أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - الفتاة الصغيرة أمام باب المحكمة














المزيد.....

الفتاة الصغيرة أمام باب المحكمة


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5433 - 2017 / 2 / 15 - 01:59
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



كانت الفتاة الصغيرة واقفة أمام الباب جلبابها مبقع بالطين والدم تتوسل للحارس أن يدخلها أخبرها أنها لا تحمل التصريح ظلت واقفة حاملة طفلها فوق صدرها،
وانقضى وقت طويل كانت الدنيا بردا والفتاة تبكى وطفلها ينشج تتوسل للحارس وتقول إن طفلها بريء يرد الحارس بصوت غليظ أن باب المحكمة لا يفتح إلا بالتصريح أليس لك أحد يكتبه ويختمه بالنسر؟

ليس لى إلا الله يا سيدى أشار عليها أن تذهب الى باب السماء المفتوح للجميع دون تصريح سألته عن الطريق الى باب السماء زجرها واتهمها بالجهل لعدم معرفتها الطريق، ولأنها صغيرة السن ليس لها ظهر، ولا تعرف القراءة ولا طريق الذهاب والإياب، وتربع الحارس على دكته الخشبية وأكل وشرب ونام ثم استيقظ والفتاة واقفة فوق صدرها طفلها، تتوسل له من جديد اندهش الحارس من إصرارها بدأ ضميره يصحو جاءت تطلب العدل مثل الكثيرات باب المحكمة مثل باب السماء.

لابد أن يكون مفتوحا لها ولجميع الأمهات تأملها بجلبابها المهلهل ووجهها الشاحب وقدميها المشققتين تكاد تشبه المرحومة أمه أعطاها مقعده الواطئ بغير ظهر سمح لها أن تجلس عليه وهو واقف على قدميه بالليل يحركهما الى الأمام والخلف ليجرى فيهما الدم يسلى نفسه بالكلام مع نفسه ويغنى بصوت أمه كما كانت تغنى له وهو طفل، والفتاة جالسة فوق المقعد بغير ظهر وقد أسندت ظهرها الى جدار المحكمة، ونقلت الطفل من فوق صدرها الى فوق ركبتيها، وسألها الحارس عن الأب لم يكن لابنها أب فانتفض وأكد لها بصوت أغلظ أنها لا يمكنها الدخول من باب المحكمة حتى يكون لطفلها اسم رجل، وإن كان قاتلا أو لصا أو خائنا للوطن، ويمكنها الحصول على اسم أب وهمى حسب القانون بشرط أن تدفع الرسوم سألت الفتاة ما هى الرسوم؟.

قال الحارس هى أقل شيء بعد أجر المحامى والمصاريف والدمغة وضريبة الشرف وبقشيش الموظفين والفراشين سألت الفتاة أليس بالمحكمة شرف بغير مصاريف؟ قال الحارس ليس عندنا شيء بغير الفلوس.

كانت الفتاة حين تظلم الدنيا تتستر بالظلمة وترقد وراء الجدار فى حضنها طفلها وفى الصباح تعود للوقوف بالباب، والحراس يتناوبون الليل والنهار تتغير وجوههم لكن زيهم الرسمى هو الزى وصوتهم هو الصوت الغليظ قد يعطيها أحدهم المقعد بدون الظهر، لكنه يشده منها حين يرى جيبها الخاوى وابنها بغير أب حقيقى أو موهوم يزمجر بأصوات مبهمة تستحلفه بحياة أمه التى يحبها دون الخلق أن يدعها تدخل للقاضى يقول لها لا أحد يدخل بدون المحامى وملف القضية بالأوراق والشهادات والوثائق والأحراز والأختام والشهود.

ينشغل عنها الحارس بزحام الداخلين والخارجين يهرش لدغات الذباب والبعوض والبراغيث والفتاة لا تكف عن التوسل والبكاء حتى ضعف بصرها، وما عادت تعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل إلا أن الأمل كالنجم فى قلب الأم لا ينطفيء.

كانت ترى نقطة الضوء تبرق فى الظلام من وراء باب المحكمة تصورت أنه مثل باب السماء سينفتح حتما سيفتحه الرب، وينطلق الصوت من وراء الأفق يهتف بها ينادى على ابنها باسمها، وعلى كل الأبناء والبنات بأسماء الأمهات، وينفتح باب الجنة لها ، فتدخل مع ابنها دون تصريح، ويقول لها الرب الجنة تحت قدميك، وتحت أقدام كل الأمهات.

كان الوقت يمضى وهى نائمة وابنها فى حضنها يدفئها بجسده وتدفئه بجسدها، ومهما طال الليل وطال الحلم تصحو من النوم فلا ترى سندس الجنة الأخضر بل جدار المحكمة الأسود الملطخ بدماء الأمهات وبراز الأطفال، وشيء فى صدرها يهمس لا يمكن أن يكون الكون بغير عدل، ويعلم الله أن ابنها له أب معروف، وأنه قال لها أنت حبى والله يشهد ثم بعد أن أنجبت طفلهما قال لها عندى حب جديد إذهبى فأنت طالق.

وكان أنف الابن يشبه أنف أبيه فقالت الفتاة للحارس أنظر اليه أليس هو الأتف ذاته؟ ضحك الحارس حتى غامت عيناه بالدموع يا ابنتى لا تنظر المحكمة الى الأنوف بل الى الأوراق والوثائق والشهادات قالت كان الله شاهدا علينا قال وهو يمسح دموعه شهادة الله لا تدخل ملف القضية لابد من ورقة مكتوبة ومختومة بالنسر.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنتِ طالق يا دكتورة
- التأويل الذكورى للتاريخ المصرى
- الطب النفسى والإلحاد
- قضايا الحسبة والإرهاب
- قشرة الحياء الهشة .. يا أنت ؟
- الفدائيون وهدى عبد الناصر
- سقوط العرش المصنوع بالقش
- ثقب فى جدار العقل
- ضباب الرؤية وضوء الماضى
- كُحل ثقيل.. عقل خفيف.. والضحك
- الصخرة العاتية تتحدى أى دستور
- لكنهم لم يعثروا عليها أبدا
- رقة الشاعرة وحاملة الأثقال
- نكهة الشاى الأخضر بالنعناع
- تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم
- ولم تسقط طائرة لندن
- ذكريات عن تعدد الزوجات
- ذكريات مع توفيق الحكيم
- أتكون الطفلة ملحدة؟
- فاطمة الميرنيسى


المزيد.....




- مخطوفات ما بعد ميرا.. مسلسل “الهروب مع الحبيب”
- لأول مرة في التاريخ.. امرأة تتولى منصب رئيس جهاز MI6 في بريط ...
- الاعتذار وحده لا يكفي .. ورقة رصد حول وتحليل لخطابات الاعتذا ...
- نتنياهو يتوعد إيران بسبب -قتل النساء والأطفال-
- مصر.. جريمة اغتصاب سيدة معاقة تهز البلاد
- استقبل الآن تردد قناة كراميش 2025 الجديد على النايل سات لمتا ...
- فوق السلطة: طقوس اغتصاب أطفال تهز إسرائيل ونتنياهو متهم برعا ...
- أيهما أقوى ذاكرة: النساء أم الرجال؟ ولماذا؟
- ” سجلي فورًا متترديش” خطوات التسجيل في دعم ساند للنساء 1446 ...
- دور المرأة المقدسية في إدارة الجمعيات الخيرية -حين يصبح الع ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - الفتاة الصغيرة أمام باب المحكمة