أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الخاتمة















المزيد.....

ليلى والذئاب: الخاتمة


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6418 - 2019 / 11 / 24 - 16:25
المحور: الادب والفن
    


بعد رحيل نازو بعدة أشهر، حملَ أحدُ الحجاج رسالةً إلى عليكي آغا الكبير، بعثها أخوه من مكان إقامته الجديد في مازيداغ. الحاج، وهوَ من آل لحّو، قال في نهاية الزيارة أنه مستعد بكل سرور لنقل جواب الرسالة في حال عودته سالماً من الحج. سذاجة الرجل، جلبت ابتسامة المضيف مع فكرةٍ دارت في رأسه: " أكنتُ مثل هذا الرجل القرويّ، لو أن الحظ لم يقُد والدي إلى الشام؟ ". لكن ابتسامته لم تعمر طويلاً، غبّ قراءته الرسالة. لم يكن ذلك لخبر سيء، يتعلق بمقام أسرة المرسل في الوطن، وإنما لرغبةٍ أبداها هذا في معرفة تفاصيل ولادة ابنته نازو وأحوالها مع زوجها. أمكنَ صرفُ نظر الضيف عن موضوع نازو، بالزعم له أنها موجودة في داريا عند أقارب زوجة عمها، بغيَة قضاء جانب من الصيف في ربوعها الجميلة.
فكرة أخرى، جعلت الأخ الملول يتنهد في حسرة، وكانت متواشجة أيضاً مع الرسالة. امرأته، وكانت قد لازمت ابنة أخيه المريضة في خلال الأيام الحرجة، السابقة لوفاتها، قد تكلمت عن كوابيسٍ كانت تقتحم نومَ المريضة، الأشبه بالبحران الملازم للمصاب بالحمّى.
إن نازو حلمت، ذات أصيلٍ، أنها تسيرُ في طريق معتم، ينعكس فيه مع كل خطوةٍ صورُ نجوم السماء وكما لو أن الطريق مغمورٌ بمياه ساكنة. ثم ظهرَ على الأثر حاجي، ليقول لها أن ثمة مَن يحمل رسالة من أبيها ويرغب بتسليمها لها باليد. قادها من يدها، وكما لو كانت ضريرة، أو أنه رغب بمساعدتها لتعرف طريقها وسط العتمة. طوال الطريق، كانت تبصرُ على الجانبين مخلوقاتٍ غريبة مشوهة الأشكال. ثم انهمر الثلج على حين فجأة، بحيث أن بياضه شع على المشهد جميعاً وأخفى تلك المخلوقات. يتوقف الثلج، والبقع الكبيرة منه المتجمعة تحت الأشجار، كانت تلوح كأكفان بيض محشوة بالموتى. إلى أن بدا المكان أكثر إلفة، وكذلك أناسه. اندفع عندئذٍ طفل صغير، رأسه هالة شقراء، بحيث حسَبَتْه لوهلةٍ أنه بنت. قالت لرفيقها، " كم يُشبه شقيقتي كَوْري ". كان الصبيّ بالكاد يتمكن من المشي. لكنه اندفع لملاقاتها، منادياً باسمها، وكأنما يعرفها حق المعرفة. ثم إذا به يتعثر بسبيل الماء، الكائن عند مدخل الزقاق. لما رفع رأسه، صارخاً من الألم، كانت عينه اليمنى مغطاة بالدم. هتفَ حاجي، فيما كان يحدجها بنظرة اتهام: " راحت عين شقيقكِ..! ". تسأله في ارتياع، عن أي شقيق يتحدث، فيجيبها مع إيماءة من رأسه إلى ناحية مظلمة، بدت فيها أشباحٌ منطلسة المعالم: " لقد أنجبته أمك في غربتها، وذلك غبّ مجيء طفلتكِ ليلو! ".
في ذلك الأصيل، لم تتمكن المريضة من إكمال رواية كابوسها؛ بحَسَب إفادة امرأة العم. ثم أضافت هذه، أن ذلك حصل نتيجة نوبة سعال أمسكت بالمريضة، أعقبها تشنجٌ شامل في أطرافها.

***
لكن ماذا ورد في الرسالة تلك، لكي يعتبر عليكي آغا الكبير أنها تفسّر نوعاً ما كابوسَ الابنة الراحلة، المرويّ على لسان امرأته؟ هذا ما سنقرؤه فيما يلي:
" قبيل ولادتها، حلمت امرأة أخيك أكثر من مرة أن ابنتنا أنجبت فعلاً سميّتها الصغيرة، ليلو؛ الحفيدة المأمولة. من ناحيتنا، رزقنا الله بصبيّ بهيّ، يُشبه بشكل لافت شقيقته كَوْري، وكان متمتعاً بالصحة وما زال. حامل الرسالة، وهو من أبناء القرية، حُمِّلَ إلى ذلك بتوصية من ليلو في أن يرى بنفسه حفيدتها حينَ يكون في ضيافة نازو. أنتَ تعلم قلب الأم؛ الوساوس والهواجس، التي لا تهدأ قليلاً سوى لتنبعث لاحقاً بقوة أكبر!
" عن أعمالي، أخبرك بأن الله وفقني في فتح متجر كبير ضمن سوق ديريك مازيداغ، وكان ذلك بفضل المال الوفير، الذي وهبتني أنتَ إياه إبّان فترة عزمي على الرحيل. ديريك، وأظنك سمعت عن وصفها من أحد الأقارب، بلدة جميلة شبيهة الشام لناحية طبيعتها؛ جبالها وأنهارها وغوطتها. إنما هناك، وفي المنطقة كلها بشكل عام، الحالة الاجتماعية أكثر انسجاماً، الفقير والغني أو المعلم والأجير ـ كما شاءت حكمة الإله الطيب، أن يكون جوف المقبرة واحداً لبني البشر لا فرق بينهم لناحية الوجاهة والأصل.
" لعل والدنا أيضاً، كان يحس بالقلق بالنسبة لطريقة استقبالنا في الوطن وكذا بشأن منزلنا وأملاكنا. لذلك أود أن أطمأنه من هذه الناحية، إلى أننا استقبلنا بحفاوة وكرم ومحبة، كذلك فإن أقاربنا هم من دلونا فوراً إلى منزلنا وكان مهجوراً. أراضينا، في المقابل، كانت فيما مضى تتم فلاحتها، وكان مَن يقوم على ذلك أبناءُ العمومة حرصاً على التربة، كما قالوا، من أن تفسد كلياً مع مرور السنين. لم أطلب منهم أي حساب عما مضى، بل حثثتهم على مواصلة العمل بزراعة أرضنا لقاء جُعالة محددة في كل موسم، وبالطبع بعد حسم ضريبة الزكاة والمصاريف الأخرى.
" الأولاد، كانوا قد عبّروا عن بهجتهم لدى وصولنا نهاراً إلى بلدتنا. لكن ما أن حل الظلام، إلا واندفعوا للصراخ مطالبين بالعودة إلى الشام! وهم على هذه الحالة منذ ذلك اليوم، فلم يندمجوا في حياة الريف. بين فينة وأخرى، أجعلهم يخمدون قليلاً من ذكريات الشام وذلك بالسفر إلى ماردين.
" أتمنى أن تكون أسباب الخلاف مع الحاج حسن قد زالت، بما أننا، سببُهُ، صرنا في مكان ناء! فأود أن تقرئه سلامي، هوَ وأسرته وكل أفراد آلنا.
أخيراً، لدي خبر مزعج، يتعلق بصديقنا حمّوكي. لقد أوقفه رجال الجندرمة، وذلك حين كنا قد غادرنا حلب وفي الطريق إلى ماردين. تعرف عليه أحدهم، وكان معه في الخدمة العسكرية سابقاً. برغم أن حمّوكي يحمل أوراقاً شخصية، تثبت أنه مقيم في دمشق، إلا أنها مسجلة باسمه الحقيقي. لا أدري ما يكون مصيره، لكنه الآن قد طعن بالسن ولا أظنهم سيعيدونه للخدمة أو يقدمونه للمحكمة العسكرية. بأي حال، عليك إخبار حمّاد بالأمر كي يكون في الصورة ".
في ختام الرسالة، كان ثمة تحيات للوالد والسؤال عن صحته وأشياء من هذا القبيل.

***
سيرتنا أيضاً، وصلت ختامها فيما يخص بطلتنا، ليلو، لناحية نشأتها في الشام ولغاية رحيلها مع أسرتها إلى الوطن. أما بشأن مصيرهم ثمة، في بلد الأسلاف، فإن على القارئ الصبرَ إلى أن يحين الوقتُ الملائم لسرد ذلك؛ وهذه المرة، مع قيام امرأة أخرى بعبء البطولة. ربما قطنَ القارئ النبيه، على ما أرجو، إلى أنني أشير إلى جدّتي لأمي: ابنة ليلو الوحيدة، التي بقيت على قيد الحياة بين شقيقاتها، ومَن كان لي الحظ بالاستماع إلى حكاياتها، ليلة تلو الليلة، هناك في منزلها بالحارة العليا.
لكن ليسَ قبل التعريج على الجزء الخاص بعائلتنا من ناحية الأب، التي سنروي من خلالها الأحداثَ، غالباً، في نفس زمان ومكان هذا الجزء المنقضي للتو.

* يليه الكتابُ الثالث من هذه السيرة السلالية ـ الروائية، وعنوانه " سارة في توراة السفح "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 1
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل التاسع
- ليلى والذئاب: الفصل التاسع/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل التاسع/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الثامن/ 5


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الخاتمة