أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - من ذاكرة الطفولة .!














المزيد.....

من ذاكرة الطفولة .!


ميشيل زهرة

الحوار المتمدن-العدد: 6635 - 2020 / 8 / 3 - 11:44
المحور: الادب والفن
    


كجلد شاة جاف ، قد التهمها ضبع ، كانت ضيعتنا مرمية على تخوم الصحراء ..و القحط يعضها بأنياب من جفاف انتشر في وجوه القاطنين و هاماتهم المنحنية الهزيلة ..بعض كلاب هزيلة تنتظر سقوط نعجة لا تقوى على الوقوف ، كي تلتهم ما تبقى فيها من حياة ، لتقوى الكلاب على البقاء ..و كلما تضاعفت سياط اللهب الحارق على أجساد البشر ، تتوهج الأرواح تعلقا بالوهم و قداسة السلف ، عله ينقذ الأحفاد من موت مؤكد . يوم ذاك ، كان الصبية يلبسون جلابيبهم الممزقة ، و يهتفون بقرار من الشيوخ : يا ام الغيث غيثينا ..شتي على زراعينا .!! ، يتقدمهم صبي حقنوا في ذاكرته ، مئات من أبيات الشعر الصوفي مجبرا ، كي يبارون به الصبية الآخرين ، من جيله ، كديوك الصراع ، في السهرات الشاحبة في الليالي المقمرة ، على الأسطح ، و يراقبون القمر البدر ، الذي يؤطر صورة الزعيم الخالد الطالع على أكتاف الوعي المحبط المستسلم لبعض قطع من خبز شعير ، مخلوطة ببعض طحين من أكياس كتب عليها : هدية من الشعب الأمريكي . أذكر : إن ذاك الصبي ، الذي أطفأ شمعتين من حياة ، قد حملته عمته الحسناء الشاحبة على كتفها ، و حمّلته مشعلا صغيرا ، و مشت في القطيع الهاتف : عبد الناصر يا جمال ، يا رئيس عروبتنا ..فيك حققنا الآمال ، أنت غاية وحدتنا .! بعد سنتين صار في حوزة الصغير أربع جوارب من صوف النعاج النافقة ، كانت تحاك له كل شتاء بلا مطر ..! عندئذ صار يركض مع القطيع بلا مشاعل نار ليهتف مع ذات القطيع : عبد الناصر يا قيقة ، يا صرماية عتيقة ..و الذاكرة تسجل كل نأمة في محيط الصبي . يومذاك ، لم يعرف الصبي إن الآلهة كأوتاد الخيمة ، عندما تُقتلع من أمكنتها تضعف ، و تصبح هزيلة في الروح . أذكر في تلك المرحلة أننا اقتلعنا الأوتاد ، و حملنا خيامنا ، على ظهور أتن هزيلة ، إلى أماكن بعيدة فيها خضرة وماء ، لننقذ ما تبقى من حياة في أوردة الكائنات ..! في مكاننا الجديد ، كان البط يبيض على شاطيء النهر ، و يفرّخ بسلام ..هناك سمنت أغنامنا و دوابنا ..و تورّد وجه أبي ، و صار يغني أغاني عشق لأنثى بعثت في وجه أمي الثانية الغضب . و لم يرتدع ..و الصبي تعلم العوم في الماء ، و فكر ، و قارن بين الجفاف ، و بين الشح ، و الوفرة ..فنسي ألفا وخمسمائة بيت من الشعر الصوفي الذي حقن بها قسرا ..! في ليلة قمراء جلسنا على السطح ، و كان القمر بدرا .و لم نر صورة الزعيم في القمر ..بحثنا عنها طويلا و لم نجدها . حتى الأب الغارق في وهمه القمري ، بحث عنها طويلا ، و اندهش من أنها غابت من الواعية التي كانت أيام القحط و الجفاف . فطلب من الصغير ، أن يلقي على مسمعه بعض قصائد من ذاكرته ..فحرنت الذاكرة و لم تستجب فقال لأبيه : نسيت يا أبي ..و لم يجبره الأب على إعادة الحفظ ..بل اكتفى أن يقول : ماذا لو طلب جدك منك أن يسمعها ..؟ سأقول له : نسيتها يا جدي ..و كفى .! هذا الاقتلاع لوتد الخيمة ، جعل الصبي ينسى الفروض التي تلقاها في الجفاف ، على ضفة نهر ينساب ماؤه رائقا ، و ينحني الصفصاف كزرافات رمت أعناقها لتشرب .و الفطر ، و بيوض الطيور تنتشر على الضفة ..و السمكات الصغيرات ، كان يلتقطها بسنارة صغيرة صنعها من دبوس كانت تضعه أمه الثانية في غطاء الرأس فانفلت الغطاء ، و بان الشعر ..هذا الوتد الذي اقتُلع مرة و أعيد دقه في أرض جديدة ، سوف يقتلع ثانية ، و ثالثة ..و كلما اقتلع تنفلت ذراع الاخطبوط المقدس عن روح الصبي الحالم بعوالم لم تطؤها قدم ابن امرأة من قبل ..فتهتك المقدس في روحه ، وخبأ إلهه الأخضر في قلبه ، ولم يعد إلى حيث كانت الكلاب تنتظر الشاة حتى تسقط كي تلتهمها ، لكي لا يسمح باغتصاب ذاكرته مرة ثانية.



#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمن ترقص الحروف .؟؟
- المزرعة .!
- السيدة الغامضة ..الجزء الأخير .!
- السيدة الغامضة ..الجزء الخامس .!
- السيدة الغامضة ، الجزء الرابع ..!
- السيدة الغامضة ..الجزء الثالث .!
- السيدة الغامضة ..الجزء الثاني .!
- السيدة الغامضة ..الجزء الأول .!
- العريف أبو علي .!
- سقوط سامية ..الجزء الأخير .
- سقوط ساميا ...الجزء الرابع .
- سقوط ساميا ..الجزء الثالث .
- سقوط سامية .! الجزء الثاني .
- كيف سقطت ساميا .! الجزء الأول .
- مصالح خانم : الجزء الأخير .!
- مصالح خانم _ الجزء الثامن قبل ألأخير .!
- مصالح خانم الجزء السابع .! ( القناع )
- مصالح خانم جزء سادس .! ( الدهشة )
- مصالح خانم جزء خامس .!
- مصالح خانم جزء رابع .!


المزيد.....




- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - من ذاكرة الطفولة .!