أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 1














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 21 - 20:25
المحور: الادب والفن
    


" الحاج "؛ كذلك كان يُعرف الشاب حسن، وذلك في أوان وجوده في الزبداني بمهمة تجارية نيابةً عن الدغلي آغا وبصفته وكيل أعماله. كأنما الحاج حسن، اتفاقاً أو عمداً، لن يعود إلى الزبداني في العام التالي، 1885، إلا واسمه مسربلٌ هذه المرة بلقب جديد: " الزعيم ". حتى الوالد، الحاج حسين، المعروف باسمه فرعُ سلالتهم في دمشق، لم يصل إلى مرتبة زعيم الحي الكرديّ؛ وكانت حتئذٍ محصورة في وجهاء القسم الغربيّ من الحي. قبل ذلك بخمس سنين، حينَ توفي الوالد وكان قد تجاوز السبعين، حل الحاج حسن بمكانه في وظيفته بديوان الوالي.
في مستهل عشرينات القرن التاسع عشر، كان الحاج حسين ما زال غلاماً لا يتجاوز عمره العاشرة لما قدمَ مع والديه إلى دمشق. انبهر بمرأى المدينة المقدسة لدى الكرد، والمعرّفة من لدُنهم ب " شاما شريف "، وذلك بإطلالته عليها من علو الطريق السلطانيّ، المتصل بينها وبين الآستانة مع محطاتٍ كثيرة في العديد من الولايات. وكان ركب عائلته، الملحق بقافلة تجارية، قد ابتدأت رحلته من ولاية ماردين؛ وبشكل أدق، من مقاطعة مازيداغ، الكائنة إلى الغرب منها، أين تستلقي قريتهم بين أقدام الجبل المغطى بشجر العفص، ومنه أخذت المقاطعة تسميتها. بدَوره، عُرف الطريقُ الرئيس ب " السلطانيّ "، كونه يحتفي كل عام بقافلة الحج القادمة من الآستانة، والتي تحط في الشام مع المحمل الشريف قبل أن تنطلق إلى الحجاز صُحبة القوافل الأخرى، القادمة من معظم أنحاء بلاد الإسلام: إمارة الحج، مثلما نمّ إلى علم الفتى حسين فيما بعد، كانت مذ بداية القرن يتناوب عليها حصراً باشاوات من أسر كردية أرستقراطية، سواءً من المقيمين في المدينة القديمة أو في ضواحيها؛ كسوق ساروجة وصالحية الأكراد. ذلك كان، بسبب عجز الكثير من باشاوات بلاد الشام عن حماية قافلة الحج من اعتداءات الأعراب وبالأخص مَن اعتنقوا بدعة الوهّابية، المشنوعة الصيت.
وإذاً، مع وصول الركب إلى دمشق، مرّ نظرُ الغلام على الهضاب الجرداء لقاسيون، الممدودة في سفحه سجادةٌ خضراء من كروم الصبّار، والمتناثرة إلى الأسفل منها منازلٌ متراصة تبدو مثل نمل أسود فوق تلّه المزيّن ببقايا قشور الحنطة. قال له والده، مشيراً بيده إلى تلك الناحية: " إنها صالحية الأكراد؛ ثمة حيث سنعيش لدى أقاربنا ". لكن قبل الوصول إلى وجهتهم، كان عليهم أن يقطعوا سلسلة من القرى المزدهرة، القائمة على طرف الشريط الرمليّ الممهد، مثل دوما وبرزة وحرستا والقابون وجوبر. سيعلم الفتى أيضاً في فترة لاحقة، أن هذه القرى فضلاً عن أخواتٍ لها في الغوطة وبر الشام، كانت في المقابل بحاجةٍ لمن يحميها من عصابات اللصوص وقاطعي الطرق، التي كان معظم أفرادها من الحي الكرديّ.
لن تكف دمشق، يوماً بعد الآخر، عن إثارة دهشة مَن سيغدو مستقبلاً كبيرَ آلنا وعشيرتنا. إذ لم يعرف في موطنه الأول، النائي بعيداً عن المدنيّة، سوى الجيران النصارى مع بعض الروم الملتزمين جمع الضرائب من الفلاحين، فإنه هنا سيلتقي في شوارع وأسواق دمشق بمختلف الملل والنحل: الأتراك، المتبخترين بأزيائهم العسكرية؛ المغاربة، ذوي الوجوه المتجهّمة والقلوب الصافية في آنٍ معاً؛ النصارى واليهود، الوجلين الهيّابين، مع أبناء دينهم الآخرين من بنادقة وروم وإغريق وغيرهم؛ علاوة بالطبع على أبناء قومه الكرد، بهيئتهم الجبلية المألوفة، المثيرة حذر وريبة الشوام.

***
" ها إنك تعرفت على الشام الشريف، وما عليك الآن إلا أن تصبح أحد رعاياها. لن يكون ذلك بمقدورك، سوى بنهل العلم ومن ثم نيل وظيفة محترمة. لا أراض زراعية لنا هنا، ولا نعرف حرفةً. أما في حالة أخرى، فإنّ أمامك سبيل الانضمام لإحدى العصابات! "، أعطاه والده هذا الدرس الأول بعد نحو شهر من إقامتهم بين ظهراني أقاربهم في الحي. في الأثناء، كانت الأسرة قد استقرت في منزلٍ لا ميزة فيه غير مساحته الكبيرة مع بعض أشجار اللوز، المكتسية بحلّة بيضاء في هذا الوقت من الربيع. في واقع الحال، أنّ بقية بيوت الزقاق كانت من هذا الطراز، وكما لو أنّ أصحابها حملوها معهم من مواطنهم في الجبل المغطى بأشجار العفص. بيد أنّ أسراً أخرى، وجدت هنا أو ستظهر في فترة تالية، كانت تنتمي لمناطق أخرى في كردستان، وبالتالي، لعشائر مختلفة؛ الآله رشية، الحسنية، الإيزولية، الدقورية، الملية.. وغيرهم. لكن هؤلاء وأولئك، كانوا يشتركون بالطبع بأشياء متماثلة؛ كاللغة والديانة واللباس وطريقة العيش وربما العقلية أيضاً.
حسين، الفتى النقيّ السريرة والملحوظ الذكاء، شاء العمل بنصيحة الوالد وأن يتكيّف مع المدينة كي يصبح أحد أبنائها فعلاً لا قولاً. اتجه لنهل العلم في المدرسة الركنية، الكائنة في القسم الغربي من الحي، المعروف بالحارة الجديدة أو الأيوبية. وكان ثمة في المدرسة علماء أجلاء، ذاع صيتهم في الشام كلها، بحيث أن الشهادات الدراسية المختومة بأسمائهم تعد مقبولة لدى الدولة في حال التقدم لوظيفةٍ من الوظائف. منذ استهلاله الدراسة، تفوق على بقية زملائه وذلك لكونه بالأساس ابن رجل دين، حظيَ من خلاله بتعلم العربية قراءة وكتابة إلى حفظ الكثير من سور القرآن وبعض الأحاديث ونتفٍ من السيرة النبوية. مكانة الأب الدينية، انتقلت إليه بعد عقد من الأعوام، ما رتّب عليه نيل مكانة سامية ليسَ في العشيرة حَسْب، بل وأيضاً في الزقاق والحارة. قبل أن يصل لذلك المستوى الرفيع، زوّجه والداه في حياتهما من فتاة، تُدعى " أمّو "، تنتمي لفرع آخر من العشيرة: فيما سلَفَ من السيرة، عندما تعرفنا عليها بدَورنا، كانت تلوح مثل المسترجلة؛ إن كان في حياة رجلها أو بعد رحيله. بيد أنها في مستهل ثلاثينيات ذلك القرن، كانت ما تفتأ أشبه بالطفلة بأعوام عمرها الأربعة عشرة؛ وقيل أنها امتلكت جمالاً جذّاباً دونَ أن يلوح عليها، في المقابل، أنها ستكون مستقبلاً شديدة البأس والمراس.

* مستهل الفصل السابع/ الكتاب الثالث، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل السادس
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل السادس
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثاني
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 1