أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 4














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6674 - 2020 / 9 / 11 - 19:47
المحور: الادب والفن
    


تجلّي مشهدُ دمشق لعينيّ بيروزا، كان أقل مدعاة للدهشة، ولا غرو، بالنظر لعمرها الغض غير المتجاوز السبع سنين. بل لقد توهّمت أنّ سيارةَ زوج أمها عادت بهم إلى ماردين، وذلك حينَ برزَ عن بُعد الحي الكرديّ، المغطيةُ منازله الجزءَ الجنوبيّ من سفح جبل قاسيون. مع مرور نظرها من ثم على جانبيّ درب الجادة الرئيسة للحي، لم تعُد ترى أثراً لصورة الشام الشريف، التي أشبهت بالفردوس السماويّ على لسان الكبار بالسن ممن حظوا بالحلول في المدينة خلال رحلة الحج. والدتها أيضاً، رسمت لها صورة مماثلة عن مسقط رأسها هذا، وطالما منّت النفسَ بالاجتماع معاً في ربوعه. دار زوج الأم، وكان قد لاحَ رثاً وكئيباً كغيره من دور الحارة، سرعانَ ما ظهرَ خلفَ الجدران الخارجية برونقٍ جميل نابض بالحياة. حديقة الدار، وكانت الزهور طافية فيها كجزُر ملونة فوق السطح الأخضر للبحر، استقبلت الساكنة الجديدة بعبيرٍ مُسْكر.
خاطبتها الأم، وكانت عندئذٍ تشعر أنها أسعد الناس: " أنتِ الطفلُ الوحيد في الدار، وستحظين بالدلال من الجميع ". لم تفهم بيروزا مغزى هذه الجملة، لحين أن بدأت أبوابُ حجرات النوم تفتح. خرجت أولاً امرأةٌ رائعة الحُسن، متثاقلة الخطو بسبب حمل بطنها. رحّبت بالقادمين، معبّرةً عن فرحتها باسترجاع طفلة ريما. وهيَ ذي ضرّة أخرى، بملامح كامدة، تطل من باب حجرتها وقد تعلّقت بثوبها طفلة بعُمر سنتين تقريباً. رداً على نظرات ابنتها الحائرة، قالت ريما: " هذه حُسْنو، طفلة خالتك حواء، وستعدّينها بمثابة أختك الصغيرة ". الابنة، كانت تعيش مع والدها في زقاق آخر، لكنه كان يسمح لطليقته بأخذها من حين لآخر. المرأة الأخيرة، التي ظهرت بعد دقائق قدّام باب حجرة نومها، كانت ثقيلة الحركة لداعي السمنة أكثر منها الشيخوخة: إنها السيدة شملكان، حماة نساء الدار الثلاثة، وقد بدت هيئتها أليفة لعينيّ بيروزا كون هذه متمسّكة بملابس موطن الأسلاف. من ناحيتها ومنذئذ، ستتعامل سيدةُ الدار مع ابنة ريما كما لو أنها حفيدتها حقاً.

***
دأبت ريما على محض بغضها لسيرة موطن الأسلاف، الذي عانت فيه ما عانته لجهة فقدانها أسرتها ورجلها الأول وحرمانها من طفلتها. لذلك كانت هذه السيرة محظورة تقريباً في المنزل، وخصوصاً بحضور بيروزا. هذه الأخيرة، مع مرور الأيام والأعوام، أضحت ذاكرتها على شيء من الارتباك فيما يتعلق بطريقة انتزاعها من بين أيدي أخوتها لأبيها. فترسخ في ذهنها المحاولة الأولى للأم في استعادتها، فيما غابت تقريباً المحاولة الثانية. في زمن لاحق، أمام الأولاد ومن ثم الأحفاد، كانت بيروزا تؤكّد أنه خالها آكو مَن اختطفها من ماردين وأتى بها إلى دمشق مع والدتها. لعله عقلها الباطن، جعلها تؤمن بهذا الوهم وذلك على خلفية مواقف معينة في طفولتها: السيّد صالح، مثلما ذكرنا أكثر من مرة، عامل بيروزا الصغيرة كأنها من صلبه وكان شغوفاً بها للغاية. لكن الصغيرة أخذت تشعر بأنها لم تعُد الطفلة الأثيرة، حينَ راحت نساءُ الرجل ينجبنَ له أطفالاً.
بيدَ أنّ دخول بيروزا إلى منزل زوج الأم، ما كان حدثاً سعيداً لشقيقته سلطانة على الأقل. لقد كررت مسلكاً قديماً، اتخذته مع ابنة حواء من الزوج الأول. إذ كانت تعاتب شقيقها لأنه يُعامل الصغيرة كما لو كانت ابنته. وهيَ ذي تُظهر امتعاضها علناً، لدى أول زيارة للمنزل، لما عاينت مبلغَ اهتمام صالح بابنة ريما. لكنه لم يكترث لمشاعر شقيقته، هوَ مَن اعتاد على ألا يوليها أي أهمية. ذلك أثارَ حنق سلطانة أكثر، وبدأت على ما يبدو تتحيّن الفرصة للانتقام لعزة نفسها. ولقد جاءت الفرصة في ثاني صيفٍ تشهده الصغيرة في الشام، عندما طلبت سلطانة من شقيقها أن يوصلها بسيارته إلى الزبداني؛ وهيَ مسقط رأس حماتها. في ذلك الوقت، لم تكن قد أنجبت سوى ابنتها البكر، التي تصغر بيروزا بنحو خمس سنين. عندما طلبَ صالح من ريما التجهّز للسفر مع ابنتها، إذا بشقيقته تزعق: " أتجده لائقاً، أن نثقل على أهل حماتي بمزيدٍ من الضيوف؟ "
" أبداً، خصوصاً وأنّ زوجك بنفسه شددَ عليّ بالأمس أن تكون ريما بمعيتنا "، رد صالح. جعّدت شقيقته فمها، لتُخرجَ هذه الجملة الجافة: " وليسَ ابنتها على أي حال! ". ريما، وكانت ما تفتأ واقفة هنالك بالقرب من رجلها، خاطبته عندئذٍ بالقول: " معها حق، تماماً. إنما في زياراتها المقبلة لبيتي، عليها الحضور وحدها وليسَ مع طفلتها ". فما كان من صالح إلا إطلاق ضحكة عالية، قبل أن يلتفت إلى شقيقته: " جوابٌ مناسب، أليسَ كذلك؟ ". غيرَ أنه عاد وألحّ على امرأته أن تكون مستعدة للسفر مع طفلتها، ثم غادر الدارَ بسرعة كيلا يسمع اعتراضاً. لاحقاً وطوال الطريق إلى الزبداني، كان صالح يتبادل الحديث مع ربيبته، الجالسة بجانبه، مُطلقاً المزيدَ من الضحكات المبتهجة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: بقية الفصل الثاني
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثاني/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 3


المزيد.....




- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 4