أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - أى أنواع الموت يختار؟














المزيد.....

أى أنواع الموت يختار؟


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 5775 - 2018 / 2 / 2 - 10:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أغلقت مفكرتى وأطفأت النور، السرير دافئ عطره خفيف، يخفف من التهاب الأسعار وتوحش العالم، أدفن رأسى تحت اللحاف وأكاد أختنق، ثم تحلو الحياة فجأة، فأفتح شقا رفيعا فى الغطاء، تدخل منه نقطة ضوء وقطرة هواء ، ما زلت أتنفس وقلبى ينبض، تغمرنى سعادة طفولية، لم يصبنى توحش العالم إلا بنوع واحد من الموت، يسمونه الموت الدماغى ويظل جذع المخ فى مؤخرة رأسى صاحيا، يسيطر على عملية التنفس وضغط الدم، من وراء الزجاج يتخفى القمر فى المحاق، شبح واقف يشبه أمى الميتة منذ ستين عاما، الضوء يسقط على ثديها الأيسر المفقود، الجرح غائر فى صدرها لايزال مفتوحا ينزف، شعرها مرسل على كتفيها، بشرتها بيضاء بلا قطرة دم، أنفها خط مستقيم مرفوع يشق وجهها نصفان، عيناها تلمعان بشدة، تنحدر منهما خيوط رفيعة، تلطخ خديها البازرين بلون أحمر، ليس «أحمر الخدود» الذى تغطى به النساء أحزانهن، سمعتها تناديني: إصحى يا نوال.

هل كنت نائمة أو ميتة؟ هل هو شبح أمى أو هى أمى الحقيقية ؟ لم أكن متأكدة، فالحلم يذوب فى الحقيقة، والواقع فى الخيال، لم تكن أمى نحيفة أو طويلة بهذا الشكل، كانت متوسطة الطول، تبدو قصيرة الى جوار أبي، فى الضوء الرمادى أصبح لونها شبحيا، سمعتها تقول: أخوك مات، كلمة مات ترن فى رأسى الأجوف، يعجز عقلى عن إدراكها، فهل الموت فراغ فى العقل؟

نهضت وارتديت معطفى الأبيض، فأنا طبيبة بالمستشفى ، الحزن لم أشعر به ، فهل الحزن كالموت فراغ فى العقل؟ لذة الحياة فقط تمشى فى جسدى وعضلات الساقين وأنا أمشى نحوه بخطوتى القوية، كان ممدودا فوق المنضدة بثلاجة المشرحة، تطل قدماه الشاحبتان من تحت الملاءة القذرة، المستشفى حكومى وملاءاته غير نظيفة بالطبيعة.

الموت يعرفه البشر بالفطرة والطبيعة، الموت يحدث للأحياء فقط، الحياة هى شرط الموت، يدرك الإنسان موت الآخرين ولا يدرك موته، يعجز المخ عن الوعى بذاته، العين لا ترى نفسها، والعقل لا يعقل نفسه، لا بد من عين الآخرين لترانا، ولا بد من عقل الآخرين لإدراك وجودنا، حين نموت تنتهى حواسنا فلا نشعر بموتنا، مع ذلك يظل الخوف من الموت أكبر خوف فى حياتنا، نحن نموت قبل أن نموت بالفعل فلماذا نعيش أسرى الخوف من الموت؟ أهى نظم التربية والتعليم (منذ النظام العبودي) تزرع الخوف فى خلايا المخ البشري؟ لنتصور إنسانا لا يخاف الموت، ألا يكون الخطر الأكبر لأى نظام يسلبه حقوقه؟ ألهذا يتم اعتقال وقتل العقول المفكرة الحرة فى أى بلد بالعالم؟

فى مشرحة كلية الطب أمسكت فى يدى مخ الإنسان، قطعة لحم، تنزلق من بين أصابعي، أكبر أجزائها هو «المخ» 85 % من وزن الدماغ، يختص بالوظائف العليا العقلية والحسية ، كالذكاء والذاكرة والإبداع والحب والكره، يقوم «المخيخ» بالتنسيق وحفظ توازن الجسم، أما جذع المخ فهو يربط نصفى المخ بالحبل الشوكي، ويعمل على الاستيقاظ والتنفس وضغط الدم ونبض القلب، فى حالة الموت الدماغي، يتوقف النشاط الكهرومغناطيسى بالمخ، يظهر رسم المخ البيانى خطا مستقيما، لكن المخ قد يموت ويبقى جذع المخ حيا، يسمونها «الحالة النباتية» تستمر لحظات أو سنوات، يظل الجسم يتنفس والقلب يدق، لكن الإنسان يكون فاقدا وظائفه الإنسانية العقلية والحسية.

منذ منتصف القرن الماضى بدأت الحاجة إلى تعريف الموت الحقيقي، ليتم نزع الأجهزة الطبية عن المريض (كجهاز التنفس) والتبرع بأعضائه، كان طب زراعة الأعضاء قد أصبح من أكثر العلوم الطبية نجاحا، وإنقاذا لأرواح كثيرة يائسة وبائسة، لكنه أصبح من أكبر عمليات القتل والسرقة والتجارة بالأعضاء البشرية فى سوق الرأسمالية المتوحشة، كالتجارة بالأسلحة والمخدرات والجنس والتجسس ومساحيق الزينة. قرأنا بالصحف هذا الخبر منذ أيام: كشف رئيس الادارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص الطبية بوزارة الصحة أن اللجنة المختصة بتحديد تعريف موت جذع المخ ستعرض تقريرها فى اجتماع اللجنة العليا لزراعة الاعضاء البشرية يوم 28 يناير الجاري، وستحدد فيه معايير إقرار اللجنة الثلاثية المختصة بالموافقة على قرارات زراعة الأعضاء وموت المريض إكلينيكيا. انتهى الخبر، ولم تسأل وزارة الصحة الشعب المصرى أى أنواع الموت يختار بعد التهاب الأسعار؟



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى يا جوافة؟
- هزائم متكررة لم تكسر القوقعة
- القارئات والقراء والإرهاب
- كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟
- الخوف من طرح الأسئلة المحرمة!
- تعريف جديد للأدب والكتابة
- عن الألم والكتابة الشخصية
- ويظل حجاب العقل واحدا
- أين نحن من أبى وأمى
- هرقل وغريمه آنتى
- المرأة والاشتراكية
- .. وهل انعدم التساؤل أيضا ؟
- ازدراء الأديان والجماعة فى رمضان
- امرأة رقيقة قاتلة
- التفاحة المحرمة والجاذبية
- فى ذاكرتى مع لغة الأم
- لا حياد فى عالم يبطش
- وتزيد المتعة بزيادة المعرفة
- رسالة من فتاة سجينة
- رسالة الى صديق قديم


المزيد.....




- من جهادي سابق مطلوب إلى ضيف بالبيت الأبيض.. شاهد تحول أحمد ا ...
- -مفترس في المنزل-: أمهات يقلن إن روبوتات الدردشة شجعت أبناءه ...
- صربيا.. اتهام الرئيس بالتأثير على عمل القضاء
- انتشار الاحتيال الإلكتروني في مناطق سيطرة حركة -إم 23- في ال ...
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعا ينهي أطول إغلاق حكومي في تار ...
- ماسي مهندس الميكانيك المتمرد يتحدى -أيباك- والجمهوريين
- عاجل| مراسل الجزيرة: مجلس الشيوخ الأميركي يقر تشريعا لإنهاء ...
- أمريكا.. مجلس الشيوخ يوافق على مشروع قانون لـ-إنهاء أطول إغل ...
- الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالاي يتفوق على كبار الروائيين ...
- وفد أمريكي يحض لبنان على تجفيف مصادر تمويل حزب الله من إيران ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - أى أنواع الموت يختار؟