أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الاقطاعية ب - الاسلام - القوة الثورية في العصر الاقطاعي 1- 5















المزيد.....


من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الاقطاعية ب - الاسلام - القوة الثورية في العصر الاقطاعي 1- 5


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1518 - 2006 / 4 / 12 - 11:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سنحاول تقديم مساهماتنا للجهود التي حاولت تحليل الإسلام كضرورة للالتزام واحترام الذين بذلوا جهوداً بهذا الاتجاه حتى الآن:
1 ـ إن التوحيد يعني وحدة الله، وهو المصطلح الأساسي الذي يجب تسليط الضوء عليه. إن فهم وجود الله ووحدته واعتبار النبي محمد كآخر رسول له بشكل كلي له أهمية كبرى. التوحيد والوجود ضد من ولماذا..؟ لماذا آخر رسول..؟ لقد بقي اللاهوتيون الإسلام يبحثون عن جواب في الإطار الديني، ولم تستطع التحليلات العلمية التي تم إجراؤها تجاوز الشروحات المحدودة، لأنها ليست على دراية بالميثولوجيا السومرية. ولم تستطع الحضارة الأوروبية تجاوز مركزيتها الأنانية ولهذا بقيت تفسيراتها محدودة، والشرق الأوسط في تنوره لا يستطيع التهرب من مسؤوليات القيام بذلك اعتماداً على مواهبه الذاتية، ولا يمكن أن ينجز مهمته هذه بنجاح إلا بعد تمزيق المحذورات المفروضة على ذلك.
تؤكد الوثائق الموجودة بين أيدينا أن الحضارة السومرية والمصرية قد شهدتا قفزة وتحولاً هاماً في مرحلة تطور الأديان المعتمدة على آلهة متعددة وفي العصر النيوليثي الذي كانت المرأة فيه ذات ثقل مهم. وعندما أثبتت البنية الاجتماعية المستندة إلى التمايز الطبقي والتفرقة الجنسية نفسها في غزارة الإنتاج، ازدادت الثقة بالمثيولوجيا التي طورها الكهنة. وإن لهذا دوراً كبيراً في اتخاذ معابد الكهنة كمراكز إنتاج. لقد أدى ظهور الأديان السماوية في مرحلتها الأولى إلى تحولات جذرية في المعتقدات الدينية، وتم اتخاذ الاستقرار وعدم التغيير في النظام السماوي مثالاً للاعتقاد الأساسي. وإن لاستقرار النظام السماوي المذكور تأثير في تطور التعصب العقائدي في الشرق الأوسط. إن المصطلحات مثل عدم التغيير والأبدية الأزلية مرتبطة بهذا التأثير، وإن أكبر فائدة لفكرة عدم التغيير والتي قدمتها للبنية العقلية الإنسانية وتطورها هي تركيبتها المنفتحة على فكرة القانون الدائم، وبذلك يتم البحث عن تطبيق النظام السماوي في الأرض وستبحث المعتقدات الدينية الجديدة عن ذلك دائماً، وستحاول جعل ذلك مسيطراً على العالم الذهني، ورغم المحافظة على بنية تعدد الآلهة فإن عددها يتناقص مع مرور الزمن وتبرز بعض الآلهة الكبيرة التي تمثل ظواهر الأرض والسماء والهواء والماء والعواصف، ورغم أنها تواصل في أن تكون على شكل الإنسان فهي تحاول القيام بمهمة خلق الإنسانية على شكل الإله السيد والعبد الخادم كنتيجة للتمايز الطبقي. إن الإله أنكي العلامة والماكر هو المعلم الذي أوجد السيد ـ العبد، وهو أستاذ الآلهة الآخرين في هذا الموضوع ويقنعهم بقبول الفكرة، لكن تم خفض دور الإلهة ننهارساغ "إله الجبال" وشكله الأخير إنانة إلى أدنى المستويات وكأنه بذلك تم إنشاء النظام الأرضي كترجمة لمجلس الآلهة الذي خلقه بوفاق هادئ والذي رفض عبده، والذي كان ذكراً على الأغلب. إن طرد آدم وحواء من الجنة والحكم عليهما بالخدمة الأبدية رسم كقدر للإنسانية. لقد وضع الكهنة السومريون حجر الأساس للتطور الديني في الشرق الأوسط وحتى في العالم من خلال إسناد بنية المجتمع الطبقي المستند إلى تمييز السيد والعبد إلى القواعد الدينية والميثولوجية. ويجب على تاريخ الأديان أن يقبل هذه الحقيقة، ولا يمكن لأي تحليل ديني أن يستند إلى أساس تاريخي صحيح وشرح واقعي دون القبول بذلك، ولن يتخلص من النواقص وكثرة المعاني الخاطئة. ولا يمكن إنكار أن الأديان السماوية في اساسها مدينة لتصورات الكهنة السومريين. لقد قامت معابد الكهنة بمهمة الرحم الأساسية للإنتاج المادي والإبداع الإيديولوجي بنفس الوقت. ولعبت الحضارة التي تم خلقها هنا الدور الأساسي في تطور الإنسانية وبداية التاريخ.
إن أهم مساهمة قام بها الكهنة السومريون بالنسبة لمفهوم الإله هي رفعه إلى السماء وتحميله القوة الأساسية للطبيعة وجعل البشر بموقع العبيد في الوقت الذي يتم فيه تسامي صفات السيد ـ المالك في المجتمع، وبالتالي فقد تشكلت الأسس الإيديولوجية للسلطة السياسية. لقد تم تطوير الإله وحاجة المجتمع للعيش بنفس السوية في اللاهوت السومري، وبقول آخر إن الانعكاس أو المقابل الإيديولوجي للسلطة السياسية التي كانت واقعاً مادياً هو الله الذي خلق البشر خدماً له، ومن خلال ذلك فقد تماثل مصطلح الإله مع العامل السياسي وبذلك أصبح الجواب الإيديولوجي للساسة، وبدون خلق المقابل الإيديولوجي لا يمكن تسيير أي نظام سياسي، فالممارسة السياسية تمت دائماً تحت ظل الآلهة، وتداخلت السياسة ذاتها مع الدوغمائية الإيديولوجية في الأذهان مثل تلاحم الظفر باللحم، وبدون تحليل القوة السياسية التقليدية لن تتحقق العلمانية مطلقاً نظراً لهذا الوضع.
لقد تطور التوحيد الذي تم ربطه بجده النبي إبراهيم بشكل مماثل لحاجة القبائل للتوحد ورتابة الجغرافيا كما شرحنا سابقاً، ونرى هنا أن مفهوم الرب بعد مرحلة الطوطمية لدى أنظمة القبائل في الجزيرة العربية جاء بعد مفهوم الإله "أل" الذي تم تقديسه لدى السومريين الذي عملت القبائل على اتباعه، ولكن لا زال لكل قبيلة "أل" خاص بها، وهذا الوضع يفتح المجال أمام الفوضى مما يفرض مزيداً من الحاجة إلى الاتحاد، والأصح هو رؤية مبدأ التوحيد في هذه الحاجة الماسة إلى الوحدة حسب علم الاجتماع. فلماذا لا يحدث التفكير في توحيد "أل" في وقت آخر، بل عندما تشعر القبائل القريبة من بعضها بالحاجة إلى الوحدة والتقارب..؟، أن العهد القديم يشرح الحاجة الماسة للتوحد ضمن القبائل ذات صلة القربى لإبراهيم، ولا يمكن تحقيق الوحدة بوجود عدة "أل" مختلفة في القبائل المتجاورة، وكان على إبراهيم توحيد "أل" ات القبائل المتبقية من مرحلة الآلهة المتعددة حتى يقوم بتحقيق مهمته، إن تحقيق ذلك ضمن القبائل القريبة منه على الأقل وإعلان نفسه كرسول لـ "أل " الوحيد هو العنصر الأساسي في التكوين الإيديولوجي. وقد خصص بهذه العملية إيديولوجية "أل" وحقق القفزة المطلوبة من خلال إعلان نفسه رسولاً لـ" أل"، ويمكننا تسمية ذلك بالتحول والانعطاف الكبير الثاني في تاريخ الأديان، وبذلك أصبحت الهوية الإلهية الجديدة واحدة من خلال التوحيد وأدخلت الإنسان في مرحلة الرسول لأنها أكدت أن الإنسان لا يمكن أن يكون إلهاً.
إن المعنى السياسي والاجتماعي لذلك هو الوصول إلى مأسسة الشيخ في الأرستقراطية القبلية، ولا يمكن للشيخ أن يكون إلهاً ـ ملكاً كما كان الحال عند السومريين، لأن القبائل لم تشهد الفرز الطبقي تماماً، فالشيخ لا زال ينتمي إلى القبيلة ويحيا حياته اليومية بشكل متداخل مع الآخرين، ولم يحدث انفصال بينه وبين المجتمع، وليس في وضع يمكنه أن يكون إلهاً، إن التأليه كخاصية تعود إلى الملوك فقط وأخذت مكانها في ثقافة المرحلة، لقد تم التحقيق والتنفيذ الإيديولوجي لذلك منذ زمن طويل في المجتمع السومري والمصري. إن الذي كان شيخاً يرمز للعصيان والتمرد ضد الإله ـ نمرود، أما جذوره الإيديولوجية فقد اعتمدت على أنه لا يمكن للإنسان أن يكون إلهاً وحاول تحديد الهوية الجديدة للإله من خلال إيديولوجيته المعتمدة على أساس رفض الإنسان الإله، وحقق مرحلة كبيرة في تاريخ الأديان من خلال نضاله الإيديولوجي الذي أعتمد على توحيد الآلهة، وعلى الرسول الذي يكون الأقرب إلى الله، وبذلك تم تحقيق تحول إنساني مرن بالنسبة للعبودية، لقد تكون تركيب جديد من خلال صراع تأثيرات المثيولوجيا السومرية والمصرية مع طوطمية القبائل، أي من خلال الطرح والطرح المضاد للتوصل إلى تركيبة جديدة، هذه هي حقيقة التوحيد التي تتزامن مع توحد القبائل والأقوام ذوي القربى التي اضطرت إلى التوحد من الناحية الاجتماعية، أما من الناحية السياسية فتعني تحديداً لسلطة الشيخ، إن التوحيد هو الهوية الإيديولوجية الكبيرة للقبائل التي توحدت تحت سلطة الله والشيخ، وأصبح الله كاللقب ومصدر قوة للقوم. فنداء: يا الله يعني " امنحني القوة وأنجدني "، وأصبح ذلك شعاراً للحياة وشكلاً من الوحدة. وصدى شعار "ياالله" الذي دوى على مدى قرون أصبح مفتاحاً سحرياً لمعادلة : "لنتوحد، ونستمد القوة، لننتصر".
عندما ننظر إلى التطور التاريخي، نرى بوضوح أن عبادة الله تهدف إلى التوحد والقوة. لكن المصطلحات كالتي تفيد بذهاب العبد المحبوب إلى الجنة هو الجانب الكمالي الأدبي لفنتزة المسألة. إن جوهر المسألة هو الحاجة لسلطة قوية عن طريق التوحد الاجتماعي والسياسي. يجب أن نرى التمييز بين القسم الأدبي الذي تلجأ له الإيديولوجيات من أجل أن تكون مقنعة لذهنية المرحلة غير المتطورة، وبين جوهرها الأساسي الذي يلبي الاحتياجات السياسية والاجتماعية، وإلا لا يمكن التخلص من الدوغمائية التي يتم الوقوع فيها قصداً في التاريخ، وهناك واقع سياسي واجتماعي تحت كل غطاء إيديولوجي، وتحت هذا الغطاء الإيديولوجي كتحليل نهائي، التمايز الاقتصادي والمصالح. إن عدم التحليل بشكل شمولي وحصره في مكان معين يؤدي إلى الوقوع في خطأ منهجي مقصوداً كان أو عفوياً في نشاطات علم الاجتماع.
لقد تطور هذا التحول الإيديولوجي الكبير الذي تم اعتبار النبي إبراهيم جده في مرحلة موسى وعيسى، وهما قريبان لبعضهما من حيث الجوهر. إضافة إلى ذلك فقد عاش 124000 نبي في مرحلة ألف سنة حتى عيسى حسب الكتب المقدسة، ونفهم من ذلك أنه كان يتم إعطاء قيمة وصفة نبوية إلى كل الأشخاص المثقفين والذين يمتلكون ضميراً في كل المجتمعات السابقة، كانت مهمتهم الأساسية هي جعل الماضي والإرث المرتبط به حياً إضافة إلى أحياء آمال يوم التحرر والخلاص والجنة والبلد الذي تم الوعد به. وبرز البعض منهم أي الذين اكتسبوا أهمية في بعض المراحل كموسى وداود وسليمان ويحيا وعيسى ويرميا عزرا... والذين كانوا كالمربين وهم من نفس حلقات السلسلة، إن النبوة كعبادة الأجداد هي تقليد اجتماعي اكتسبت صفة إلهية ولها ممثلون في كل وقت، ولا توجد أية مرحلة بدون نبي، وتتم الحاجة إلى النبوة في مراحل الأزمات الكبيرة منذ عهد إبراهيم، وأطلق على الذين يحملون الكتاب بالدرجة الثانية حاخام في اليهودية وبطريرك في المسيحية وشيخ الإسلام في الإسلام وهؤلاء أغلبهم كتاب مفسرون للكتاب وسنة الأنبياء.
لقد انفجر عصر النبي محمد الإسلامي في هذه الظروف كالبركان، وأننا لن نكون واقعيين إذا فسرنا تطور الإسلام وانتشاره بشكل سريع على أنه حدث بمجرد قوة السيف، إذ لا يمكن لأي قوة أن تؤدي إلى تطورات اجتماعية دون نضوج الظروف، وحتى إن تم تطبيقها فإنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج تخريبية. إن عنف الإسلام لا يعني إلا إزالة حواجز هشة شبيهة بالكثبان الرملية المسيجة للانهيار والتي تنجرف وتنهار بسهولة إثر تلقيها عدة ضربات فقط، ويضاف إلى جريان نهر الحضارة الإقطاعية القوي عدة روافد نهرية وبذلك يتحول إلى سيل لا يمكن الوقوف أمامه. وستصبح الإنسانية بهذه الحملة الثورية الكبيرة شكلاً وقوة جديدة لتاريخ الحضارة في المراكز الأساسية لها من خلال التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الجديد.
في الوقت الذي نعرّف هذا التطور التاريخي الكبير بهذا الشكل، فإن رؤية خصائص ومساهمة النبي محمد عن كثب ينطوي على أهمية كبيرة. كما تشير المصادر فإن الظروف التي ولد ونشأ فيها النبي محمد هي ظروف مثلث مكة والمدينة والطائف والتي تعتبر المناطق الداخلية لشبه الجزيرة العربية الموجودة في نقطة تقاطع الإمبراطوريات الثلاث التي تشكل القوى الأساسية لذلك العصر وهي الإمبراطوريات البيزنطية والساسانية والحبشية. لقد تم إنشاء هذه المدن اعتماداً على التجارة التي شهدت تطوراً كبيراً بين الإمبراطوريات الثلاث. فالتمدن يعني التطور والغنى والازدهار بالنسبة للنظام القبلي الصحرواي، فالتمدن في اللغة العربية يعني التحول إلى المدينة ويعني التحضر، واسم المدينة مأخوذ من هذا الفعل، وهذه المدن التي بناها العرب الأثرياء الساميون على الطرق التجارية مكنتهم من التحضر.
يشكل الإرث العبري الذي بدأ بالنبي إبراهيم الهوية الإيديولوجية للشرق الأوسط، ومرحلة تاريخية هامة جذبت القبائل الصحراوية الواسعة إلى مرحلة التحضر. لقد تجاوز الحضارة العبرية والسومرية رغم اعتماده على تراكماتها، وإن هذا الإرث هو الراية الإيديولوجية للموجة الحضارية الثانية والكبرى، ويعتبر الذهنية المتطورة للتحرك الاجتماعي الكبير وتشكلها مجدداً من الناحية الروحية، لقد تم تحطيم الأصنام الطوطمية التي كانت تمثل تخلف القبيلة البدائية من جهة، ومن جهة أخرى تم التمرد والعصيان على تعدد الآلهة الشبيهة بالإنسان وعلى الأنظمة المصرية والسومرية التي قدمت نفسها مثل الملك الإله، إن تحول "أل" إلى الله هو السلاح الإيديولوجي الأساسي للتطور التاريخي، ويعتبر شعار " الله أكبر، محمد رسول الله"، لهو أكبر قوة دعائية للمؤمنين الذين تجمعوا حوله، وعندما تم الوصول إلى عهد النبي محمد هدأت البنى السياسية مقابل تطور الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت الإيديولوجيات الرسمية متخلفة وعدوانية، وكان يتم تجاوز العبودية بسرعة من خلال التمأسسات الاقتصادية والاجتماعية، وكانت أشكال الدول الحاكمة تشهد إصرارا كبيراً على التعصب وباتت متخلفة أكثر من الملكيات المطلقة في سومر ومصر وكانت بعيدة عن تأمين العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي خلقت مجدداً، وأصبحت عائقاً أساسياً أمام البنية السياسية والنمط الجديد للإنتاج وعلاقات القوى الاجتماعية، ولا سيما الإمبراطورية البيزنطية والساسانية اللتان كانتا قد زالتا منذ زمن طويل وفقدتا حيويتهما، وكانتا تشكلان سداً أمام الحملة الحضارية الجديدة ولا بد من تجاوزهما لانهما لا تمثلان سوى مخلفات أجهزة دولة عبودية.
التطلعات المتصاعدة للحياة الجديدة والخيالات الإنسانية تصطدم بهذه السدود وتقف عندها، وكان التطور الذي شهدته الإمبراطورية البيزنطية عن طريق المسيحية يتحول إلى تعصب أدى إلى ممارسة القمع والظلم مع مرور الزمن، وخرجت المسيحية التي هي أمل تحرر المضطهدين بشخصية عيسى البريئة عن أن تكون دين الوجدان والأخلاق. وتم تحويلها إلى أداة لألاعيب السلطة وتم تحريف المسيحية الرسمية في مرحلة سمو النبي محمد عن جوهرها، كأداة توسع وضغط لأصحاب السلطة، وتم استبعادها عن أن تكون أمل الجماهير، واستخدمت كوسيلة لتخدير البشر، والتقليد العقائدي الذي ينتظر المسيح "المنقذ" بدأ يبحث عن مسيحه الجديد أي نبيه الذي تحدث عنه العهد المقدس. وبدأت الإشارات المتعلقة بزمان ومكان ظهور النبي الجديد تزداد يوماً بعد يوم. وكانت النقاشات تدور حول هذه المسألة والعلامات.
تم إيقاف التصاعد "المانوي" في الإمبراطورية الساسانية على يد مجموعة من الكهنة الذين جعلوا الزرادشتية متعصبة "275 م" عن طريق المجازر. وبقيت الإمبراطورية بعدها بلا متنفس أمام التجديد ولم يبق للزرادشتية أي دور سوى أن تكون وسيلة للتعصب، وكانت الحضارتان الصينية والهندية تشهدان صراعات داخلية كبيرة. وكان تطور الإقطاعية فيهما يشهد مرحلة مضطربة. وهكذا فان الإنسانية كانت تبحث عن الخلاص عبر الجماعات الصوفية والطرق السرية التي انتشرت بكثيرة كما كان الحال في المرحلة الأخيرة للإمبراطورية الآشورية. وبقيت هذه القنوات الصوفية التي كانت شبه دينية وشبه فلسفية، السبيل الوحيد المفتوح للحرية الإنسانية، لكنها لم تستطع أن تكون التيار الأساسي للتحرر، حيث لم يتم فتح الطريق أمام الجداول والبحيرات الصغيرة لترفد تيار النهر الرئيسي.
ان وجود تلك المدن بجوار الإمبراطوريات الثلاثة يعد ميزة بارزة لها. ولم تتمكن أية إمبراطورية ضم المدن المذكورة إلى حدودها بشكل كامل، وكأن الصحراء كانت تلعب دور بحر من الدفاع الطبيعي. ولم تستطع أي قوة مقاومة القبائل العربية التي كانت تمتلك الحديد وقوة السيف والخيول، وإن الخيول والسيوف تلعب دوراً استراتيجياً هنا، ونضجت الظروف الأساسية لمرحلة تاريخية استراتيجية عند توحد الدور الذي تلعبه الجمال (سفن الصحراء) في التجارة مع السيف والخيول التي توحدت مع قوة الدفاع الطبيعية للصحراء. ولم تتخلص جيوش الإمبراطوريات الثلاثة من تكبد الخسائر والانسحاب رغم قيامها بعدة حملات على مكة، إذ ليس هناك ما تقوم به الجيوش النظامية في هذه الظروف، إن قصة تشتت الجيش الحبشي من خلال الحجارة التي أمطرتها طيور الأبابيل "أية في القرآن" هي الشرح الديني لمحاربة الفرق القبلية بواسطة السيف والخيول، وفي الوقت الذي أدت فيه التجارة بين الإمبراطوريات الثلاثة إلى غنى غير طبيعي وظهرت قوة الخيول والسيف فان حرب الكريلا حسب ظروف الصحراء جلبت معها إمكانيات نجاح كبيرة، ولكن يصعب الاعتماد على حرب الكريلا الصحراوية في كل مرحلة تاريخية وكل حرب بما فيها تلك التي قامت ضد الأنظمة في الصحراء الغربية والمغرب والجزائر والسودان، وهناك قيام كريلا مشابه لكريلا الصحراء من صحاري منغوليا وتركمانستان، أدت إلى أقوى حملات توسع في التاريخ. وكذلك كانت طرق الكر والفر عند الآريين تعتمد على أنظمة جبال زاغروس ـ طوروس، بينما اعتمد الالمغان والسلاف على غابات وسهوب الشمال ضد المراكز الحضارية في ظروف مشابهة، وبنفس المنطق. ومن المعروف أيضاً أنه تشكلت ظروف مشابهة في المراكز الحضارية التي تطورت في وديان النيل ودجلة والفرات ابتداءً من الألفية الثالثة قبل الميلاد في شبه الجزيرة العربية. لقد أدى وجود القرى ذات الإنتاج الغزير في العصر النيوليثي، والظروف التجارية التي ظهرت مبكراً بين مراكز مدن النيل والفرات ودجلة إلى تحول للقبائل السامية، وهذا ما جعلها قوة دفاعية وهجومية في آن معاً، وكانت تقوم بالنهب بشكل متتابع، وتعيش حياة مستقرة عندما تحصل على القوة، وتهرب إلى أعماق الصحراء عندما لا تتمكن من امتلاك القوة.
إن النسب إلى إبراهيم كجد، قد رفع هذا الإرث إلى أعلى المستويات وأكسبه شخصية وحّوله إلى حضارة أصيلة مع مرور الزمن، وأصبح هذا التأثير فعالاً عن طريق قوة الجمل وذلك في المرحلة التي لم يمتلك فيها الخيول والحديد قط. وازداد التأثير بعد عام ألف قبل الميلاد بعد دخول السلاح الحديدي، وتم تشكيل أول ملكية عبرية في التاريخ، إن اعتداء المصريين والسومريين ومن ثم الآشوريين والساسانيين والرومانيين على مراكز الحضارة الجديدة والبطش بها بلا رحمة وإزالتها أحياناً لم يكن عن عبث، وكانت الاعتداءات المنطلقة من الصحراء تضغط على هذه المراكز وكان لها قابلية لتشكيل البديل أيضاً. لقد لعب الإرث القبلي دوراً أساسياً في انهيار سومر ومصر وحتى روما المزدهرة، ويشكل عهد النبي محمد مرحلة الذروة التي أعدت التصاعد المزدهر إلى حضارة جديدة انفجرت كالبركان تحت الظروف الجديدة لهذا الإرث والتي مازال تأثيرها مستمراً حتى الآن أي مرحلة الإقطاعية.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الخضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة اليمقراطية الفصل الاول ا ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...


المزيد.....




- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...
- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الاقطاعية ب - الاسلام - القوة الثورية في العصر الاقطاعي 1- 5