أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع المكان والزمان والهوية الإيديولوجية للتطور الحضاري الجديد وشروطه 1-7















المزيد.....

من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع المكان والزمان والهوية الإيديولوجية للتطور الحضاري الجديد وشروطه 1-7


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1587 - 2006 / 6 / 20 - 10:44
المحور: القضية الكردية
    


وإذا ما قمنا بتلخيص الخصائص الأساسية لتطور عصر الحضارة الديمقراطية ضمن إطار تعريفه، فإننا سنصل إلى ما يلي:
أ ـ انه يستند إلى أساس تقني وعلمي وأيديولوجي ملموس. فقد أدت التقنيات المعتمدة على الطاقة النووية والإلكترونية بالإضافة للتقنيات الفيزيائية والميكانيكية إلى تغييرات جذرية في الأساس المادي للمجتمع. فإذا تم استخدام هذه التقنيات في مكانها الصحيح، فإنها كفيلة بتفتيت سلسلة الفقر الناجمة عن التمايز الطبقي واللامساواة الاجتماعية. تعد أثبتت التحليلات العلمية أن تقسيم المجتمع إلى طبقات تنعدم فيه المساواة الاجتماعية ناجم عن تخلف وسائل الإنتاج ولاسيما التخلف التقني. حيث أنقذت الثورات التقنية التي تحققت في النصف الثاني من القرن العشرين المجتمع من هذه السيطرة، وقضت على الأرضية المادية للمؤسسات المعتمدة على اللامساواة. وإذا تم الوصول إلى علاقات إدارة اقتصادية وسياسية تجعل من استخدام التقنية في خدمة كافة فئات المجتمع ممكناً، فإن ذلك سيؤدي إلى تطور الحرية والمساواة الإنسانية في ظل البنيان التقني، كان هذا الإنجاز عبارة عن حلم في الماضي بيد أن امتلاك عصر الحضارة الديمقراطية المعاصرة للوسائل المناسبة جعل تحقيق هذا الحلم ممكناً على أرض الواقع. وبهذا المعنى يمكن اعتبار التقنية عامل تحرر أساسي، وفي حال استخدامه بشكل معاكس فإنه سينقلب إلى وحش مدمر بيد القوى الرجعية والأنانية. فقد تحولت التقنية الى خدمة الحضارة الديمقراطية، ولكن المشكلة تنحصر في تحقيق النظام الديمقراطي للمجتمع والسياسة والدولة الذي يمكن أن يضع التكنولوجيا وبشكلها الأكثر عطاءً في خدمة المجتمع.
أما الميزة الثانية الأخرى لهذا العصر فهي الثورات العلمية ومجتمع المعلومات. فقد وصل العلم الذي كان عبارة عن مجال بحث في بيئة ضيقة، بسرعة فائقة إلى كافة شرائح المجتمع بفضل تكنولوجيا الاتصال. ومن هنا جاءت ولادة حقيقة مجتمع المعلومات، وبفضلها اكتسبت الديمقراطية والادارة الذاتية قوتهما، إن المجتمع والدولة والسياسة المزودة بالمعرفة مضطرة للعيش بشفافية وفي ظل نظام ديمقراطي متبادل. حيث تسارعت التطورات التي وثقت بين العلم والتقنية وفتحت الطريق لتغذي بعضها البعض. فهذه الظاهرة التي تحققت لأول مرة أدت الى انفجار كبير في إمكانيات الإنتاج. وبتنامي كافة المعلومات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية والاجتماعية كالكرة الثلجية تحولت إلى مصدر قوة جبارة من أجل المجتمع. بالنسبة للمجتمع والمشكلة تتلخص الآن في الوصول الى نظام ديمقراطي في إدارة التقنية وفي استخدام العلم.
الدور الأساسي للإيديولوجيا هو تحطيم الدوغمائيات وبناء الأحلام والآمال، وجعلها نشطة باستمرار. فبينما كانت الدوغمائيات مسيطرة على الأذهان في الماضي، تطورت في عصر النظام الرأسمالي والنظرية المستقبلية وطوباويات مختلفة. وكلتا الإيديولوجيتين خلقتا عوائق هامة في الذهنية وفي كافة المؤسسات. فالأيديولوجيات الدوغمائية تشكل عوائق مختلفة، وأما الطوباوية فقد كانت حواجزها أقل حدة. ورغم انها بذلك فتحت الطريق أمام إبداع محدود إلا انها عملت على خلق الإنسان التافه والمنسلخ عن واقعه؛ والشخصية ذات التطلعات الخيالية. وتتفق كلتا الإيديولوجيتين على أنهما بعيدتان عن الإبداع وعن دنيا الظواهر الحقيقية، كما لا يمكن أن تكون أي منهما أساساً إيديولوجياً لعصر الحضارة الديمقراطية.
العصر مرغم على الاعتماد على الإبداع والعلمية الإيديولوجية، وفي الأساس هناك علاقة وثيقة بين الاثنتين. أي كلما تم توضيح وتفسير العلاقات والظواهر بواسطة العلم يصبح الطريق ممهداً أمام الإبداع. وإذا ما تسلح الفرد بالمعلومات التاريخية والاجتماعية وسخر عقله لنظام ديالكتيك الطبيعة، يكون قد أمسك بإيديولوجية العصر دون أن يستسلم لقوة الدوغمائيات التي يعرفها.
إن عصرنا الذي يعتمد على إيديولوجية لا تخلو من الخيال وفي نفس الوقت تستند إلى العلم، مؤهل للوصول بالحق والجمال إلى الأخلاق والفن، لأنه مزود بمعلومات واقعية وحقيقية عن كافة الظواهر والعلاقات.
ب ـ إن نظام الحضارة الديمقراطية هو عصر دمقرطة المجتمع (التحول إلى مجتمع ديمقراطي). وبهذا المعنى يجب على الشعوب أن تدخل المسار بهويتها الخاصة وبإرادة واعية ومتحررة، وستعمل على تبني هوياتها التي تعرضت للتخدير والقمع على مدى آلاف السنين. وسيتمثل كيانها الثقافي باعتباره الميراث الأكثر قيمة وستعتمد عليه في الحياة الجديدة. وإن الجهود التي بذلت حتى الآن من أجل مصالح الأشخاص والسلالات الحاكمة والكيانات الدينية والزمر الضيقة، ستبذل من الآن فصاعداً في خدمة الكيان الاجتماعي برمته ولضمانة استمراريته، وذلك يعني دمقرطة المجتمع، فوصول ذلك المجتمع ـ كمجتمع معلوماتي ـ إلى إدراك مصالحه وتحويلها إلى مطالب وحملها إلى المؤسسات السياسية، يعني الوصول إلى ديناميكية تراقب وتطالب وتصبح أكثر فاعلية من الإرادة المسلوبة. وضمن هذا النطاق يكون المجتمع ولأول مرة في التاريخ قد وصل إلى مرحلة إدراك نفسه بشكل علمي، وإلى وعي يدافع فيه عن حقوقه ويكون قد تحول إلى وضع يستطيع فيه أن يقرر مصيره بحرية. هذه الحقيقة تعبر بشكل كاف عن السبب الذي جعل من الحضارة الديمقراطية، عصر دمقرطة المجتمع.
ج ـ أما النقطة الأساسية الثالثة التي تحدد عصر الحضارة الديمقراطية، تتمثل بدمقرطة السياسة. فإنقاذ السياسة التي عرفت على مدى التاريخ بأنها فن تركيز القوة واستخدامها على أعلى مستوى من أقنعتها وثيابها الضيقة الملونة، يعتبر من إحدى تطورات عصرنا الرائعة، وهذا يعني إنزال السياسة من السماء الى الأرض. وانتهت المناقشات التي كانت تدور حول مصدر السياسة الذي لا ينتهي ولا يستهلك، والاعتراف بأن مصدرها في الأساس هو المجتمع، فالسياسة التي تسترت خلال قرون خلف أمجاد مزورة ومتطورة من أجل خداع البشرية وتحويلها إلى قطيع، قد تحولت إلى أداة بسيطة بيد المجتمع. ولكنها وصلت إلى وعي يمكن أن يعبر عن قيمة باعتبارها أداة مصالح حياتية طويلة الأمد. وكانت الخاصية البارزة لعصر الحضارة الديمقراطية هي إيصالها للسياسة التي كانت تعتبر ولمئات السنين وسيلة إلهية مقتدرة وسحرية، الى معناها الحقيقي وتعريفها كوسيلة في خدمة الشعوب.
السياسة الديمقراطية تشكل الساحة الثالثة بين الدولة والمجتمع وقد وصلت إلى دور مؤسساتي يملك القدرة على الخلق والتجديد، لا يمكن الحديث عن تحول ديمقراطي سليم للمجتمع، ولا عن تطوير الدولة لحساسيتها المتعلقة بهذا الموضوع، من دون توفر أدوات السياسة الديمقراطية المتشكلة في كل مجال من الاقتصاد وحتى السياسة ومن حقوق الإنسان حتى البيئة ومن الثقافة حتى الصحة ومن التعليم إلى السلام، وباختصار من دون وجود المؤسسات المعاصرة المقامة في كل مجال لاسيما الأحزاب السياسية اللازمة لتحديد الطابع العادل والديمقراطي للقيم اللازمة لتدفقها المستمر من المجتمع إلى الدولة ومن الدولة إلى المجتمع باعتبارها حلقة أساسية. وتحولت مؤسسات المجتمع المدني المتصاعدة هذه ـ باعتبار أن الساحة الثالثة تعني المجتمع الثالث ـ إلى وضع لا يمكن الاستغناء عنه في عصرنا هذا. إذ تمت البرهنة بما فيه الكفاية على أن عصر الحضارة الديمقراطية هو عصر كافة مؤسسات المجتمع المدني للسياسة الديمقراطية.
د ـ والنقطة الهامة الأخرى الرابعة لعصر الحضارة الديمقراطية فتتمثل بتطوير الحساسية الديمقراطية للدولة. حيث يعد تحول أقدم أداة في التاريخ، تلك الأداة التي ما إن يسيطر عليها أحد حتى ينقلب إلى تنين، إلى مؤسسات ديمقراطية تطوراً ثورياً هاماً. وإن هذا العصر مدعو لأن لا يضفي على هذه الأداة أي صفة أكثر من كونها أداة تنسيق للمجتمع على أعلى مستوى، بعد أن كان يتم تمجيدها باستمرار باعتبارها تمثل الكيان السماوي على الأرض، لقد تم تسليط الضوء بما فيه الكفاية على أن الدولة أنشأت من أجل خدمة الإنسان والفرد، وأنه لا علاقة لها بالآلهة، وأن لجوءها إلى العنف طوال التاريخ ناجم عن وقوعها كأداة بيد السلوك الفردي والسلالات الحاكمة وتعصب الزمر الضيقة. إذ تبين وبما فيه الكفاية بان الذي يجب ان يمجد حقاً هو كل مجتمع يؤكد على ضرورة ان تصبح الدولة أداة تنسيق عامة للمجتمع، وكل من يمجد الدولة باعتبارها كيان مجرد منحطً، وإن تحول الدولة حسب هذا التعريف وإخضاعها للمراقبة هو من أهم حقائق وإنجازات عصر الحضارة الديمقراطية. من المناسب هنا أن يتم تقييم تحول الدولة إلى أداة في خدمة الشعب ووضعها في دور المؤسسة الأساسية للسياسة الديمقراطية، وهذا إنجاز ذو مستوى عال لعصر الحضارة الديمقراطية، كما أن التحول إلى دولة ديمقراطية، يعتبر تطوراً أساسياً في عصرنا.
تحتل مشكلة أشكال الدولة الديمقراطية أهمية من الدرجة الثانية، وكنتيجة لبنيتها المرنة فأن أشكال الدولة بدءاً من الكونفدرالية وحتى المركزية* التي تمتلك قدرات وإمكانيات واسعة على الانفتاح، تحمل أهمية كبيرة بقدرتها على إنتاج الحلول. إذ تستطيع الدول والمجتمعات تقرير الشكل المناسب حسب شروطها الواقعية، حيث تعد نوعية المشاكل المعقدة ووسائل مؤسسات الحل الديمقراطي العديدة من العوامل الأساسية التي أنجبت الديمقراطية، وعندما اضطرت الدولة الى الاعتماد على هذه المؤسسات فإنها بذلك فقدت أهميتها التقليدية، وتلعب دوراً هاماً كأداة تنسيق عليا بينها، إن الطابع الأساسي لدولة بهذه البنية هو ديمقراطيتها. وبما أن الديمقراطية تعبر عن نظام المؤسسات فإن هذا يرغمها بشكل طبيعي على اتباع نظام التعددية والاتحادات** وخاصة عندما تزداد أهمية الأعضاء المحليين فإنها تؤدي بالمركزية الى ان تشكل عبئاً، وسيؤدي ذلك بالضرورة إلى التدفق السليم للقوة من المركز إلى الأطراف، ومن البؤر الأساسية إلى البؤر المحلية، والتدفق العام في هذا العصر يأخذ هذا الاتجاه، فلقد تم تطوير البنية التعددية المعتمدة على الحرية وعلى التوزيع العادل للإمكانيات والقوة على كافة المستويات من المجتمع إلى الأسرة، ومن الدولة إلى الاقتصاد. ضمن هذا الإطار تقوم الدولة بتطوير تقدمها الديمقراطي من جهة وتقوم من الجهة الأخرى بنقل القوانين الجديدة إلى أشكال غنية جداً وواسعة، ابتداءً من الكونفدرالية باعتبارها هدفاً هاماً لحركة القوانين الجديدة، وحتى البنى الديمقراطية المعاصرة، ومثلما أزالت هذه الظاهرة الأضرار الناجمة عن مفهوم الوحدة الإرغامية والإكراه، كذلك أزالت أضرار الدولة الصغيرة "ميكرو" الانفصالية التي تلحق الأذى والخسارة بكل الأطراف في النهاية، إن ظواهر مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ورابطة الدول المستقلة انها تعبر عن تطورات تاريخية، بيّنت جهة تقدم الدولة الديمقراطية المعاصرة، وجعلت المجتمع الجديد والسياسة الديمقراطية ضرورية في جوهرها.

هـ ـ إن عصر الحضارة الديمقراطية، بمقدار ما هو عصر انبعاث الشعوب من جديد فهو عصر انبعاث النساء ولربما بشكل اكثر تحديداً، فالمرأة التي كانت تتمتع بقوة الربة المنجبة في المجتمع النيوليثي، أصبحت في مواجهة خطر الزوال طوال تاريخ المجتمع الطبقي. فالتاريخ هو تاريخ الذكر المهيمن الذي اكتسب القوة مع تصاعد المجتمع الطبقي إلى حد ما. ويتشكل طابع الهيمنة الطبقية مع طابع الهيمنة الذكورية، لتكون القاعدة السارية المفعول هنا هي، الأكاذيب والميثولوجية والعقوبات الإلهية، ويكمن تحت كل ذلك واقع عنف واستغلال فظ ومجرد. لم يعط طابع الهيمنة الذكرية للمجتمع فرصة حتى للتقييم العلمي لظاهرة المرأة لغاية يومنا هذا، ويدخل ذلك في إطار ساحة الطابو (المحرمات) أكثر ما يكون في ساحة الدين، كما يتم إخفاء واقع وحقوق المرأة المغتصبة بطريقة قسرية وخائنة وخبيثة من قبل الرجل تحت ستار الشرف. فحرمان المرأة من هويتها وشخصيتها وجعلها أسيرة للرجل عبر التاريخ، وهذه ظاهرة أدت إلى نتائج سلبية أكثر من التمايز الطبقي. ويعتبر أسر المرأة مقياساً للعبودية العامة والانحطاط؛ مقياساً للكذب والإكراه والسرقة التي انتشرت في المجتمع؛ مقياس لكل أنواع القذارة والتبعية.
لا مفر من أن يجلب انقلاب هذا التاريخ معه نتائج اجتماعية عميقة، إذا سيجعل انبعاث المرأة بحرية من جديد، الحرية والعدالة والتنوير العامة في المؤسسات الفوقية والتحتية للمجتمع ممكناً. وسيقتنع الجميع أن السلام هو الأفضل والأكثر قيمة من الحرب ويجب السمو به عالياً. والمرأة الرابحة تعني المجتمع والفرد الرابح على كافة المستويات وحتى هذا الإطار الصغير يظهر مدى تاريخية التحول الديمقراطي في مجال حقوق المرأة وحرياتها. وبهذا فإن بدء القرن الواحد والعشرين كعصر للمرأة الحرة والقوية، تعتبر ظاهرة أهم من التحرر الطبقي والوطني. وسيكون عصر الحضارة الديمقراطية عصراً ارتقاء المرأة فيه، وتكسب أكثر من أي مرحلة مضت.
إن الموقف اللامسؤول والمفتقر للوعي حيال الأطفال والمسنين هو من المواضيع التي أهملتها الثقافة الذكرية المتسلطة، وكأنه قد تم خفض مستواهم إلى الوضعية الثانية أو الثالثة نسبة للمرأة. فقد تم فرض عالم ظالم غير مبالٍ بالطفل، فالنظام الرجولي المتسلط لا يتورع من ضخ شخصيته وعالمه المنتهي الفظ والزائل الذي خان الأحلام السامية والبعيد عن قيم الحرية والمساواة إلى أذهان الأطفال وعقولهم، دون أخذ نفسيتهم وعالمهم في الحسبان؛ بعيداً عن القلق والألم، فمواقفه تجاه الأطفال محشوة بالأخطاء والمخاطر أكثر مما نتوقع، حيث ساد هذا الواقع وتمأسس ابتداءً من الأسرة وإلى المدرسة ومن الشارع ولغاية أماكن اللعب، وتم جعل الكابوس مخيماً على عالم الطفل. كما فرض حصار مشابه على عالم المسنين أيضاً، وبنى جدار من الفولاذ بينهم وبين أولادهم. لقد طوّر المجتمع الطبقي اللامبالاة في هذا المجال أيضاً، وسيّر التاريخ حكمه القاسي في هذه الساحة أيضاً. فاللاوجدانية واللامبالاة العامة تزيد من معاناة المسنين.
لا مفر للمجتمع الديمقراطي من أن يتخذ إجراءات جديدة لهاتين الساحتين، فالحياة ليست عبارة عن حياة شباب تلهو وغير مسؤولة أو فوضى وتشتت، إذ للأطفال عالم خاص يجب ألا يتعرض للخيانة ويجب احترامه وتلبية متطلباته، وخيانة هذا العالم قد عرّض المجتمع لخسارة قيم كبيرة. اما المسنين فانهم كحكماء قد خبروا الحياة، والمجتمع الذي لا يتلقى الدروس من هذا العالم لا يمكن أن يعيش ويفكر بشكل صحيح وسليم، ولهذا فإن عالم الأطفال والمسنين ليس عالماً استهلاكياً، بل هو عالم منتج وغني، فكسب هذين العالمين بإعادة تمأسسها من جديد على أساس الحريات والحقوق التي يفرضها موقعهما الخاص في ظروف المجتمع الديمقراطي، يعتبر مهمة لا مفر منها في الحضارة الديمقراطية، إن عصر الحضارة الديمقراطية هو العصر الذي يتم فيه ذكر الأطفال والمسنين بحب واحترام، كذلك وبهذه المعرفة والموقف الأخلاقي فانه يتكامل مع المجتمع.
و ـ سيكون عصر الحضارة الديمقراطية مرحلة يتم فيها إعلاء شأن حقوق الإنسان، والشخصانية التي ستصبح خاصية لا تنفصم عن شكل الحياة الجديدة. فالإنسانية والفرد اللذين كانا من اكبر الخاسرين في ظل الدوغمائيات والطوباويات، حتى وان كانت خسارتهما ترجع لفترة تاريخية طويلة، فان عودتهما الى الحالة الطبيعية قد خطت اكبر خطواتها في النهضة، إلا أنها تعرضت مرة أخرى للزوال من خلال السلوك الفردي للرأسمالية، لكن الثورة العلمية ـ التقنية للقرن العشرين، تجبر الفرد والبشرية على شخصانية وإنسانية ناضجة، وعلى الرغم من اعتباره قرناً دموياً خائناً ألحق الخسائر بالبشرية والفرد، الا انه وعن طريق الوعي العلمي والإمكانات التقنية قد بات مرغماً على كسب الشخصانية والإنسانية الجديدة بكونها قيماً سامية لا يمكن التخلي عنها وجعلها سائدة. وهكذا فإن التحول الشخصاني الإنساني النامي باستمرار كأملٍ منذ عصور تشكل المجتمع القديم قدم الإنسانية، قد بلغ ولأول مرة عصراً يمكن ان يتحقق فيه هذا الأمل بفضل العلم والأرضية المادية السليمة. تعرضت الإنسانية باستمرار للتجزئة نتيجة للخصائص الأثنية والدينية والقومية، وقد باتت مرغمة لان تتكامل بلغة التقنية والعلم والديمقراطية. ويظهر انه باستطاعة الغنى الذي يكمن في هذه الإمكانيات تغذية الإنسانية الحقيقية، وباتت الأممية مؤسسة لا يمكن التخلي عنها، ويمكن عيشها أكثر من أية مرحلة مضت. فلم يكتف حقوق الإنسان بان يكون أهم مادة في القانون، بل ان يتمأسس ببلوغها للوعي الذي يحقق التوازن الأنسب مع المجتمع وكذلك بتحقيق الواقعية في المجال الشخصاني.
لأول مرة في لتاريخ ترسخت المجتمعية والشخصانية في مركز الحياة العصرية وفق متطلباتها عن طريق القانون، وربما يكون أفضل تطور ذي معنى للتاريخ هو وصول المجتمعية والشخصانية لأول مرة إلى تحقيق أنسب الأوضاع، وللسبب ذاته يمكن القول إن عصر الحضارة الديمقراطية هو عصر الإنسانية الحقيقية وحقوق الإنسان والشخصانية.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الرهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثال ...
- من دولة الرهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثال ...
- من دولة الرهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثال ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...


المزيد.....




- بعد عام من اعتقال عمران خان، هل استطاع مؤيدوه تجاوز ما حدث؟ ...
- الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس وتعلن إغلاق ...
- قائد بريطاني: عمليات الإنزال الجوي وسيلة إنقاذ لسكان غزة من ...
- الصومال يطلب إنهاء عمل بعثة سياسية للأمم المتحدة
- منظمة العفو الدولية: الحكومات التي تمد إسرائيل بالسلاح تنتهك ...
- رابطة العالم الإسلامي تدين الاعتداء على مقر الأونروا في القد ...
- الاحتلال ينفّذ حملة اقتحامات واعتقالات بالضفة ويخلف إصابات
- الأونروا: 80 ألف شخص فروا من رفح خلال 3 أيام
- هيومن رايتس ووتش تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية ...
- الأمم المتحدة: 80 ألف شخص فروا من رفح منذ كثفت إسرائيل عمليا ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الرابع المكان والزمان والهوية الإيديولوجية للتطور الحضاري الجديد وشروطه 1-7