أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مجموعة ليلة العيد سعادة أبو عراق















المزيد.....


مجموعة ليلة العيد سعادة أبو عراق


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6531 - 2020 / 4 / 7 - 01:18
المحور: الادب والفن
    


مجموعة ليلة العيد
سعادة أبو عراق
مجموعة تضمن خمسة عسرة قصة، تتنوع مواضيعها من الاجتماعي إلى السياسي إلى التحرر الوطني، كما أن رواية القصص تتباين بين السارد الخارجي، وأنا المتكلم، وياء المخاطب، كل من يعرف القاص "سعادة أبو عراق، يعلم انه ينحاز للمرأة لهذا نجدها حاضرة في قصصه، ورغم شح ذكر المكان،ـ وهذا غير مألوف في الأديب الفلسطيني ـ إلا أننا نجد حضور فلسطين في أكثر من قصة، وهذا التشكيل أعطى المجموعة صفة التوع والتعدد، ليس في الموضوع فحسب بل في طريقة سرد القصص، وهذا ما جعل "ليلة عيد" تعد علامة بارزة في القصة القصيرة.

في قصة العنوان "ليلة العيد" يتناول القصة علاقة الزوجين العقيمين، وكيف أن (غريزة) الأمومة عند المرأة تبقى حاضرة ومتقى رغم عدم انجابها، لهذا تقوم بشراء مجموعة ملابس وهدايا وحلويات العيد، لكن الزوج رغم علمه بطبيعته زوجته وتصرفاتها إلا أن يستغرب هذا الكم من المشتريات: "ـ لمن هذه البدلة؟
ـ إنها لابننا..!
...ـ ابننا ...! أين هو ابننا؟
صمت قليلا، وشعر بالاختناق، وانفجر فجأة في نوبة بكاء.
عادت إليه من المطبخ
ـ لماذا تبكي؟
قالتها كمن تلومه على كسله.
خجل من ضعفه واستكانته واستسلامه لليأس، مسح دموعه، حين رآها تمضي وهي موقنة أن عندها ولدا تشتري له بدلة وفطارا، ولديهم أقارب سوف يملؤون عليهم البيت صبيحة العيد" ص11و12، فالمرأة أكثر قوة من الرجل وأكثر إيمانا بالحياة وبالمستقبل، وللافت في هذه القصة أن الزوجة لا تتكيف مع الواقع فقط، بل تمد زوجها بالطاقة والحلم بأن المستقبل سيجعلهما أسرة، وينعمان بالأبوة والأمومة، والجميل في هذه القصة أنها جاءت بشكل متكامل، يجمل عناصر القصة الكلاسيكية، لكن بلغة ناعمة وسلسة، بعيدا عند اللغة المعجمة.
"في قصة "الحاجة ربيحة" يحدثنا عن الأم التي يسافر ابنها، تنتظر منه إن يرسل لها نقودا لتبي له بيت وتشتري له تركتور ليتزوج، لكنه يتوفى في الخارج دون أن تعلم، تبقى متمسكة بحلم وصول رساله منه فيها الدولارات التي ستبني بها البيت وتشتري التركتور: "فكم أجلت فريضة الحج التي تتمناها سنة بعد سنة، وتحدثت عن انتظار الرسالة المسجلة التي ستأتي باسمها" ص15، تبقى متعلقة بحلمها حتى يقوم أفراد من القرية بإعطائها رسالة في ورقة على أنها من ابنها، وهنا تظهر فيها غريزة الأمومة أكثر من السابق وتقول: تذهب بها إلى المختار: " أرأيت...! ابني لا ينساني، ابني وعدني أن يرسل لي كل شهر مبلغا، خبئ الشك جيدان واصرفه لي من المدينة، فسوف ابحث له عن عروس وابني له بيتا جديدا واشتري له التراكتور و...و" ص17، المحتار يتفهم حالتها، ويأخذ منها الشك: "أخذه إلى محفظته بعناية" ص17، يوعدها بأنه سيذهب غدا إلى المدينة ويصرف الشك: " إذ أحضر لها خمسون دولارا سلمها لها، فرقصت بها حتى أغشي عليها وسقطت هامدة وما عادت تتنفس" ص17، أيضا في هذه القصة نجد تشبث المرأة/الأم بالحلم وعدم قنوطها، فرغم طول الانتظار "سنة بعد سنة" ورغم أن ابنها وعدها أن يرسل لها رسائل شهريا، إلا أنها استمرت محافظة على يقينها وإيمانها بأنه سيرسل لها الرسائل، والجميل في هذه القصة أنها قدمتنا من المجتمع القروي البكر، الذي يؤازر بعض بعضا، قبل أن يلوثه العصر والمادة، وفي هذه القصة رغم عدم وجود ذكر لزمن القصة، إلا أنها من خلال "الرسالة" تأخذنا إلى أوائل النصف الثاني من القرن الماضي، وبهذا يكون القاص قد اشار إلى الزمن من خلال الرسالة، وطبيعة المجتمع الريفي، دون أن يذكر السنة.
وفي قصة "العار" يكشف زيف النظام الاجتماعي الذي يمارسه الأفراد والمجتمع (جريمة الشرف) كقناع زائف ليخفوا به ضعفهم وجعلهم وتخلفهم، فالقصة تجعل القاتل "سمير" شقيق الفتاة" سميرة"، علما بأنه أصغر فرد في العائلة، فيقوم: "يشبعها طعنا في صدرها ورقبتها وظهرها ووجهها، وهي لا تعرف كيف تدافع عن نفسها بيديها" ص75، وبعد الجريمة ينتابه احساس بالغبن والخداع تأنيب الضمير، بعد أن أخذ يفكر فيما فعله بشقيقته: "أما مقدار احتقاره لنفسه فهو أكثر من أن يصفه، حينما غادرها منتشيا بفعل رجوليـ سوف يفتخر به، لقد غسل العار الذي تلطخت بعه العائلة" ص76، ويقدمنا القاص أكثر من حيثيات تنفيذ الجريمة، حيث أن القانون ـ وهو هنا مشارك في الجريمة ـ (حمي) من هم من في سن الأحداث: "... سوف لن يجري عليه القانون الجنائي في السجن ... والقاضي سيكون رحيما بوالده، الذي سيفتقد ابنته وابنه معا" ص77، لكن القاتل "سمير" ينذهل عندما: "سؤل عن المعتدي على أخته، تسؤل لم يخطر بباله سوى أنها اقترفت ذنبا، وما درى أن لها شريكا، يتحمل الإثم والعقاب، فلماذا تعاقب أخته ولا يعاقب الجاني؟ بعدها تتفاقم الأمور سوءا مع "سمير" حتى بعد أن تمضي عشرين سنة: "فشل في محاولتين للزواج، فشل أن يقيم علاقات إنسانية" ص79، فالتفكير بالجريمة والطريقة التي دفع بها ليكون منفذها تستوقفه بعد كل هذا العمر: " لماذا لم يقم أحد أخويه الكبيرين بقتلها؟، لماذا لم يقتلها أبوه؟، لماذا أوكلوا له بقتلها؟...لماذا حملوني ذنبا جثم على ضميري كل هذا الوقت؟" ص81، وبهذا تكون العائلة قد قتلت فعليا "سميرة وسمير" معا، الأولى قتلت فعليا، والثاني قتل معنويا، فأصبح قاتل، يبحث عن الخلاص وتحقيق العادلة، فيقرر: "أن يقتله خنقا، لعله ينفذ عادلة لم تتحقق، لعله ينتقم لسميرة، لعله يدخل السجن كقاتل لأبيه" ص81، من هنا تكمن خطورة التستر على جريمة الشرف، واجزم أن القاص في هذه القصة الاجتماعية، يتناول موضوع خطير، حيث أنه يتعارض مع الأفكار الاجتماعية السائدة، والقانون الذي يحمي المجرمين القتلة، ومع هذا تجرأ وتناول تبعات الجريمة إنسانيا وقانونيا ونفسيا، مؤكدا على أن هذه الجريمة يجب أن يعاقب عليها الجاني كما يعاقب أي مجرم يقدم على القتل، فهو يدعوا إلى إعادة النظر في القوانين المتعلقة (بجرائم الشرف)، وأيضا يضع المجتمع أمام التساؤل منطقي: ما هو مصير الجاني الذكر، لماذا لا يقتل كالفتاة؟، وعلى المجتمع وواضعي القوانين أن يجيبوا على السؤال.

الفلسطيني
الفلسطيني دائما مسكون بفلسطينيته حتى لو كان في الجنة، تبقى فلسطين حاضرة في وجدانه، وكأنه من خلال تناول أحداث، مكان، شخصيات، فلسطينية يؤكد على فلسطينيته وعلى أنه موجود وفاعل، في قصة "لا أحبه" يأخذنا إلى مدينة نابلس وتحديد إلى بريد نابلس، وقبل احتلال الضفة الغربية في عام 67: "لقد بغلت الثانية والعشرين ولم تتزوج بعد، ولم يتقدم لخطبتها ممن يزاملها العمل، ... وهذا يعني أنها عانس حسب مقاهيم الستينات" ص25، ويحدثنا عن مشاعر الزمالة التي قامت بين الفتاة وزميلها، الأول كان يبدي مشاعره نحوها، لكن شكله لا يعجبها ويسبب ها الازعاج: "فوجهه طويل نحيف وانفه حاد معقوف كمنقار الصقر، يميل ظهره للاحديداب/ فيبدو وكأنه دائم التعب والإنهاك،...إنه لا هندام لا يعرف معنى تناغم الألوان في الملابس" ص26، بينما كان زميلها الثاني مترفع عنها، لكنه يعجبها: "وصار بترفعه هذا أكثر جاذبية وأصعب منالا" ص27، تستمر العلاقة بين الثلاثة على هذا الحال، حتى تأتي حرب حزيران، ويهاجروا إلى عمان، وهناك تلتقي بزميلها الأحدب:
ـ ماذا تفعلين هنا؟
ـ أبحث عن فندق أبيت فيه
ـ هل تتزوجينني؟
غضت طرفها حياء.
فقال:
ـ لنذهب إذن ندبر أمر زواجنا" ص29 و30، المميز في هذه القصة أنها تتناول الحياة الاجتماعية في الضفة الغربية قبل 67، وتأكد أن احتلال 67 لبقية فلسطين أثر على سلوك الأفراد والمجتمع، ورغم أن القصة تبدو (عادية/واقعية) وتؤرخ لفترة زمنة، إلا أن السلاسة واللغة السهلة، وبساطة الأحداث (حب) اعطتها لمسة ناعمة، وهذا جعلها قصة فلسطينية اجتماعية.

في قصة "سجين" يتحدث القاص على السجين الذي قضى: "خمس وعشرين سنة، فما زال البي على تواضعه، والأم ما زالت مهجتها حارة والفؤاد الذي يشهق فرحا، لكن الأب الذي أعياه الارتحال إلى سجن نفحة، أسقطه بقبر كان قد واعده، وخطيبته كانت له، جاءته: تعتذر عن انحيازها لحياتها، حينما سحبت أصبعها من خاتمه وتركته وحيدا" ص19و20، ففي هذا المشهد نجد وضف كامل عن حياة الفلسطيني، فهناك معتقل ولمدة خمس وعشرين سنة، وهنا أب مات وهو يواكب على زيارة الابن الاسير، وام استمرت تحمل حلم عودة ابنها من الأسر، وخطيبة رأت من مصرحتها أن تبحث عن حياتها، فالقاص يقدم مجتمع عادي/طبيعي، وليس مثالي، فلم يجعل الخطبة تقوم بانتظار خطيبها، بل اعطانا صورة واقعية، بعيدا عن (المثل) التي تقدم الإنسان (الخارق)، كما أنه يقدم الأم، والتي عادة ما تُقدم بصورة إيجابية، تنساق وراء الواقع، مؤكد على أن زمن أوسلو زمن رديء، رغم أنه لا يذكر سنة محددة، بل من خلال الأحداث يرشدنا إلى زمن القصة: "أمه تحثه على التواصل مع هؤلاء الذين أصبحوا وزراء بين ليلة وضواحها، وتريه المناصب المعروضة للتملك ووضع اليد، والرتب التي لا تحتاج إلى مؤهلات، والأموال التي تتدفق في جيوب فارغة، والقوى التي صارت تتشكل وتنفتح كالأورام" ص21، فالزمن بعد أوسلو تحديد، وفي بداية قدوم السلطة الفلسطينية، من خلال هذا الفقرة يبين لنا القاص حجم الخلل الذي وقعت فيه السلطة، وتكون المفاجأة عندما يعرض على الأسير أن يكون مدير لسجن: "لعل خبرته كسجين لمدة ربع قرن تؤهله لأن يكون مديرا لسجن. هكذا صدر القرار بتعينه مديرا لأول سجن ستفتحه السلطة برتبة مقدم" ص22، ضمن هذا الواقع البائس، كان لا بد من إيجاد طريقة، شكل أدبي يخفف على القارئ شيء من (قرف) الواقع، فاستخدم هذا الشكل: "ـ وأين السجناء؟ قالوا له: لا تستعجل...سيأتون.
وقال بسخرية: وهل أدير السجن بإدارة إسرائيلية؟
استغربوا سؤاله الاستنكاري، لكنه أردف:
ـ أنكم تبخسونني حرية لم أنلها بعد" ص22و23، اعتقد أن هذه السخرية كافية لتخفف من وطأة الواقع على المتلقي، كما أن النهاية الإيجابية تساهم على خلق حالة من الفرح عند المتلقي، رغم قسوة القصة.
اجزم أن مثل هذه القصة تعبر بواقعة عن التغييرات التي حصلت في المجتمع الفلسطيني بعد أوسلو، بعيدا عن الشعارات والمجاملات الزائفة، وتكشف أن هناك خلل كبير أصاب المجتمع، وعلى (سامعين الصوت) يهبوا لمعالجة الواقع ولينقذونا مما ألم بنا.
وأيضا في قصة "أجيال" نجدها تتحدث عن سجين فلسطين، وما يعانيه من ألم كإنسان في السجن: "فالمؤبدات الثلاثة التي يقضيها منذ سبع سنين، لا تمنحه احتملا غير النهاية الأكيدة التي لا محيد عنها، فصار قصارى سعيه هو التعايش مع هذا الزمن الذي يسافر به نحو النهاية، هذا الزمن الذي يداهمه ويجره كالنهر، بغير إرادة منه أو تخطيط، يسحبه أو يسحله بكل ما في السحل من عنف وقسوة، ... يأبى التكيف أو الإصغاء لما يقوله العقل أو تفرضه زنازين الأسر" ص38، للافت في هذا الوصف أن القاص يدخلنا إلى تفاصيل الأسير ومشاعره واحساسه كإنسان، فهو يتحدث عن إنسان وليس عن بطل خارق، وهذا هو المميز في القصة، إنسانية المناضل وليس (سوبرمانيته)، وبكل تجرد، هذا (الواقعية) هي الحقيقة التي يعانيها كل الأسرى في سجون الاحتلال، حتى أن (القادة) منهم لم يعدوا يأبهون بالألقاب والمسميات الكبيرة، ويريدون الحياة السوية/العادية كباقي الناس، من هنا نقول أن سعادة أبو عراق طرق بابا لم يقرعه سوى الأسرى أنفسهم، وهذا يشير إلى أنه فعلا استطاع أن يفكر بعقله وبقلبه وبمشاعره الإنسانية، وليس بتلك الطريقة التي يريدها المنظرون، الذي يقدمون الأسرى على أنهم أعلى من البشر.
وقدمنا أكثر من حياة الأسرى: "أي حياة بلا أحلام هذه التي يحياها؟ فكيف غادره الحلم؟ هل فقد الاستبصار أن فقد الرؤى؟ أم أن ذاك نتيجة حتمية لطبيعة الأسر؟ ويقين الموت المؤجل، والسجن الفردي الذي يجلب كل الأفكار السوداء، وتداعيات الإكتاب؟... لماذا رفض الزواج قديما؟ فلو تزوج آنذاك وأنجب لكن له الآن ولد أسمعه حسن السادس" ص39 و40، وهنا يأخذ الأسير في التفكير بضرورة أن يكون إنسان (سوي/عادي) رغم السجن والجدران التي امنعه من أن يمارس حياته: "ها هو يقد لمدير السجن طلبا للسماح له بالزواج" ص41، ثم يطلب من أمه أن تبحث له عن "فتاة تقبل الزواج منه، وهو في هذا الوضع الشاذ أو المعقد أو غير المسبوق"ص42، تنجح الأم بإيجاد فتاة، يرسل بعض القطرات من المني عن طريق الصليب الأحمر، ليعود الحلم إليه، ويختم القاص بهذه الفقرة: "طفل يحمل اسن حسن، يأتيه هنا زائرا، أو يأتيه محررا" ص44، أن مثل هذه الخاتمة تلبي طموح الأسير الذي استعاد حلمه في الحياة من خلال الأبوة، وأيضا طموح القارئ الذي تعاطف وانحاز لهذا الاسير إنسانيا، من هنا يمكننا القول القصة إنسانية بامتياز، رغم أنها تتحدث عن عائلة مناضلة وعن مناضل.
وفي قصة "وادي عزيزة" نجد حرص الفلسطيني على الأرض حتى وهي محتلة من قبل الاحتلال، وبعد إقامة مستوطنة عليها، تبقى الأرض هي ثورة الفلسطيني، حتى أن بعض الأشخاص سخروا م هذا البحث حول أرض غير موجودة على أرض الواقع، لأنها محتلة وتم ازالت معالمها بعد قيام المستوطنة: "ما هذا البحث في قضية مضى عليها ستون عاما، لفد اندثرت من ذلك الوقت قرية اسمها(وادي عزيزة)... هاتان البلدتان اللتان أصبحتا مستوطنتي (شوشيم) و (بيت إخيم) لذلك تكون وادب عزيز هي مستوطنة (كفار عزرا).ص52و53، من هنا يمكننا الاستنتاج أن علاقة الفلسطيني بالأرض علاقة الروح بالجسد، وهذه القصة تمثل رد على كل من يقول أن الفلسطيني باع أرضه أو تركها طواعية.

الطرح الطبقي
الأديب دائما ينحاز للفئة المجتمع المظلومة، فيدخلنا إلى ما تعيشه من (حرامان) وضيق اقتصادي، ينعكس عليها اجتماعيا وتعليميا، بطل القصة يترك دراسته لعمل في متجر عند أبو الفتاة التي (يحبها)، يقدم لنا القاص واقع البطل: "سكن في غرفة صغيرة من الطوب الترابي،، وسقفها من القصب المغطى بالطين، ومرحاض مشترك كع جاره وحنفية ماء أيضا، ينلأ منها قوارير الماء وإبريقا فخاريا، ... وينام على سرير اشتراه من مخلفات الجيش، وفي آخر الشهر يرسل ما تبقى من راتبه إلى أمه" ص33، أيضا يأخذنا القاص إلى العقد الخامس والسادس من القرن الماضي، عندما كانت البيوت الفقراء تبنى من طين، بينما بيوت الأغنياء: "...ما هذه المسطبة المبلطة الامعة؟، والكنبات المخملية والسجاد الاحمر وطاولة السفرة والكراسي العالية، والحيطان الموشاة بالتحف واللوحات؟ وهذا التلفاز المنتصب الشامخ الدال علة المكانة الاجتماعية" ص34، ضمن هذا التفاوت الطبقي، يجد بطل القصة: "أن التفكير في الحب ليس كما هو التفكير بالزواج" ص35، وهنا يقرر أن يكمل تعليمه الجامعي ليستوفي شروط الأب الذي من زوج ابنته أن يكون متعلما.
في هذه القصة يؤكد القاص على أهمية التعليم الجامعي ودوره في (تسهيل) تحقيق أحلام الشباب، كما أنه يؤكد على أن التفاوت الطبقي يعد (مانع) أمام الزواج، وكأنه يدعو إلى أن يكون التقارب الاقتصادي والاجتماعي مسهل لإتمام الزواج.
الطرح السياسي
النظام الرسمي العربي قائم على الجعل والتخلف والاوهام، كما أن الحاشية التي يتم تعينينها لولائها للنظام/للحاكم، وليس لكفاءتها أو لعلمها أو مهنيتها، تعمل كل شيء لتحسن صورتها عن الحاكم، من هنا تكون العلاقة بين الحاكم والحاشية علاقة تكاملية، الطرف الأول يريد أن يكون زعيما/قائدا، وهو غير أهل ذلك، والثاني يعمل لتلبية رغبات الحاكم، فيجعل منه (عظيم) وهو تافه وسطحي.
في قصة " معجزة" تتحدث عن الزعيم المتعبد، المؤمن، الذي يبتهل لله لينزل المطر، وهنا تجد الحاشية مساحة للتحرك وإظهار خدمتها الجلية للزعيم: "غادر ثلاثتهم البلاد يبحثون عن هذه المادة في مختبرات العالم، دفعوا ثمنها الذي لم يتصوروه، فأسطورة الزعيم تعادل مال الدنيا، أعدها الخبراء سريعا ورشوا هذه المادة مع الصباح الباكر، وسقط المطر غزيرا، مطر لم يشهدوا مثله، وكان التلفزيون يبث ابتهالات الزعيم وضراعاته إلى الله بوجه خاشع وقلب مفطور" 48، بهذا الطريقة تخدم الحاشية الزعيم الذي هو بدوره يخدمها من خلال جعلها تتحكم بالبلاد والعباد، ولكن، ليت الأمر توقف عند عمل الحاشية، بل نجد الشعب يقتنع فعلا بأن الله تقبل تضرع الزعيم وأنزل المطر: "...زعيمهم الذي يستحق القدسية بجدارة، وأن الظنون التي كان يكتمها المناوئون ليست إلا وليدة حقد وعماء سياسي، حتى الذين قالوا في الخفاء عن المطر الصناعي اسكتوا بعنف، ذلك أنهم لا يؤمنون بالمعجزات" ص49، وقبلها كان الزعيم أقتنع/أقنع نفسه بأنه مؤمن وأن الله استجاب له: "وكان الزعيم أول من صدق هذه المعجزة التي جرت على يديه، فمكث يقلب الأمر إن كان حقا ما حدث معجزة أم مصادفة بحتة، لكنه مال إلى أن العناية الإلهية التي أوصلته إلى سدة الحكم" ص50، وفيما سبق تكتمل الحلقة، الزعيم الموهوم، والحاشية المنفذة والمنتفعة من تنفيذ (أحلام) الزعيم، والشعب الراكض خلف الغيبيات، وهنا تكتمل الحلقة، بعد أن يتم إسكات/قمع المعارضة، ليبقى الشعب في سباته والحاكم في حكمه والحاشية في مراكزها.
وإذا ما أخذنا أبعاد القصة سياسية، نجدها تربط الفكر الغيبي/الديني بالسلطة السياسية التي أقرنت نفسها بالله، بالإيمان، بالدين، وهذا ما جعل الشعب يعزف عن المعارضة التي تقدم التحليل العقلي والمنطقي، وكأن القصة يقول "أن الدين أفيون الشعوب".
وفي قصة "شراء شاعر" يتحدث القاص عن اقتراح من زوير الرياضة على شراء لاعب لينضم للمنتخب الوطني، لكي يرفع اسم البلاد عالميا، ولكن بعد أن يوافق رئيس الوزراء على شراء الاعب، يرفض وزير الثقافة: وتحدث: "معركة كلامية قذائفها الشتائم والسباب والكؤوس البلاستيكية الفارغة" ص62، ويستنتج وزير الثقافة: "ـ أرى أن الاتفاق قد جرى من وراء ظهورنا.
ـ هذا اتهام صريح لا يقبله المجلس.
ـ إذن سأشتري شاعرا.
بهت الجميع لهذا الطلب فتحوا أفواههم استغرابا وهتفوا:
ـ شاعر....!" ص62و63، طبعا هذا الشاعر سيرفع اسم البلاد عاليا كحال لاعب الكرة، لكان مجلس الوزراء ووزير الثقافة نسى/تجاعل أن الشاعر لا يمكن أن يباع أو يشترى كحال راعب الكرة، وبهذه السخرية يتهكم القاص على طريقة التفكير العقيمة التي يفكر بها الوزراء ومنهم وزير الثقافة، بما بالنا بالمواطن العادي!!.
قصة "الجنرال" تتحدث عن قائد عسكري كبير يتقاعد من الجيش، فيجد أنه غير معروف لا عن المنديين ولا حتى العسكريين، علما بأنه امضى جل خدماته للزعيم المحبوب، وهنا يفكر بحالة وبحال بالبلد الذي لم يخض أي حروب يظهر بها مواهبه الحربية والقتالية، لكن يأتي: "أحداث الشغب تمنعه من أن ينتقل بسلام كي ينهي معاملة تقاعده" ص71، وتأتي فكرة: "... يرسل للزعيم طلبا لإعادته لوظيفته؟، سيما وأنه قد شغرت منصب كثيرة في الجيش، ولا بد من أن الجيش بحاجة إليه" ص71، وفعلا يتم اعادته إلى قيادة الجيش، ويخوض معركته ضد مثيري الشغب: "وراح ينادي السكان بمكب الصوت، أن يسلموا أسلحتهم ويرشدوا على المسلحين، فقد حان موعد الخلاص منهم.
لم يكمل بلاغه الأول فقد تلقى زخة من الرصاص... فوقع على الأرض مستسلما لعصابة تتوعده بالسحل في شوارع المدينة التي جاء لتحريرها" ص73، " وبهذا تنتهي القصة، فهي تكشف (ضعف وسطحية) قادة الحرب، فما بالنا في الجنود والعناصر!، وأيضا تبين أن النظام الرسمي العربي نظام هش، يمكن لأي حرمة أن تزيله، واللافت أن القاص قدم لنا (الجنرال) بطريقة ساخرة، مؤكدا على (تفاهة/سذاجة) التفكير عند النظام الرسمي العربي.
المجموعة من منشورات كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان الأردن، بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، الطبعة الأولى 2017.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كميل أبو حنيش والرثاء --نيسانُ عادَ و لم تعودي--
- همسات الشلال عيسى الناعوري
- السطو على الرواية في -آيات رحمانية- خالد عطية العشوش
- الصورة واللفظ والفكرة آفاق الجبوري
- اغتسال وعدم تطهر!! في مصيدة الحب خليل ناصيف
- ليالي مصرية، الطاغوت والرجال فخري فايد
- منذر خلف الحاج محمد سؤال أسير
- الرجال والرفض رواية المقاومة الإيطالية إيليو فيتوريني
- محمد حلمي الريشة وتعدد الاشكال
- الشيخ المجاهد عز الدين القسام -بيان نويهض الحوات-
- الأنا والآخر في الرواية الفلسطينية أمين دراوشة
- الروايات في كتاب -وجهك ولا القمر، يافا!-
- الحوار النتي
- مجموعة طريد الظل سعادة أبو عراق
- محمد كنعان
- محمد دلة والبياض غير المتكل.
- محمد داوود في قصيدة -الساعة الآن موت-
- حجم ومضمون القصيدة -نجم شحيح الضوء- كميل أبو حنيش
- الحب في ديوان مناجاة حلم سوسن حمزة داوودي
- مسرحية شجر وحجر إبراهيم خلالية


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مجموعة ليلة العيد سعادة أبو عراق