أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا














المزيد.....

أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6373 - 2019 / 10 / 8 - 09:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن كارل ماركس أول مَن تكلم عن التحليل المادى الاقتصادى للتاريخ البشرى. سبقه الكثيرون من النساء والرجال المفكرين، شرقًا وغربًا. لم تبدأ الفلسفة فى اليونان، كما علمونا فى مدارس المستعمرات والفكر الأوروبى الغازى المحتل. بدأت الفلسفة فى الحضارات الإنسانية القديمة حول أودية الأنهار، فى مصر والعراق وفلسطين وسوريا والأردن والهند والصين وغيرها من البلاد، بسبب وفرة الماء والطعام وخصوبة الأرض وناتج الزراعة واكتشاف أدواتها من محراث وآلات زراعية بسيطة بدائية. تفوقت النساء فى الحضارات الزراعية القديمة بسبب انشغالهن بإطعام أطفالهن. كانت الحاجة إلى الطعام هى الطريق إلى المعرفة والتقدم. لهذا سبقت المرأة الرجل إلى العلم والفلسفة والمعرفة والعدل. كانت إيزيس فى مصر القديمة إلهة المعرفة والحكمة، معات إلهة العدل، وحواء سبقت آدم إلى شجرة المعرفة. الأصل فى التأثيم كان المعرفة، وليس الجنس. كان الأطفال يعرفون أمهاتهم لأنهن يلدنهم من أجسامهن. بدأت اللغة بالمرأة، الأمهات ينادين على أطفالهن للطعام، وعلى الرجال للإخصاب. كان الرجل البدائى يغتصب أطفاله أو يأكلهم دون أن يعرف أنهم أطفاله. بدأت الأم قوانين التحريم، لتمنع الرجال من اغتصاب أطفالهم. لم تكن الأبوة معروفة حينئذ بسبب الجهل بكيفية تكوين الجنين فى الرحم، ولغياب الرجال الطويل فى أعمال الصيد وقتل الحيوانات والطيور من أجل الطعام أيضًا. تصورت بعض هذه المجتمعات أن الجنين البشرى بذرة غامضة تهبط من السماء مع الهواء.. لهذا السبب، فإن كثيرًا من الزعماء السياسيين والأنبياء فى التاريخ البشرى كانوا مجهولى الأب، وكان الطفل يُعرف بأمه، أى النسب الأمومى، وليس النسب الأبوى. بعد نشوء النظام العبودى الطبقى، انتزع الآباء من الأمهات السلطة والنسب والاقتصاد والثقافة. وانتزعت البلاد الأوروبية، بالمنهج نفسه، استقلال وحرية بلاد إفريقيا وآسيا، حيث الموارد الغنية، فالضرورة أُم الاختراع، وندرة الأشياء تتحكم فى مسارات التاريخ.. ولهذا سبق التطور العلمى العسكرى فى أوروبا بلاد العالم.

كان الفقر فى الطعام والمياه والموارد الطبيعية المختلفة وراء غزو أوروبا بنظامها الطبقى الأبوى الرأسمالى بلاد إفريقيا وآسيا. إنه الاغتصاب الاقتصادى العسكرى والسياسى والروحى لتدعيم الاغتصاب الاقتصادى المادى. وقد سبقت الحملات التبشيرية الروحية الدينية بلاد المستعمرات لتهيئة المناخ الثقافى والفكرى والتعليمى أمام الغزو العسكرى السياسى. شهدنا طوال عصور التاريخ كيف أصبح المفكرون فى بلادنا ينقلون عن مفكرى أوروبا، والآن ينقلون عن مفكرى أمريكا، تدعيمًا لمصالحهم الاقتصادية المتخفية وراء حجاب الأديان. هناك امرأة إفريقية قالت: «قبل أن يأتى الإنجليز إلى بلادنا كنا نملك الأرض، وهم كانوا يملكون الإنجيل.. حينما خرجوا من بلادنا أصبحوا يمتلكون الأرض، ونحن نملك الإنجيل». هذه المرأة الإفريقية لم تقرأ الكتب لتدرك دور الاقتصاد فى السياسة، والحرب والدين، والنسب الأبوى. الاقتصاد يحرك التاريخ والأساطيل والقنابل. لو اهتدينا بحكمة هذه المرأة الإفريقية، لو استخدمنا مقولتها لتحليل الوضع فى بلادنا، لخرجنا بمعرفة وفهم عن الترابط بين الماضى والحاضر، بين قهر النساء وقهر الشعوب، بين ما يحدث فى العلاقات الأسرية الشخصية والسياسة الدولية، بين النسب الأبوى وشن الحروب. لقد ساءت أحوال مصر بعد الاستعمار البريطانى القديم، وساءت أكثر وأكثر بعد الاستعمار الأمريكى الجديد. قبل أن يأتى الاستعمار القديم، كنا نملك طعامنا رغم الفروق الطبقية العنصرية الموروثة فى العالم. مَن يملك طعامه يملك استقلاله، سواء كان دولة أو رجلًا أو امرأة. بعد الاستعمار البريطانى عام 1882، اتسعت الهوة الطبقية العنصرية، وسيطرت على الاقتصاد المصرى طبقة عليا من كبار المُلّاك الإقطاعيين الزراعيين، ومعهم كبار الرأسماليين المصريين والإنجليز المديرين للقطاع الصناعى والتجارى. وأدى ذلك إلى الثالوث المزمن الشهير: الفقر والمرض والجهل، فقط 2% من الشعب المصرى، ومعهم الأجانب، ملكوا الأراضى والأموال والتعليم والثقافة والكنائس والجوامع، و98% لم يملكوا إلا ما يسد الرمق، طعامهم الخبز المقدد. ثم جاءت ثورة 1919، لكنها مثل كل الثورات الشعبية، تم إجهاضها من سلطات الاحتلال الإنجليزى، بالتعاون مع النخب السياسية الفاسدة. ثم جاءت حركة الضباط الأحرار عام 1952، وسقوط الملك، وخروج الإنجليز، وبدأت اقتصادية لسد الفوارق الطبقية والعنصرية. لكنها تعثرت بسبب الحكم العسكرى الاستبدادى تحت اسم الاشتراكية والوحدة والنظام، ونتيجة استمرار زواج السلطة بالثروة. اشتدت الأزمة فى سبعينيات القرن الماضى مع تدشين الانفتاح الاقتصادى الاستهلاكى، وتم تمرير الاستعمار الأمريكى الجديد تحت أبخرة ودخان الصحوة الدينية الإسلامية والمسيحية. عاد ثالوث المرض والفقر والجهل، بشكل أشد، مع المزيد من قهر النساء الملتحف بالشرع الإلهى. دعونا لا ننسَ مقولة المرأة الإفريقية: «أعطونا كتاب الله، وأخذوا أرضنا وأموالنا»، فهى تفضح الماضى وتكشف الحاضر وتنبئ- ربما- عن المستقبل.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يكون الهومو ديوس؟
- مع صديقة العمر فى هدوء الليل
- حينما تتلاشى المسافة بين «البيت الأبيض» وغرفة نومى فى شبرا
- حين تكون القراءة النقدية إبداعًا
- فتاة الليل تقتحم عالم الكتابة
- أنوثة الفلاحة في الحقل.. وأنوثة الطبيبة في المدينة
- الكاتبة ورئيسة الحكومة
- حملة شعبية ضد التجارة بالطب
- وتبقى البؤرة الفاسدة المتوارثة دون مساس
- مأساة المفكرة المبدعة في عالم ديني ذكوري
- شهادة الزوج الثاني في المحكمة
- نوال السعداويأمر الله والانفجار السكاني
- الصراع الدامي التاريخي بين الآلهة والبشر
- مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر
- أنت مختلفة.. أنت مختلف موسيقى أو نشاز؟
- ثمن العبودية أفدح من ثمن الحرية
- لجنة القصة بالمجلس الأعلى الدائم
- تجديد الفكر الدينى.. ماذا يعنى؟
- الأنانية الموروثة وروابط الدم
- القدم فوق الرأس والعقل بلا ثمن


المزيد.....




- مسلسل -Severance- يتصدر قائمة ترشيحات جوائز -إيمي- الـ77
- لبنان.. 12 قتيلاً بغارات إسرائيلية على مواقع لقوات النخبة في ...
- جيل المهارات الجديدة: الذكاء الاصطناعي في حياة الشباب العربي ...
- حكمت الهجري: المرجع الديني الذي تحوّل إلى خصم للشرع
- قص شوارب وتحريض طائفي.. انتهاكات بحق أهالي السويداء رغم الت ...
- كيف تدخّلت الحكومة السورية لمحاصرة أزمة السويداء؟
- من القائل -قل للمليحة في الخمار الأسود-؟ وما قصته؟
- أكثر دلالا وأنانية.. العلم ينفي الخرافات حول الطفل الوحيد
- مقررة أممية للجزيرة: إسرائيل وأميركا تحاولان إبادة الشعب الف ...
- برقيات تقنية.. -آيفون 17? بمعالج غير متوقع و-تيك توك- تقتحم ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا