أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6425 - 2019 / 12 / 1 - 15:49
المحور: الادب والفن
    


مثلما سبقَ وذكرنا، كان الرجل الدمشقيّ الموسر يُعالج ضجر امرأته بين جدران المنزل، وذلك بقضاء بعض الوقت في المصايف. وهذا محمد آغا، يظهر على حين فجأة في مزرعته، وكان جيرانه قد نسوا أمره لنحو خمسة أعوام. وإننا نتكلم تحديداً عن جاره، رمضان آغا، المستقر في الزبداني طوال تلك الفترة؛ بحيث أنه، بدَوره، كاد أن يسلوَ مسقط رأسه. إنه نفسه، لا يدري كيفَ اندمج في حياة الريف وابتعد شيئاً فشيئاً عن فكرة العودة إلى دمشق، مكتفياً كل آونة بمحاولة استخراج ذكرياتها ـ كما يفعل صيّادُ السمك في مياهٍ ضحلة لا رجاء فيها.
على ذلك، لم يكن متحمساً لخبر وصول الصديق القديم، كما كان قد توقعه وكيلُ أعماله. وكان سليم مَن نقل لسيّده الخبرَ، في عشية يوم وصول محمد آغا للبلدة، موضحاً من ثمّ بطريقته في تحري الأشياء: " الصيف لم يبدأ بعدُ، ما يعني أن الآغا لديه غرضاً آخر غير النزهة ". لما لحظ زهد السيّد بالأمر، أتى بحركة من عينيه توحي بالاستكانة والإذعان. لكنه في المقابل، لم يكن يجهل أن رمضان آغا كان مؤخراً مشوّشَ الذهن في أمر منغّص: امرأته، لم تظهر عليها علامات الحبل برغم مرور سنوات على زواجهما. مع كون دافيد أفندي، الطبيب، قد طمأنه طوال تلك الفترة بأنها ما تفتأ صغيرة السن، مؤكداً أيضاً أفضلية إنجاب المرأة وهيَ فوق العشرين من أجل صحتها بالدرجة الأولى.

***
شخص آخر، كان يُشارك الآغا في همّه؛ إنما من ناحية مختلفة. كانت أديبة أكثر وعياً من سنّها، سواء لذكائها أو لتأثير مربيتها. هذه الأخيرة، غذّت الصغيرة بفكرةٍ مستطيرة، وهيَ أن إنجاب الآغا لولد ذكر سيجعل نصيبها في الميراث بخبر كانَ. وكانت آمنة قد ردت أول مرة على حجّة ربيبتها، بكونها تملك أوراق ملكية إرث والدتها، قائلة: " على رسلك، يا عزيزتي. أنتِ الآن الابنة المدللة لأبيك، لذلك تبدين واثقة من نفسك. حين يأتي الوريث الحقيقيّ، الذكرُ المأمول، لن تعودي بنظرهم أكثر من قطعة أثاث جميلة ينبغي الحفاظ عليها لحين أن يأتي شاريها! "
" بغض النظر عما تقولينه بشأن الابن المأمول، لكنه يرث أبيه وليسَ أرملته "
" عجباً، كيفَ تأتى لك العلم بهذه المسالة، وأنتِ لم تدخلي مدرسة أو تختلطي بالناس؟ "، تساءلت المربية في دهشة. داعبت الصغيرة شفتها السفلى بأصابعها، ولاحت كأنها ما تنفكّ تسمع صوتَ داخلها حَسْب. ما لم تكن تعلمه المربية، ولا خطرَ لها ببال، أن ثمة شخصاً تعهّد وظيفة المعلّم لابنة الآغا؛ وإن كان ذلك بصورة خفية، مطبقة السرية.

***
صرامة المربية، ووضعها لابنة سيّدها في مجال المراقبة طوال النهار تقريباً، لم يحُل وهذه الأخيرة من فرصةٍ تتحيّنها، بين فينة وفينة، للانطلاق على سجيّتها وبروحٍ مفعمةٍ توقاً إلى الحرية. في بادئ الأمر، كانت تجدُ في " العم سليم " بديلاً للأب، المشغول عنها بشؤونه الخاصّة. مع دخول امرأة الأب إلى المنزل، صارت الغيرة تنهش باطن مَن كانت طفلةً بأعوام عُمرها العشرة.
تكر الأعوام، ويبدأ جسدُ أديبة بالنضوج وملاحتها تزداد. تم حجبها منذئذٍ عن العالم الخارجيّ، اللهم إلا مشاوير محددة نادرة لسوق البلدة، كانت ترافق فيها مربيتها وبحماية وكيل أعمال والدها. في أثناء تلك الجولات، كانت الفتاة تنظر بحسد إلى نداتها من بنات النصارى، اللواتي تتألقُ الواحدة منهن كأميرة ولو بأبسط زينة وهيئة. كانت تفكر عند ذلك، متحسرة: " ما نفع جمالي، بل ما قيمة ملابسي الثمينة أيضاً، ما دمتُ مخفيةً تحت هذه الملاءة السوداء، الكئيبة والقبيحة! ".

***
في ذلك الربيع، الشاهد على قدوم محمد آغا إلى البلدة، احتفل مسيحيوها بعيد الفصح في مهرجان حافل، أعاد للأذهان ما كانوا يتمتعون به من حرية في زمن إبراهيم باشا المصريّ. يبدأ الاحتفال بالجمعة الحزينة، وفي خلاله يخرج من الكنائس موكبٌ طويل يتألف من الخوارنة والقساوسة، بمسوحهم الجميلة والصلبان الفضية بأيديهم، يتبعهم رهبان وراهبات في هيئة متواضعة يحمل بعضهم تمثالاً كبيراً للمسيح وعلى رأسه إكليل الشوك وكأنما في طريقه إلى الإعدام صلباً. كل ذلك، وسط عزف فرقة موسيقية لألحان شجية مع صلواتٍ بأصوات عالية لأفرادها، المتشحين بلون الحِداد الأسود.
كانت أديبة ثمة، وهيَ من أجبرت المربية على مرافقتها إلى البلدة بعدَ طول جدل منذ الصباح الباكر. ففي العام الماضي، لقيت هذه الأخيرة تعنيفاً قاسياً من والد الفتاة، بسبب إذعانها لإرادة الابنة الطائشة بالخروج لمشاهدة الاحتفال. وكانت حجته، الخشيَة من حصول قلاقل لو شاء بعض المسلمين المتعصبين التعبيرَ عن غضبهم باستعمال القوة. وها هما يقفن مجدداً على ناصية الدرب الرئيس في البلدة، انتظاراً لمرور الموكب على وقت الظهيرة. كانت أديبة تترقبُ مشهداً مثيراً، ألِفَته في المرة السابقة حينَ حضرت فيها الاحتفال، وذلك بغيَة الإفلات من يد الخالة آمنة، الممسكة بيدها في حرص.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 2


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2