أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - عن الألم والكتابة الشخصية














المزيد.....

عن الألم والكتابة الشخصية


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5653 - 2017 / 9 / 28 - 10:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قررت الكتابة عن الكتابة، الساحرة الخلابة، دفعت فيها عمرى وسكبت دمي، دون ندم أو حزن، فقط الألم، ليس الألم المألوف، الذى يقتل وينتزع الروح من الجسد، بل الألم الأكبر، الذى يعيد الروح الى الجسد، بعد انفصالهما التاريخى قبل سبعة آلاف عام، منذ سقوط إلهة المعرفة عن عرشها، سقطت معها المعرفة، وتم استلاب الروح من الجسد, إنه الألم العظيم لكل لذة عظيمة، فما بال لذة الكتابة.

شجعنى أبى وأمى على دراسة الطب، وكنت منذ الطفولة أكره الأطباء، وأحب الفن والكتابة، لكنى أطعت أبى وأمي، ليس خوفا من العقاب، فلم يكن فى بيتنا خوف، كنت أحبهما وأحترمهما، أشعر بحبهما واحترامهما لشطحات طفولتي، بينما كنت أرى الآباء والأمهات فى البيوت الأخرى يسخرون من عقول أطفالهم، خاصة البنات, أغلب البيوت التى أدخلها، فى الزيارات لعائلة أمى بالقاهرة وضواحيها، تحتوى على غرفة هامة، لا تفتح إلا للزوار، يسمونها «الصالون»، بها مقاعد ضخمة قماشها من الحرير اللامع، مساندها عالية حوافها ذهبية، البيت مليء بالأثاث الثمين، ليس فيه مكتبة، أو رف واحد يحمل الكتب، بيوت الطبقة المتعلمة العليا لم تكن تمارس القراءة، أما بيوت عائلة أبى بالقرية، فكانت أغلبها للفلاحين الفقراء الذين لم يتعلموا القراءة أو الكتابة.

أبى وأمى نال كل منهما قسطا من التعليم والثقافة، فتحت عينى على مكتبة كبيرة فى بيتنا، تحمل رفوف الكتب بالعربية والفرنسية، ثم أضفت الكتب بالإنجليزية، بعد أن كبرت وتعددت دراساتى فى علوم الطب والأدب والفلسفة والتاريخ، وغيرها من فروع المعرفة.

قرأت الأدب والشعر العربى القديم والحديث فى مكتبة أبي، وكان يقول: لا ينفصل القديم عن الحديث، فالماضى والحاضر والمستقبل جسد واحد لا يتمزق، تعرفت على أفكار الجاحظ والمعرى والخنساء وبشار ابن برد والمتنبى وابن سينا وابن رشد والمنفلوطى والعقاد وطه حسين وغيرهم، ويقول أبي: اقرئى أكثر مما تسمعين، لا تنقلى من الكتب،اقرئى وانسى ما قرأت, لا تضيع الأشياء المهمة رغم النسيان.

الكتابة تجربة شخصية، اكتبى تجربتك، مشاعرك، أفكارك، وإن بدت لك تافهة لا تستحق الكتابة، كل تجربة تستحق الكتابة لأى عاقل أو مجنون، وقد يدرك المجنون «الحر» ما لا يدركه العاقل المسجون ، كان أبى يضحك كثيرا وهو يردد أشعار ابن نواس «الهلاس» (كما كان يسميه) أو بشار ابن برد «الهجاء»، أو عبدالحميد الديب، الشاعرالساخر، ويردد أبياته:

وهام بى البؤس حتى

... كأنى عبلة والبؤس عنتر

كان أبى يحب المرح والفكاهة، ويقول: تنبع الفكاهة من المعرفة، وتؤدى الفكاهة الى مزيد من المعرفة .

لم يحب أبى الخطب الرنانة، التى أدمنها رجال السياسة والأحزاب فى مصر، يسخر منها قائلا «أسمع ضجيجا ولا أرى طحنا» أغلب الخطب السياسية تنم عن التسلط والاستعلاء.

كان أبى يكره السلطة والحكام، لا يحب الضجة والزحام، يفضل القراءة بعينيه عن السماع بأذنيه, ويقول: الكتابة تكره علو الصوت، التفكير يحتاج الى الصمت.

كان أبى متواضعا، منخفض الصوت، لم يرتفع صوته إلا مرة واحدة، حين اتهمته أمى بالخيانة الزوجية، رأته فى منامها مع امرأة أخرى فاستيقظت غاضبة، صاح أبى «أنا مسئول عن أحلامك كمان يا زينب؟ وقالت له أمى: لا دخان من غير نار، ولا ينفصل الحلم عن الحقيقة.

كانت أمى وهى تلميذة بالليسيه، تكتب الشعر بالعربية والفرنسية، وتحلم بأن تكون كاتبة أو شاعرة أوعالمة، لكن أخرجها أبوها بالقوة من المدرسة، ليزوجها من أبي، فتوقفت تماما عن الكتابة والطموح الأدبى أو العلمي، واكتفت بولادة تسعة من الأطفال، ثم ماتت وهى فى الخامسة والأربعين من عمرها، ومات أبى بعدها بشهور قليلة.

لم تكف أمى عن الضحك والسخرية، خاصة من مؤسسة الزواج، كانت تقول عنها: مقبرة المرأة.

ومات أبى وهو واقف كما تسقط الأشجار، لم يرقد مريضا، وكان يقول: سأموت وأنا أمشى.

بعد إحالته للمعاش لبلوغه الستين، فرد ذراعيه وقال: أخيرا سأكتب بعد أن تحررت من سجن الوظيفة الحكومية، لكنه مات بعد أيام قليلة دون أن يكتب شيئا.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويظل حجاب العقل واحدا
- أين نحن من أبى وأمى
- هرقل وغريمه آنتى
- المرأة والاشتراكية
- .. وهل انعدم التساؤل أيضا ؟
- ازدراء الأديان والجماعة فى رمضان
- امرأة رقيقة قاتلة
- التفاحة المحرمة والجاذبية
- فى ذاكرتى مع لغة الأم
- لا حياد فى عالم يبطش
- وتزيد المتعة بزيادة المعرفة
- رسالة من فتاة سجينة
- رسالة الى صديق قديم
- متى يبدأ السقوط ؟
- ليست امرأة مثالية
- ما بين البحرين الأحمر والأبيض
- الدين والمرأة والسينما
- الفتاة الصغيرة أمام باب المحكمة
- أنتِ طالق يا دكتورة
- التأويل الذكورى للتاريخ المصرى


المزيد.....




- مصادر في الخليج توضح لـCNN موقفها بشأن وقف إطلاق النار بين إ ...
- الحرب الكورية التي لم تنتهِ، كيف بدأت؟
- ثماني طرق تساعدك على التخلص من -المماطلة-
- هل تستفيد غزة من نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران؟
- الموت بحثا عن الطعام في غزة.. استخدام الغذاء سلاحا في غزة جر ...
- سوريا: توقيف عدد من المتورطين بتفجير كنيسة مار إلياس بدمشق ا ...
- مسلسل موبلاند: حين تحاصر المخاطر أكبر عائلة مافيا في لندن
- عبر الخريطة التفاعلية نتعرف على أبرز الهجمات الإيرانية على إ ...
- رئيس الوزراء القطري: نؤثر دوما الدبلوماسية والحكمة على أي شي ...
- دراسة: التفاؤل يقلل من فقدان الذاكرة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - عن الألم والكتابة الشخصية