أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟














المزيد.....

كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6177 - 2019 / 3 / 19 - 18:13
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


جاءت صديقتى لزيارتى ومعها حفيدها الطفل، أرادت أن تشغله عنا باللعب بمسدسه الصغير ، يضغط بإصبعه على زناده، فتنطلق فرقعات وشرارات نارية، تصاحبها صرخات الطفل بالفرح والنشوة ، طاخ طيخ ! إمتلأ بيتى بضجة تشبه معركة حربية، قلت لها أرجوك خذى هذا الطفل الإرهابى بعيدا، لم تغضب صديقتي، فهى تعرف أننى أنتقد التربية التى ينشأ عليها الأطفال الذكور، خاصة تربية الجدة أو الأم ، التى تحرص على أن يكبر الطفل ليكون «دكرا » راجل بمعنى الكلمة، «حمش» يشكم مراته، وتنسى صديقتى أنها تعذبت فى ظل زوج كان يشكمها .

لا تختلف كلمات صديقتى عن كلمات جدتى وأنا فى السابعة من عمري، وكانت تطلب من أخى الأكبر أن يشكمنى لأخضع له ولزوجى فى المستقبل، لم يستطع أخى أن يشكمنى بسبب قوة شكيمتى الموروثة عن الإلهات المصريات القديمات وتفوقى عليه بالمدرسة أيضا.

كان أخى الأكبر مشكلة فى طفولتى بسبب تدليل جدتى له والعمات والخالات وكل أفراد العائلة، إلا أمى وأبى، لولا إيمان أبى بالمساواة والعدل وصلابة أمى وقوة شخصيتها وثقتها الكاملة بى ربما ضاع مستقبلي، وصرت اليوم أرملة قعيدة البيت، تعانى الوحدة والاكتئاب، أو زوجة عرجاء يهرب منها زوجها الى القاصرات، أو ربما ألقيت نفسى من النافذة ليلة الزفاف، كما فعلت «فاتن . ع» الراقدة اليوم بمستشفى قوص المركزي، مصابة بكسور ونريف بالمخ بعد إلقاء نفسها من الطابق الرابع وهى تردد «مش هتجوز لازم أكمل تعليمي» كنت أردد هذه الكلمات وأنا فى العاشرة من عمرى لكن ارتفاع نافذتى عن الأرض لم يكن كافيا لموتى.

وتظل الديكتاتورية الذكورية تحكم الأسرة والمجتمع، التى سادت فى الأربعينيات من القرن الماضي، لم تنجح نظم التعليم والثقافة لتغيير هذه القيم الراسخة فى الوجدان البشرى منذ نشوء النظام الأبوى فى التاريخ، بل زادت القيود على البنات منها الحجاب والنقاب، مع تصاعد القوى السياسية الدينية وازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء.

صديقتى حصلت على درجة الدكتوراه فى طب الفضاء بجامعة نيويورك، وماجستير طب الأطفال بجامعة السوربون، وبكالوريوس الطب بجامعة القاهرة، وهى اليوم أستاذة إستشارية لأكبر المستشفيات، وتكتب بالصحف ضد حوادث الإرهاب، مع ذلك هى تربى حفيدها ليصبح رجلا إرهابيا، ينتشى بفكرة القتل، فالإرهاب يبدأ بفكرة فى المخ تؤيد العنف والطاعة والإجبار ( ليس الحوار والتساؤل والاختيار ) يرسل المخ أمرا الى العقل بالتوقف، والى عضلات الذراع بالحركة، وإلى أصابع اليد لإمساك السيف أو المسدس، والضغط بإصبع واحد فوق الزناد.

تحول كل شيء فى العالم الى تقاتل وحرب والألعاب الرياضية أصبحت صراعات تنافسية، تراق فيها الأموال وتزهق الأرواح ، وتحولت الاحتفالات بالأعياد الى مباريات نارية، ومفرقعات مع صرخات النشوة الصبيانية، تنفق بلادنا المليارات لشراء البمب ومسدسات الأطفال، لا يربح منها إلا حفنة من تجار السلاح ، مع تأكيد فكرة الإرهاب المسلح فى العقل والوجدان منذ الطفولة، تستمد الرأسمالية الدولية أكبر أرباحها من التجارة بالأجساد والأسلحة والمخدرات وأدوات الزينة والتجميل، على حين تعيش نصف الشعوب تحت خط الفقر.

أصبح القتل الجماعى وإراقة الدماء منظرا عاديا، وأصبح رئيس أكبر دولة، يقولون عنها رائدة الديمقراطية، هو رائد الإرهاب الأكبر، وقد أصدر «دونالد ترامب» قرارا بتمجيد البطولة الذكورية العنصرية، وتشريع البطش المسلح بالآخرين، فانتفضت ضده الشعوب المقهورة بما فيها الشعب الأمريكي.

صديقتى من القيادات النسوية محليا وعالميا تنتمى للحركات الصوفية الروحانية التى تعتبر نفسها تحريرية للمرأة، على غرار الحركات النسوية المسيحية واليهودية فى أوروبا وأمريكا، تقول صديقتى إنها «روحانية، علمانية لا دينية » لم تقرأ صديقتى كتب التاريخ، ولا أى كتاب خارج تخصصها الطبى المحدود، لم تدرك أن عبودية الإنسان، خاصة عبودية المرأة، بدأت فى التاريخ البشرى بفصل الروح عن الحسد، وتحولت المرأة من إنسانة كاملة منتجة للفكر والمعرفة، الى جسد مدنس ناقصة العقل، وأصبح الرجل هو سيدها العاقل، وهو الروح المقدس، انهزمت الحضارة الإنسانية القديمة، التى احترمت المرأة والرجل على السواء، بل نالت فيها المرأة احتراما أكبر، وحظيت الأم بشرف أعظم، لأنها هى التى كانت تحمى الأطفال، من أن يأكلهم الأب البدائي، كما حمتنى أمى من أخى الأكبر فى طفولتى .



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوف من طرح الأسئلة المحرمة!
- تعريف جديد للأدب والكتابة
- عن الألم والكتابة الشخصية
- ويظل حجاب العقل واحدا
- أين نحن من أبى وأمى
- هرقل وغريمه آنتى
- المرأة والاشتراكية
- .. وهل انعدم التساؤل أيضا ؟
- ازدراء الأديان والجماعة فى رمضان
- امرأة رقيقة قاتلة
- التفاحة المحرمة والجاذبية
- فى ذاكرتى مع لغة الأم
- لا حياد فى عالم يبطش
- وتزيد المتعة بزيادة المعرفة
- رسالة من فتاة سجينة
- رسالة الى صديق قديم
- متى يبدأ السقوط ؟
- ليست امرأة مثالية
- ما بين البحرين الأحمر والأبيض
- الدين والمرأة والسينما


المزيد.....




- لأول مرة في التاريخ.. امرأة تتولى منصب رئيس جهاز MI6 في بريط ...
- الاعتذار وحده لا يكفي .. ورقة رصد حول وتحليل لخطابات الاعتذا ...
- نتنياهو يتوعد إيران بسبب -قتل النساء والأطفال-
- مصر.. جريمة اغتصاب سيدة معاقة تهز البلاد
- استقبل الآن تردد قناة كراميش 2025 الجديد على النايل سات لمتا ...
- فوق السلطة: طقوس اغتصاب أطفال تهز إسرائيل ونتنياهو متهم برعا ...
- أيهما أقوى ذاكرة: النساء أم الرجال؟ ولماذا؟
- ” سجلي فورًا متترديش” خطوات التسجيل في دعم ساند للنساء 1446 ...
- دور المرأة المقدسية في إدارة الجمعيات الخيرية -حين يصبح الع ...
- ليبيا..أمر بالقبض على -أحمد الدباشي – العمو- في صبراتة بعد ت ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟