أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6694 - 2020 / 10 / 4 - 14:39
المحور: الادب والفن
    


( شهيد ) … وهذا هو اسمه الحقيقي !
شاب موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … !
قديما وفي العهد الملكي في العراق كانت السينما هي المتنفس ، ومكان الترفيه الوحيد عند المقتدرين من الناس ، وليس كل الناس … فقد كانت ترفا لا يتوفر الا للميسورين منهم … فسعر التذكرة مثلا كان يكفي لمعيشة عائلة فقيرة من ثلاثة افراد ليوم ، او ربما اكثر !
نعود الى صاحبنا ( شهيد ) وموهبته … !
شاب في العشرينات متوسط القامة هزيل البنية مقوس الظهر … عميق السمرة … كسمرة المغيب ، وشعره مفلفل … يعمل في مجال المجاري … تنظيف البلاليع ، وتسليكها للاهالي باجر زهيد جدا لا يتناسب مع جهد وحقارة المهنة اللاادمية ، ولكن هكذا كان الحال ، وهكذا كانت الحياة تسير بنا كبطة عرجاء في ذلك الزمان !
وهو عمل على اية حال يوفر له ، ولاهله ما يسد رمقهم ، والبقية من راتبه تتكفل بنثريات حياته ، واهمها اقتطاع مبلغ تذكرة السينما ، وهو اقصى ما يطمح ويتمنى … بان يشاهد فلما عن الغرب الامريكي كلما تسمح له الظروف بذلك ليتفاخر امام الكل بانه قد شاهد العديد من هذه الافلام ، وله فيها رصيد ضخم ، وهي المتعة الوحيدة المتاحة في ذلك الزمان … محسود من يتمتع بها … !
اما نحن الصبية فلم يكن يتسنى لنا الذهاب الى السينما اما لعسر الحال المزمن ، او لارتباطنا بالمدرسة ، ودوامها وواجباتها الثقيلة والكثيرة ، والتي تحرم علينا هكذا تسلية … اما ( شهيد ) الغير متعلم ، ولم يذهب في حياته الى المدرسة فكان قادرا على الذهاب الى السينما في اي وقت يشاء ، وبما تسمح به ظروفه المادية كأن يكون مرة او مرتين في الاسبوع ! وكان لا يشاهد فلم ليس فيه اقل من ثلاث او اربع معارك كبيرة غير الشجارات الفردية في البارات وصالونات القمار … بين الولد ( بطل الفلم ) وبين اعدائه من الاشرار ، وقطاع الطرق من الگانگز اي رجال العصابات لانه يعتقد - وهو الخبير في هذا المجال - انه كلما زاد عدد المعارك كلما زاد استحسان ، وقبول الناس لهذا الفلم ، وخاصة المعارك بالايدي او بالزجاجات الفارغة … !
لذلك فهو يحرص على سؤال من سبقوه بمشاهدة الفلم ، ويسألهم عن عدد المعارك ، ويتوقف دخوله الى الفلم على جوابهم … لانه ، وببساطة لا يمتلك ترف المجازفة اذا كان الفلم بايخ ، وليس فيه من المعارك ما يكفي لاشباع رغبة ( شهيد ) وتصنيفه بالفلم الجيد او الممتاز … !
يقف ( شهيد ) عصر كل يوم تقريبا في بداية الشارع الرئيسي العريض والوحيد في الحي ، وفي مكان محدد اعتدنا ان نراه فيه ، وكأنه كان يتعمد ذلك … حالما بأن هذا هو مكان السينما الثابت التي يمتلكها ، ويجود بها علينا لنستمتع باحداث فلم كامل من الغلاف الى الغلاف ، وبالتفصيل الضروري ، والدقيق … مع الموسيقى التصويرية الخارجة من فمه … مجانا ، تاركا لخيالنا الطفولي الخصب ان يرسم المشهد ، ويتم المهمة ، وتكتمل المتعة البريئة … !
وعلى الرغم من انه كان يحمل بين جنبيه قلباً طيبا رقيقا … الا انه اذا جاء احدنا متاخرا ، وطلب منه ان يعيد سرد ما فاته من الفلم … كان يرفض ، ويطرد صاحب الطلب هذا شر طردة ، ويهدده بانه سيحرمه من الحظور … فهو يريد الانضباط ، والالتزام بالمواعيد كما في السينما الحقيقية فلا مجال اذن للتساهل في مثل هذا الامر … !
نتحلق حوله على شكل نصف دائرة ، ونحن جلوس على الارض المفروشة والمعفرة بالتراب ، اما هو فينتصب واقفا امامنا كطود شامخ معززا بثقة متناهية بالنفس ، ويبدء بسرد احداث اخر فلم شاهده في سينما الرشيد ، او الوطن ، او سينما نادي بورت كلاب ، واحيانا من خزينه الذي لا ينضب … يغرف من ذاكرة حديدية لا تغفل حتى عن ابسط التفاصيل ، ولا يبدء السرد الا بعد ان يهدأ الجميع ويشدوا انتباههم ، واهتمامهم لحركاته وطفراته وانفعالاته ، وكأنه قرد في سيرك … فبدونها لا يكتمل المشهد ولا تحلو السهرة !
الشاب موهوب بالفعل … !
عندما يمر على ذهني احيانا ذلك الماضي البعيد ، واتذكره ، واستعرض المرات القليلة التي شاهدته فيها ، وهو يسرد لنا فلما من افلام الويسترن ( الكاوبوي ) لاودي مرفي او سكوت برادلي او الن لاد او كاري كوبر ، وغيرهم من نجوم الصف الاول في هوليوود في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي احن من بعيد الى تلك الايام على بساطتها ، وقسوتها وبؤسها ، اليس هذا امرا غريبا … ؟!
يبدء السرد مع الموسيقى التي يخرجها من فمه الذي يرغو ويزبد من فرط الحماس ، والانفعال المصطنع ، وتقمص المشهد وجلاله ، وكأنه سلطان من الجن … ثم يطلق ضحكات ملعلعة مقلدا احد الاشرار … وكان يقلد ايضا الموسيقى التصويرية بالضبط خصوصا اللحظات الحرجة التي يمر بها بطل الفلم اثناء انقاذه البطلة من أسر الاشرار … اعداء الولد ، وهو تعبير على ما اصطلحنا عليه ببطل الفلم .
فهو يجيد بالاضافة الى دقة سرد المشاهد … يجيد ايضا تقليد اصوات حوافر الخيول ، وهي تغير على الاعداء من قطاع الطرق واللصوص ، واصوات المسدسات والبنادق ، وغيرها من الاصوات التي تعلن مجئ البطل المفاجئ من العدم لانقاذ البطلة ، ويشرح بالعربي والانكليزي ، ويجيد بشكل خاص السباب والشتائم اكثر من غيرها في حوار الفلم … وكان يحرك فينا بواعث التفكير والتأمل والحلم ، وطبعا لم نكن نعرف هل ما يقوله انكليزي فعلا ، ام مجرد تصفيط كلام ، واصوات لا اكثر … لا ندري ! ولم نكن نهتم ما دمنا نستمتع باحداث الفلم ، وكأننا نعيش فعلا وقائعه … او كأننا جالسون في احد الالواج في السينما … !
المهم
كان الشاب موهوبا بالفعل في هذا المجال ، ولو كان في امريكا مثلا لاصبح ممثلا بمستوى كاري كوبر او راندلف سكوت الممثل العجوز البارد التمثيل وضعيف البنية الذي لم يكن ينال الكثير من الاعجاب بيننا …حتى شهيد نفسه لا يفضله كثيرا فيقول عنه بانه لا يتعارك مع الاشرار كثيرا … عجوز وحركته ثقيلة ، وجبان !
واذا ضايقه واحد منا يتوقف عن السرد ، ولا يستأنف الرواية الا بعد ان نتوسل ونتوسل ، ونضرب من زعّلَه او ضايقه من زملائنا حتى يعود ، وتعود الامور الى مجاريها … انها عجائب وغرائب لا يعيش معها الملل … اليس كذلك !
واستمر الحال هكذا بين مد وجزر ، حتى بدء تواجد ( شهيد ) يقل يوما بعد اخر ، واصبحت رؤيتنا له نادرة … اخذ يختفي من المشهد فترات طويلة ، ولم نكن نعرف السبب ، وفي الحقيقة لم يكن يهمنا الامر كثيرا لانه ليس سوى تسلية … !
ثم انقطع تماما … واختفى ، وكأنه رائحة وتلاشت في الكون !! ولم يشعر بخسارته سوى البعض من مستمعيه من محبي ومدمني السينما من صبية الحي ، ولكن اكثر الناس تضررا كانوا اصحاب البلاليع ، والمجاري التي كانت بحاجة الى تسليك فهو الوحيد القادر بخبرته ، وشطارته ان يعالج مثل هذه الانسدادات .
واختفى ( شهيد ) كما يختفي الشهاب في تيه الفضاء دون اثر … !
كثرت الاقاويل عن سر اختفائه … البعض يقول بانه قد يكون ذهب الى الكويت للعمل هناك ، والبعض الاخر يقولون انه سافر الى مكان بعيد قد يكون امريكا ، والاكثرية يقولون بانه كان معتل الصحة على الرغم من شبابه بسبب عمله الشاق والغير صحي ، والذي التهم من عمره الكثير ، وقد يكون مات … اين مات ، وكيف مات … الله اعلم !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصيدة جاهزة تنتظر فأرا … !!
- هل للسعادة من باب … ؟! ( قصة قصيرة )
- سعيد ، ولكن … ! ( قصة قصيرة )
- ابن زنا … ! ( قصة قصيرة )
- ما موقف الاخوان في حال وقوع صدام بين مصر وتركيا ؟!
- ماذا بعد الضم ان حصل … ؟!
- الاخوان … والنفخ في صورة مرسي !
- هل العقوبات الاقتصادية تُسقط نظاما … ؟!
- هل ( صدق الله العظيم ) بدعة … من صنع بشر ؟
- الاسلاميون … والمتاجرة بكورونا !
- هل يستطيع الاردن مواجهة اسرائيل عسكريا ؟!
- الاخوان … اعداء الاوطان !
- امريكا : الجوهرة … المدفونة في العفن !
- امريكا … نار تحت الرماد !
- الاخوان عصا في الدولاب … الغنوشي نموذج !
- القضية الفلسطينية … وقبلة الحياة !
- يكاد المريب ان يقول خذوني … !
- الأخوان … وأطروحاتهم الجديدة للوصول إلى الحكم !
- هل كورونا آخر المطاف … ؟!
- كورونا … درس باهض الثمن !


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - موهوب ، ولكن بطريقته الخاصة … ! ( قصة قصيرة )