أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث عصر الحضارة الرأسمالية أ- ميلاد الحضارة الرأسمالية وهويتها الايديولوجية 1 - 3















المزيد.....

من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث عصر الحضارة الرأسمالية أ- ميلاد الحضارة الرأسمالية وهويتها الايديولوجية 1 - 3


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1551 - 2006 / 5 / 15 - 12:15
المحور: القضية الكردية
    


2 ـ إن الفردية هي الخاصية الروحية الأساسية للنظام الذي ولد المجتمع الرأسمالي. مثلما يعبّر العلم عن الوضع الذهني لهذا المجتمع، تشكّل الفردية الخاصية الروحية الأساسية له. فالفردية هي الصرخة المدوية للفرد الذي تخلص من قيوده بولادة الرأسمالية، والذي لا مقدسات لديه سوى مصلحته، وتلعب قوة الأنا فيه دوراً يسبق العلم.
إن الفرد الرأسمالي هو حركة الانتقام من ظاهرة المجتمع، والرغبة الفردية لا تعترف بأية حدود لطموحاتها لا سيما في مرحلة ولادتها، وتؤمن بانها أصبحت حرة بقطع كل روابطها مع الماضي، وتساوي قوة النقد بالله، أي أن معادلة "الرب = النقد" لائقة بالمجتمع الرأسمالي أكثر من أي مجتمع آخر، وتصبح النقود التعبير المجسد للنظام والقوة الساحرة القادرة على تغيير كل القيم، وتغدو انعكاساً لجوهر وقوة المجتمع في تشكل الرأسمالية، وتجذب الروح الفردية، وتعتبر في المجتمع الرأسمالي قوة تؤدي إلى حروب دموية والى إبادة البشرية في سبيلها، وإذا كانت رموز المجتمعات القديمة عبارة عن الطوطم والإله ـ الملك، فأننا نرى في المجتمع الرأسمالي هوية روحية تتمحور حول النقود.
يعود سبب تفاقم الفردية بهذا الشكل إلى رد الفعل حيال المجتمعية منذ مئات آلاف السنين، لقد كانت جميع الأنظمة السابقة تطور المجتمعية وفق مصلحتها، وتعتبر المجتمعية عملية مقدسة لا يمكن التخلي عنها في الحياة، سواء تحققت بشكل علني أو سري أو بشكل إرادي أو قسري، من الضروري للدين والأخلاق والإنتاج والسياسة كلها أن ترتبط بهذا الهدف، وكل ميراث أو شخص لابد وان يكون داعية دائمة لهذه القاعدة، وعند الوصول إلى المرحلة الرأسمالية، وكأنه قد تم اكتشاف قوة هائلة من خلال تفجير المجتمعية بالفردية أشبه بانشطار الذرة، أدى تفجير المجتمع من النقطة الأكثر حساسية بالقنبلة الفردية إلى ثورة عظيمة، وعندما نجحت أولى الاختبارات لم يبق سوى الوصول إلى تنظيمها، لم يعد المعبد مزاراً للفرد، ولم تعد الوجوه متوجهة إلى الله، وزال الشعور بالذنب، وأصبحت الكعبة الجديدة هي المصنع، والرب الجديد هو النقود، والشيء المقدس هو المصلحة الشخصية، ولم يعد الشعور بالذنب عائقاً أمام الربح.
لا شك أن الرأسمالية ليست ظالمة بكليتها، لأن الفرد كان ضحية للمجتمع منذ مئات آلاف السنين، وفي الكثير من الأديان فان الناس قد ضحوا بأغلى قيمهم وأولادهم وقدموها كقرابين، وقد تم فتح هذا الطريق باسم الدين في الضمير الأسود للمجتمع، وتم الانتقام من الفرد من خلال تقديمه كضحية بلا رادع، وتحول تاريخ المجتمع إلى تاريخ التضحية بالفرد باسم إنقاذ المجتمع، وقد تم استنفار كل الحروب والعبادات والمراسيم من أجل هذا الهدف، وما يتم القيام به باسم المجتمعية وصل إلى الهستيريا، وأعلن عن أي انتهاك بسيط للقواعد على أنه أكبر جريمة، حتى لو كان مستنداً الى مطالب عادلة وبريئة، وتم جعل مرحلة العذاب في جهنم أبدية باسم العالم الآخر السرمدي، وكأنه لم يكف تحويل الأرض إلى جهنم. لقد تم تطوير أسر الفرد إلى درجة بات فيها لا يتبنى حتى ظله، وتراجع موقعه إلى ظل الظل، وواصل كل ذلك باسم المجتمعية.
التقطت مرحلة الهوية الإيديولوجية التي أدت إلى الرأسمالية النقطة الأساسية في الفردية، وكانت تشعر بضرورة قيام توازن عادل بين الفرد والمجتمع من خلال دفع الفرد الى الأمام، ومن الواضح أن المرحلة قد استمدت قوتها وعدالتها من التراكم التاريخي، وكان الفرد يشعر بأنه سيلعب دوراً ثورياً بمقدار انهيار المجتمع المتخلف والمتعصب الذي حكم على الفرد باعتباره إنساناً آلياً محكوم عليه بحياة مليئة بالمحذورات، وهكذا تظهر المواقف العادلة والتقدمية عبر التاريخ، فالظاهرة الاجتماعية التي خلقت قوة إلهية عند بنائه تعمل بشكل معاكس، إذ تعمل على بناء القوة التي تصنع الشخصانية، وتظهر في نقطة التحول التاريخية هذه إمكانية التوازن الضروري والعادل بين الفرد والمجتمع، وكان قلق المجتمع الرأسمالي في بهذه النقطة محدوداً ولا سيما في بداية ميلاده، وسيتم الوقوف عند توازن الفرد والمجتمع في مرحلة رد الفعل الاشتراكي غالباً، ولكن من المؤكد أن هناك حاجة إلى انطلاقة فردية قوية للوصول إلى ذلك، وتظهر الثورة الفردية كنتاج للاحتياج التاريخي.
يشعر الفرد بحياة طارئة كلما حطم سلاسل العبودية، وتبدأ الدنيا بالتحول الى جنة، وتتحول الرغبات التي كانت ذنوباً إلى أشكال حياة جميلة، لقد بدأ تحول علماني عظيم، وتم إدراك إمكانية تجميل الحياة بالفن، وباتت حركة التنوير ممكنة من خلال الاستيحاء من الآثار الفنية المزدهرة للعصور الأولى، ومن خلال الجرأة التي منحها العلم وبالسيطرة على الدوغمائيات ودون الخوف منها أصبحت الدنيا عبر الفن أكثر جمالاً ويمكن العيش فيها، وهذا ما منح الفردية قوة كبيرة، وأدت الفردية إلى التفكير الحر، وجرأة العيش بحرية ودون خوف، أوصل الفرد إلى حب وعشق جديدين، وكان الوصول إلى مفهوم الوطن والتحول إلى دولة قومية من خلال العبور من مفهوم الأمة إلى المفهوم القومي، والتحول الى الدنيوية والغنى والارتباط بالعيش في هذا العالم وإعطاء قيمة لكل الفنون التي تخلق الجمال للوصول أولاُ الى هوية أية، ومن أولويات التنوير ان الانقطاع عن القديم والارتباط بشكل الحياة الجديدة الخلاقة كان من القوة بحيث لا تستطيع أية مؤسسة أو علاقة من الوقوف بوجه بناء الجديد.
3 ـ يشكل المبدأ الإنساني (Humanism) الذي يعطي قيمة للإنسان، ويضعه في الأولويات، الخاصية الثالثة للهوية الإيديولوجية للمجتمع الرأسمالي، وكان الإنسان في كل التشكيلات الاجتماعية في العصور السابقة وكأنه قد ابتلع، وانحل داخل المجتمع، وكان بمظهر كيان سلبي لا يؤدي أي عمل سوى ما يكلف به، منصهر في المجتمع، وكل العظمة والإجلال كانت للمجال الإلهي، وكان السمو بالطوطم والآلهة الذين لم يكونوا سوى تصورات هوية وأقنعة ضد الإنسان، وقد حاولوا تحقيق استمرارية المجتمع وتقويته عبر هذه العمليات الأيديولوجيات؛ وهذا لا يعني تطوير مصطلح الإنتاج بل خلق وتعظيم كائنات تحدد مصير الإنتاج.
أما في مرحلة المجتمع الطبقي فقد تم تحقير الإنسان أكثر، وتم إعلانه مذنباً في شخص آدم وحواء، وحكم عليه بهوية عبيد الآلهة إلى الأبد، ذنوبه ستزداد باستمرار، والخيار الوحيد للخلاص هو الخدمة من أجل الغفران. ان وقوع الإنتاج وسقوطه يتطور دائماً من محورين أساسيين، وكان يتم إسقاطه وتحقيره أمام المجتمع باسم الهويات الكيانية المجردة، وبهذا لن يملك أية أهمية أو ادعاء وكل شيء سيكون من أجل المجتمع، ويضحي بكل القيم من أجل وجود المجتمع، ولان الإنتاج هو الذي يحقق التحول المجتمعي لذا كانت التضحية تبدأ به أولاً، أما المحور الثاني الهام فهو أن التفكير بالإنسان كعنصر غير هام مذنب وغير لائق إلا للخدمة، ليفقد طموحاته في مواجهة واقع الطبقة الحاكمة، وبذلك تحقق نظام العبودية عبر خروج الأسياد من الصفة الإنسانية ورفعهم إلى مستوى كائنات إلهية، وجعل الإنسان عبداً عليه العمل باستمرار كالحيوانات، وتم تطوير هذه المواقف حيال الإنسان بشكل دائم عبر العصور.
لقد تم الدفاع عن وجدان الإنتاج وشرفه في الأديان التوحيدية، وفي مرحلة مقاومة المجتمع النيوليثي ضد العبودية ولو بشكل محدود، وتم تكوين مصطلح الإنسانية التي يجب إنقاذها، وحصل التمرد لأول مرة باسم الضمير والشرف، وجاءت الثورة الأخلاقية لزرادشت والإصلاحات المشابهة لبوذا مع الفلسفة الإغريقية، لتدفع بالإنسان خطوات الى الأمام وتم الشعور والإحساس بالإنسان صاحب الجهد الأصيل الذي يتعرض للألم والنسيان، والارتباط بعيسى إلى هذه الدرجة يعود إلى أهمية التطورات الحاصلة في هذا الاتجاه، وإكسابه أرضية ونهجاً لهذا المسار، وتم إدراك ذلك كرسالة إنقاذ لا يملكون قاطبة دون تمييز، واقدم النبي محمد على خطوة أخرى نحو الأمام من خلال إعلانه أن الإنسان أشرف المخلوقات. لقد لعبت القيمة التي أعطاها الإسلام للإنسان دوراً كبيراً في تقبل الإسلام من قبل الآخرين.
وبقي الإنسان الذي تم تحقيره ودفعه إلى العبودية والقنانة، بعيداً عن أن يحظى باهتمام مركزي رغم الخطوات التاريخية المذكورة، وتم النظر إلى المرأة كناقصة عقل، ومحرضة على الخطيئة دائماً، وحكمت بهوية كأنها قريبة الشيطان، وتم إقناعها بقدرها، ولا يتم اعتبارها إنساناً في الوقت الذي تتطور فيه الإنسانية قليلاً، أما الطبقة الحاكمة والمستغلة، فكانت تتسم بالصفات الإلهية، وقد بذلت جهود كبيرة من أجل تعريفها ككيان مميز عن عرق الإنسان الذي تم تحقيره، وتم تطوير هويات إيديولوجية منسجمة مع ذلك كأهم الأعمال المطلوبة، هذه هي الخطوط العريضة للقدر والواقع الذي رأته الحضارة القديمة لائقاً بالإنسان.
هذه هي الظاهرة الثالثة الهامة التي انتقم الإنسان لنفسه فيها عند ظهور العصر الرأسمالي، حيث تم الانتقام من المجتمع القديم والطبقة الحاكمة من خلال رفع شأن الإنسانية، أي بالمذهب الإنساني (Humanism) الذي هو أمضى سلاحٍ في مواجهة الذين يتمسكون بالنظام القديم، ويجد الإنسان إمكانية النهوض والتحرر والعلم والشرف من خلال الفكر الإنساني، وأصبحت الإنسانية إحدى أهم المفاهيم الأساسية للهوية الإيديولوجية الجديدة.
لقد جرى وضع الإله في مركز الهوية الإيديولوجية للمجتمع القديم، وبذلك حققت الطبقة الحاكمة المستغلة سيطرتها الإيديولوجية الكاملة. إن قوة القانون الإلهي هي عبارة عن سيناريو من أجل فتح الطريق أمام التشريع القانوني للطبقة الحاكمة، وتأتي المحاكمات الأولية التي تسمى بالقوانين الإلهية على رأس الطرق المؤثرة في أسر العقل، وتسخيره كما يراد، ولم ينقص ظل الإرادات المؤثرة الغريبة عن الإنسانية، وخلق الأسر الإيديولوجي كأخطر نوع من التبعية للإنسان الذي سلبت إرادته، وخلقت الإنتاج الآلي.
خلّصت الإنسانية الجديدة الإنسان من كل سيطرة الظلال، لقد كان خلق الإنسان الأفضل هي الوظيفة الإيديولوجية الأساسية، في حين كانت جميع وظائف الإيديولوجية القديمة تتعلق بخلق الإله والطوطم والبطل والجن والشيطان والملائكة، أي المخلوقات الخارجة عن نطاق الإنسان، وكانت وظيفة تلك المخلوقات هي جعل الإنسان بلا تأثير لا حول له ولا قوة، وتأتي هذه المخلوقات كوسائل للهيمنة الإيديولوجية على رأس العلاقات التي تكوّن التأثير العبودي في ذهن الإنسان، ولقد أنكرت الإنسانية جميع تلك المخلوقات المصطنعة، ووضعت الإنسان في مكانه، كأسمى قيمة، واهتمت بخصائصه الأساسية، وبدأ يسود الاهتمام الأساسي بالإنسان الحر بشكل شامل تحت تأثير المجتمع الجديد، وتم تخليص الإنسان من الدوغمائيات الجاهزة، وعن أسر الآلهة، لئلا يظل عبداً لها، كما امتلك هوية خلقه وتعليم نفسه إرادياً، وبدأ يهيمن على العقل نمط فكري مستقل منفتح على الأفكار الجديدة، وبدأ الإنسان يختار برغبته الألوان والأصوات والأذواق والحرارة وكل ما يؤدي إلى تخلّصه من السحر، وينمي التصور والخيال الذي يؤدي بدوره إلى معنى مذهل، وبدأت الولادة العظيمة للعالم الجديد الذي أغلقه الحكام السابقون امام الإنتاج. كانت تظهر في جميع جوانب الطبيعة ألغاز تنتظر الاستكشاف، والشعور بالثقة بالنفس حرر عملية الإبداع من يد الإله وأعطاها صفة إنسانية ترسخت يوماً بعد يوم، وبدأ الإنسان بالدخول في مرحلة استطاع فيها تقرير مصيره بنفسه ووصل بعد توجيهه لآلاف السنين من أجل مصالح الآخرين، إلى حالة القدرة على إدارة نفسه بنفسه، وتم تمزيق جميع الأقنعة الموجهة للإنسان، وانبلج عصر أضحى فيه الإنسان سيد نفسه، وتعبر هذه الحقائق التي يمكن تعدادها بشكل أوسع، عن الثورة الإنسانية الشاملة. كانت جميع الثورات القديمة حتى الآن قد نقلت الإنسان من سيطرة وتبعية نظام إلى سيطرة وتبعية نظام آخر. أما الثورة الجديدة فقد أدخلت الإنسان إلى مرحلة التخلص من جميع تبعاته والارتباط بذاته.
يعتبر التوازن مشكلة هامة في الوضع الجديد للإنسان أيضاً، ألا يتحول الإنسان الذي قطع كل ارتباطاته إلى حيوان..؟ في الوقت الذي تؤدي فيه المجتمعية غير المتوازنة والمتطرفة، والتي جعلت الإنسان إنساناً إلى خلق عبد اخطر من الإنسان إلى مرحلة الحيوانية، ألا يصبح الفرد الذي تقوّى في المجتمع، وانسلخ عنه فيما بعد، أخطر من وحش كاسر..؟ ألا يكون الإنسان الذي تمت تقويته بالنقود والعلم، والذي تعوّد على أن يرى العالم ساحة غنائم، أخطر من الإنسان الذي يبقى مرتبطاً بالمجتمع..؟ إن توجيه هذه الأسئلة لا يأتي من فراغ، فقد تم ارتكاب أفظع الجرائم والمجازر العامة والإبادة الجماعية ضد الإنسانية باسم الإنسانية في عصر الفردية، ونتج عن ذلك حربان عالميتان، وعدة حروب إقليمية محلية طبقية وأثنية ودينية في أكثر عصور التاريخ دموية، و تظهر أن الأخطار المذكورة ليست عبارة عن ادعاءات فارغة أو جافة، فالحيوان الذي يكمن في الإنسان قد تم إيقاظه وتقوّى كثيراً ويكاد يقضي على الإنسانية من خلال تلوث البيئة وتدني الأخلاق، وعبادة البورصة في مواجهة نظام لا مسؤول.
كان واضحاً ومنذ نشأة الرأسمالية أن هويتها الإيديولوجية وبنيتها المعنوية للرأسمالية، رغم امتلاكها أساساً علمياً على الأرجح، وتتخذ الفرد أساساً لها، وتسمو بالإنسانية تتضمن جميع أنماط المخاطر.
إن قيام أوربا بدور الممهد لظهور الحضارة الرأسمالية يتطلب تحليلاً واسعاً، ويكون التطور الذي يشمل جوهرها وبنيتها السطحية في المجتمع الطبقي والظروف الجغرافية المناسبة عوامل مصيرية، ورغم كل التوضيحات السابقة للإطار العام، لم تستطع الأشكال الجديدة في المجتمعات التي تعيش الحضارات القديمة منذ فترة تاريخية طويلة التطور إلا بالتدخل الخارجي. ولم يكن من السهل عليها استيعاب وتجسيد الشكل الجديد بنفسها، ويمكن ان يكون المناخ والتربة عناصر مؤثرة في التشكيلات الجديدة .
عندما ننظر من هذا الإطار نرى أن جميع تراكمات التاريخ قد وصلت إلى أوروبا في القرن العاشر الميلادي تقريباً، وقد تم نقل كل شيء إلى أوربا، بدءاً من الثورة الزراعية، وثورة المدن العبودية، وصولاً الى جميع مكتسبات الحضارة الإقطاعية، و ليشمل أيضاً جميع التطورات الإيديولوجية و العلمية والتقنية، وتم استيراد قيم الحضارة الإسلامية، التي تشكل ذروة الحضارة الأخيرة حتى القرن الخامس عشر الميلادي، وأخذت المعلومات اللازمة من الصين، التي اخترعت البارود والورق والمطبعة والتي تملك مكانة هامة في التطور التقني. كما أتاحت إمكانيات التجارة الواسعة فرصة لأوروبا كي تعرف على المنتجات الكثير من دول العالم، وأدت المعلومات والمنتجات التي وجدت في مناخ و تربة مناسبتين إلى فائض إنتاجي لم يشهد له مثيل سابقاً، وأدى هذا بدوره إلى تطور المهن اليدوية والتجارية والعلم والفلسفة، وازدادت نسبة القراءة والكتابة، وأضحت أوروبا تمتلك أكبر نسبة من سكان العالم تدريباً.
يكمن وراء هذه التطورات، ظاهرة أساسية، وهي ان أوروبا لم تعش المجتمع الطبقي بعمق، ولم ينتشر النظام العبودي إلى خارج شبه الجزيرة اليونانية وإيطاليا، إلا الى بعض المناطق المتفرقة على شكل مستوطنات، وكانت الحضارة الإقطاعية أكثر حداثة، ولم تستطع الانتشار في جميع أنحاء أوروبا حتى نهاية الألفية الأولى بعد الميلاد. وكانت هذه هي المرحلة التي تربت فيها الطبقة البرجوازية في أبراج المدن. والأهم من ذلك أن الأنظمة النيوليثية والعبودية والإقطاعية هي حضارات شرق أوسطية بجذورها، ولذلك لم تكن هذه الأنظمة مؤهلة للتجذر من خلال تصديرها، وكانت الأعراق الجرمانية والفرنكية والنورمانية التي كانت تعيش المرحلة الأرقى للبربرية، قد أظهرت ردة فعل حيال تلك الأنظمة، ولم تكن هذه الشعوب قد فقدت حريتها بشكل عميق، وكانت هي الأخرى مثل الأربعة الأوروبية لا تزال غالباً عذارء من الناحية الطبقية.
يمكننا أن نتوقع أن عدم الانسلاخ عن الحرية تماماً، مع التراكم الحضاري، سيؤدي إلى ولادة تركيبة جديدة كبيرة باسم الإنسانية في الأراضي الأوربية العذارء، وأدى الطرح والطرح المضاد الغنيين اللذين خلقا الحضارة الأوربية، إلى تركيب متطور في ذهنية الإنسان الذي وصل إلى مرحلة تجسيد واستوعاب جيدة ودون ان يستمر ذلك طويلاً، مثلما تكون كل المستلزمات اللازمة جاهزة للقيام بطبخ العاشوراء، بدأ المثقفون والفنانون ورجال الدين الأوروبيون بحركة التنوير في القرن الخامس عشر، والإصلاحات الدينية في القرن السادس عشر، والحركات التنويرية الكبيرة في العلم والفلسفة في القرن السابع عشر، واستطاعوا خلق العصر الحضاري التاريخي الثالث بطابع القارة الأوروبية.
تأكد أن كل حضارة تتطلب أولاً ثورة ذهنية وروحية، وذلك من خلال المثال الأوروبي، فلا يمكن خلق حضارة من خلال التجارة والمهن اليدوية، ولا بدونها يمكن تحقيقها بدون ذلك أيضاً، ولكن يجب على الميلاد أن يثبت نفسه أولاً ذهنياً وروحياً ومن ثم تحقيق السيادة في المجال الاجتماعي والاقتصادي اللذين يمنحان القوة، عبر ثورة سياسية بأقصى سرعة ممكنة. و كل ذلك يؤكد البنية الديالكتيكية الصحيحة للتطور.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...


المزيد.....




- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثالث عصر الحضارة الرأسمالية أ- ميلاد الحضارة الرأسمالية وهويتها الايديولوجية 1 - 3