|
الهندي الأحمر والفلسطيني الأبيض ، مشروع واحد ...
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 6563 - 2020 / 5 / 13 - 14:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ كانت الحركة الصهيونية تصنف تاريخياً بالعدو حتى أمِيط اللثام وظهرت فجور الصفقات بين الأعداء ، وبالتالي لكي يتضح كيف حصل ذلك ، لا مهرب من العودة إلى أصول الفكرة التى تحولت إلى تراث يطلق عليها البعض أو ممن تبقى من الممحيين ، بالتراث الغني ، فحتى الآن التسمية التى أطلقها الرجل الأبيض على الهنود في الجانب الشمالي من القارة الأمريكية ، مازالت في صدارة تداول البشرية جمعاء بلا منازع ، بل عندما البعض يستخدم مصطلح الهنود الأصلين ، يؤكد بأن التسمية الصحيحة تبخرت كما تبخر أهلها ، لأن بأختصار لو عُرفت تسميتهم ما كان المؤرخين استخدموا هذا المصطلح بهدف التفريق بين القديم والجديد ، وبالتالي عمليات التعويم من قبل المفكرين للشعوب التى استضعفت ، لم تقتصر على قبائل الهنود الحمر في أمريكا ، بل كان قد عبر عن ذلك بشكل جلي ، عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو وهو أحد أبرز المراجع العالمية في علوم الإنساني والاجتماعي ، عندما أبدى موقفه في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية ، قال ( لأنني لم أشعر بأنني قادر بشكل كافٍ على الإتيان بتوضيح بخصوص ما هو بلا شك أكثر الأسئلة مأساوية وصعوبة في زماننا ، كيف نختار بين ضحايا عنف عنصري بشكل خالص وبين ضحايا هؤلاء الضحايا ) .
لقد قادت الحركة الصهيونية بدعم حلفائها مشروعاً عسكرياً مزلزلاً ، ماحقاً وساحقاً على غرار المشروع الأوروبي على الأرض الأمريكية بقيادة كل من إسبانيا وبريطانيا وفرنسا والبرتغال ، كانت النتيجة إبادة قبائل الهنود في الجهة الشمالية واستعمار الجهة الجنوبية ، ولم تتوقف الإبادات حتى قامت ثورات أخرى من أجل إنهاء الوجود الاستعماري ومن ثم تبعها تحرير القارة الأمريكية الشمالية من العبودية لتصبح في ما بعد ببلد الحريات التى حررت عبيدها ، وايضاً مع إلغاء التميز العنصري باتت الأرض التى يحلم بها أي إنسان في هذه المعمورة ، فاليوم الإسرائيليون ينتقلون من الدولة التى قامت على حساب شعب كامل في أرضه إلى مرحلة مشابهة بالتى انتقلت الولايات المتحدة الامريكية إليها ، التحرر من عقدة الإبادة ، وبالتالي من يتأمل في الجاذبية المتبادلة بين القارتين الأوروبية وأمريكا الشمالية اتجاه اسرائيل ، يجد أن هذا لا يقتصر فقط على السياسيين والعسكريين بل يشمل معظم المثقفين وعلى الاخص اليساريين ، فالحركة الصهيونية في نهاية المطاف ، حركة أيدولوجيا ، استطاعت كما فعل الغرب في حشد أفراد متفرقون من أنحاء أوروبا خلف فكرة الوطن البديل ، أرض الميعاد ، صنعت الصهيونية نفس الشيء ، فحشدت اليهودي من أنحاء العالم خلف فكرة أرض الميعاد والخلاص من الاضطهاد والتميز العنصري والملاحقة ، فتجمعوا كما تجمعوا الغربيون في حركتين متشابهتين لإنشاء دولتين قويتين ، وحصل ذلك ، أمريكا تعتبر حتى الآن الدولة التى تقود العالم بمفردها وتتشارك مع الدول الكبرى في ملفات متعددة ، وإسرائيل خلال المائة عام السابقة ، استطاعت تحطيم وتفكيك جميع المشاريع العربية والإقليمية التى يمكن لها أن تنافسها أو تهددها ، والآن تقف أمام عالم عربي وإقليمي جديدين ، أجيال غزتهم العولمة وباتت كل الكماليات أساسيات ، وهاهي تنفتح تدريجياً على العرب بعد تركيا لبناء وتعمير الصحراي وبمواصفات إعجازية على غرار ما تعمر في صحاري أمريكا ، وبالتالي حجم المشروعات التطويرية التى صنعت في المنطقة وعلى وجه الخصوص في مجال السياحة وما يطرح من مشاريع عملاقة ، جميعها كفاية في تبديد المأساة التى حصلت على الأرض الفلسطينية ، فكيف لا ، فإذا كانوا الهنود إياهم ، الذين أطلق عليهم المستعمر الأول للقارة الأمريكية الشمالية ( بالحمر ) ، والمعني الحقيقي للون هو الفرن أو الدم ، فإذن ، كما راهن الأمريكي الأول على أن العمر كفيل بتضيع أسم القارة لدرجة باتت البشرية تطلق عليهم بالحمر أو باسماء قبائلهم ، وبالتالي بفعل القوة الجديدة اندثر كل شيء حتى ما تبقى من تراث هندي ، ليس سوى مجموعة من المؤلفات الرجل الأبيض والتى لا تعتمد على العمق ، بل في أحسن حال ، على النقل والنقل الرديء والذي إقتصر على صيحات الهندي أثناء القتال ، هو هو هوووو .
على أية حال ، المشروع الأمريكي الصهيوني لا يعتمد على تغير جغرافيا أو شعب معين ، بل هو مشروع عالمي عولمي ، لهذا يجد المراقب ، وهذا المفهوم قائم بين المثقفين قبل الشعوب ، بأن الذهنيتين الأوروبية والأمريكية تتبنى على حد سواء ، أحقية كل السالمين من محرقة الهولوكوست في إقامة دولتهم على الأرض التى يرغبون بها ، بل لا ينظرون للمسألة الفلسطينية كما ينظر الفلسطيني لها ، على أن هناك قوة مهيمنة طردت شعباً كاملاً من أرضه ، لكن ، هو نفسه الناظر للمسألة بهذه الطريقة ، أعني الأوروبي ، يجد بأن عدم قبول الفلسطيني على الاخص والعرب عامةً بدولة يجتمع فيها أناس تعرضوا إلى أكبر عملية حرق أرضي على الإطلاق ، بالأمر العنصري ويرتقي إلى اللاسامية والمحرقة ، وهذا المفهوم تسلل بشكل واضح لأبناء المنطقة ، إن كان على الصعيد الرسمي أو الشعبي ، باتوا أهل المنطقة عموماً يطالبون إسرائيل بالتنازل عن الأراضي المحتلة ، بل المطالبة لم تعد بتلك الحادة التى كانت تسمع المحتل ، بل ايضاً من الممكن التفاوض على ما تبقى إذا رغبت بذلك ، وبالتالي تدريجياً يراهنون الأحفاد ، احفاد الحركة الصهيونية على الزمن الذي هو كفيل بتغير كل شيء .
الآن في مسح مبسط للتحالفات على أرض الواقع ، بهذا الملف تشير بأن مصلحة إسرائيل كانت وستبقى حريصة حتى إشعار آخر غير منظور ، على إبقاء السلطة على حالها ، ولأن ايضاً ، تمكنت من تقديم نفسها على أنها الدولة العلمية والاقتصادية واللاعب الإقليمي الأهم ، والمتحالفة تحالف النزعة البشرة البيضاء مع الغربي ، وبالتالي من أعاد كتابة التاريخ في الولايات المتحدة ، كان قد قدمه على أنه تراث مشترك بين اليهودية والمسيحية ، وهذا تطلب من المسيحية تصحيح الخطأ التاريخ أولاً وتصحيح الجريمة الكبرى التى تسمى بالهولوكوست ثانياً ، بالطبع التصحيحان يفّرضان على المصحح بعدم السماح لمعادين السامية من العرب بتكرار مسأساة مشابهة لمأساة هتلر .
بالمفهوم الأوسع ، لقد أُعلن عن المشرع الصهيوني قبل جريمة الهولوكوست ، بل الهجرة الهيودية إلى فلسطين بدأت قبل الهولوكوست بنصف قرن على الأقل ، وبالتالي كل الإدعاءات التى يقدمها الرجل الأبيض أينما كان ، ليست سوى مبررات واهية لا قيمةً لها ابداً ، لكن الحقيقة الثابتة والتى لا تقبل التشكيك بها ، لقد أنتقلت الدولة الإسرائيلية من مرحلة الاحتلال إلى دولة ( النمذجة ) من أجل تعديل المفهوم العام ، بالفعل كما هو ملاحظ ، الجميع يسعى إلى رضاها وإرضائها ، مع التذكير المفيد ، على الرغم من وجود دول امريكا الوسطى والجنوبية بجانب جغرافية امريكا الشمالية ، لكن سكان تلك الدول حلمهم الوصول إليها وفي مقدمتهم أبناء دولة المكسيك التى اقتطعت أمريكا اراضيهم ، هؤلاء جميعهم يتدافعون على الحدود من أجل الانخراط في أعمال شاقة وخدماتية لا يقبل الرجل الأبيض الإشتغال بها ، تماماً كالحكومات التى تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها القائد الذي يقود البشرية بالدولار الأمريكي والقمح . والسلام
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدار أثيوبيا المائي ، تبادل لعبة السدود
-
جدار أثيوبيا المائي ...
-
علاقة الحريات بالحداثة ومعادلة المراحل في تاريخ البشري ...
-
العدالة لا يمكن أن تصنع من الظلم ...
-
من علامات الخالق أن يمرر للمخلوق بصائر إدراكية ...
-
لبنان بين حكومات الطبقة الفاسدة وحكومة التجويع ...
-
كيم يونغ فتى الظل الجديد في لعبة التراشق ...
-
عظمة الخيال جاء بكل هذه التكنولوجيا الافتراضية ...
-
محمد عمارة من صفوف البناء التحتي للمادة إلى صفوف المدافعين ع
...
-
كانط المتخبط والعرب المتخبطون بكانط ...
-
ابو محمود الصباح من غرفة عملية صيدا يرد على تصريح مردخاي غور
...
-
خلطة الحرية والفلسفة والتحوّل ، تمهد للانتحار ...
-
فقط أبن الحرة من يُدير الأزمات بنجاح ...
-
محاولة ركيكة مثل صاحبها ...
-
البحث عن الهوية ، شعاراً مازال قيد البحث لم يتحقق ...
-
إعادة النظر بالبيداغوجيا التقليدية ..
-
الأفكار العلمية والفلسفية ممكنة في زمن معين ومستحيلة في زمن
...
-
الرأسمالية الليبرالية والرأسمالية بلا ليبرالية ...
-
مازالت أنماط التفكير لأجهزة الاستخبارات العالمية تتشابه بالأ
...
-
من على الرف إلى الحياة الكاملة ...
المزيد.....
-
طيارو القاذفات B-2 -الشبح- يروون لـCNN كواليس عملياتهم: -تخت
...
-
نائب ترامب عن ضرب إيران: -لا أحد يريد أن يمتلك أسوأ شعوب الع
...
-
ترامب ردا على تقرير CNN: الغارات على إيران -من أنجح الضربات
...
-
رغم وقف إطلاق النار مع إسرائيل.. أمريكا تراقب أي تهديدات من
...
-
-نصران- في حرب واحدة: ما نعرف عن النتائج الأولية للمواجهة بي
...
-
إيران لم تسقط وإسرائيل تجاهلت دروس التاريخ
-
جيروزاليم بوست: محادثة صعبة بين ترامب ونتنياهو بشأن إيران
-
تقييم مخابراتي أمريكي: الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية
...
-
21 شهيدا في غارات إسرائيلية على غزة منذ فجر اليوم
-
كيف يستثمر ترامب مديح الناتو لتكريس زعامته؟
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|