أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - الصراع فى مجلس النواب ومجلس العائلة














المزيد.....

الصراع فى مجلس النواب ومجلس العائلة


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5964 - 2018 / 8 / 15 - 10:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



كنت أشهد فى طفولتي، الصراع الذى يدور فى بيتنا، كلما تجمع الأقارب من عائلتى أبى وأمى فى الأعياد، ضحكاتهم وقهقهاتهم أو أصواتهم العالية الغاضبة، تصلنى الى غرفتي، نساء ورجال من الطبقتين العليا والدنيا، مثقفين وفلاحين، البهوات والفقراء، يتجمعون فى الشرفة الكبيرة، عائلة شكرى بيه سليلة المجد حتى طلعت باشا فى إسطنبول، وعائلة السعداوي، من كفر طحلة، تختلط رائحة العرق فى الجلاليب البالية مع رائحة العطور الفرنسية فى الفساتين الحريرية, والبدل الإفرنجية من الصوف الإنجليزي، تفوح رائحة الويسكى ودخان البايب مع رائحة الطين والروث.

كنت طفلة بالمدرسة الابتدائية أعشق الموسيقى والرقص وقراءة الشعر والروايات الأدبية وقصص الحب، وكلها أمور تندرج، فى نظرهم جميعا، تحت بند قلة الأدب وفساد الأخلاق، إلا أمى وأبي، كان الاثنان لحسن حظى يختلفان تماما عن الأقارب، كأنما من فصيلة بشرية أخري. كانت مصر تنوء تحت نير الاحتلال البريطانى وحكم الملك فاروق، أسمع أبى يحكى عن الصراع الدائر فى مجلس النواب حول التعليم المجانى للفقراء، أحد البشوات اسمه البدراوى عاشور، يرفض هذا التعليم لأنه يؤدى الى تحويل أصحاب الجلاليب الزرقاء الى أصحاب جلاليب مكوية، سوف يتعلم أولاد الفلاحين ويصبح من الصعب أن يمسكوا الفأس بعد ذلك، أحد البشوات الآخرين اسمه وهيب دوس، يؤكد أن تعليم أولاد الفقراء خطر اجتماعى هائل يؤدى الى ثورات نفسية، ويرفض طلعت حرب باشا تعليم الفقراء لأنه يؤدى الى تفتيح أذهانهم وهذا خطر على الحكومة.

يرتفع صوت أبى منددا بأحزاب الأقلية والبشوات من حزب الأحرار الدستوريين اللى عاوزين الفلاحين يموتوا من الجوع، ويؤيد حكومة الوفد والنحاس باشا، بسبب تقديمهم مشروع قانون لمجلس النواب عام 1940 ينص على عدم الحجز على بيت الفلاح المفلس العاجز عن دفع الضرائب. وصاح إقطاعى بمجلس النواب هذه بلشفية, يعنى إيه بلشفية يا باشا؟ يعنى شيوعية، ويعنى إيه شيوعية؟، لا أحد يعرف إلا جدتى الفلاحة، تقول: يعنى كل حاجة تبقى على المشاع. ويضحك عليها البهوات من عائلة أمي، ترد عليهم بغضب، وهى تشوح بيدها الكبيرة المحروقة بالشمس المشققة بالفأس: الباشا بتاعكم زى العمدة بتاعنا فى كفر طحلة لا يمكن يرتاح إلا لما الفلاحين يموتوا من الجوع لكن ربنا مع الفقرا دايما. ويدور الصراع فى بيتنا كما فى مجلس النواب، ينضم الفلاحون من عائلة أبى الى حزب الوفد والنحاس، وتنضم عائلة أمى الى البشوات وأحزاب الأقلية.

لم يكن أبى وفديا، كان يدرك تلاعب الأحزاب جميعا بالشعب تحت اسم الدستور والديمقراطية، ويدرك أيضا تعاون مشايخ الأزهر والإخوان المسلمين مع الملك والإنجليز تحت اسم الدين: تصوروا هذا المراغي، الشيخ المرائي، يقول للملك الله معك، ويقول لنا أطيعوا أولى الأمر منكم، تصوروا الخداع!. كانت الخالات، خاصة طنط هانم، تحب الملك فاروق، تؤمن بأن الله معه فعلا ، لكن عمتى رقية ترى أن الله مع النحاس والوفد، ويشمخ خالى زكريا بأنفه مؤكدا أن الله مع الملك طبعا، تنفعل جدتى مبروكة وتشوح بيدها المعروقة فى وجه خالى زكريا قائلة: وماله يا خويا خليه معاه لكن النحاس معاه كل الناس. ينفجر الجميع بالضحك، وتضحك جدتى حتى تدمع عيناها، تمسحهما بطرف الطرحة السوداء وهى تهمس: أستغفر الله.أدت ظروف الحرب العالمية الثانية الى ارتفاع الأسعار، أجبر الإنجليز الفلاحين فى مصر على زراعة مساحات أكبر من القمح والحبوب لإطعام جيوش الحلفاء، تدهور إنتاج القطن، زادت المضاربات فى البورصة لصالح الإنجليز والبشوات، وازداد فقر الفقراء وثراء الأثرياء. فى الأعياد كان أخى طلعت يتلقى الامتيازات والابتسامات من الأقارب والقريبات، لأنه الولد، وينطلق يركب البسكليتة ويلعب، وأبقى بالبيت لأساعد أمى فى الطبخ، تتآمر الخالات والعمات على تقديمى للعريس الجديد قبل أن أبلغ العاشرة، أهرب منهم فى غرفتى أكتم الغضب والحزن، كانت غرفتى بجوار المطبخ لها نافذة حديدية، من خلال القضبان أرى حمارة الحاج محمود، راقدة فى بير السلم، ترمقنى بعينين دامعتين، أتسلل من غرفتى الى الحمام لأغسل وجهي، ألمح الخادمة سعدية، منكفئة على بلاط المطبخ تدعكه بالفرشة، طفلة من عمري،عيناها دامعتان حزينتان. نعم، كان هناك من هم أكثر تعاسة منى فى الأعياد: الخادمات.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجينات الأنانية والكتابة
- البحث عن مأوى بالليل أم نسيم البحر؟
- قانون مدنى واحد لجميع المصريين
- قوة الفكر فى المستقبل القريب
- البحث عن فيلم سينمائى جيد
- تحرير النساء وقضية الاشتراكية
- من أجل ما نفعل؟ أو من أجل ما نكون؟
- إبداع المرأة وسجن اللاوعى
- ما يفوق العمر والأنوثة والرجولة
- السنوات المسروقة من العمر
- المكبوت تحت الضلوع يخرج للشارع
- ما لا ُيكتب لا يوجد أبدا
- المعارضون للصهيونية بالبرلمان الإسرائيلى
- بعد ازدراء الأديان .. ماذا نشهد من ظواهر؟
- أى أنواع الموت يختار؟
- حتى يا جوافة؟
- هزائم متكررة لم تكسر القوقعة
- القارئات والقراء والإرهاب
- كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟
- الخوف من طرح الأسئلة المحرمة!


المزيد.....




- بتكليف من بوتين.. شويغو في بيونغ يانغ للقاء الزعيم الكوري ال ...
- نتنياهو وإيران: تلويحٌ بالتغيير من الداخل واستدعاء واشنطن إل ...
- -واينت-: مقتل جندي من جولاني في خان يونس وإصابة 4 آخرين بجرو ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل أشخاصا أحضروا كاميرات لبث مباشر لضر ...
- هل بدء العد النازلي نحو -القنبلة النووية الإيرانية-.. من يص ...
- أشار إلى عملية البيجر.. سفير إسرائيلي: هناك -طرق أخرى- للتعا ...
- ‌‏غروسي: أجهزة الطرد المركزي في نطنز ربما تضررت بشدة إن لم ت ...
- OnePlus تعلن عن حاسب ممتاز وسعره منافس
- جيمس ويب يوثق أغرب كوكب خارج نظامنا الشمسي تم رصده على الإطل ...
- الاستحمام بالماء الساخن.. راحة نفسية أم تهديد صحي خفي؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - الصراع فى مجلس النواب ومجلس العائلة