أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - السنوات المسروقة من العمر














المزيد.....

السنوات المسروقة من العمر


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5829 - 2018 / 3 / 28 - 12:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جاءتنى طالبة بكلية الإعلام تعد رسالة دكتوراه عن قضية المرأة المصرية، قالت إن الأستاذ المشرف على بحثها طلب منها مقابلتى لتأخذ رأيى فى الموضوع، كانت الفتاة نسخة من إعلاميات القرن الحادى والعشرين، بمساحيق الوجه وصبغة الشعر، والخصلة النافرة تسقط فوق وجهها لتحجب نصف عين ، ثم تنتفض الى أعلى مع الشهقات لتظهر العين الكاملة ناعسة غارقة فى الكحل، صوتها يتهدج ناعما مع التنهد، مدرب على النقد اللاذع أو التملق، تتلقى الإشارات من قوى عليا خفية، تضع الساق فوق الساق أمام الضيف المنكمش المؤدب، تمشى بخطوة ثقيلة متأرجحة.

لأول وهلة، وأنا أفتح لها الباب، لمحت ذبذبة العصب تحت عينها اليسري, ساعدتنى الكتابة ودقة الملاحظة على رؤية ما يجرى تحت الجلد، وما يخفق تحت الضلوع، مما تحدثه الرهبة فى قلوب المراهقين، عند لقائهم أصحاب السلطة والمشهورين، كنت مثلها، وأنا فى العشرين من عمري، حين قابلت طه حسين لأول مرة، تصورت أنه (من تحت نظارته السوداء) يرى الذبذبة الخفية فى الصدور، نسيت أنه أعمي، وأنها حركة لا يراها المبصرون ثم تذكرت أن بصيرته أقوى من البصر، كانت محاضرته بالقاعة الكبيرة بالجامعة، جلست فى الصف الأول أمامه مباشرة، أدقق النظر لعينيه من خلال الزجاج الأسود، أريد التأكد أنه عاجز عن رؤيتي، وأنا قادرة على رؤيته، كأنما أبغى التفوق عليه فى شيء ما، لمجرد التحرر من رهبة شهرته، وكان أبى منذ طفولتي، يردد قول أبى العلاء المعري، رهين المحبسين: الشهرة لعنة والأضواء تحرق العين.

اندهشت الفتاة وهى تكتشف أننى لا أنتمى للأثرياء من القوم، رمقت الأرض البلاط بطرف أنفها، وحذائى القديم بكعبه المربع، وثوبى المصنوع من الجبردين، بشرتى شاحبة دون ألوان، كالمرضى بالأنيميا أو فقر الدم، لم تعد الفتاة تشعر بالوجل أو الرهبة، بدأت تسترخى فى مقعدها، وانطلق صوتها مرتفعا حادا بعد أن كان ناعما مؤدبا.

نصحنى الأستاذ المشرف أن أقابلك.

هل قرأت شيئا من كتبي؟ نعم

أى كتاب قرأت؟ كتاب... كتاب ..(تلعثمت) المرأة والج..ن..

لم أكتب كتابا بعنوان المرأة والجن

أقصد المرأة والجنس يا دكتورة

قرأت هذا الكتاب فعلا؟

قرأت فقرات منه وما سؤالك؟

هل للمرأة قضية يا دكتورة وعندنا وزيرات وسفيرات وعميدات بالجامعات ورئيسات مؤسسات كبري؟

لم تقرأ الطالبة شيئا عن قضية المرأة فى التاريخ القديم أو الحديث، أو فى الفلسفة والدين واللغة، أو البيولوجيا والطب، أو علم النفس والاجتماع وعلم الإنسان (الأنثروبولجيا) أو السياسة والاقتصاد، وغيرها من العلوم المقررة فى دراسات المرأة بجامعات العالم، كان أستاذها قد اختار لها موضوع المرأة، لأنه سهل فى نظره، هين، هوان النساء، ويمكنها الحصول على الدكتوراه دون عناء .

كانت الفتاة حاصلة على الليسانس والماجستير فى التاريخ، لكنها لم تعرف شيئا عن نضال الشعوب، شرقا وغربا، النساء والعبيد والأجراء، للتحرر من قوانين الرق والعبودية، كانت تريد أن تحصل بسهولة وسرعة على لقب دكتورة، وتصبح معيدة بالكلية ثم أستاذة بالجامعة ثم العميدة أو السفيرة. أشفقت عليها وعلى أمثالها، الذين يحصلون على الشهادات العليا دون أن يكتسبوا من المعارف إلا القليل السطحى المظهري. تذكرت نفسى حين تخرجت فى كلية الطب لا أعرف شيئا عن الصحة بأبعادها المختلفة، أو الأمراض المزمنة فى بلادنا، لم أعرف كيف أعطى حقنة فى العضل أو فى الوريد، تم حشو دماغى بمعلومات نظرية متفرقة تبخرت بعد الامتحان ، وجدتنى أواجه الحياة الحقيقية بلا أسلحة بلا معرفة، أدركت أن الخمس والعشرين سنة الأولى من عمرى ضاعت هباء فى سجن المدارس والجامعات، والربع الثانى من عمرى سرق منى فى سجن الزواج والأسرة، والربع الثالث راح فى سجن النضال لاسترداد نفسى الحقيقية، وفى الربع الأخير، ما زلت أناضل للتعبير عن هذه النفس بالكتابة، رغم العقبات والانتكاسات، وما يحذفه مقص الرقيب الخارجى والداخلي.

وقضيت سنوات المنفى خارج الوطن، أقوم بتدريس قضية المرأة والإبداع فى جامعات العالم، وعدت إلى مصر منذ تسعة أعوام، أحاول إنشاء مركز الإبداع، أو قسم علوم المرأة بإحدى الجامعات، دون جدوي.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكبوت تحت الضلوع يخرج للشارع
- ما لا ُيكتب لا يوجد أبدا
- المعارضون للصهيونية بالبرلمان الإسرائيلى
- بعد ازدراء الأديان .. ماذا نشهد من ظواهر؟
- أى أنواع الموت يختار؟
- حتى يا جوافة؟
- هزائم متكررة لم تكسر القوقعة
- القارئات والقراء والإرهاب
- كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟
- الخوف من طرح الأسئلة المحرمة!
- تعريف جديد للأدب والكتابة
- عن الألم والكتابة الشخصية
- ويظل حجاب العقل واحدا
- أين نحن من أبى وأمى
- هرقل وغريمه آنتى
- المرأة والاشتراكية
- .. وهل انعدم التساؤل أيضا ؟
- ازدراء الأديان والجماعة فى رمضان
- امرأة رقيقة قاتلة
- التفاحة المحرمة والجاذبية


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - السنوات المسروقة من العمر