أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - نوال السعداوي - الخوف من الموت والخوف من الضحك والخوف من كورونا














المزيد.....

الخوف من الموت والخوف من الضحك والخوف من كورونا


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6847 - 2021 / 3 / 21 - 17:50
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


فى طفولتى كنت أرى عزرائيل يتمشى فى الظلام على شكل رجل يشبه الضبع، عيناه من نار، ومخالبه من حديد، يشبه الشيطان. وسمعت جدتى الريفية (أم أبى) تقول إن عزرائيل الموت يأتى فى الليل ليقبض أرواح الناس. أحيانا كنت أراها فى منتصف الليل، جالسة منتصبة فى فراشها، فى حالة تحفز وترقب. أسألها لماذا لا تنام؟ فتقول: «عشان عزرائيل لما ييجى يلاقينى صاحية، يمشى يروح لحد تانى يقبض روحه». ثم أسمعها تضحك بصوت مكتوم، وتخفى فمها بيدها وتقول: «اللهم اجعله خير يا رب». كانت تخاف الضحك كما تخاف الموت، وتعتبره خطرا قادما حتما، فتدعو الله أن يجعله خيرا.

فى المدرسة كان مدرس الدين يقول لنا إن الله لا يحب الفرحين، فما بال البنت التى تضحك بصوت مسموع؟ وما بال البنت التى ترقص فرحة على الموسيقى وتغنى؟!

تربيت فى أسرة تحب المرح والضحك والأدب والشِعر والمسرح، حتى أشعار أبى نواس وبشار بن برد وجدتها فى مكتبة أبى، وأيضا رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى، والتى كانت محرمة فى المقررات الدراسية. تربيت فى مناخ يؤمن بأن اختلاط الجنسين، فى المدارس والجامعات وأماكن العمل، يحسن أخلاق النساء والرجال، وضرورة من ضرورات التربية المستقيمة، يبعد المفاسد، ويحقق تكامل الشخصية واتساقها.

بعد أن كبرت ودرست تاريخ الأديان، اكتشفت أن الكنيسة فى أوروبا فى العصور الوسطى حرمت الضحك على النساء، وأيضا حرمت عليهن الكتابة أو الإبداع. وبعد دراستى للطب النفسى، أدركت العلاقة بين شجاعة الإبداع، وكسر الخوف من الموت. وعلاقة السعادة أو اللذة أو الضحك بالإبداع، وأيضا علاقة الضحك بحب الحرية، والرغبة فى الحياة بشكل مختلف عن الآخرين.

أمضيت بعض السنوات فى دراسة وتدريس العلاقة بين الإبداع والثورة. يؤدى الخوف إلى الكبت الفكرى النقدى، ويؤدى الكبت إلى كتمان الرغبة فى الإبداع والفرح والضحك،

وتكون النتيجة هى كبت الرغبة فى مقاومة التمرد، على أى سلطة ظالمة وقاهرة.

هناك مخاوف كثيرة يتربى عليها الأطفال، منها الخوف من عقاب السلطة الحاكمة فى الأسرة والمدرسة والعائلة والدولة. وترتبط هذه المخاوف بالخوف من الموت، ومن العقاب بعد الموت، والحرق فى النار. تحررت من المخاوف الطفولية عبر السنين، أدركت أن الخوف من الموت وهم كبير لأن الموت غير موجود، أو على الأصح حين أموت، لا أكون موجودة لأشعر بالخوف.

من أجل النجاة من غضب السلطة وعقابها، يتعلم الأطفال طاعة الأوامر، فى كل مكان وعلى جميع المستويات. الطاعة هى الفضيلة الأولى والكبرى، التى يتحلى بها العبيد والنساء والفقراء. الطاعة هى السم القاتل للعقل المتمرد المبدع.

سمات الطاعة والخنوع على وجوه الكثيرين والكثيرات، انكسار العين، وربما انحناء الظهر، الصوت المتلعثم، مع العبارة التاريخية الشهيرة، التى تكاد تكون صلاة يومية: «أنا عبد المأمور أو أنا تحت الأمر». تُقال العبارة فى هوان ومذلة، دون خجل، أو أى إحساس بالعار والمهانة.

الموظفون المطيعون المنكسرون أمام رئيسهم الآمر ينقلبون أسودا أو ضباعا كاسرة تجاه مرؤوسيهم، ترتفع العين المنكسرة المكسورة إلى السماء، والصوت المتلعثم يرتفع عاليا إلى جعير الجعارة.

وجوه النساء الموظفات فى الحكومة لا تختلف عن وجوه الموظفين، وإن كانت عيونهن أشد انكسارا، خاصة الزوجات منهن، حيث لهن رئيسان، رئيس العمل، ورئيس البيت الأبوى. وجوه الواقفات فى طوابير الجمعية للحصول على الفراخ

مثلا تشبه وجوه الواقفات فى طوابير التصويت فى الانتخابات، تشبه الواقفات فى طوابير المستشفيات الحكومية. البشرة الشاحبة المتخمة بالشحم المتراكم، بالخوف المتراكم، من المجهول، من الموت، من المرض، من الفصل من الوظيفة، من ورقة الطلاق التى تأتى فجأة بالبريد، من قهر مشاركتها زوجها مع زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة.

ذات مرة سألتنى إحدى الصحفيات: «لماذا لا تنجح النساء فى الانتخابات إلا بنسبة ضئيلة، رغم أن أغلبية الطوابير تكون من النساء؟!».

قلت: «بسبب الخوف من الموت والخوف من الضحك».

ضحكت الصحفية، متسائلة فى دهشة: «وما العلاقة بين هذا وذاك؟».

قلت: «الضحك يشجع على التمرد والثورة ضد المخاوف.. الضحك يعنى أننا نصبح فوق العدو أيا كان الذى يبعث فينا التجهم والكآبة. والتجهم والكآبة يضعفان الثقة بالنفس والمناعة الذاتية والمقاومة.. الضحك يمكنه أن يكشف المتناقضات الخفية التى تقهرنا، ويسخر منها، ويحولها إلى طاقة من الوعى الجديد. لا يمكنك أن تقهر شعبا يضحك،

لكنك تستطيع أن تقهر شعبا متجهما.. الضحك يعنى الإقبال على الحياة، والإقبال على الحياة قوة يمكنها أن تهد الجبال».

ويقول لنا التاريخ إن أعظم الثوار والزعماء والأدباء، كلهم أو أغلبهم، كانوا يتمتعون بحس مرتفع من الفكاهة والمرح والسخرية. هل ننسى جورج برنارد شو، الذى كانت السخرية سمة أساسية لشخصيته وإبداعاته؟ وهل ننسى المهاتما غاندى، الذى اعترف بأنه لولا المرح لما استطاع مواصلة نضاله وكفاحه؟

ولا نغفل كيف تعتمد التيارات الدينية السياسية على تخويف الناس، من جميع أشكال ودرجات العقاب الإلهى، كأداة فعالة فى بث الذعر والهلع، وبالتالى صناعة التجهم والكآبة، والخوف من الضحك والمرح والفكاهة، والخوف الأكبر من الموت. والمذعور هو التربة المثالية للمأمور، الواقع فى مصيدة الخزعبلات والخرافات، ألم يشيعوا أن فيروس «كورونا» هو غضب وعقاب إلهى لأن شرع الله غير مطبق على كوكب الأرض، ولأن النساء غير منتقبات، وغير قابعات فى البيوت؟؟

أعرف أشخاصا كثيرين، نساء ورجالا، يأخذون الاحتياط المعتدل للوقاية من الإصابة بكورونا، دون أن يفقدوا قدرتهم على المرح والضحك والفكاهة والسخرية من هذا العالم

المرتعب المحبوس، الذى يغسل يديه كل خمس دقائق. والأهم أنهم لا يخافون الموت، حتى على يد كورونا.

2020 / 4 / 21



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السبب الوحيد لتعدد الزوجات يضرب الاتجاه السلفى الشبقى
- ذلك الطريق المفتوح إلى الأبد هو سر عذاب الإنسان وسر سعادته
- كلمة السر هى «الاستغناء».. المقاومة حتى النفس الأخير
- طاعة المرأة مقابل إنفاق الرجل قانون استعباد
- المأساة النفسية والجسدية التى تعيشها المرأة المختتنة
- أنكر الداعية فعلته معى ووصفنى بقلة الأدب والفساد
- مارتن لوثر كينج وحلم سقوط التفرقة العنصرية
- شهريار ذو السُلطة المطلقة ينام كالأطفال على حكايات شهرزاد
- لا ينطقون مع النَّفَس الأخير إلا كلمة «أمى»
- الرغبة فى عبادة وتقديس السلطة الفردية.. مرض مزمن عالمى ومحلى
- أحاسيس دنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر
- الكاتب الكبير والكاتب الحر
- كيف تتحقق ديمقراطية المجتمع فى ظل ديكتاتورية الأسرة؟
- قانون واحد للأسرة المصرية
- أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا
- من يكون الهومو ديوس؟
- مع صديقة العمر فى هدوء الليل
- حينما تتلاشى المسافة بين «البيت الأبيض» وغرفة نومى فى شبرا
- حين تكون القراءة النقدية إبداعًا
- فتاة الليل تقتحم عالم الكتابة


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - نوال السعداوي - الخوف من الموت والخوف من الضحك والخوف من كورونا