أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - أحاسيس دنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر














المزيد.....

أحاسيس دنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6413 - 2019 / 11 / 19 - 08:55
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



فى العاشرة من عمرها أدركها الحيض، أراد أبوها أن تبقى بالبيت وترتدى النقاب مثل أمها. نبوية الخادمة طفلة من عمرها، تقف أمام الحوض تغسل الصحون، المطبخ ضيق مظلم، ارتطم كتفها بظهر نبوية وهى تفتح باب الثلاجة، لأول مرة تكتشف أن لنبوية ردفين، جاءت من القرية بجسم ناحل جاف كعود الذرة، لا تعرف ظهرها من بطنها، لولا اسمها نبوية لظنت أنها ولد.


تدور برأسها أمام المرآة وظهرها عارٍ عن آخره، اصطدمت عيناها بعينى أبيها فارتجفت، صورته معلقة على الجدار فى غرفتها، كأنما هما عيناه الحقيقيتان، نظرته الحادة النفاذة كعينى الصقر، السواد كبير بلون الليل، والبياض أكبر، تشوبه حُمرة الغضب، يرتجف جسمها، تشد الجلباب تغطى ظهرها، عيناها ثابتتان فى عينيه رغم الخوف، تعرف أنها مجرد صورته، تستطيع أن تحملق فى عينيه دون أن يراها، فى كل حياتها، لم تستطع أبدا أن ترى عينيه بدقة.

عيناها مشدودتان إلى عينيه فى الصورة، تريد أن تنظر إليه دون أن تطرق إلى الأرض، أن تثبت عينيها فى عينيه، أن تراهما بدقة وتعرفهما وتألفهما، دون جدوى. تقرب عينيها من الصورة، أنفها يلامس السطح المقوى من الورق، أنفاسها تنفث رذاذًا شفافًا فوق أنف أبيها، غضروفه ضخم مقوس، تهتز فوقه بعض خيوط عنكبوت، رقيقة شفافة لا ترى، رأسه مربع أصلع.

تلتف أصابعه الكبيرة حول يدها الصغيرة، يخفق قلبها بالخوف والحب، تتلاحق أنفاسها وتميل برأسها لتلثم يده، تلامس شفتاها بشرته الباردة المشعرة، تنفذ إلى أنفها رائحته المميزة وعرق خفيف له نكهة أرض مروية بالطمى، رائحته تسبقه قبل أن يأتى وتبقى معها بعد أن يذهب.

تستلقى على سريرها الصغير على ظهرها شاخصة للسقف، ردفاها الصغيران المكوران، تحسهما لأول مرة فى حياتها، كأنما نبتا هذه اللحظة بقوة شيطانية، تسرى فى جسدها قشعريرة، رعدة مفاجئة تشوبها لذة آثمة، تتحسس ظهرها بأصابع مرتجفة، كتلتان من اللحم تنحشران بينها وبين السرير، تنقلب على وجهها ليزول إحساسها بهما، يرتفعان فى الهواء ضاغطين بثقلهما على بطنها، تنقلب على جنبها اليمين ثم اليسار، يحتكان بالسرير مع كل شهيق وزفير، تتوقف عن التنفس، لكن أنفاسها ما تلبث أن تتلاحق بقوة، يهتز جسمها ومعه السرير.

هدأت أنفاسها وعاد السكون، تذكرت، آآآه لم تتوضأ قبل أن تنام، تنفست براحة عميقة، هذه الأحاسيس الدنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر.

سارت على أطراف أصابعها إلى الحمام، وقفت أمام الحوض تتوضأ، تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فجأة تسرب إلى أذنيها همس غريب، هسيس خافت ينبعث من وراء باب المطبخ.

اخترقت عيناها الثقب إلى داخل المطبخ، الكنبة التى تنام عليها نبوية الخادمة خالية، أين راحت؟. فوق البلاط كتلة تتحرك، دققت فيها النظر، كتلة عارية من اللحم تتدحرج على الأرض، لها رأسان، تعرفت على رأس نبوية بضفائرها الطويلة، والآخر، منْ هو؟. دققت النظر، تعرفت على رأس أبيها المربع الأصلع وأنفه المقوّس الكبير.

كان يمكن أن تسقط مغشيًا عليها، لولا أنها التصقت بثقب الباب، أصبحت جزءًا من الثقب، والكتلة الكبيرة العارية تتدحرج أمام عينيها، يصبح رأس نبوية على البلاط، يرتطم بصفيحة الزبالة، ويرتفع رأس أبيها إلى فوق ويخبط فى قاع الحوض، ثم سرعان ما يتبادلان المواقع، فيرتطم رأس نبوية بقاع الحوض ويهبط رأس أبيها إلى حيث صفيحة الزبالة، ثم ما لبث أن اختفى الرأسان تحت رف الحلل، ولم تبق إلا أربع أقدام، بأصابعها العشرين، تنتفض فى ارتعاشات سريعة، تشابكت والتحمت بعضها بالبعض بشكل عجيب، كحيوان مائى متعدد الأذرع أو أخطبوط.

لم تعرف كيف انفصل جسمها عن الثقب، كيف عادت إلى غرفتها تتحسس رأسها فى المرآة، تريد التأكد، حقيقة أو خيال؟ جسدها ينتفض ويدور حول نفسه فى اهتزازات عنيفة، وبينما هى تدور اصطدمت عيناها بردفيها يدوران معها، امتدت ذراعها تكشف الجلباب عن ظهرها ليتعرى بالكامل، ترمق عينى أبيها فوق الجدار دون وجل، لا تكف عيناها عن النظر إلى عينيه دون أن تتغطى، دون أن تطرق بعينيها إلى الأرض، أنفه الكبير أصبح قوسًا حادًا يشطر وجهه نصفين، خيط العنكبوت يلتصق بقمة الغضروف، وهى تقترب منه أكثر وأكثر، أنفاسها تتلاحق مع رذاذ لعابها، تنفخ خيوط العنكبوت عن أنفه، لكن كلما تنفخها تلتصق أكثر وأكثر، امتدت أصابعها المدببة بأظافرها الطويلة الحادة، تنزع الخيوط الشفافة الرقيقة، انتزعتها كلها كلها، وانتزعت معها الورق المقوّى.

ذابت الصورة فى لعابها ودموعها ومخاطها، وراحت تتساقط من بين أصابعها إلى الأرض فتافيت صغيرة.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتب الكبير والكاتب الحر
- كيف تتحقق ديمقراطية المجتمع فى ظل ديكتاتورية الأسرة؟
- قانون واحد للأسرة المصرية
- أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا
- من يكون الهومو ديوس؟
- مع صديقة العمر فى هدوء الليل
- حينما تتلاشى المسافة بين «البيت الأبيض» وغرفة نومى فى شبرا
- حين تكون القراءة النقدية إبداعًا
- فتاة الليل تقتحم عالم الكتابة
- أنوثة الفلاحة في الحقل.. وأنوثة الطبيبة في المدينة
- الكاتبة ورئيسة الحكومة
- حملة شعبية ضد التجارة بالطب
- وتبقى البؤرة الفاسدة المتوارثة دون مساس
- مأساة المفكرة المبدعة في عالم ديني ذكوري
- شهادة الزوج الثاني في المحكمة
- نوال السعداويأمر الله والانفجار السكاني
- الصراع الدامي التاريخي بين الآلهة والبشر
- مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر
- أنت مختلفة.. أنت مختلف موسيقى أو نشاز؟
- ثمن العبودية أفدح من ثمن الحرية


المزيد.....




- تقارير تكشف عن تفاصيل جديدة في قضية عصابة -التيك توك- المتهم ...
- لبنان: ارتفاع جرائم قتل النساء بـ300 % عام 2023!
- وانتم، لقيتوا متعتكم ازاي؟ اعملوا subscribe عشان تشوفوا الفي ...
- “ابسط العيال طول الاجازة!!”.. استقبل تردد قنوات الاطفال الجد ...
- “سجل عبر spf.gov.om”.. خطوات التسجيل في منحة منفعة الأسرة 20 ...
- السودان.. قوات الدعم السريع ترتكب جرائم تطهير عرقي في دارفور ...
- جامعة أريزونا تطرد أستاذا اعتدى على امرأة محجبة مؤيدة لفلسطي ...
- فيديو مروّع لاغتصاب ملثم امرأة وخنقها بين السيارات في أحد شو ...
- عداد جرائم قتل النساء والفتيات ما بين 26 نيسان و10 آيار
- ابسط يا عريس!! بنقدملك أسهل طريقة للحصول على قرض الزواج من ب ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - أحاسيس دنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر