البطل المأزوم في مجموعة الوادي أيضا أمين دراوشة

رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6532 - 2020 / 4 / 8 - 23:34
المحور: الادب والفن
    

البطل المأزوم في مجموعة
الوادي أيضا
أمين دراوشة
مجموعة قصصية تتكون من ستين قصة، تتراوح حجمها بين أقل من صفحة وصفحتين، وهناك ثلاث قصص جاءت (طويلة): " إنهم لا يحبون البحر،الوادي، الوادي أيضا، النيرفانا" ثلاث وخمس وسبع صفحات، وقد اختار القاص القصة الأطول "الوادي أيضا" لتكون عنوان للمجموعة، من هنا يمكننا القول أن "أمين دراوشة" أسس في هذه المجموعة للقصة القصيرة، وقدمنا من قصة الومضة التي وجدناها في مجموعة "ظل في وجه غيمة" فالشكل وحجم المجموعة عصري، يتناسب وعصر النت والسرعة، ويلبي طموح وذوق متابعي الفيس بوك، لكننا في هذه المجموعة نجد البطل في غالبية القصص مأزوم ويعاني من الضغط والاضطراب، إن كان الراوي يتكلم بصيغة الآخر، أو أن القصة جاءت بضمير الأنا المتكلم.
وهناك علاقة بين مضمون المجموعة وبين الاهداء، إلى أمي... إلى روح الشهيد وليد،...إلى زوجتي التي تحتمل جنوني وهذياني. إلى طفلي وليد" فنجد المرأة في الكثير من القصص، فهي البلسم الذي يشفي البطل من حالة اليأس/الكآبة، وسنأخذ مثلا على هذه العلاقة من قصة
"الرجل الحر" جاء في بداية القصة: "يحمل أفكار غريبة، تجعله منبوذا من الناس، رأيته قبل أيام، فانتقدته على تنقله من عمل إلى آخر" ص5، السرد هنا جاء بصيغة الراوي/القاص الخارجي، وهو يتحدث عن شخص (مختلف) عن البقية، في افكاره وسلوكه، يجري حوار بين القاص وبين هذا الصديق، الذي يقول: "...تكفيني مي، بودي لو أضم رأسها إلى كتفي، وأداعب بأصابعي وجنتيها، وأصغي إلى أغنية رائعة تترنم بها" ص5، فالمرأة هنا تتماثل مع الزوجة التي جاء تتحمل هذيان القاص/أمين وجنونه.
وعندما يستخدم ضمير الأنا السارد نجده أيضا شخص يعاني: "حط هدوء المساء على العالم، فنام الجميع، وبقيت وحدي مستيقظا أبحث عن معنى وجودي.
زحف الليل، فحطت مرارة الموت على روحي" ص7، من هنا نجد البطل هو شخص (غير عادي)، فهو يفكر بطريقة (غريبة)، ويقوم بأفعال (غريبة)، فأين يكمن الخلل، فيه أم في الآخرين؟.
في قصة "إنهم لا يحبون البحر" نجد البطل بهذا الشكل: "...قررت الانتحار فجأة، ألقيت نفسي في اليم، تلقفتني سمكة ملونة، ولطمتني بذيلها الجميل، ثم قامت بحركة غريبة، وخيل إنها تنطق كالبشر.
..ـ أيها المخبول! إن الذي لا يعرف العيش في دنياه لن يعرف العيش في آخرته...لن تستطيع العيش في عالم غير عالمك... أبحث عن امرأة، فما خلقن إلا ليجعلن حياتكم أمرا ممكنا" ص9، بداية السمكة هي انثى، بمعنى أن القاص الذي سرد القصة بضمير الأنا يميل نحو المرأة/الأنثى، ثم أنها حدثته بحكمه عن طبيعة حياة الدنيا والآخرة، وقدمت له دور المرأة وعلاقتها بالرجل، "خلقن ليجعلن حياتكم أمرا ممكنا" وهذا يؤكد على أن الاهداء ينعكس على مضمون القصص وعلى شخصياتها.
ونجد أيضا شخصية القاص "أمين دراوشة" في المجموعة، من خلال حديثه عن الكتابة والقراءة، جاء في قصة "الغد": " لم يبقى مني سوى بقايا إنسان محطم، وشيء صغير ما زال ينبض باسمها، فمنذ رحيلها والملل يعمل بجسدي عمله، أنهض من نومي وقد بللني القلق، لم أعد استطيع فعل شيء، لا القراءة ولا الكتابة، حتى ممارسة الحب. مات شيئا في" ص98، فنجد الاضطراب واليأس، ونجد الكتابة والقراءة أداة التخفيف/الفرح التي يلجأ إليها الكاتب عند الضيق، وتأكيدا على أنه يعاني، يحدثنا عن المرأة، العنصر الثاني للفرح/للتخفيف لم يعد ينفع/يجدي معه.
إذن المجموعة تتحدث عن الألم، عن اضطراب الإنسان، وهذه مواضيع مزعجة للقارئ، وتنعكس عليه سلبيا، فكيف استطاع "أمين دراوشة" أن يمرر هذه القسوة في قصصه؟.
من خلال اللغة الناعمة والسهلة، فاللغة التي جاءت في المجموعة لغة تخفف وتزيل الألم، وكلما كانت الأحداث أكثر دموية وقساوة، نجد القاص يقدم لغة أدبية تتناسب طرديا مع الأحدث، ففي قصة " المجنون ... عائد" والتي نجدها قصة (دموية): "...مريول أخضر ملقى على الطريق، كراسات فتاة ملطخة بالدماء، ورجل أشقر بعينين زرقاوين كالمخمور، وخوذة لا جنسية لها، يصفعني، يخضني بقضبته.
... أشعل النيران بأعواد جافة، تطل الشمس من خلف الغيوم، تمزقها، أرى الأرض الطاهرة تدنو مني، تهبني نفسها، تميل علي مسلمة إياي شفتيها" ص44و45، فاللغة الأدبية هنا كانت بمثابة الماء الذي يطفئ النار، وهذا النمط من اللغة نجده في غالبية القصص، من هنا نقول أن القاص نجح في جذب القارئ لموضوع قاسي ومؤلم، مستخدما لغة أدبية سهلة وجميلة تخفف من قسوة الأحداث.
المجموعة من منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين، القدس، الطبعة الأولى 2001.

#رائد_الحواري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل