباني، من إخراج غالدير غاستيلو أوروتيا .
في أول مشاهد الفيلم يقول (تريماجاسي)، إن "هناك ثلاثة أنواع من البشر في هذا العالم، مَن هم بالأعلى، ومَن هم بالأسفل، ومَن يسقطون"، هذا التعبير أثار انتباهي وفجأة و جدت نفسي أفكر في الطرح الماركسي وصراع الطبقات ، لكن هذا يبدو أعمق من ذلك ، لأنه ليس الأمر أن تنتمي الى طبقة تعتقد أن تستحق مكاسبها، ولكن المشكل هو هذا التوتر الذي يجعل الانسان أناني مفرط في إنانيته شعاره انا وما بعدي الطوفان ، نفس السيناريو نعيشه اليوم إزاء كورونا المستجد ، إذ أننا اصبحنا نعاين من جديد ما يسمي بالقرصنة نرى دول تستولي على مواد طبية كنت موجهة لدول أخرى ، نرى كذلك الناس تتصارع على المعقم مطهر و على المنتوجات الغذائية او قنينة الغاز... ربما الآن يمكن أن نقترب من إجابة سؤال فيلم "" (The Platform) وعلاقته بما نعيشه الآن من فوضى متعلقة بجائحة كورونا المستجد. ما يدفع الناس لأكل لحم بعضهم بعضا وهذا ما حدث بالفعل في أحداث الفيلم حيث أن السجناء الذين يتواجدون في مراتب متدنية لا يصلهم الطعام فيلجؤون إلى أكل لحم بعضهم البعض، وهذا يفسره المحلل النمساوي سيغموند فرويد حيث يعتبر أن للانسان غريزة عدوانية شريرة أو تدميرية أو غريزة الموت تظهر علنا في الحروب او تنكبت في الانسان و يقول ان الكائن الحي يحافظ على حياته عن طريق تدمير حياة ثانية ،و بناءا على كلام فرويد اثبتت الدراسات بان سبب الشعور بالاستمتاع بمشاهدة افلام ذو مشاهد عنيفة و التعاطف مع البطل الشرير يعود لنتيجة مشاعرنا الشريرة المكبوتة ، ونخلص من هذا التحليل بحسب فرويد أن الشر هو في غرائزنا اي في طبيعتنا و ان ادعاء الخير هو هدف ثقافي حضاري .
فما نعيشه اليوم يزكي قول هوبس أن الانسان ذئب لأخيه الانسان ، و أن عدالة الطبيعة تنتصر للأقوى . هذه هي الاطروحة الصحيحة و كل الفرضيات الأخلاقية التي تطمح لأنسة الانسان مثلا الفيلسوف كانط او الفيلسوف الأمريكي جون راولز الذي قدم مشروعا فلسفيا من أجل إعادة تنظيم المجتمعات وفق مرجعية تتجاوز منطق المنفعة و المصلحة الخاصة ، وتعمل على انشاء مجتمع عادل يتأسس على التعاون و التضامن بين الناس . إن هذه الفرضية هي فرضية فاشلة وذلك تحقق بالملموس في زمن كورونا.
هنا تحققت نبوءة نيتشه الذي قال "لقد سلكتم الطريق الطويلة من الدودة إلى الإنسان لكنكم مازلتم تحملون الكثير من الدودة بداخلكم. كنتم قردة ذات يوم، وإلى الآن ما يزال الإنسان أكثر قردية من أي قرد". هنا يشخص نيتشة الطبيعة الإنسانية الحقيقية ، ويقدم نبشا جينا لوجيا للأخلاق ولأصلها، ويوضح أنه لا توجد أي معايير أخلاقية موضوعية، بل لا توجد أخلاق موضوعية أصلًا. فكل ما هنالك هو جماعة من الناس عاشوا في سياق تاريخي وجغرافي معين، وتأصلت في ثقافتهم ركامات من المفاهيم والأحكام التي تسمى أخلاق، في حين أنها لا تعدو أن تكون مجرد عادات مارسها الإنسان في بدايات تاريخه ليحفظ وجوده واستمرار بقائه، في سياق صراع القوى بين البشر. إن الأخلاق بالنسبة إلى نيتشه، وعي زائف، ومحصلة تفاعل أفراد الفصيلة الإنسانية، بما يطمح كل واحد منهم إلى فرض سيادته على الآخرين.
لكن بعد كورونا سينتبه الانسان الى ان وجوده مرتبط بوجود الاخر، وأنه لن يستطيع تجاوز هذا النوع من الأزمات شديدة القسوة بشكل فردي ، بل معا ، وفي شكل من التضامن الاجتماعي . فهل فعلا سيتمكن الانسان من تجاوز طبيعته الشريرة ؟

#احمد_زكرد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل