أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - نوال السعداويأمر الله والانفجار السكاني















المزيد.....

نوال السعداويأمر الله والانفجار السكاني


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6324 - 2019 / 8 / 18 - 12:38
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


كان محمود من زملائى الأطباء وأصدقائى القليلين الذين لا أنساهم رغم مرور السنين، فهو يتميز بعقل مرن مفتوح، غير متعصب دينيا أو سياسيا أو اقتصاديا، لا يستميت فى الدفاع عن الاشتراكية أو الرأسمالية أو السوق الحرة، يحب الجدل والنقاش فى كل الأمور الشائكة الحساسة التى تمس المحرمات المتعلقة بالدين أو الجنس أو الصراع الطبقى، ونظام الحكم القائم القابض على الأنفاس، لا يخاف الاتهام بالإلحاد أو الشيوعية، أو الخيانة الوطنية، لم يكن مشغولا بذكورته أو رجولته، ينظر إلى المرأة بعين الإنسان وليس عين الرجل الذكر.
وكانت المشكلة السكانية فى مصر مطروحة للنقاش لأول مرة فى الستينيات من القرن الماضى بتصريح من حكومة عبد الناصر، وتشجعت النخبة المصرية المثقفة أو الأصح المتعلمة فحسب، التى لا تنطق بالحقيقة إلا بتصريح من الحكومة، بدأت هذه النخبة من الصحفيين والأطباء والمتخصصين فى علم السكان، والإخصاب والخصوبة، وأطفال الأنابيب، التنافس على مدح الحكومة على رأسها الزعيم الخالد، بسبب إنشاء مشروع تنظيم الأسرة، للحد من الانفجار السكانى الذى يبتلع الموارد ويلعب دورا فى فشل جميع مشاريع التنمية، والذى كان يعارضه شيخ الأزهر بحجة أن الله يعارض تحديد النسل، فهو الذى يقرر أمور الزواج والطلاق والحمل والولادة والموت، والرسول محمد (ص) قال إن الكثرة العددية قوة غالبة فى الحرب وأنه سوف يباهى بأمة الإسلام بين الأمم.

كتبت قبل ذلك فى مقالاتى وكتبى، ومن خلال عملى بوزارة الصحة كمسؤولة عن برامج الثقافة الصحية عن مشكلة الخلل بين نسبة المواليد ونسبة الوفيات، وضرورة خفض نسبة المواليد للحد من الانفجار السكانى، وربطت بين قضية تحرير المرأة فكريا واقتصاديا وتحرير المجتمع من آفات كثيرة منها آفة الانفجار السكانى، فالمرأة الواعية المثقفة المستقلة اقتصاديا لا تنجب إلا طفلين غالبا، كما أن القيم والتقاليد البالية التى يعيد التعليم الدينى والسياسى إنتاجها فى كل عهد وفرضها على العقول منذ الطفولة، ومنها الخوف من نار الجحيم والطاعة العمياء والإيمان الأعمى بما يقوله شيخ الأزهر، والزواج المبكر للبنات، وإخضاع المرأة للسلطة المطلقة لأبيها وزوجها، ومفاهيم الشرف الذكورى والعذرية وعزل البنات والنساء فى بيت الزوجية وتحريم مساهمتهن فى النشاط السياسى والاقتصادى والفكرى، كل هذا يساعد على تجهيلهن بحقوقهن، ومنها حق الحرية والعدل والكرامة، وحق العمل بأجر مساو لأجر الرجال، وعدم اعتبار الزواج والإنجاب الوظيفة الرئيسية للمرأة، وأن كثرة الحمل والولادة تضر صحة المرأة والمجتمع معا، وقد تزوجت أمى وهى فى الرابعة عشرة من عمرها وماتت وهى فى الخامسة والأربعين، وأنجبت تسعة من الأطفال، أنهكوها صحيا وأنهكوا أبى اقتصاديا، ومات مبكرا أيضا، وطالبت بتغيير قانون الزواج، ومنع الطلاق وتعدد الزوجات، والحرية الجنسية غير المسؤولة للرجال لإشباع نزواتهم العابرة، فالرجل يطلق حين يشاء، ويتزوج إذا أراد أربع نساء على الأقل، وينجب منهن عشرات الأطفال.

واتهمنى رجال الدين بالكفر والإلحاد، لأننى أخالف شرع الله، الذى أباح حرية الطلاق للرجال وتعدد الزوجات، واتهمنى رجال السياسة بأننى أتبنى أفكار أمريكا وإسرائيل للحد من عدد المسلمين.

كما أننى رفضت اعتبار كثرة المواليد هى السبب الوحيد فى الفقر والجهل والمرض فى مصر، وقلت إن الانفجار السكانى أحد الأسباب، وأن الثالوث المزمن ينتج أساسا عن نهب مواردنا بالاستعمار الخارجى والداخلى، وخلل فى العلاقات الزوجية داخل الأسرة والعلاقات الاقتصادية فى الدولة، وضرب الإنتاج لصالح الاستهلاك والقوى الاستعمارية الخارجية والطبقة الحاكمة الرأسمالية فى الداخل وكانت الحكومات المصرية الخاضعة للاستعمار الخارجى تسعى إعلاميا لتجهيل الشعب بأسباب الفقر والتخلف الأساسية بالتركيز على المشكلة السكانية وحدها، وتم اتهامى بالشيوعية من قبل الرأسماليين فى عصر السادات ومبارك، وأعلن الشيخ الشعراوى أننى أعمل لحساب الشيطان لمجرد سماعى الموسيقى، وهو يعمل لحساب الله، ودأبت جماعة الإخوان المسلمين على تشويه سمعتى، وإعلان وفاتى فى عيد ميلادى فى شهر أكتوبر كل عام، وعشت القهر الدينى والسياسى والاقتصادى والأخلاقى والأدبى، واستمرت النخبة المتعلمة فى نفاقها لكل عهد، وتركتنى وحدى فى المنفى ومهب الريح، بل شاركت فى الهجوم على تقربا من الحكومة، وتملقا للإخوان المسلمين، وحصل رجالها ونساؤها على المناصب والأموال وجوائز الدولة، فى عصر السادات ومبارك. وما إن قامت ثورة يناير 2011، حتى سارعت النخبة نفسها لتأييدها، والزعم بأن لها الفضل فى إشعال الثورة. وانقلبت على نظام مبارك، بعد أن كانت نائمة فى أحضانه، وتتمتع بمكاسبه، وغنائمه، وامتيازاته.

تحول صديقى وزميلى القديم محمود، خلال السنين، انهزم أمام طغيان الفهلوة والنفاق، لم يعد يعرفنى، رأيت صورته فى الصحف مع الوزراء والوزيرات، ينحنى ويتلقى وسام التنوير والعلمانية، يدعو إلى محاربة الإلحاد والعودة للإيمان بالله لحل مشاكلنا الاقتصادية والأخلاقية، اتصلت بى زوجته الأولى، وكانت طبيبة زميلة لنا نبيلة الأخلاق مخلصة له، لكنه لم يكن مخلصا، أقام علاقة سرية مع طبيبة شابة تصغره بأربعين عاما، تزوجها سرا وطلق زوجته الأولى غيابيا، ثم اكتشف أن زوجته الثانية الشابة تخونه مع طبيب شاب زميلها، فأرسل لها ورقة الطلاق بالبريد، وأخيرا تزوج ابنة عمته الريفية الساذجة الفقيرة لترعاه وأطفاله العشرة، متأكدا من عذريتها وعدم تلوث عقلها بأفكار تحرير المرأة.

وحين أصابنى المرض مؤخرا، وتخلى زملائى الأطباء عنى، جاءنى صوته عبر التليفون معاتبا، يا نوال كيف تذهبين إلى طبيب عيون دون استشارتى، أعرف طبيبا عظيما يمكنه علاجك بكفاءة، وسوف أتصل به ونأتى معا لزيارتك بالبيت ورعايتك طبيا، ثم كتب مقالا بالصحف بعنوان «نوال السعداوى كاتبة عالمية»، قيمة وقامة تستحق جائزة نوبل، وقلادة النيل، ومضت الأيام والشهور دون أن أسمع منه، وإن اتصلت به أجد تليفونه مغلقا حتى اليوم، تليفونه مغلق، وأسفت وضحكت على هذه النخبة الليبرالية العلمانية التنويرية، التى تتلون مع كل نظام، وأصبح النفاق مرضا مزمنا يجرى فى عروقها مجرى الدم ويورث فى الجينات للأبناء والأحفاد.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الدامي التاريخي بين الآلهة والبشر
- مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر
- أنت مختلفة.. أنت مختلف موسيقى أو نشاز؟
- ثمن العبودية أفدح من ثمن الحرية
- لجنة القصة بالمجلس الأعلى الدائم
- تجديد الفكر الدينى.. ماذا يعنى؟
- الأنانية الموروثة وروابط الدم
- القدم فوق الرأس والعقل بلا ثمن
- الحجاب والنفط والسلاح ونيوزيلندا
- منابع الإبداع فى عيد الأم المصرية
- تجربتى الذاتية والجدل حول الدستور
- أيامى بالمستشفى العسكرى بكوبرى القبة
- جائزة الاستغناء عن الجوائز
- الوزيرة وسلطة الزوج المطلقة
- الإنسان نعمة وليس نقمة
- عنب لذيذ فى احتفال العام الجديد
- الديمقراطية الرأسمالية تتهاوى فى فرنسا
- القانون والنقاب
- الأم الكبرى للعلم والفن
- وزراء الصحة وعمليات الختان


المزيد.....




- “احلى اغاني الاطفال” تردد قناة كراميش 2024 على النايل سات ka ...
- إدانة امرأة سورية بالضلوع في تفجير وسط إسطنبول
- الأمم المتحدة تندد بتشديد القيود على غير المحجبات في إيران
- الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام مبنى المحكمة الجعفر ...
- عداد الجرائم.. مقتل 3 نساء بين 19 و26 نيسان/أبريل
- هل تشارك السعودية للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون؟
- “أغاني الأطفال الجميلة طول اليوم“ اسعدي أولادك بتنزيل تردد ق ...
- استشهاد الصحافية والشاعرة الغزيّة آمنة حميد
- موضة: هل ستشارك السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون للمرة الأ ...
- “مش حيقوموا من قدامها” جميع ترددات قنوات الاطفال على النايل ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - نوال السعداويأمر الله والانفجار السكاني