أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان صباح - إنتاجات حداثة الماضي تتشابه مع إنتاجاتها اليوم ، الفردية والنرجسية .















المزيد.....

إنتاجات حداثة الماضي تتشابه مع إنتاجاتها اليوم ، الفردية والنرجسية .


مروان صباح

الحوار المتمدن-العدد: 6576 - 2020 / 5 / 28 - 14:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


/ شاءت أسباب عديدة ، أن يتوقف المرء طويلاً ، ثم يتساءل في غرفة صغيرة لكنها واسعة التأمل والتفكر ، لماذا لم يبحر علم الاجتماع العربي والغربي معاً ، منذ أن وضع الأسس البنيوية له ، الاقتصادي والحافظ والمؤرخ والفلكي والرياض والفقيه والاستراتيجي العسكري ابن خلدون ، تماماً كما أيضاً في الجانب المقابل ، الفيلسوف الاجتماعي ، أوغست كونت الذي صك المصطلح الجديد لعلم الاجتماع في الغرب ، لذلك التشابه بين فترتين متباعدتين للعهد العباسي وعصر الأنوار ، فقد خلتا من البحث ولم يتطرق لهما أي طرف من الأطراف الاجتماعيين ، فالتشابه بالتغيرات الإجتماعية بين عهد العباسي وعصر الأنوار كبيرة ، وبالتالي شهد العهد العباسي وفرة كبيرة في التصنيع والتصدير للعالم ، صناعة النسيج والألبسة والورق والصباغة والصياغة والصابون والذجاج والحدادة والساعة والطيران والأطعمة ومواد البناء والأثاث المنزلي والعام وصناعة السفن والزوارق والسلاح والبريد السريع ، وايضاً هذا حصل أثناء التغير الاجتماعي الذي صاحب الثورة الصناعية في أوروبا ( عصر الأنوار ) بعد الثورة الفرنسية الأولى ، إذن ، تحديداً في عهد الخليفة هارون الرشيد ظهرت حرية الفرد إلى درجة تتشابه مع الحرية المطلقة التى يتمتع بها الغربي اليوم ، وإذا ما أخذ المرء على سبيل المثال الشاعر ابو نواس نموذجاً ، سيجد المحقق بأن الرجل أسس مسألتين ، الأولى ، الرأي الإباحي ( المعلن ) الذي حطم المحرمات والتى تخالف الدين والعرف ، بالطبع ليس لعلاقته الموثقة بشرب الخمر أو الجنس خارج العلاقة الزوجية أو الشعر كشعر تقليدي ، بل لأنه كان يجاهر في رأيه لعشقه للغلمان ، تماماً كما هو ذلك عن عشقه للجواري ، أما الأمر الآخر ، لقد أسس الكوميدية الشعرية ، ففي واقعة حبيبه قال ( دعوت إبليس ثم قلت له / في خلوة والدموع تنهمر / إن أنت لم تلقِ لي المودة في صدر حبيبي وانت مقتدر / لا قلت شعراً / ولا سمعت غنياً / ولا جرى في مفاصيلي السكر / ، أما الواقعة الأكثر شهرةً بين الناس ، عندما أصطف مُخمراً خلف الإمام في الصلاة وتحديداً لحظة نطق الإمام بقوله( قل يا أيها الكافرون ) كان رد ابو نواس ( لبيك يا إمام ) .

وليس هذه آخرها بل ابونواس في طباعه كان ثعلباً ، دقيق في الشعر ومفرط مع فريسته ، وبالرغم من تعدد مئات المصطلحات للعلم الاجتماع والتى تجعله منه مادة عصية على الهضم ، إلا أنه علم يهتم بمسائل الناس من الناحية الاجتماعية ، وببساطة هؤلاء المؤسسين اهتموا بشكل مباشر في تدوين التاريخ ونظام الكلي للبنية التى يشكلها الإنسان ، بل في كثير من المحطات الحياة ، كان هناك أشخاص لا يقلقون ابداً بخصوص التسمية المهنية ، بل اشتغلوا في هذا العلم من باب الهواية ، فكانوا هواة لكن بما تعنيه الكلمة لمعنى الهواة ، هواة جديين ، وايضاً شهد العالم أشخاص مثل أوغست كونت ، تحول إلى شخصية كلاسيكية ، اهتم في أصول الجوهر للتغير الاجتماعي ، على الأخص فترة التحولات الكبرى التى شهدتها أوروبا خلال الثورة الصناعية ، والتى أطلق عليها بالتحول العظيم ، وبالتالي أنتقل المجمتع من مجتمع زراعي إلى صناعي ( أي من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث ) لأول مرة كان علم الاجتماع حاضر بهذه القوة وحظيت البشرية بتسجيل مراحل الانتقال بهذه القدرات النوعية ، رغم تطور علم الاجتماع واختلافه مع أوغست بكثير من المسائل الجوهرية ، بل هناك الآن دراسة تعتمد على عمليات تنقيبية لعصور مضت من زمن بعيد ، كانت التكنولوجيات وحياة البشرية متطورة عن اليوم بأشواط ، قد لا يستوعبها المنقب ، لأن باختصار لم تهتم المجتمعات السابقة بعلم الاجتماع كما هو حاصل حديثاً ، فالعالم اليوم تطور حديثياً عن الماضي القريب ، صعدت المدينة من بين مدن تقليدية مع عمليات كبرى للعلمنة وتطور النظام السياسي ، كالديمقراطية الحديثة وايضاً في المقابل ، النظم الشمولية الحديثة التى خلقت تدريجياً خطوات ترشيدية تتناسب مع الحداثة الجديدة أو كما يتطلع البعض مناداتها ، بعمليات تمدينية ، وبالتالي في اعتقادي نظر لها الاجتماعيون على أنها فترة تاريخية في تاريخ البشر الذي لا بد من تسجيلها بدقة ، وهذا الذي يجعل علماء الاجتماع في مكان أكاديمي عالي ومميز ، لأن لولا استبصار من مضوا من المفكرين ، كانت الفترتين بين المجتمعات التقليدية والحديثة ، تلاشت مع تطور الحياة حتى تحدث متغيرات كبرى تمحي الحديث وتعيد التقليدي ، تماماً كما كان يحصل في الحقبات الزمنية السابقة على مدى السلالة البشرية ، على سبيل المثال ، لقد اعتمدوا المسلمون والعرب على شخصية وحيدة في علم الاجتماع ( ابن خلدون ) وايضاً في الكوميدية الشعرية كانت قد تمثلت في شخص واحد هو ( ابو نواس ) ، لكن بالتأكيد كان هناك شخصيات أخرى لم يحظوا بأهتمام المدونيين ، فسقطت أسمائهم من دفاتر العلوم الاجتماعية .

إذن ، كان العراق أثناء إنتقال الحكم من الأمويين إلى العباسيين ينغل بالفرقاء ، أشبه بمدينة نيويورك اليوم ، يعيش فيه المجوس والزنادقة والصينيين والهنود ومن أغلب الملل والمناطق وبالتالي ، مورست في الخفية جميع المحرمات ، الخمر والتجارة المحرمة والمخدرات والفن الجنسي والشعر الاباحي وكل ما يخطر على البال أو لا يخطر ، ومن هذا المجتمع تكونت شخصية ابونواس ، لكن الذي يميز الشاعر العربي هو مشروعه الخاص ( الجهر بالمحرمات ) ، بالطبع لم يكن يحصل هذا لولا معرفته بأن السلطة التنفيذية أصبحت بظهره ، بعد علاقته المميزة بالخلفية هارون الرشيد ولاحقاً بابنه ، وقد عبر عن ذلك ببيتين من الشعر ، الأول يظهر حجم العلاقة بين الشاعر والسلطة ، يقول ( ألا فأسقني خمراً وقل هي الخمر ، ولا تسقني سراً وإذا أمكن الجهر ) ، والبيت الآخر ينسجم مع حركته الجهرية للمادة الإباحية ، يقول ايضاً ( وإن قالوا حرام قل حرامً ولكن اللذاذة في الحرامُ ) .

وهذه الحصيلة ، كانت قد أفلتت من الكتابة العميقة ، كإضافة في علم الاجتماع المقارن بين الأزمنة التى شهدت تحولات كبرى ، ففي القرن الماضي عكف العلماء الطب النفسي على دراسة شذوذات الغريزية للجنس البشري ، وأطلقوا عليها بالنرجسية الجنسية ، وبالتالي يصح القول هكذا ، لقد إجتمعت في ابونواس النرجسية الشعرية والجنسية معاً ، فقد حولته النرجسية إلى موثن ، وهنا التوثين ينقسم إلى توثينين ، الأول الذاتي ، والآخر الاشتهائي ، بالبطع ليس لقوله الشعر التقليدي أو لشربه الخمر أو ممارسته الجنس ، بل لأنه قال شعراً بعلاقاته بالجنس الواحد أو جمع بين الجنسين معاً ، كانت تلك ظاهرة جديدة على الثقافة العربية الإسلامية ، وبالتالي أعلن الفردية المطلقة المبنية على الحرية المطلقة ، وايضاً وثن نفسه عبر الاشتهاء الذاتي ، الذي يسمى اليوم بالنظر الطويل إلى المرآة والذي تحدث عنه الشاعر الفرنسي بودلير لاحقاً أثناء زيارته الشهيرة لأحد معارض البغايا في باريس ، ففرنسا تقيم معرض رسم ، لكبار رسمي العالم يسمى دورسيه الذين اختصروا المعاناة والبؤس للمرأة وعلاقتها بالمرآة ، ففي التوثين الذاتي ، العاشق بأفكاره يصاب من حيث لا يدري بإنجازاته لدرجة ويوثنها حتى التقديس ويعزل نفسه عن الآخرين لشعوره المتزايد بالفارق بينه وبينهم ومن ثم يربي نفسه على الدلال المستمر والمرتبط بالمرآة ، وهذا الباب يفتح باب أعمق وأخطر من الأول ، ففي الاشتهاء الذاتي ، كما أشار ابو نواس في كثير من أبياته الشعرية ، عندما عازل الجواري والغلمان معاً ، لم تكن معازلة ابونواس نبيلة وعذبة بقدر ما هي شاقة وعسيرة على الفهم ، بل سعى إلى ترويج تلك المقارنة الفريدة بأبعادها الدفينة ، فمعازلته بالتأكيد ليست عادية كما يحكيها شاذ عابر أو عادي ، لأن المتأمل طويلاً لشعر الرجل ، سيجد باختصار كيف صاهر نفسه بشكل توثيني بالغلام المعجب به ومن ثم جعله كالمرآة ليصل لنفسه ، وهذه النرجسية الجنسية المتفردة والمنعزلة فكرياً تعتبر أعلى دراجاتها ، لأن الهدف منها وصول الذات مع كلا الجنسين ليصل لنفسه ، وبالتالي لا يحصل ذلك إلا مع من تنرجس إلى الرمق الأخير .

تستدعي المقارنة بين العهدين خصوصية التفكيك ، ولأن الحداثة التى طرأت على العهدين العباسي والعصر الأنوار وامتداده إلى يومنا هذا ، أنتج فرديات مماثلة في التهور والنمط الهووي ، وهذا يشير عن مسألة غاية من الأهمية ، دائماً وابداً ، كانت أسباب سقوط الإمبراطوريات الكبرى ، تأتي من تأثر الطبقة الحاكمة بحياة أشخاص هوويين والتماهي معهم لدرجة الإعجاب والإفتتان ، فيكون الخراب ومن ثم السقوط . والسلام



#مروان_صباح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الفردانية المطلقة والفرد في الأمة ...
- مروان صباح / سويسرا الشريك الفعلي لكل هارب من الضربية وسارق ...
- محمد رمضان يعيد المشاهد العربي إلى الشاشة المصرية ...
- الديمقراطية والرأسمالية ، عقد قابل لذوبان ...
- الهندي الأحمر والفلسطيني الأبيض ، مشروع واحد ...
- جدار أثيوبيا المائي ، تبادل لعبة السدود
- جدار أثيوبيا المائي ...
- علاقة الحريات بالحداثة ومعادلة المراحل في تاريخ البشري ...
- العدالة لا يمكن أن تصنع من الظلم ...
- من علامات الخالق أن يمرر للمخلوق بصائر إدراكية ...
- لبنان بين حكومات الطبقة الفاسدة وحكومة التجويع ...
- كيم يونغ فتى الظل الجديد في لعبة التراشق ...
- عظمة الخيال جاء بكل هذه التكنولوجيا الافتراضية ...
- محمد عمارة من صفوف البناء التحتي للمادة إلى صفوف المدافعين ع ...
- كانط المتخبط والعرب المتخبطون بكانط ...
- ابو محمود الصباح من غرفة عملية صيدا يرد على تصريح مردخاي غور ...
- خلطة الحرية والفلسفة والتحوّل ، تمهد للانتحار ...
- فقط أبن الحرة من يُدير الأزمات بنجاح ...
- محاولة ركيكة مثل صاحبها ...
- البحث عن الهوية ، شعاراً مازال قيد البحث لم يتحقق ...


المزيد.....




- أفعى برأسين تزحف في اتجاهين متعاكسين.. شاهد لمن الغلبة
- بعد توقيع اتفاق المعادن مع كييف.. ماذا قال نائب ترامب عن نها ...
- تساقط الثلوج يسجل رقما قياسيا في موسكو خلال شهر مايو
- دبي.. منصة -تلغرام- تنظم عرضا مميزا للطائرات المسيرة
- قبرص.. انهيار هيكل معدني ضخم خلال مهرجان للطيران
- مسيرات روسية تستهدف موقعا أوكرانيا في مقاطعة خاركوف
- فولغوغراد.. سائق سكوتر يتعرض لحادث مروع
- أول رحلة ركاب روسية لمطار سوخوم الأبخازي بعد عقود من التوقف ...
- الرئاسة السورية تعلق على القصف الإسرائيلي لمحيط القصر الرئاس ...
- هجوم على قافلة أسطول الحرية في مالطا قبل توجهها إلى غزة واته ...


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان صباح - إنتاجات حداثة الماضي تتشابه مع إنتاجاتها اليوم ، الفردية والنرجسية .