أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - عالم الشاعر سميح محسن في مجموعة -غبار على مرايا البحر-















المزيد.....


عالم الشاعر سميح محسن في مجموعة -غبار على مرايا البحر-


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6554 - 2020 / 5 / 4 - 17:15
المحور: الادب والفن
    


قبل الدخول إلى الديوان أذكر بأن عناصر التخفيف/الفرح التي يلجأ إليها الشاعر هي "المرأة، الطبيعة، الكتابة/الفن، التمرد/الثورة" وهي حاضرة في الديوان وبغزارة. بداية نتوقف عند الألفاظ التي جاءت في عنوان الديوان: "غبار على مرايا البحر" والتي تشير إلى انتصار البياض "البحر/مرايا" على السواد في "الغبار"، كما أن المعنى يؤكد على هذا الانتصار، فكيف للغبار أن يقف في وجه البحر؟، لكن المشكلة أنه يقف على صورة البحر المنعكسة في المرايا، بمعنى أن الغبار لا يجرؤ أن يقف في وجه الحقيقة/البحر، لهذا نجده يعلق على الصورة/الجامدة في المرايا، وهو ما يشوه الصورة البحر، وأيضا بمعنى أنه يمكن أن نزيل الغبار بمجرد مسحه، فهو مجرد غبار!، وبما أن الغبار على صور شيء كبير/عظيم وجميل، فهذا يستدعي منا، أن نزيل الغبار، لتكون الصورة جميلة، كما يجب أن تكون. فالعنوان فيه إثارة، ويدعوا/نا إلى الفعل، إذا أردنا أن نرى جمال البحر وننصفه، ونعيد له حقه وجماله.
الصراع
وإذا أخذنا العنوان كمرآة للديوان، سنجد البياض يغلب السواد، من هنا سنتحدث عن (الصراع) بين البياض والسواد في ديوان "غبار على مرايا البحر". يقول الشاعر في قصيدة "حتى الهزيع الأخير":
"على مَقعدٍ من سَرابٍ سأجلسُ
أفتحُ في عُزلةِ الرّوحِ نافذةً
للتّفكّرِ فيما مضى،
قَلَمٌ سائلٌ بالحكاياتِ
والحَبرُ جَفَّ على شَفَةِ النّارِ
حتى اكتوى..."
في هذا المقطع نجد حالتين، أحدها متعلقة بالشاعر مباشرة " سأجلس، أفتح" وقد استخدم حروف "من" قبل السواد في "سراب" وحرف "في" قبل القسوة في "عزلة"، وحرف "على" قبل القعود/الثبات/الجمود على "مقعد"، وهذه الحروف تشير إلى (امتعاض) الشاعر وهروبه من القسوة، لهذا قلل من استخدمه للكلمات واستعاض عنها بالحروف.
وإذا ما أخذنا الألفاظ بشكلها المجرد، نجد البياض في: "سأجلس، أفتح، الوح، نافذة" والألفاظ السوداء في: "سراب، عزلة" وهذا ما جعل الأبيض أكثر حضورا من الأسود،
والمقطع الثاني متعلق ب"الروح" التي أرادها "للتفكر" وهو أيضا جاء بحرف "على" قبل القسوة "شفة النار" و"حتى" " قبل أكتوى" وهناك ألفاظ بيضاء: "قلم، سائل، بالحكايات، الحبر، شفة"، وأخرى سوداء: "جف، النار، اكتوى" وإذا أخذنا عدد ألفاظ البياض والسوداء، سنجد الغلبة للبياض، وهذا يعكس ما يحمله الشاعر في العقل الباطن، الخير أكثر/يتغلب على الشر، لهذا رغم وجود السواد تبقى الغلبة للبياض.
أما المعنى في المقطع الثاني فهو يؤكد على وجود الجمال "قلم سائل بالحكايات" لكن "الحبر جف"، في ظرف قاسي "شفة النار" فالأذى أصاب الحبر، لكن القلم لم يمسه أي أذى، فيمكن أن نحضر حبراً جديداً ليستعيد تدفق/سائل "الحكايات".
الصراع يأخذ أكثر من شكل، يقدمه الشاعر في المقطع التالي بهذه الصورة:
"حصانٌ على طَرَفِ النّهرِ،
امرأةٌ تغسِلُ الماءَ بالصّمتِ
والنّهرُ يبكي على نَجْمَةٍ
سَقَطَتْ فوقَ رأسي
غَفَتْ فوقَ فاصلةٍ
لا تُحرّكُ خصرَ القصيدةِ
كيفَ سيَقْفزُ بينِ السّطورِ الحصانُ
ويمسحُ دمعَ الفتاةِ الذي انثالَ من مقلتيها
على صفحةٍ في كتابٍ قديم ؟!"
هناك صورة خارجية "الحصار والمرأة والنهر، وهي صورة فانتازيا، "المرأة تغسل الماء بالصمت" فكيف تغسل الماء؟، (منطقيا) من المفترض أن يكون المقطع "أمرة صامتة تغسل بالماء"، وحتى مشهد الحصان يمكن أن يستبدل ب"امرأة على طرف النهر"، ويمكننا أن نأخذ بكاء النهر على النجوم كرمز، وكل هذه الصور يتحدث عنها الشاعر من الخارج، لكنه يقدمها بطريقته الخاصة، بطريقة تستوقف القارئ، وتجعله يتفكر في هذه الفنتازيا.
ثم، وما أن يحدثنا عن نفسه: "فوق رأسي، حتى يعيدنا إلى الفانتازيا من جديد، "غفت فوق فاصلة، خصر القصيدة، سيقفز الحصان بين السطور"
وهذا الشكل من الصور يشير إلى أن هناك حالة من الضغط على الشاعر جعلته يقدم صوراً (مجنونة) ومتباعدة، فهناك خمسة أسطر تفصل الحديث عن الحصان، وخمسة أسطر تفصل الحديث عن إمرأة/الفتاة، ونجد تغيب/اختفاء ل"النهر" ودخول عناصر الفرح/الكتابة "الفاصلة والقصيدة والسطر، وصفحة والكتاب" فهل لهذا الغياب علاقة بالنهر الحقيقي؟، وهل جاء (الغياب) بوعي من الشاعر أم دون وعي؟، ولماذا أكثر من عناصر التخفيف/الفرح "الكتابة" من خلال "فاصلة، القصيدة، السطور، صفحة، كتاب"؟ وهل هناك علاقة بين غياب "النهر" والاستعاضة عنه ب "الكتابة"؟، ولماذا جاء الكثير من الألفاظ بيضاء بعد غفوت: "فوق، فاصلة، تحرك، خصر، القصيدة، السطور، الحصان، يمسح، الفتاة، مقلتيها، صفحة، كتاب"؟ وكيف ولماذا استبدل المرأة بالفتاة؟، ولماذا جعل ال"كتاب قديم"؟.
اعتقد أن القصيدة التي تثير مثل هذه الأسئلة هي قصيدة خصبة، ولم تكتب إلا بعد أن نضجت واكتملت في الشاعر، فخرجت لنا كما هي، كما تريد هي أن تكون، ولم يكن دور للشاعر سوى أنه هو من أخرجها.

وهناك صورة (الحزن الناعم) لهذا الصراع يقول في قصيدة "مديح للوردة الذابلة":
"تمرّ الحكاياتُ من تحتِ قوسٍ قديمٍ
وظِلٍّ يشيخُ لأشباحِنا
الخائراتِ، التجاعيدُ تغزو وجوهَ المرايا
المقاهي تَفَيضُ
الحكاياتُ تمشي على الأرضِ
نمتدحُ الوردةَ الذّابِلة... "
نجد (الحزن الناعم) في "الحكايات، قوس قديم، ظل، يشيخ/الذابلة" وكأن الشاعر (يسلم) للواقع، لهذا لم يستخدم إلا فعل "تغزو" القاسي والعنيف، وقد أنثه، ولم يذكره (يغزو)، كتأكيد على حالة (نعومة/هدوء) هذا الحزن.
وإذا أخذنا "معنى " يشيخ، التجاعيد، الذابلة" كلها تشير إلى الهرم الطبيعي، والذي نسلم به وله، أليس هذا ظاهرة طبيعية في الحياة؟، واعتقد أن جعل الفعل "تمر، وتمشي" متعلق ب"الحكايات" والتي تتعلق بالماضي "القديم" الذي نَحِنُّ ونميل إليه، يشير إلى هذا التسليم بواقع الحياة، ففصل الخريف ضروري لفصل لربيع.
وتستوقفنا المؤنثات في "الحكايات، الوردة، المرايا، المقاهي" فهي تعكس ميل الشاعر نحو الهدوء/الأنثى، وكأنه من خلال استخدام أسماء مؤنثة يميل إلى السكون الهدوء.
ويمكننا الحديث عن جمالية الصورة الشعرية في: "تمرّ الحكاياتُ من تحتِ قوسٍ قديمٍ/ التجاعيدُ تغزو وجوهَ المرايا". وهذه الصور تحمل بين ثناياها (الحزن) الذي لن يدوم، فهو حزن مؤقت، لهذا استخدم الشاعر الأفعال المضارعة: "تمر، تغزو" ولم يستخدم الأفعال الماضية، ليؤكد على سير الحياة وعلى (طبيعية/عادية) ما يجري، ما يحصل.
المذكر والمؤنث والبياض
المذكر والمؤنث يحمل معنى التكامل ومعنى الصراع، ويمكننا من تتبع الألفاظ المذكرة والمؤنث أن نحدد ميل الشاعر، وكيف ينظر للمرأة/للأنثى يقول في قصيدة: "لليل أجنحة":
"لَيَلٌ تَعرّى مِنْ سَتائِرهِ
نَوافِذُهُ تَفيضُ على جِدارِ الصّمتِ ذاكرةً
مُحَمَّلةً بأوجاعٍ
تَئنُّ بألفِ أغنيّةٍ
نُردِّدُها على وَجَعِ الكَمنجاتِ التي عَلِقَتْ
على طَرفِ الطّريقِ لِغيْمةٍ
فاضَتْ قَصائِدُها على عَتَباتِ رَغْبَتِنا
بِفَجرِ حكايةٍ نَبَتَتْ على وَجَعِ الليالي
في انتظارِ تَفَتُّحِ الأزهارِ
في أفياءِ نافذةٍ تُطِلُّ
على ضِفافِ حَديقةِ المعنى
سَتَحمِلُني إليكِ قصيدتي في الليْلِ موّالاً
على عَتَباتِ امرأةٍ تَوارَتْ خَلْفَ أزهارِ المجازِ،
تَلُفُّ أحرُفَها بِلونِ الغيّمِ
فابْتَلّتْ قصيدَتُها بماءِ العُشْبِ
أسرابُ اليمامِ تضيءُ شُرفَتَنا
زوايا عَتْمَةِ المَغنى
وتَحْمِلُني على أغصانِ أمنيّةٍ
تُموِّجُ فجرنا الورديَّ
في زَمَنٍ تَلَوّنَ باستِعاراتِ الّلغةْ..."
المذكر في "ليل" تستر عريه المؤنث "ستائره" فالأنثى تحمي/تُجمل/تُكمل الذكر، وبدونها يصبح مشوهاً/غير سوي، والمؤنث" نوافذه" أقرنها بفعل أبيض "تفيض"، لكن بما أنها مقرونه ومتعلقة بالمذكر "ليل" فأعادتها إلى القسوة "جدار الصمت، بأوجاع، تئن" وهذا يشير إلى أنه يرى/يفكر بالأنثى على أنها تعاني وتتألم، ونحن المذكر "نرددها" أي نساهم في وجعها.
وإذا ما توقفنا عند الألفاظ البيضاء نجدها كثيرة إذا ما استثنينا تلك القاسية والشديدة: "تعرى، جدار، الصمت، بأوجاع، تئن، وجع (مكررة)، عاقت، الليالي، انتظار، توارت، خلف، تلف" وتبقى بقية الألفاظ بيضاء وناعمة، وهذا يعود إلى أن الشاعر استحضر أكثر من عنصر من عناصر الفرح، فنجد الطبيعة حاضرة من خلال: "تفيض، لغيمة، فاضت، نبتت، تتفتح، الأزهار، أفياء، ضفاف، حديقة، أزهار، الغيم، فابتلت، اليمام، تضيء، أغصان، فجرنا، الوردي" وهناك حضور المرأة من خلال: "ستحملني إليك، امرأة" وأيضا نجد حضور الكتابة/الفن في: "أغنية، نرددها، الكمنجات، قصائدها، حكاية، المعنى (مكررة)، قصيدتي، موالا، المجاز، بلون، قصيدتها، تلون، باستعارات، اللغة".
واللافت في هذه القصيدة أننا نجد مقاطع طويلة دون أن نحس بأي قسوة أو شدة، وهذا يعود إلى عناصر التخفيف/الفرح، وإلى حضور الأنثى، التي نجدها في: "ستائر، نوافذ، ذاكرة، أغنية، الكمنجات، الطريق، غيمة، قصائدها، عتبات (مكررة)، رغبتنا، حكاية، نبتت، تتفتح، الأزهار، نافذة، تطل، حديقة، قصيدتي، امرأة، توارت، أزهار، تلف، أحرفها، اليمام، شرفتنا، زوايا، أمنية" وهذا ما يجعلنا نقول أن الألفاظ المجردة تنعكس على الشاعر وتؤثر فيه وعليه، كما أن عناصر التخفيف/الفرح تضفي لمسة من الهدوء والنعومة على القصيدة، مما جعلها أقرب إلى بيضاء.
المدينة والمذكر والمؤنث
المذكر والمؤنث يحمل بين ثنياه معنى التكامل وأيضا الاختلاف/الصراع، لكنه صراع طبيعي، وبما أن الشاعر فلسطيني فإن مسكون بالمكان، ويذكره، صريحا أو تلميحا، يقول في قصيدة "فائض بالحنين":
"{{ إلى حيفا...
إليكِ وأنتِ تُعِدِّينَ قهوتَها في الصباح
إلى رجاء بكريّة حيثما الشّعرُ والسّردُ يلتقيان...}}

على ساعِدَيْها القَصيدةُ تَدمَعُ
بالملحِ تفركُ عينَ الكلامِ
تَلِفُّ بشالِ البَلاغةِ
عُنْقَ الشّوارعِ في ليلةٍ باردة..."
الاهداء إلى "حيفا" مدينة فلسطينية محتلة، وأيضا إلى الحبيبة، المرأة التي يحترمها/يحبها، وللافت في الاهداء أن كافة الألفاظ جاءت بيضاء دون سوء: "حيفا، تعدين، قوتها، الصباح، الشعر، والسرج، يلتقيان" ولكن متن القصيدة جاء يحمل ألفاظ حزن: "تدمع، تفرك، تلف" ورغم حضور أكثر من عنصر للفرح، المرأة/ساعديها، والكتابة/القصيدة، الكلام، البلاغة" وهذا الحزن يعود إلى أن العقل الباطن للشاعر، فهو استحضر المدينة المحتلة، فجاءت الألفاظ حزينة ومؤلمة، رغم جمالها وبهائها، لهذا نجد التأنيث حاضر في أكثر من لفظ: "ساعديها، القصيدة، تفرك/هي، تلف/هي، بشال/متعلق بالأنثى، ليلة، باردة"، علما بأنه في الحالة الطبيعية السوية يتطلب حضور المرأة استخدام الفاظ ناعمة وبيضاء، لكن الواقع، العقل الباطن فرض ذاته على القصيدة، فجعلها تخرج بهذا الشكل.
في المقطع الثاني نجد أيضا الأنثى حاضرة:
"على موجةٍ في النّزاعِ الأخيرِ معَ الليْلِ
تَكتُبُ عاشِقةٌ ما يبوحُ بهِ الجَمرُ للماءِ
والماءُ للرّملِ
والرّملُ للبحرِ
فوقَ القصيدةِ حبرٌ يُحَلِّقُ
يَحْتَلُّ شيئاً، فشيئاً، بياضَ الأغاني..."
فنجد "موجة، تكتب، عاشقة، القصيدة، الأغاني" ونجد الطبيعة حاضرة من خلال: "موجهة، الماء، للرمل، للبحر" والكتابة من خلال: "تكتب، القصيدة، حبر، الأعاني"، والمرأة حاضرة: "تكتب، عاشقة"، بمعنى أن الشاعر يستخدم ثلاثة عناصر للفرح/للتخفيف، ومع هذا نجد مكاناً للقسوة/للألم: "النزاع، الأخير، الليل، الجمر، يحتل" كل هذا يأخذنا إلى العقل الباطن، إلى المكان، إلى حيفا المحتلة، فلم يبق الشاعر إلا على عنصر الثورة/التمرد دون استخدام، فهل استغنى عنه الشاعر؟، أم أنه استحضره بشكل آخر/مستتر؟.
وإذا ما توقفنا عند مظاهر الصراع في هذا المقطع نجدها في "النزاع مع الليل، الجمر والماء، الماء والرمل، والرمل والبحر، حبر يحتل" وإذا ما توقفنا عند المذكر والمؤنث في هذا الصراع نجد ألفاظ المذكر فقط: "الليل، الجمر، الماء، البحر، حبر" فلا يوجد حضور لأي أنثى/مؤنث، وهذا يؤكد على أن الصراع/القسوة تكون بين الذكور وليس الاناث.
من هنا يمكننا القول أن الشاعر تحدث/تناول التمرد/الثورة في المقطع، لكن من وراء الستار، فقدمه بطريقة غير مباشرة، لكنها حاضرة ومؤثر، وإلا ما كان لهذا (التناقض) ليحدث ثورة/تمرد بالألفاظ ويجعلها الفاظ مذكر، بينما "(قل) عدد ألفاظ المؤنث.
المقطع الثالث جاء أقرب إلى البياض، فبدا وكأنه جاء (استراحة ثائر):
"كَشاردَةٍ في الفضاءِ
وساردةٍ للحكايةِ
أنتِ تُضيئينَ نَصَّ المدينةِ
هذا الفضاءَ الفسيحَ
تُفيضينَ هذا الحنينَ لِمَنْ ؟
للمدينةِ، تلكَ التي سَحَلَتْ من أعالي الجبالِ
إلى شاطئ البحرِ،
أو صعدتْ خِلسَةً من فضاءِ السّواحلِ
في غَفْلَةٍ عن عيونِ النّوارسِ
حافيةً للنّواطيرِ فوقَ الجّبلْ ؟"
لهذا نجد الشاعر/الثائر يركز على فعل الأنثى: "كشاردة، وساردة، تضيئين، تفيضين، سحلت، صعدت، حافية" ورغم وجود أفعال قاسية، إلا أننا نجد لمسة من النعومة والجمال: "الفضاء، للحكاية، المدينة، الفسيح، الحنين، أعالي، الجبال، شاطئ، البحر، فضاء، السواحل، عيون، النوارس، للنواطير، الجبل" فالطبيعة حاضرة وبقوة، وكأن الشاعر يريد بها أن يخفف من (صخب) الأفعال المتعلقة بالأنثى، فكانت الطبيعة بهية وجميلة.
تستوقفنا الألفاظ المتعلقة بالمدينة: "نص المدينة/غير كاملة، للمدينة التي سحلت، صعدت خلسة، حافية" فهي ألفاظ شديدة وصعبة، وهذا يشير إلى واقع/حقيقة المعناة التي يتعرض لها المكان/حيفا، وتركيز الشاعر على الطبيعية الجميلة، يحمل بين ثناياه فكرة التمرد/الثورة، لإزالة الشدة عن المكان، عن "حيفا".
يختم الشاعر القصيدة بأمل تحررها وخلاصها:
"اتركيني قليلاً أُصفّفُ شَعْرَ المدينة،
أُرتّبُ أوراقَها
أمسحُ الدّمعَ عن وجهِ هائمةٍ في البراري
على شكلِ طيرٍ غريبٍ،
ستصعدُ نحوي
المدينةُ تمشي على قدمينِ من العاجِ
تدنو إليّ كسيّدةٍ لم تخُنها خُطاها"
رغم (البياض) الكامن في أفعال: "أتركيني، أصفف، أرتب، أمسح" إلا أنها تشير/توحي إلى وجود القسوة، ف"اتركيني"، يسبقه الحبس/القيد، و"أصفف"، يسبقه البشاعة وعدم التنسيق، و"أرتب" يسبقه الفوضى والتناقض، و"أمسح" يسبقه الحزن والألم، لهذا نقول أن بياض الألفاظ غير كامل، ويشير إلى أنه ما زال هناك (عوالق) سوداء حاضرة من الماضي.
من الجميل أن نجد شيئا من العقل الباطن للشاعر في القصيدة، فهذا يشير إلى توحده وتكامله معها، الأفعال الذكورية التي نسبها لنفسه كلها جاءت متعلقة بالمدينة، بالأنثى: "أصفف شعر المدينة، أمسح عن وجه هائمة"، فظهر لنا وكأنه بطلها المخلص، أليس هو الرجل!؟، بينما قدم الأنثى ضعيفة وتحتاج إلى من ينقذها/يخلصها، أليس هي أنثى ضعيفة!؟.

المدينة والسواد
اللافت في الديوان أن الشاعر كلما استحضر المدينة، نجدها ملازمة للسواد/للقسوة، وهذا يشير إلى عدم انسجامه مع المدن، وعلى أنها تسبب له الضجر، فالمدينة بطبيعتها تتناقض مع الهدوء وصفوة التي ينشدها الشاعر، جاء في قصيدة "كأن المدينة":
"كأنَّ المدينةَ،
تلكَ التي طرأتْ فجأةً،
واعتّلتْ فوقَ أضلُعِنا،
تَنتَشي بالمديحِ المبالغِ فيه،
وتنسى
بأنّ الزّهورَ التي نَبَتَتْ في شوارِعِها
لم تَلِدْها..."
الجميل في هذا المقطع أن البياض في الألفاظ: "واعتلت، بالمديح، المبالغ، تلدها" لم يأت نقيا وصافيا، بل ينتابه شيء من السواد والغباش، فالبياض يتماثل مع معنى "كأن/ه" بياض، فهو في حقيقته هو سواد وغباش، من هنا جاءت: "طرأت فجأة، المبالغ فيه، وتنسى، لم تلدها".
وفي مقطع آخر من القصيدة يقول:
" كأنّ المدينةَ
تلكَ التي تطمئنُّ تماماً
لأحلامِها الصّاعداتِ
تدغدغُ أعينَها الشّمسُ
تَطمُسُ بالوحلِ
وحلِ ادعاءِ السّلام..."
ف "كأن" تشير الشكوك حول حقيقة البياض في الألفاظ: "تطمئن، لأحلامها، تدغدغ، أعينها، الشمس، وحل، السلام" فهذا البياض غير حقيقي، غير كامل، واللافت في هذه المقطع أنه مكون من قسمين، يفصل بينهما "تدغدغ" الأول خالي من الألفاظ السوداء، والثاني يحضر فيه السواد من خلال " تطمس، بالوحل، إدعاء"، وإذا أخذنا معنى لفظ "دغدغ" نجده مؤقتاً، ومتعلقاً بحالة شخص معين، بمعنى أنه لا يقبله الآخرون، أما شكل "دغدغ" وطريقة لفظه، فهو مكون من حرفين مكررين، "الدال والغين، الدال تلفظ ناعمة والغين من الحلق، فيبدو لفظ "دغ" مقدمه "د" لحرف/لفعل هادئ، لكنه نهايته "ع" تكون قاسية، وهذا يتماثل من تكوين وتشكيل القصيدة، التي جاءت مقدمتها بألفاظ ناعمة وخاتمتها قاسية.
وجاء في قصيدة "هل الموت يفهم":
"يُقَلّبُ في يومِهِ {{منذُ حلَّ الصباحُ عليهِ}}
تفاصيلَ أوجاعِهِ
فَالوظيفةُ تأخذُهُ في تفاصيلِها
يذرعُ السّوقَ حتى تَكِلَّ الشوارعُ من خَطوهِ
ثمّ يغرقُ بالواجباتِ التي ترتئيها العشيرةُ
أقدسَ من واجباتِ الوطن،
من صلاةِ الجماعةِ
من لحظةٍ للتّأملِ ،
يُتمّمُ قائمةً باحتياجاتِ فصلٍ طويل،
يبدّلُ أنبوبةَ الغازِ
أو لمبةً حَرَقَتْها الفراشاتُ
يَبسُمُ حينَ يدقُ على البابِ ضيفٌ
بشكلٍ مفاجئ...
وإلا...."
الشاعر لا يصرح بذكر المدينة، لكننا نجدها من خلال: "فالوظيفة، السوق، الشوارع" ونجدها أيضا من خلال أفعال تشير إليها: "تأخذه، يذرع، يبدل" وإذا ما توقفنا عند ألفاظ المقطع، سنجدها خالية من ذكر الطبيعة، أو من أي اشارة إليها، وهذا الغياب يزيد في الضغط على الشاعر، فنجد الأفعال والألفاظ رغم أنها تبدو (عادية)، إلا أنها تحمل الضجر والنفور، وهذا ما نجده في: "يقلب يومه، تفاصيل أوجاعه، فالوظيفة تأخذه، يذرع السوق، ترتئيها العشيرة، يبدل أنبوبة" وهذا التماثل بين (عادية) الألفاظ وبين رتابتها، يشير إلى وقع المدينة وأثرها السلبي على الشاعر، فالمدينة (تسحق/تروض) ساكنيها.
ونجد صخب المدينة يتنامى في الشاعر، حتى أنه يذكره (مباشرة)، وكأنه فقد السيطرة على اتزانه، يقول في قصيدة "خذي فوضاي":
"خذي فوضايّ
من رأسي
امنحيني ساعةً حتى أعودَ إلى هدايّ،
الوقتُ يَسْرقُني
وهلْ تكفي فراشاتي لترتيبِ القضايا العالقاتِ،
ونفضِ أكوامِ الغبارِ
عن التفاصيلِ الصغيرة في دماغي ؟!
{{خطوةٌ أولى وتبدأ}}
لا،
فرأسي شارعٌ وسطَ المدينةِ،
لا يكلُّ ولا يَملُّ من الضّجيجِ
الأغنياتِ المارقاتِ
يعجُّ رأسي بازدحامِ العابرينَ
وثرثراتِ المارقينَ"
ففعل الأمر "خذي، امنحيني" يشير إلى حاجته للهدوء، للسكينة، من هنا نجده يكرر "فرأسي/رأسي" ويتحدث الضجيج، ثرثرات"، فالأول متعلق بالسيارات وطبيعة المدينة، والثاني متعلق بسكان المدينة، فهو غير منسجم لا مع المكان، ولا مع ساكنيه، لهذا نجد هذه الألفاظ قاسية: "يسرقني، العالقات، ونفض، أكوام، الغبار، لا (مكررة)، يكل، يمل، الضجيج، المارقات، يعج، بازدحام، وثرثرات" المارقين" وتأكيدا على حالة الضجر التي يعانيها الشاعر، يستخدم صيغة أنا المتكلم: "فوضاي، امنحيني، أعود، فراشاتي، دماغي، فرأسي، رأسي" من هنا نجد حالة (الانفعال) في القصيدة، (فتوتر) الشاعر انعكس سلبا على جمالية القصيدة، وكادت أن تفقد بريقها لولا أن استخدم تعبير:
"ونفضِ أكوامِ الغبارِ
عن التفاصيلِ الصغيرة في دماغي/فرأسي شارعٌ وسطَ المدينةِ/ يعجُّ رأسي بازدحامِ العابرينَ" وهذا التماثل بين شكل وطريقة تقديم القصيدة، وبين معناها/فكرتها يؤكد على أن القصيدة هي من تُكتب الشاعر، وما دور الشاعر إلا أنه أخرجها.
ونجد السواد في قصيدة "كأني":
"كأنّي وُلدتُ على صخرةٍ في البراري
كأنّي سمعتُ الرّعاةَ وهمْ يعزِفونَ الأغاني
يبثّونَ أنفاسَهمْ في تجاويفِ نايّ
كأنّي سمعتُ أنينَ الضحايا
وعاصرتُ كلّ الحروب
وإلا،
لماذا يلازِمُني الحزنُ
يمشي، كظلّي،
وظلّي أنايّ... "
الشاعر من "كأني" (يشكك) في مكان ولادته، وفي سمعه، وهاذين الأمرين لهما علاقة بوجود/بكينونة الشاعر، فمكان الولادة له أثره في الإنسان، وكذلك "السمع" فما يسمعه/ما يتعلمه/يعرفه، يبقى حاضرا فيه، "كأني" الأولى متعلقة بالمكان، الذي نجده صلبا وثابتا، قاسيا، ويشير أيضا إلى الحرية "البراري"، الطبيعة، و"كأني" الثانية متعلقة بالسمع الجميل، الذي تواجد/لازم/واكب ولادة الشاعر، بهذا نجد "يعزفون، الأغاني، يبثون، ناي" و"كأني" الثالثة جاءت قاسة: أنين، الضحايا، الحروب، الح، فهناك كم الألفاظ القاسية: "صخرة، أنين، الضحايا، الحروب، الحزن" وكلها جاءت بعد الولادة وبعد الفرح والبهاء "يعزفون"، وهذا يخدم فكرة أن حاضر الشاعر ـ الآن ـ قاس.
الطرح الطبقي
الشعراء ينحازون للضعفاء/للفقراء/للمظلومين، و"سميح محسن"، من هؤلاء الشعراء، جاء في قصيدة "الليل مفاتح الفرج":
الليْلُ مفتاحُ الفرج...
في الليلِ ينتظرُ الفقيرُ على الرّصيفِ
ولا يبالي إن أتتهُ معونةٌ من خزنةِ السلطانِ،
يكظمُ جوعَهُ في جيبهِ الخاوي،
ويطوي ليلَهُ في حضرةِ الصبّارِ،
لا أحدٌ يراهُ،
ولا يريدْ...

هناك مجموعة ألفاظ متعلقة بالفقراء: "ينتظر، الفقير، الرصيف، معونة، يكظم، جوعه، جيبه، الخاوية، يطوي، لا، أحد، يراه" فالألفاظ المجردة توحي إلى قصيدة (اشتراكية)، وهذا ينسجم مع الفكرة التي تحملها، فألفاظ القصيدة بسيطة، وتنسجم مع الواقعية التي تهم بواقع الفقراء.
لكن الشاعر (يغرب) المثل الشعبي "الصبر مفتاح الفرج" فهل هناك علاقة بين الصبر والليل؟، أم أن الشاعر أراد به شيئا آخر؟، اعتقد أن هذا (التغريب) أراد به تقديم شكل جديد للطرح الطبقي، الذي يحل المتلقي على التفكير، وقد أكد الشاعر على هذه التغريب، من خلال ذكر "الليل" ثلاث مرات، "الليل مفتاح، في الليل، ويطوي ليله" وكأنه يوكد على أن الليل دائم، وسيدوم، وهنا يكون الشاعر قد حث ـ الفقير ـ على أزلت الليل ومواجهته ، بطريقة غير مباشرة، من خلال تكرار لفظ "الليل".



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسماعيل حاج محمد وحروف المد
- تفشي الثقافة الهابطة والرجعية
- الفرح في رواية -من أنا- شذى محمد الشعيبي
- الفلسطيني والاحتلال في رواية -جدار في بيت القاطرات- مصطفى عب ...
- الثقافة الدينية في ديوان سدرة المشتهى إياد شماسنة
- -نحن الوباء وأنت يا ملك الملوك لنا الدواء-
- على سجادة من الغيم سامي الكيلاني
- الذات في ديوان أنا والشمس وبكين مصطفى القرنة
- كفايا عويجان الألفاظ والمضمون
- محمد كنعان والومضة
- مالك البطلي والومضة
- مكانة فلسطين في كتاب -رجال من فلسطين- عجاج نويهض
- الكلمة والحرف في -شهية فعل الأمر- ل فراس حج محمد
- البياض في قصيدة -البحر- منذر خلف
- التجديد في كتاب -ر- سعيد أبو ريحان
- مازن دويكات وتقديم الألم
- دمُهُ ليس ازرق أمينة العدوان
- الأغاني والشعر في ديوان -أراك ـ حيفا- أحمد شكري
- البطل المأزوم في مجموعة الوادي أيضا أمين دراوشة
- مجموعة ليلة العيد سعادة أبو عراق


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - عالم الشاعر سميح محسن في مجموعة -غبار على مرايا البحر-