أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6426 - 2019 / 12 / 2 - 05:05
المحور: الادب والفن
    


وقفتا في ظلال الأشجار، المهيمنة بظلالها على الدرب، بينما أصوات الموسيقى تأتيهن عن بُعد مع تقدم الموكب إلى ناحيتهن. كان المكان أكثر اكتظاظاً بالمتفرجين، لأنه يُشكل جزءاً من ميدان البلدة الرئيس، ثمة أينَ تقوم مبانٍ رسمية مثل البلدية والدرك. من ذلك الموقف، كان يبدو أيضاً جانبٌ من المحطة الخاصة بعربات السفر ( الدليغانس )، المخصصة لنقل المتنزهين الموسرين من المدينة ذهاباً وإياباً، وكانت رائحة روث خيلها تزكم الأنوف لو مرّ المرءُ بإزائها مباشرةً. وجود أديبة، كان يلفت إليها الأنظار؛ هيَ المتفرّدة بين الإناث الحاضرات بالملاءة السوداء، المرهقة جسدها المُعاني أصلاً من حر الظهيرة برغم النسيم الجبليّ، المتسلل إليه في الزحام. لكن نظرات أحد الرجال كانت لا تفارق تقريباً الفتاةَ الغريبة، ابنةَ الآغا، التي غدت معروفة من لدُن الأهالي بسبب طول إقامتها وذويها بين ظهرانيهم.
تصاعد دويّ الطبول، المرافقة للفرقة الموسيقية، وذلك مع ظهور طلائع الموكب من أعلى الدرب باتجاه الميدان، وما لبث أن لاحَ أشبه بسرادق ضخم، متنقل، مترع بشتى الألوان. تقدم القساوسة أولاً بملابسهم الفاخرة، وقد حمل بعضهم الصلبان، المتألقة فضتها تحت أشعة الشمس، فيما البعض الآخر لوّح بالمباخر المشتعلة أو بإيقونات القديسين ذوي الوجوه المنطفئة. ثم هيمنَ تمثالُ المسيح على المشهد، وكان محمولاً على سدة خشبية من قبل أربعة رهبان، بينما بقية زملائهم قد ساروا بهيئة متواضعة وقد دس كلّ منهم يديه داخل أكمام ردائه القاتم، تتمتم شفتاه بالصلوات دونَ كلل. من وراء الرهبان، سارَ رجالٌ بأسمال خلِقَة وممزقة، وكانوا يضربون ظهورهم بأدوات حديدية تنتهي بسلاسل دقيقة وهم يبكون ويتضرعون. هؤلاء، بهياجهم المسعور، كانوا عادةً مَن يزلزلون سكينة الموكب ويثيرون حماسة العامّة نصارى ومسلمين على حدّ سواء. فإذا بصراخ الأخيرين يطغى على أصوات نادبي استشهاد المسيح، ثم يختلط أفرادهما بعضهما ببعض في مهرجانٍ رهيب، فيستدعي ذلك تدخل عناصر الدرك قبل أن تعصف الفوضى بكل شيء. هنا، أفلتت أديبة يدَ المربية. لقد جعلهما الهياجُ تتراجعان إلى الخلف مع باقي النساء، وما لبثتا أن ضاعتا الواحدة عن الأخرى.

***
آخر مشاهد الموكب، كانت تختفي عن عينيّ ابنة الآغا حينَ شعرت بيدٍ رجولية تقيض على يدها وتشهدها من غمرة الزحام والفوضى: ذلك كان سليم، وكيلُ والدها، المكلّف بحمايتها في أوان خروجها إلى البلدة أو الأماكن الأخرى. لكنه اليوم كان يقوم بالمهمة خفيةً عن عينيّ المربية، مكتفٍ بالمكوث في الأركان النائية وتحيّن الفرصة المناسبة. نفس هذه المهمة، أداها العام المنصرم في ذات المناسبة الدينية، وكانت علاقته بابنة مخدومه قد انتقلت من التلميح إلى المكاشفة.
التحمت الأيادي العاشقة، إذن، وكان ثمة وقتٌ كافٍ للأقدام أيضاً كي تمضي في جولةٍ باتجاه السفح، المشكّل إحدى بقاع هذا الفردوس الأرضيّ. لون السماء أضحى أكثر صفاء، يمرق منها شعاعُ الشمس بلطف عبرَ الظلال وبرودة النسيم الجبليّ، ليمسّ في رقة رفوفَ الأزهار البرية، التي باتت بلون الذهب. الكهوف، المنقورة في الجبل، وأغلبها كان مأوى النساك في العصور الخوالي، كأنما كانت عيونٌ تلقي نظراتِ الحنين إلى موكب سيّدها الشهيد، وأفرع الأشجار أيادٍ تمتد بالزهور كي تضعها تحت قدميه العاريتين علّهما تتخففان من حصى درب الجلجلة.
" عليّ العودة بسرعة إلى المنزل، وإلا سيقع البلاء على رأس الخالة آمنة "، قالت لحبيبها وهيَ تنهض على قدميها.
" اطمئني، فهيَ لن ترجع بدونك وستبقى تدور في دروب البلدة بلا هدى "، عقّبَ سليم مبتسماً. ثم أضاف، " كما أنّ والدك وامرأته في ضيافة محمد آغا، ولا يد أنهم الآنَ على سفرة الغداء ". بينما كانت الكلمات ما تفتأ على لسانه، انحدرت هيَ برشاقة بين الصخور الناتئة والشجيرات المتهالكة أغصانها إلى جانب، وراحت تطلق لحناً سعيداً من حنجرتها. بقيَ واقفاً للحظات، يتأمل حبيبته البهية تتنقل بقفزاتٍ خفيفة على الأرض الوعرة، ثم ما عتمَ أن لحق بها في خطى سريعة ـ كما طائر جارح، يُطارد ظبياً صغيراً بلا حول.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3