أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - كُحل ثقيل.. عقل خفيف.. والضحك














المزيد.....

كُحل ثقيل.. عقل خفيف.. والضحك


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5302 - 2016 / 10 / 2 - 20:17
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



أتقدم فى العمر وتزداد المتعة بعيدا عن الضوضاء والأضواء، أكتشف لذة الوحدة مع نفسي، أرشف قهوتى على مهل، مع فطيرة ساخنة من الفرن وملعقة عسل نحل، أتذكر طفولتى كأنما الأمس، الحقول الخضراء الممدودة على شط النيل،
نوارات القطن والبرتقال والتين البرشومي، نضحك ونغنى ونبكى ثم نضحك، أتأمل الماضى فى العمق، تخترق عيناى السطح الى الجوهر، تسقط الأحجبة من فوق الأرض والسماء، وأرى ما كنت عنه عمياء، منذ الطفولة تطمس الرؤية طبقات من الغشاوات، تنقشع طبقة وراء طبقة، مع تقدم الوعى واتساع القلب والصدر، ينمو العقل فى الهواء الطلق والشمس والحرية، انتزعت حريتى من أنياب القدر والزمان والمكان، ودفعت الثمن كاملا دون نقصان.

لاينتزعنى من هدوئى شيء ، والمصعد (لحسن الحظ) لا يصعد، وجرس الباب لا يدق، انقطعت الكهرباء مع ارتفاع الأسعار وتوقفى عن الدفع، وأصبح التليفزيون والتليفون (الأرضى والسماوي) من مخلفات الماضي، والأحداث الجارية لم تعد جارية إلا بمحض الصدفة، حين أزور صديقة العمر (اسمها صديقة) أتمشى الى بيتها سيرا على الأقدام، أو بالدراجة غير البخارية، أحركها بقدمى فتحملنى أينما أريد، دون حاجة لسيارة ولا سائق ولازوج أو خلافه. العجلة اكتشاف طفولى مدهش، متعة الحركة الذاتية ونمو العضلات فى الهواء الطلق، تنبع السعادة من حركة الذات، من فكرة الاستغناء، والاعتماد على النفس، مانراه بعيوننا، ونلمسه بأيدينا، وندركه بعقولنا، ويسعدنا من قلوبنا، ويوجعنا فى اللحم والعظم، ويفجعنا فى العمق الى حد الانفجار بالضحك: الضحك اكتشاف طفولى مدهش يفتح العقل ويكشف خداع العالم شهدت فى بيت صديقتي، حواراً تليفزيونيا و أدارته، مذيعة كبيرة الاسم، صغيرة الرأس الملفوف بطبقات من الأحجبة، عيناها تغرقان فى الكحل الثقيل الأسود الأزرق، يغطى المساحة كلها فوق جفونها ورموشها وتحت حاجبيها الرفيعتين شبه المتلاشيتين، بصعوبة كبيرة ظهرت عيناها داخل ذلك المحيط الداكن الكثيف، وملامح وجهها اختفت تحت طبقات من المساحيق، البيضاء والحمراء والبرتقالية.

قالت صديقتى ضاحكة: كحلها ثقيل وعقلها خفيف، واضعة الساق فوق الساق داخل ثوبها الضيق، يكشف ركبتيها وساقيها وعنقها حتى الشق بين نهديها، ورأسها ملفوف بغطاء العفة، تحاور، الأدباء والمفكرين دون أن تقرأ لهم شيئاً.

كانت المذيعة تبربش من تحت الكحل فى ورقة أمامها، تخطيء نطق الكلمات العربية، تخلطها بكلمات فرنسية وإنجليزية، ضيفة البرنامج أديبة دمثة الأخلاق، ترد على الأسئلة المتقافزة المستفزة بهدوء، أحد الأسئلة عن أسباب التخلف الثقافي، قالت الضيفة الأديبة: الثقافة والإبداع الفكرى لايزدهران إلا فى ظل الحريات، قاطعتها المذيعة على الفور مؤكدة: الحريات، عندنا متوافرة والحمد لله.

وقالت صديقتي: لابد أن هذه المذيعة، وأمثالها من الإعلاميين، يتلقون تدريبا متقنا يؤهلهم، للتدخل الفوري، إن اشتموا رائحة النقد من قريب أو بعيد. كانت الأديبة تتكلم بأدب وتقول للمذيعة: أتفق معك يا أستاذة، لكننا نود المزيد من هذه الحريات وألا يتعرض أحد من المفكرين أو المبدعين للتهديد بالقتل أو للسجن أو للمنفي، ردت المذيعة بسرعة: ليس عندنا مفكرون أو مبدعون فى السجن يا أستاذ بل بلطجية أو الحنجوريون الذين يدعون الثورية والنضال من أجل الشعب.

واصلت الضيفة كلامها بهدوء، مؤكدة أن لا ثقافة ولا إبداع بلا حريات، وأن بالسجن مبدعين وليسوا بلطجية وذكرت بعض الأسماء وانتقضت المذيعة: هؤلاء لم يكتبوا أدبا، وسألتها الأديبة: هل قرأت لهم؟

ردت المذيعة: لا أقرأ مايخدش الحياء.

وغيرت صديقتى القناة، كان فيلم المجانين فى نعيم، لاسماعيل يس، شهدنا الجزء الأخير منه، ضحكنا، كما فى طفولتنا، مع نجيب الريحانى ضحكنا، تعودت صديقتي، قبل أن تنام كل ليلة، أن تضحك مع نفسها على نفسها، تقهقه بصوت عال على ما أضحكنا وأبكانا فى طفولتنا الى حد الضحك: أتذكرين يانوال، حين وقع عباس أفندى من فوق المنصة وهو يتمشى كالديك الرومى وعجزنا عن التوقف عن الضحك حتى طردنا من الفصل، لماذا يخاف المدرسون من الضحك، أيكون الضحك نور العقل؟



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصخرة العاتية تتحدى أى دستور
- لكنهم لم يعثروا عليها أبدا
- رقة الشاعرة وحاملة الأثقال
- نكهة الشاى الأخضر بالنعناع
- تجاربنا الشخصية جدا تغير العالم
- ولم تسقط طائرة لندن
- ذكريات عن تعدد الزوجات
- ذكريات مع توفيق الحكيم
- أتكون الطفلة ملحدة؟
- فاطمة الميرنيسى
- كتابك غير حياتى
- امرأة تكتب مصيرها بيدها
- وتظل النخبة المختارة تصفق
- لا يكفى أن تكون امرأة
- مشروع جديد لإصلاح الأخلاق
- حوار لا أنساه بين أمى وأبى
- المنسيون فى التاريخ الرسمى للثورات
- القلاع الأبوية. الرأسمالية تتهاوى
- أتكون هى أنبل النساء؟
- الجبلاوى ونجيب محفوظ والنساء


المزيد.....




- 935 شهيدًا في العدوان الصهيوأميركي على إيران بينهم 38 طفلًا ...
- دراسة أثرية: النساء حكمن أولى الحضارات البشرية
- “شغال وفعال” خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالجزائر 2 ...
- بيان حملة “عدالة سكنية للنساء” بشأن التعديلات المقترحة على ق ...
- للمرة الأولى.. الدانمارك توسّع التجنيد الإجباري ليشمل النساء ...
- بادري بالتسجيل واستفيدي بالفرصة.. خطوات التسجيل في منحة المر ...
- فرصة ذهبية لكل امرأة.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة ...
- ما قصة المرأة التي طلبت من أبنائها عدم اللعب لتوفير مصاريف ا ...
- سجلي الآن..خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجز ...
- مهاجراني.. استشهاد 72 امرأة وطفل جراء العدوان الصهيوني على ا ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - كُحل ثقيل.. عقل خفيف.. والضحك