أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - قضية الفقر أم قضية الجنس أيهما أكثر أهمية ولها الأولوية؟















المزيد.....

قضية الفقر أم قضية الجنس أيهما أكثر أهمية ولها الأولوية؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6721 - 2020 / 11 / 2 - 09:08
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



حينما صدر كتابى الأول عن قضايا النساء منذ نصف قرن تقريبًا، قلت: «القهر الاقتصادى والقهر الجنسى متلازمان في حياة النساء، من مختلف الطبقات». واشتمل الكتاب على نقد النظام الرأسمالى الأبوى، وربط بين مشاكل المرأة الجنسية مثل الختان والعذرية والمفهوم الخاطئ للشرف وبيع النساء والفتيات الصغيرات في سوق الزواج، وبين مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية مثل الفقر والبطالة والتمييز في التربية بين الولد والبنت وغيرها.

بالطبع تمت مصادرة الكتاب بقرار حكومى، وجمعه من المكتبات العامة بتهمة الشيوعية، وإحداث بلبلة، وتحريض على الفتنة والفساد الأخلاقى، ودعوة صريحة إلى الفسق والفجور، وتهديد الاستقرار لقلب نظام الحكم.

في المجتمع والإعلام المصرى، تنوع الهجوم ضدى حسب التيارات السياسية والدينية المتصارعة. في منتصف القرن العشرين اتهمنى اليمين الإسلامى والقبطى معًا بالخروج عن «الدين والتقاليد والشرع والفضيلة». واتهمنى اليسار الشيوعى والاشتراكى بـ«تقليد الغرب الذي يهتم بالجنس، وأننى لا أهتم بقضايا الطبقات الكادحة من الفلاحات والعاملات الفقيرات المعدمات».

كنت شابة في مقتبل العمر، لا أعرف بحور السياسة العويصة، المتقلبة حسب المصالح. أتعرض كل يوم للخداع السياسى وغير السياسى، شابة ساذجة تؤمن بأن الإنسان برىء ونقى وصادق، حتى يثبت العكس، لهذا كانت هذه الاتهامات تؤرقنى. لم أكن أريد الانتماء إلى أي شلة من هذه الشلل السياسية والأدبية، يمين، يسار، إخوان، معارضة أو حكومة. كلهم كانوا يتشابهون في النزعة إلى السيطرة والخداع، يتشدقون بالحرية والعدالة والصدق والإخلاص، حتى أشهدهم في الحياة الواقعية، فإذا بالقول يناقض الفعل، خاصة فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة، أو علاقة الزوج بزوجته. يتشدقون بالدفاع عن الطبقات الفقيرة أو النساء المقهورات، وهم يعاملون الخدم في بيوتهم معاملة العبيد والجوارى. يكتبون، ويعقدون الندوات والمؤتمرات، ويظهرون في التليفزيون، مدافعين عن حق المرأة في الحرية والاستقلال والتميز في العمل والإبداع، يتنافسون في إقامة علاقات مع المرأة الحرة المستقلة المتميزة، بشرط ألا تصبح زوجة لأحدهم.

بالطبع تعلمت من تجاربى في الحياة أكثر مما تعلمت من الكتب. لم أقتنع أبدًا بالازدواجية السائدة، أن يكون للإنسان وجهان متناقضان، أن تكون له حياة علنية وأخرى خفية نقيضة لها. ربما كان ذلك بسبب تربية أمى وأبى. نشأت على الثقة بنفسى وعقلى، والصدق في القول والإخلاص في العمل، كلمتى شرف لا أخونها، وإن كانت شفهية لم تُدون في عقد مكتوب وأمام شهود. هذه القيم التي تُغرس في الطفولة، وتنمو وتنمو لتصبح شجرة عملاقة، من الصعب اقتلاعها.

منذ طفولتى رأيت القهر المزدوج الواقع على النساء الريفيات الفقيرات من أسرتى، قهر الفقر، وقهر الجنس، الزوج أو أحد أفراد الأسرة أو العائلة. أنا نفسى تعرضت لهذا القهر المزدوج في البيت والشارع والمدرسة، ورغم ارتفاع وعى أمى وأبى عن الآخرين، فإننى تمردت عليهما حينما حاولا تقييد حريتى وانطلاقى إلى آفاق أرحب.

كان عقلى يكسر الحدود المفروضة، والثوابت الموروثة من عصور العبودية. بالطبع دفعت ثمنًا باهظًا من حياتى العامة والخاصة مقابل حرية عقلى. لكننى لم أندم أبدًا على الطريق الذي اخترته في حياتى. ليس مفروشًا بالورود، فيه الكثير من الأشواك، الألم والمعاناة والحرمان من أساسيات الراحة والأمان. لكن سعادتى الفكرية والأدبية الإبداعية تغلبت على مكاسب أخرى أقل قيمة في نظرى، مثل الحصول على المال أو المناصب أو الجوائز أو رضا الناس والمجتمع، وغيرها مما يُغرى الكثيرين.

عشت العصر الملكى أيام الاستعمار البريطانى في الطفولة والمراهقة، ثم عشت في شبابى أيام عبدالناصر، ثم عصر السادات، ثم عصر مبارك. أربعة عهود مختلفة عشتها، وتمردت عليها، دون أن أدرك ما يسمونه الكهولة أو الشيخوخة. وما الشيخوخة إلا فقدان الأمل في التغيير، والتوقف عن التمرد. وامتد بى العمر لأعيش الثورة المصرية 2011، و2013، ليتأكد إيمانى بالتغيير، ويتجدد الأمل في دمى.

هناك لحظات ضعف تمر بنا، حين تشتد الأزمات والقهر من حولنا، حين يتخلى عنا الجميع، خوفًا من بطش السلطة، حتى أقرب الأقرباء، وأخلص الأصدقاء، قد يقفز بعيدًا في قارب نجاة. نواجه مصيرنا وحدنا، في منفى أو سجن أو قبو منعزل تحت الأرض أو بيت منبوذ.

هنا قد تمر لحظة تردد، نسأل أنفسنا: «هل نواصل الطريق، أم نتراجع ونمشى مع القطيع؟».

مررت بهذه اللحظات من حين إلى آخر، لكنها لحظات مارقة تمر بسرعة البرق، تعقبها بارقة أمل جديدة، نجمة تبرق أمامى فجأة من حيث لا أدرى. ربما هي الطفلة في أعماقى المتمردة أبدًا لا تموت، وإن قتلوها لحظة تصحو من جديد. كيف؟ يأتينى صوتها الطفولى العنيد من أعماقى العميقة يهتف: «يا نوال يا نوال، انهضى.. لا يهمك.. لكل جواد كبوة». صوتها يشبه صوت أمى أو صوت أبى، ينتشلنى بيدين كبيرتين من الغرق، والموت.

مازلت أتذكر كاتبة شابة، تخرجت في كلية الطب، ترتدى الحجاب، تعرضت للهجوم العنيف بعد أن كتبت مقالًا عن التحرير الجنسى للمرأة، وقالت إن تحرير الجسد يتبع تحرير العقل لأن الفصل بين الجسد والعقل أمر مستحيل، وشرحت مخاطر الكبت الجنسى على صحة المرأة الجسدية والنفسية.

أصبحت الفتاة مؤرَّقة من شدة الهجوم عليها، اتهموها بأنها من عملاء الصهيونية أو جاسوسة تخون الوطن، قالوا عنها فاجرة داعرة تشجع النساء على الانفلات الجنسى والاستهتار بالعفة والفضيلة والعذرية وتخطط لضرب الدين والوطنية. بعضهم كان أكثر تأدبًا وقال لها: «كيف تكتبين عن الحرية الجنسية للمرأة، ونصف الشعب المصرى يعيش تحت خط الفقر، وملايين النساء تسعى وراء لقمة العيش بالعرق والدم؟!».

بعد الأرق والمعاناة الطويلة، ارتدت الفتاة الحجاب، ثم نشرت مقالًا جديدًا عن مشكلة الفقر بين النساء المصريات، نالت المدح ممنْ هاجموها من قبل، خاصة بعد ظهور صورتها مع المقال مرتدية الحجاب. واستمرت تكتب عن مشاكل الفقر، ونسيت مقالها الأول عن مشاكل الجنس.

سألتها: «هل أنتِ مستريحة الآن، وراضية عن نفسك؟». قالت الفتاة: «أشعر أننى تخليت عن نفسى الحقيقية، ارتديت الحجاب لأصبح مثل غالبية الفتيات والنساء، وأصبحت أكتب المقالات لأنال المديح وليس الذم، أصبحت حائرة، مُشوَّشة، متخبطة».

قلت لها: «الحيرة ضرورية حتى نعيد التفكير في أنفسنا. تكلمى مع نفسك في هدوء واسأليها ماذا تريد؟ استمعى إلى الصوت البعيد في أعماقك، القادم من طفولتك ونفسك الحقيقية، استمعى جيدًا، ثم اكتبى ما يقوله لكِ هذا الصوت».



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد فتُوح
- جرائم تقتل الفتيات والنساء باسم الشرف.. أي همجية وأي عار على ...
- إن فشلت الأنوثة الصناعية أمسكت السلاح بيد والكتاب المقدس بيد
- ذكرياتي من وحي النخبة في مصر والبرتغال
- «وردة» بريقها الطفولي يبتسم للكلب الوولف وقلبها يمتلئ بالحزن
- حاكم جائر.. زوج مستبد.. غضب الطبيعة الأم.. كلها سجون
- كيف سيتم استثمار كورونا لصالح الحضارة الرأسمالية العالمية؟
- ذكريات بين كازاخستان الشيوعية وكازاخستان الرأسمالية
- ربما عاشت الخيال كالحقيقة.. عاقلة مجنونة مثل كل المبدعين وال ...
- الفساد الجنسى للرجال واحد رغم اختلاف الانتماء السياسى والدين ...
- اشتياقات أصيلة نفقدها في خضم الزيف والصخب
- رفع الحجاب عن عقل النخب الإعلامية والتعليمية
- الخوف من الموت والخوف من الضحك والخوف من كورونا
- السبب الوحيد لتعدد الزوجات يضرب الاتجاه السلفى الشبقى
- ذلك الطريق المفتوح إلى الأبد هو سر عذاب الإنسان وسر سعادته
- كلمة السر هى «الاستغناء».. المقاومة حتى النفس الأخير
- طاعة المرأة مقابل إنفاق الرجل قانون استعباد
- المأساة النفسية والجسدية التى تعيشها المرأة المختتنة
- أنكر الداعية فعلته معى ووصفنى بقلة الأدب والفساد
- مارتن لوثر كينج وحلم سقوط التفرقة العنصرية


المزيد.....




- محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا ...
- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - قضية الفقر أم قضية الجنس أيهما أكثر أهمية ولها الأولوية؟