أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - أتكون هى أنبل النساء؟














المزيد.....

أتكون هى أنبل النساء؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5036 - 2016 / 1 / 6 - 01:33
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



لا أنساها أبدا، تلوح فى نومى فأصحو مبتهجة رغم كآبة الكون، تشع البهجة من حولها، إشراقتها تشبه الشمس، متأججة مشتعلة لا تنطفئ وإن انطفأت الشمس، ضحكتها تبدد الاكتئاب واليأس، لوجودها حنان لم أعرفه فى حياتي، والرقة لم ألمسها إلا فى عينيها، وصوتها حين تنادينى كما كانت أمى تنادينى فى طفولتي، كانوا يسمونها زينب القتالة، أول مرة أرى امرأة قاتلة، رأيت فقط رجلا قتل زوجته، كان محاطا بالحراس، لم يظهر منه إلا عظمة الأنف، كشفرة الموس أو السكين، فمه مطبق على فكين عريضين داخلهما أنياب وضروس يجز عليها، كأنما يمضغ لحم زوجته، وأعلن القاضى إخلاء سبيله، رأفة به، فالخيانة هى أفدح الجرائم، القتل فى هذه الحالة ليس جريمة بل دفاع عن الشرف الذى هو أغلى من الحياة.
قالوا زينب قتلت زوجها فلم أصدق، هذه المرأة الرقيقة لا يمكن أن تقتل، وابتسمت السجانة الشاويشة كالفلاسفة وقالت: أرق الناس هى التى تقتل إنه سجن القناطر بداية الثمانينيات فى القرن الماضي، حيث أصبحت زينب القتالة صديقتي، لم أعرف امرأة أو رجلا فى مثل أمانتها وشهامتها، تفدى بحياتها فتاة صغيرة متهمة بقلب النظام وازدراء الأديان، الجميع يضطهدون الفتاة لصغر سنها وفقرها، فالحياة داخل السجن مثل خارجه. تحكمها القوة والبطش بالضعفاء، إلا النبلاء من أمثال زينب القتالة، النبلاء ليس لهم جنس ولا جنسية ولا طبقة ولا دين ولا هوية ولا حزب إلا نبل الأخلاق.
عادت زينب من الحقل الى الدار مبكرة عن موعدها المعتاد، فوجدت زوجها فى فراشها فوق بنت الجيران الصغيرة، فار الدم فى رأسها وضربته بالفأس على رأسه حكمت عليها المحكمة بالسجن المؤبد، وقلت لها: كان المفروض أن يخلى القاضى سبيلك رأفة بك كما فعل مع الرجل قاتل زوجته، الخيانة أفدح الجرائم وكنت تدافعين عن الشرف الذى هو أغلى من الحياة، أطلقت زينب القتالة ضحكتها المجلجلة وقالت: لو كان فى الدنيا عدل.
تذكرت حادثا وقع مع زوج سابق فى حياة سابقة، كان مستشارا أو قاضيا، يعتبر القانون ارفع العلوم، لا يعلو عليه شىء وإن كان علم الطب أو الفلك والنجوم، ومهما ارتفعت المرأة وأصبحت عالمة ذرية أو نووية فهى لا ترتفع عن رجل القانون، خاصة إذا كان زوجها لم أدخل حلبة التنافس تلك، أدركت أن الرجل يعانى نفسيا تفوق عقل زوجته عليه، ولم يكن للمشكلة حل إلا أن تتظاهر الزوجة بالغباء أو تطلب الطلاق وكان عقل الزوجة عصيا على الإلغاء، وبأمر الله يملك الرجل وحده الطلاق، وصاح الزوج القاضى منفوشا كالديك الرومي، لن أطلقك اذهبى للمحكمة واخترقت الكلمة رأسها كطلقة الرصاص، طوابير النسوة المكلومات بملابسهن السوداء أمام باب المحكمة، كالطوابير أمام المستشفى والمشرحة والمقبرة، ولأمها شقيقة ماتت بعد عشرين عاما فى المحاكم دون أن تحصل على الطلاق كيف تخرج من جبروت قانون مقدس لا يعرف العدل؟ للغضب غشاوة مفزعة كالعمي، انتفضت من النوم واقفة بالنافذة، تبحث عن نجمتها المولودة معها، وعين أمها الميتة تسهر الليل: أنت تشقين الضلوع بمشرطك وتستأصلين فصوص الرئة المريضة، المشرط هو الحل الوحيد للمرض المستعصي، وكان واقفا أمامها شامخا، يتشدق بقوة القانون، مشت نحوه بخطوة هادئة تشبه خطوة أبيها الميت، لا يمشى بهذا الهدوء إلا الأقوياء والموتي، كانت هادئة بكامل عقلها الواعي، واقفة أمامه بقامتها الفارعة، كان أقصر منها وأصابعه قصيرة سمينة ترتعش، أصابعها طويلة نحيلة حول المشرط ثابتة، وبحركة الفارس يمتشق سلاحه لمع النصل الحاد بلون الضوء الأبيض.
أصبحت أمامه وجها لوجه وعينا لعين، ماذا رأى فى عينيها ليتجمد فى مكانه؟ ثم بدأ يتراجع الى الوراء حتى التصق ظهره بالحائط، أصبح جزءا من الحائط. لونه بلون الحائط، شفتاه لونهما أبيض منفرجتان لا ينطق، مات، واقفا دون أن يلمسه النصل اللامع، دون أن يغلق فمه ولا عينيه، تركته واقفا فى مكانه، وأعادت المشرط بهدوء الى حقيبتها الطبية، ثم رأته يتحرك بعد قليل، خرج ولم يعد، وجاءتها الحرية كاملة (مختومة بالنسر) وهى فى بيتها معززة مكرمة، لم تذهب لأى محكمة ولم تدفع لأى محام ولا سمسار ولا مأذون.
انقضى نصف قرن منذ تلك اللحظة تصورت أن الزمن مسحها من الذاكرة والزمان، حتى التقت القتالة زينب فى السجن. لم تتخيل أنها يمكن أن تقتل، كانت هادئة وادعة كالأم الحنون، وإن غضبت كل السجينات هى لا تغضب، وإن زعق الجميع هى لا تزعق، صوتها رقيق كالنبع الصافي، ثم مرة واحدة غضبت، مرة واحدة كانت لحظة الغضب، اكفهر الكون وتلبدت السماء، عيناها كالضوء المشرق تعكرت وأصبحت بلون الطين الأسود، وكانت الشاويشة السجانة تنطق الكلمات بصوت الفلاسفة وتقول: القاتلات أنبل الناس، القتل ليس جريمة يا ضكتورة، أبشع الجرائم هى الخيانة والتجارة بالمبادئ فى السياسة.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجبلاوى ونجيب محفوظ والنساء
- حوار بعد منتصف الليل
- منذ بداية اللامساواة والخطيئة الأولى
- ساندرا الحبيسة وقدسية الجسد؟
- معارك تحرير النساء اللا نهائية
- النقاب ورجم الشيطان
- وتسعد المرأة بعقلها المبدع؟
- مؤتمر النساء فى إسبانيا
- الاستغناء والانعتاق من العبودية
- مفاهيم متطورة للأبوة والرجولة
- العبء الذى قتل أمى وأبى
- بذور الإبداع والثورة لا تموت
- وكان للأطفال كرامة العظماء
- يملك الشرف الرجال وتدفع ثمنه النساء
- أسئلة الأطفال المحرمة وتجديد الفكر الدينى
- تقتل الموت وتنتصر الكتابة
- المسكوت عنه فى السلوك؟
- وضحكت الطفلة بدموع كالبكاء
- الوجه الآخر لنيلسون مانديلا
- منذ اكتشف الرجل -الإسبرماتوزوم-


المزيد.....




- بادري بالتسجيل” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- “خدلك راتب شهري” رابط التقديم في منحة المرأة الماكثة بالبيت ...
- هيني سرور: -المرأة هي التي تدفع أكبر ثمن في الحروب..-
- نحو انتكاسة خطيرة لحقوق المرأة في تونس: تعديل مجلة الأحوال ا ...
- قبل الأوان … قتل العاملات بين تواطؤ الدولة واستغلال السوق
- “7000 دج تنتظرك!” تعرفي على تفاصيل منحة المرأة الماكثة بالجز ...
- طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت بالجزائر.. سجلي ...
- تأويلات العدالة: قراءة في مآلات التقاضي في قضايا العنف ضد ال ...
- موسيقى كناوة، عندما تكسر النساء القاعدة
- مقتل امرأة وإصابة آخرين جراء سلسلة غارات إسرائيلية على مناطق ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - أتكون هى أنبل النساء؟