أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - جائزة الاستغناء عن الجوائز














المزيد.....

جائزة الاستغناء عن الجوائز


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6144 - 2019 / 2 / 13 - 10:08
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


إنها لحظات قليلة فى حياتى، تمر بى، حينما يغلبنى فجأة المرض،أو تجتاحنى الذكريات المؤلمة، عبر سنوات عمرى. ابنتى، الكاتبة الشاعرة منى حلمى، أنضج مِنى، وأكثر حكمة، وزهدا فى الحياة. أتذكر كيف غًدر بى هذا العالم. فى يوم ما، وجدت نفسى داخل زنزانة، تحوطها القضبان الحديدية. أشعر بالبرد، والجوع. تئن العظام والمفاصل، من النوم على الأرض. زنزانة ضيقة، مظلمة، مختنقة، تمرح فيها الصراصير، والفئران، والأبراص. تغمرنى الظلمة فى عزالنهار. الشمش غائبة طول الوقت.


أتذكر حياتى فى المنفى. كيف سُبيت حريتى، وحُرمت من حقوقى الأدبية، والمادية، والانسانية. رغم أننى دفعت عمرى، لكى أجعل الوطن أكثر انسانية، وحرية، وعدلا، وجمالا. حينما أتعرض لغزو الذكريات المؤلمة، أو أواجه طعنة جديدة،أذهب الى ابنتى، وقد غمرنى حزن كامن، عميق الجذور. أقول لها: يا مُنى.. أشعر بالغربة والاضطهاد.

ترمقنى مُنى بعينيها، تبتسم قائلة: ماذا حدث لكٍ؟ لم أسمع منكٍ هذا الكلام من قبل؟. أقول: لا أعرف. لكننى أحاول أن أفهم هذا الظلم الذى يغمر العالم. الفقراء يزدادون فقرا.. ويزداد المبدعون من النساء والرجال قهرا.. والفدائيون المخلصون يزدادون حزنا، وشقاءً.

تسمعنى مُنى، قائلة فى هدوء: صوتك ليس صوتك. وهذه الكلمات ليست كلماتك.. ماذا حدث لك ِ يا أمى؟ . أقول: لا أعرف.. كأنما أكتشف الحياة من جديد.. كأنما خُدعت، باسم النضال، والوطنية، والثورة. تشبع دمى منذ الطفولة من أجل تغيير العالم، والتضحية بعمرى من أجل أن أكتب كلمتى، التى أؤمن بها. فتكون مكافأتى الحبس، والعيش تحت خطر التهديد، واتهامات بقضايا الحسبة، وسحب جنسيتى المصرية، وتشويه السمعة، واثارة الشائعات ضدى، وتحويلى من مقاتلة ترفض الظلم والقهر، والتجارة بالأديان، الى كاتبة تحرض على الفتنة، والفسق، والفجور.

ترد مُنى: ولكنك كسبت كل القضايا التى رفعوها ضدك، وأدركت بلادنا والعالم، أن جميع الشائعات كانت كاذبة ومغرضة. شئ ما حدث لك يا أمى، ما هو؟ أنت لست أنت.. كتاباتك وأفكارك، ومواقفك، منحت ملايين من النساء والرجال والشباب، القوة، والأمل، والتفاؤل، والاصرار على الحرية، والتمرد. سافرت كتاباتك الى كل مكان، ولم تتوقفى عن الكتابة، والابداع، فى أصعب المحن. ماذا حدث لكِ يا أمى؟ لابد أنكِ مريضة؟.

أقول: لابد أننى مريضة فعلا.. لستٌ نفسى كما عهدتها، على مدى العمر. من أين تأتى هذه الأفكار الغريبة، الخبيثة؟. من أين يأتى هذا التشاؤم، الذى لم أعرفه أبدا؟. هل تسمم الدم فى عروقى، من تلوث الهواء والماء والأفكار المسمومة فى الاعلام؟ والأكاذيب التى نقرؤها فى الصحف؟ والحروب التى يشنها الأقوياء الأثرياء، ضد الضعفاء الفقراء. ربما تلوث دمى من هذا العالم المجنون المقلوب.. يصيب عضلاتى بالضعف، ويئن قلبى بالعبء.

تقول مُنى: هل أستدعى الطبيب؟. لكنك لم تذهبى الى أى طبيب أبدا.

أقول: لا أعرف يا مُنى، كيف أعبر بالضبط عن هذه اللحظة. إننى أمر بلحظة ضعف. فقدت الاحساس بالسعادة. تصمت مُنى، طويلا، ثم تقول: لابد أن تسعدى يا أمى، لابد أن تكون مفاتيح سعادتك، فى يدك أنت، وليس فى يد الآخرين. يكفى الملايين فى العالم يقرأون كتبك، ويتأثرون بها. وهذه هى جائزتك الوحيدة. أتذكرين، كنا نغنى ونرقص على موسيقى أغنية زوربا اليونانى أنا لا أخاف شيئا، أنا لا أريد شيئا، أنا لا أحتاج شيئا، أنا لا آمل فى شىء، أنا لا أملك شيئا، أنا حر.

أسأل منى: وأين تجدين سعادتك؟. تجيبنى: بعد أن فكرت كثيرا، بعد عمق التأمل، بعد تجارب الألم، وخيبات الأمل، وصلت الى أن السعادة هى الاستغناء عن السعادة؟.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوزيرة وسلطة الزوج المطلقة
- الإنسان نعمة وليس نقمة
- عنب لذيذ فى احتفال العام الجديد
- الديمقراطية الرأسمالية تتهاوى فى فرنسا
- القانون والنقاب
- الأم الكبرى للعلم والفن
- وزراء الصحة وعمليات الختان
- كم من كاتبة مبدعة تحمل لقب الشيطان؟
- وزيرة الصحة وطبيبات معهد ناصر
- العاطلون والعاطلات عن العمل المنتج
- لماذا تفشل الثورات بقيادة النخب؟
- أم إبراهيم والوزيرة غادة والى
- الصراع فى مجلس النواب ومجلس العائلة
- الجينات الأنانية والكتابة
- البحث عن مأوى بالليل أم نسيم البحر؟
- قانون مدنى واحد لجميع المصريين
- قوة الفكر فى المستقبل القريب
- البحث عن فيلم سينمائى جيد
- تحرير النساء وقضية الاشتراكية
- من أجل ما نفعل؟ أو من أجل ما نكون؟


المزيد.....




- موسيقى كناوة، عندما تكسر النساء القاعدة
- مقتل امرأة وإصابة آخرين جراء سلسلة غارات إسرائيلية على مناطق ...
- تواصل العصابات تجنيد الاطفال رغم الأساليب الجديدة للشرطة
- المرأة التي ترعى 98 طفلا من ذوي الإعاقة
- “رابط فعال” خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت 2025 ...
- سحر دليجاني المعارضة الإيرانية: الحرب على إيران ليست دفاعًا ...
- أهم تدخلات وزارة شؤون المرأة خلال العام الأول لتولي حكومة د ...
- النساء لا يتملّكن.. مصريات محرومات من حيازة الأراضي الزراعية ...
- فارسين أغابكيان.. أول امرأة تقود الدبلوماسية الفلسطينية
- دراسة: تدمير آثار الملكة حتشبسوت لم يكن بسبب كونها امرأة


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - جائزة الاستغناء عن الجوائز